مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-08-01

سلاح الخدمات الطبية في الجيوش.. عناية ورعاية فـي ساحــات المعــارك

يعد الطب من العلوم الحديثة في المضمون وطرق العلاج، وهو يتطور على الدوام ليجاري التطورات الحديثة في التكنولوجيا العسكرية.غير أننا لا يمكن أن نغفل أن البذور الأولى لهذا العلم تعود إلى فترة ليست بالقريبة، إذ يمكن أن نعود إلى أكثر من ألفي عام، حيث يقال إن الملك فيليب المقدوني 282-236ق.م، هو من أول أنشأ وحدات الهندسة والطب في الجيش. 
 
إعداد: تامر ياسر فياض
 
وإن كان مفهوم تقديم الخدمات الطبية في الميدان موضع اختلاف بسبب التباين في قدرات الجيوش، والتطور المستمر في مستوى الخدمات الطبية التي يتم تقديمها لمصابي الحرب، والزيادة المستمرة في القدرة التدميرية للأسلحة.
وقد أسهمت الحروب في تطوير علم الجراحة وتقديم الإسعافات الأولية التي تنقذ حياة المقاتلين. وربما كان  دومينيك جين لاري، جراح نابليون الشهير، من أهم الأشخاص الذين أسهموا في تطور جراحة الحرب، حيث قام بوضع الأسس الأولية للطبابة العسكرية من خلال إقرار مبدأ الإخلاء السريع للجرحى في المعارك. وهو أول من وضع الفرق الجراحية في مناطق متقدمة في الميدان من أجل تقديم الخدمات الطبية للجرحى بأقصى سرعة ممكنة.
 
وكانت الحرب العالمية الثانية مسرحاً لتطبيق التجارب التي وضعتها نظرية البارون دومينيك جين لاري، حيث تم تطبيق الإخلاء السريع للجرحى، والدفع بالجراحين إلى الصفوف المتقدمة. وقد قام الدكتور مايكل دبغي، وهو أمريكي من أصول عربية، بتأسيس وحدات جراحية متنقلة تعمل في مستشفى ميداني يكون قريباً من منطقة القتال خلال الحرب العالمية الثانية، لتوم بإسعاف الجرحى والمصابين وتقدم الخدمات الطبية للمحتاجين عندما تقتضي الحاجة. 
وقد اعتمد الجيش الأمريكي هذا المبدأ الذي أعطى نتائج باهرة، الأمر الذي جعل قيادة الطبابة العسكرية الأمريكية تكرم الدكتور دبغي وتمنحه وساماً من أرفع الأوسمة الأمريكية.
 
وقد أبدت الوحدات الجراحية الأمريكية المتنقلة خلال الحرب العالمية الثانية مرونة واستجابة عالية للحركة مع القطعات العسكرية، وقامت بتقديم خدمات عالية الجودة، الأمر الذي أسهم في تقليص نسب الوفيات بشكل كبير.
وفي عام 1950، ومع بداية الحرب الكورية حملت الوحدات الجراحية المتنقلة اسم "مستشفى الجيش الجراحي المتنقل" Mobile Army Surgical Hospital، وعرفت اختصاراً بـ MASH.
 
غير أنه في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وخلال الحرب الفيتنامية وما شهدته من مفهوم حرب العصابات، حدث تغير واضح في مفهوم استخدام المستشفيات المتنقلة، وحدثت تطورات كثيرة في وسائل الإخلاء والتقنيات المستعملة لإنقاذ الحياة، حيث تم استخدام الإخلاء الجوي أو البري، الأمر الذي أدى إلى تراجع دور مستشفيات الميدان المتنقلة.
 
وفي عام 2005 أغلقت الولايات المتحدة الأمريكية آخر مستشفى متنقل يعمل لخدمة الجيش، وإن كان قرارها هذا لم يُلغِ دور لمستشفيات الميدان المتنقلة؛ نظراً إلى أن حالات الكوارث والحروب التقليدية لا تزال تتطلب وجود هذا النوع من المستشفيات.
 
كان عدد الجنود الذين يلاقون الموت في الحروب القديمة بسبب الأمراض المعدية وتلوث الجروح أكثر من الذين يلاقون حتفهم خلال المعارك، بسبب غياب الوقاية الصحيحة، وضعف الخدمات الطبية. ولم تكن هذه المشكلة كبيرة في ذلك الوقت نظراً إلى توافر القوة البشرية وسهولة استبدالها. 
 
غير أنه مع وجود الجيوش النظامية التي تتلقى كماً كبيراً من التدريب، ونمو الإحساس بالمسؤولية الإنسانية تجاه المقاتلين ظهرت الحاجة الماسة إلى العناية الطبية بأي فرد، سواءً كان مدنياً أو عسكرياً، وهذا ما جعل دساتير الدول جميعاً تنص على قيمة حياة البشر.
 
وقد قامت الفلسفة العلاجية للإصابات في الجيوش العصرية الحديثة على أن يشفى المصابون ليعودوا إلى وحداتهم بأسرع وقت ممكن، من خلال العلاج في المراكز المتقدمة أو النقل إلى المستشفيات التي تؤمن علاجاً أفضل. وقد أسهمت العقاقير الحيوية المضادة  ومستحضرات التخدير وطرق نقل الدم في المحافظة على الإصابات في حالة استقرار حتى يتم لها العلاج الكامل.
 
وتعد الخدمات الطبية المدربة في أي جيش مسؤولة عن العناية بالجرحى والمصابين حتى يشفوا تماماً، فيما تتركز المساعدة الأولية على ما يقدمه المقاتلون لرفاقهم المصابين، وتسهم التدريبات على الإسعافات الأولية التي يتلقاها أفراد الجيش في تسين فرص الإفادة من الإسعافات الأولية وتخفيف الخسائر البشرية.
 
وتحتاج مهنة الطبيب العسكري إلى مؤهلات أخرى غير مؤهلاته الطبية المدنية، فهو يجب أن يعرف كيـف يستخدم مهاراته العلاجية في الميــدان بمعدات قــد تكون محدودة للغاية، ولذا يــزود الطبيب عسكري بالتدريب الإضافي اللازم لتأهيله للقيــام بالمهــام الخاصة في أثناء المعركة وفي الخدمة العسكرية بوجــه عام.
 
إن أهم ما يتلقاه الطبيب العسكري من تدريب هو القدرة على العمل ضمن التنظيمات العسكرية، واكتساب التكتيكات الأساسية التي تساعده على اتخاذ القرارات التي تناسب كل حالة، وتحريك مراكز الإسعاف وعربات الإسعاف الميدانية والمستشفيات الميدانية والوسائط الطبية الأخرى. كما يتدرب الأطباء العسكريون على التعامل مع مشكلات إخلاء الإصابات من ساحات القتال ووسائله، ويجب أن يمتلك طبيب الوحدة العسكرية الخبرة الجراحية التي تساعده على إتمام مهمته بنجاح، وكذلك التعامل مع الأمراض غير المألوفة.
 
اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى
اعتمدت اتفاقية جنيف في المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب، الذي عقد في جنيف في صيف سنة 1949، ووضعت الاتفاقية موضع التنفيذ في أكتوبر 1950. 
وتنص المادة الثانية عشرة من الاتفاقية على أنه يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة. ويحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم، ويجب على الأخص عدم قتلهم أو إبادتهم أو تعريضهم للتعذيب أو لتجارب خاصة بعلم الحياة، أو تركهم عمداً دون علاج أو رعاية طبية، أو خلق ظروف تعرضهم لمخاطر العدوى بالأمراض أو تلوث الجروح. وتقرر الأولوية في نظام العلاج على أساس الدواعي الطبية العاجلة وحدها.
 
وعلى طرف النزاع الذي يضطر إلى ترك بعـــض الجرحى أو المرضى لخصمه أن يترك معهـــم، بقدر مــا تسمح بــه الاعتبارات الحربية، بعض أفراد خدماته الطبية والمهمات الطبية اللازمــة للإسهام في العنايــة بهم.
بينما تنص المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية على أن الاتفاقية تنطبق على:
1. أفراد القوات المسلحة التابعين لأحد أطراف النزاع، وكذلك أفراد المليشيات والوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.
2. أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج الإقليم الذي ينتمون إليه، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً. 
3. أفراد القوات المسلحة النظامية الذي يعلنون ولاءهم لحكومة أو لسلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4. الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين.
5. أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.
6. سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو، لمقاومة القوات الغازية، دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً، وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها.
ونصت المادة التاسعة عشرة من الاتفاقية على أنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المنشآت الثابتة والوحدات المتحركة التابعة للخدمات الطبية.
ونصت المــادة الخامسة والثلاثين من الاتفاقيــة على أنه يجب احترام وحماية وسائل نقل الجرحى والمرضى أو المهمات الطبية شأنها شأن الوحدات الطبية المتحركة.
وتنص اتفاقية جنيف على أن تكون الشارة المميزة للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر هي وسيلة التعرف بشكل عام على أفراد الخدمات والمعدات الطبية. كما تقضي اتفاقية جنيف الثانية السارية على ضحايا النزاع في البحر أن يكون اللون الأبيض هو طلاء الأسطح  والمراكب الأصغر حجماً المستخدمة للأغراض الطبية. وتوصي هذه الاتفاقيات بأن يستخدم أطراف النزاع أحدث الوسائل لتسهيل التعرف على وسائل النقل الطبية في البحر، وبأن تحمل الطائرات الطبية. بشكل واضح الشارة المميزة والأعلام الوطنية الخاصة بها على أسطحها السفلية والعلوية والجانبية, إضافة إلى ضرورة تزويدها بأية علامات أو وسائل تعرف أخرى قد يكون تم الاتفاق عليها بين أطراف النزاع المسلح عند نشوب القتال.
 
سلاح الخدمات الطبية الإماراتي
يحتفل سلاح الخدمات الطبية في القوات المسلحة الإماراتية بعد ثلاث سنوات بيوبيله الذهبي، ففي السادس والعشرين من فبراير من كل عام يحتفل "سلاح الخدمات الطبية" بـ "يوم الوحدة".
وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، قد أولى الرعاية الصحية لأفراد الجيش اهتماماً كبيراً، حيث تعود نشأة العيادات الخاصة بالقوات المسلحة إلى 15 يناير سنة 1966، فقد بدأت بعيادة صغيرة في معسكر لواء الظفرة «معسكر آل نهيان - آنذاك»، وأخرى بمدينة العين «مركز تدريب الأغرار»، وكانت بمنزلة مستشفى ميداني، ثم تم افتتاح مستشفى الميدان الثاني في معسكر الفلاح.
وفي عام 1979، تم افتتاح مستشفى زايد العسكري الذي مثل افتتاحه البداية الحقيقية للخدمات الطبية. وفي العام نفسه شكلت أول سرية ميدان طبية لتعمل مع الوحدات المقاتلة، ووصل عدد تلك السرايا الطبية إلى أربع  في عام 1980. وفي عام 1983 تم تشكيل فريق جراحة الميدان المتحرك.
 وفي عام 1986 تم تسلم مدرسة الخدمات الطبية التي مثلت رافداً كبيراً للقوات المسلحة، حيث تقوم المدرسة بتأهيل الكوادر الطبية من الممرضين والفنيين.
وفي عام 1991، تم تشكيل كتيبة الميدان الطبية الأولى لتكون مشرفة على كل السرايا الطبية الملحقة بالتشكيلات العسكرية المرتبطة بالقوات البرية.
وقد حصل مستشفى زايد العسكري على الاعتماد الدولي من قبل اللجنة الدولية المشتركة لاعتماد منظمات الرعاية الصحية في يونيو عام 2011. 
وتبلــغ نسبــة التوطـين في القطاع الصحي العسكــري 51 %، وتتمتع الخدمات الطبية العسكرية بأرقى المعايير الصحية العالمية والتخصصات الطبية المتميزة. 
 
وتفخر القيادة العامة للقوات المسلحة بالكوادر المواطنة التي تم تأهيلها لكي تسهم في تقديم الخدمات الطبية وفق أحدث الممارسات الطبية، حيث تم وضع الخطط التدريبية لتأهيل تلك الكوادر، وتضمنت برامج التدريب والتأهيل ابتعاث عدد من الأطباء المواطنين في مختلف التخصصات الطبية إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا والسويد وفرنسا، وغيرها من الدول، وذلك لدراسة التخصص في المجالات الطبية التي تحتاجها القوات المسلحة كالجراحة العامة والعظام وجراحة العمود الفقري وجراحة القلب والجراحة التجميلية وجراحة الفك، وكذلك في تخصصات الباطنية والقلب والأعصاب والجهاز الهضمي والعناية المركزة والتخدير والطب النفسي وطب الطوارئ والكوارث.
 
وتعاقدت القوات المسلحة مع جامعة أبوظبي لإنشاء مركز التدريب الطبي الميداني، والذي يعد صرحاً تدريبياً يوفر الدورات التدريبية القصيرة للأطقم الطبية على مدار العام، كما يوفر المستشفى برامج للتعليم الطبي المستمر والمعتمدة من الجمعية الأميركية للتعليم الطبي المستمر، وقد وقعت القوات المسلحة اتفاقية تعاون بين مستشفى زايد العسكري وجامعة الإمارات - كلية الطب والعلوم الصحية، تسمح بأن يقضي طلبة الكلية فترات تدريبية في مستشفى زايد العسكري.
 
سلاح الخدمات الطبية الإماراتي في مهمات خارجية
كانت المهمة الأطول للكوادر الطبية العسكرية الإماراتية في كوسوفو، حيث برز دور الأطقم الطبية المواطنة في الخدمات الطبية التي كانت تقدم لشعب كوسوفو، وبرز في تلك المهمة مشاركة المجندات من الإناث سواء كطبيبات أم كممرضات، وقامت القوات المسلحة بإعادة تأهيل أحدث المستشفيات المحلية بصورة كاملة، وأطلق عليه مستشفى الشيخ زايد.
وفي العراق، قامت القوات المسلحة متمثلة في سلاح الخدمات الطبية بإعادة تأهيل أحد المستشفيات المدمرة في العاصمة العراقية بغداد، وذلك في فترة زمنية قياسية، حيث بدأ المستشفى، والذي أطلق عليه مستشفى الشيخ زايد، باستقبال الحالات المرضية من العراقيين بأعداد كبيرة. 
 
أما في باكستان وبعد تعرض البلاد هناك لزلزال مدمر، سارعت القوات المسلحة وبتوجيهات القيادة السياسية الرشيدة بمد يد العون للمتضررين من جراء الزلزال وفي وقت قياسي انتقل المستشفى الميداني إلى تقديم الخدمات العلاجية المجانية للمناطق المتضررة، وقد حاز المستشفى الميداني الذي افتتح في باكستان إشادة دولية كبيرة .


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره