مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-07-11

طاقة الفضاء .. مشروع مدني أم عسكري؟

هل ستجد الكرة الأرضية عما قريب حلا لأزمات الطاقة، ومشاكل المناخ، عبر أسواق الطاقة النظيفة والمتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية؟
تذكر لنا كتب التاريخ حكايات وقصص عن علاقةالإنسان بالطاقة الشمسية منذ بواكير العصور، ومنها ما جرى عام 212 ق.م، حين استطاع العلامة اليوناني ارشميدس حرق الأسطول الروماني القادم من بعيد لملاقاة جيش بلاده، وذلك عن طريق تركيز الأشعة الشمسية على السفن المعادية، بواسطة المئات من الدروع المعدنية، ورغم أن القصة يدور من حولها جدل واسع، إلا أنها بحال أو بآخر تشير إلى القوة الهائلة للطاقة المدمرة أو المعمرة، والتي يمكن الحصول عليها من الشمس .
بقلم: أيميل أمين 
كاتب وباحث مصري
لماذا  العودة  إلى حديث الطاقة الشمسية مرة أخرى هذه الأيام؟
المؤكد أن ما أعلن عنه علماء معهد “ كاليفورنيا للتقنية بالولايات المتحدة الأمريكية “كالتك”، بشأن نجاح مجموعة من علماءه في نقل الطاقة الشمسية  من الفضاء إلى الأرض، بدون أسلاك،  هو مرد هذه القراءة ..
قد يكون من المعقد تكنولوجيا وصف تحويل الطاقة من الفضاء إلى  الأرض، غير أنه وفي تبسيط غير مخل، يمكن شرح الأمر على النحو التالي:
 
 تقوم تقنية علماء كاليفورنيا على  استخدام اقمار صناعية مجهزة بألواح شمسية لامتصاص الطاقة الشمسية في الفضاء، ثم تحويل الطاقة المجمعة  إلى طاقة ميكرويف قابلة للنقل، والتي يتم إرسالها  إلى محطة استقبال على الأرض، حيث يتم تحويلها بدورها إلى تيار كهربائي يمكن استخدامه في شبكات الطاقة المحلية .
 
هل بات الخيال العلمي حقيقة واقعة  عما قريب ؟
هذا ما أشارت إليه صحيفة الـ“ وول ستريت  جورنال ” في الأسبوع الأول من شهر يونيو حزيران، عندما  أماطت اللثام عما يجري في معهد “ كالتك” الشهير للغاية في ولاية كاليفورنيا، أقصى الغرب الأمريكي، من إختبار هياكل فائقة  الخفة وإلكترونيات مرنة يمكن أن تجعل من فكرة نقل الطاقة  الشمسية النظيفة من المدارات الفضائية إلى الكرة الأرضية مشروعا  عمليا  وقابلا للتحقق.
 
على أن التساؤل المهم والحيوي الذي لابد من طرحه في هذه القراءة : هل هذا  مشروع مدني، أم أنه مشروع عسكري أمريكي، يصب في نهاية الأمر في صالح فكرة عسكرة الفضاء، وغالبا ما سيكون خطوة في سياق المواجهات المحتملة بين الأقطاب الكبرى  القائمة والقادمة، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، عطفا على  الصين ودول الاتحاد الأوربي ؟
المقطوع به أن غالبية إن لم يكن كافة المكتشفات الأمريكية الحديثة، والتي شكلت نقلة في نوعية الحياة على الأرض في العقود المعاصرة،  قد بدأت أول الأمر في داخل مختبرات القوات المسلحة ووزارة الدفاع الأمريكية، وخير دليل على ذلك أن مشروع الإنترنت في أصله، كان شبكة تداول المعلومات داخل البنتاغون، قبل أن يسمح بتعميمه حول  العالم .
 
في هذا السياق لا تدهشنا المعلومات التي تشير إلى تجارب مشابهة لما يجري في معهد”كالتك”، ومنها مشروع مواز يسمى “ أراكني ”، يديره مختبر أبحاث سلاح الجو في دايتون بولاية أوهايو.
 
 يهدف هذا  المشروع إلى  بلوغ التحدي الأكثر صعوبة والمتمثل في نقل الطاقة  من المدارات الفضائية إلى  محطات على الأرض، وذلك بحلول عام 2025 ،  والعهدة على  وول ستريت جورنال .
 
التساؤل المتقدم يمكن الجواب عنه من خلال القول أن العديد من المختبرات العسكرية في الولايات المتحدة، تسارع الزمن  على  تجارب تقنية تقوم بنقل الطاقة من الفضاء إلى القواعد العسكرية  البعيدة أو مناطق القتال.
 
يبدو المشهد وكأنه يحتمل الاستخدامين المدني من جهة، والعسكري من ناحية ثانية،  غير أن هناك من الأحاديث الخلفية غير المرئية ما يمكن أن يخيف مستقبلا من التلاعب بمقدرات الطاقة الشمسية .
 
يمكن للعلماء حال نجاح المشروعات القائمة، أن ينقلوا للأرض  آلاف الجيجاوات من الطاقة  من الفضاء إلى الأرض وتحويلها  إلى كهرباء  يمكن للناس استخدامها.
 
هل البشر بالفعل في حاجة إلى  مثل هذه الطاقة وبتلك الكميات الهائلة ؟
تبدو كلمة طاقة هي مفتاح الفهم ، وجذورها  تعود إلى اللغة اليونانية القديمة energeia،  تلك التي فككها  الفيلسوف الإغريقي الكبير أرسطو ووصفها ببساطة بأنها “ القدرة على القيام بالعمل ”، ما يعني أنه من دون هذه  الطاقة فإنه  من غير الممكن القيام بأي عمل .
 
ولأن كافة أنواع الطاقة المتوافرة على الأرض من النوع الأحفوري، هي طاقة مستنفدة، لذا فإن الحديث الدائر مؤخرا عن الطاقة البديلة، يحمل الأمل والرجاء للإنسانية، في موارد لا تنضب، وبكميات تفي قرابة المليارات العشر من البشر أو أزيد قليلا  بنهاية القرن الحادي والعشرين أي بحلول العام 2100.
من هنا  تبزغ الطاقة الشمسية، كأهم وأكبر مصدر، وتفوق بمراحل واسعة وشاسعة، طاقة الرياح والمياه.
 
 هل من أرقام محددة عن ما هو متوافر من طاقة عبر الشمس ؟
 بحسب العديد من القراءات العلمية التي نشرتها مجلة Nature في أعدادها  الأخيرة، فإن ما يصل إلى الكرة الأرضية من طاقة الشمس يوميا، يزيد بنحو 10000 مرة عن المعدل الذي تستهلك به البشرية الطاقة، فخلال 6 أشهر فقط،  تمتص  الأرض نفس  كمية الطاقة  من الشمس التي يتم الحصول عليها  من جميع  موارد الأرض  غير المتجددة، بما في ذلك الموارد التي لم تستغل بعد .
 
 وبالرجوع إلى الأرقام والإحصائيات التي تقدمها لنا واحدة من أهم  شركات الطاقة في العالم، شركة  النفط البريطانية “ بريتش بتروليوم “، تمد الشمس الأرض  بطاقة تصل إلى 167 ألف تيراواط وفي أقل من 80 دقيقة، تتعرض  الأرض  لطاقة شمسية تعادل إجمالي استخدام الطاقة  في العالم لمدة عام كامل، وهذا  يعني أن الشمس  يمكن أن تزود العالم بالطاقة 7000 مرة تقريبا.
 
ماذا  عن الوجه العسكري من هذا  المشروع ، والذي غالبا  لم تتطرق إليه صحيفة الوول ستريت جورنال في تقريرها  الأخير ؟
يعود بنا الأمر إلى ما عمد إليه أرشميدس قبل الميلاد، من استخدام أشعة الشمس في نواحي عسكرية لمهاجمة العدو، بمعنى أنه كما أن طاقة الشمس صالحة للنماء، فإنه من الممكن في ذات الوقت أن تكون أداة للفناء بنفس القدر.
 ولعل الذين لديهم علم من كتاب الصراع في الفضاء، يدركون كيف سعى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان عام 1983 لتأسيس ما عرف وقتها  بإسم برنامج حرب النجوم أو حرب الكواكب .
 
تولدت الفكرة من خلال إقناع دعاة اليمين الديني المتطرف في ثمانينات القرن الماضي، من أمثال بات روبرتسون وجيري فالويل وغيرهما، ريجان، بأن معركة هرمجدون قادمة لا محالة، وأن عليه أن يقي الولايات المتحدة الأمريكية، بشبكة من الصواريخ سواء النووية، أو مدافع الليزر، بهدف قطع الطريق على صواريخ السوفيت العابرة للمحيطات المهددة أمريكا في صحوها  ومنامهما .
 
 هنا ليس سرا  القول أن من يعمل على تجميع طاقة الشمس في الفضاء وتحويلها إلى  الأرض كطاقة نافعة، سيكون من اليسير جدا عليه أن يسخر هذه الطاقة لتمثل طاقة عسكرية مهلكة، يمكن تجميعها في الفضاء وقصف أهداف عسكرية مضدة بها على  الأرض .
 
  لم تتحدث الوول ستريت جورنال تصريحاً عن أمر استخدام طاقة   الشمس في مجال الأعمال الهجومية العسكرية، لكنها أقرت بتفكير الأمريكيين في نقل هذه  الطاقة من الفضاء إلى الأرض، وإلى قواعدها العسكرية، وبخاصة في أوقات الحروب والحاجة إلى مدد طاقوي سريع إن جاز التعبير .
 
 هنا يمكن تخيل مثل هذه الطاقة المستخدمة  في الهجوم،  عوضا عن نقلها لتحريك القطع الحربية على الأرض، ولن يكون الأمر مستحيلا  بحال من الأحوال .
 
يعن لنا أن نتساءل : هل الولايات المتحدة الأمريكية فقط التي تسعى  للحصول على الطاقة  من الفضاء ؟
 المؤكد أن سياقات التنافس القطبي لا سيما مع الصين، تجعل الأمر فرض عين على الصينيين محاكاته، وهو ما  كشفت عنه الـ «وول ستريت» في تقريرها  عينه،  فقد أكدت على أن أكاديمية تكنولوجيا  الفضاء في الصين ،  أعلنت بدورها  عن خطط لبناء نموذج أولي لقمر صناعي قادر على إرسال الطاقة من الفضاء بحلول عام 2028، أي بعد الأمريكيين بنحو ثلاث سنوات .
 
هل الصين ماضية قدما بدورها في طريق الإستعانة بالطاقة الشمسية، وسواء كان الأمر يختص بالوجه المدني أو العسكر منها؟
الشاهد أنه في منتصف سبتمبر ايلول من عام 2022 أعلنت شركة Longi Green Energy Technology أكبر شركة مصنعة لتكنولوجيا  الطاقة الشمسية في العالم، عن إرسال  ألواح شمسية إلى الفضاء  كخطوة أولى ضمن خطط جدوى تسخير طاقة الشمس  في المدار وإعادة إرسالها إلى الأرض .
 
ومن الواضح أن الصينيين قد قطعوا شوطا  في هذا المضمار ، فقد صرح باحثون صينيون في جامعة  شيديان في مدينة “ شنشي “ الصينية ، في وقت سابق من العام الماضي ، أنهم اختبروا  بنجاح نموذجا  كامل النظام لتقنية  مصممة  لنقل الطاقة  الشمسية  من الفضاء الخارجي، وذلك من خلال إلتقاط مشروعهم ضوء الشمس  العالي  فوق سطح الأرض،  وتحويله إلى أشعة  مايكرويف ونقلها  عبر الهواء إلى محطة  استقبال على  الأرض  ليتم تحويلها  إلى كهرباء .
 
 هنا وكما في الحال الأمريكي، يمكن أن يكون لهذه  الطاقة الشمسية وجهين، واحد للنعمة، وآخر للنقمة كما يقال .
 
لا يستقيم الحديث عن الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها إلى  الصين، ومن غير أن يكون لليابان حضور واسع وشاسع في هذا  السياق .
 
 يؤمن اليابانيون بأن الشمس ستنفجر في النهاية وتتوسع وتأخذ معها نظامنا الشمسي، ولهذا  فإنها تريد وبالشراكة  مع وكالة الفضاء JAXA إكتشاف  طريقة لاستخراج  الطاقة من الشمس واستخدامها على  الأرض.
 
 حققت اليابان بالفعل العديد من الخطوات الأولى في هذا المجال ، حيث كانت  أول من نقل  الطاقة عبر الموجات الدقيقة في الفضاء  في ثمانينات القرن الماضي .
 
وفي عام 2015 تابع علماء “جاكسا”،  هذا الأمر باختراق  آخر شهد إرسال 1.8 كيلوواط من الطاقة إلى  جهاز استقبال أرضي، وهو ما يكفي لتشغيل غلاية  كهربائية.
 
 ويهدف المشروع الياباني بقيادة “ناوكي شينوهارا”، الأستاذ بجامعة  “كيوتو لنيكي ”، والذي يعمل على  برنامج يعتمد على  الطاقة الشمسية منذ عام 2009، إلى جعل سلسلة من الأقمار الصناعية الصغيرة في المدار تحول الطاقة الشمسية إلى  موجات ميكروية وترسلها إلى محطات استقبال أرضية، تحولها  بعدها كما سبق الإشارة إلى  طاقة كهربائية.
 
 هل كان للأوربيين أن يقفوا صامتين وهم يرون الأمريكيين والأسيويين يتصارعون على الطاقة الشمسية ؟
منذ نوفمبر تشرين الثاني الماضي، ولا حديث للأوربيين في هذا الإطار،  إلا عن مشروعهم الخاص بتغذية  الأرض بطاقة كهربائية  نظيفة  تنتج في الفضاء، وتنقل الكهرباء لاسلكيا  إلى  ملايين المنازل.
 
ويعد المشروع المشار إليه، واحدا من مقترحات ينظر فيها  مسؤولو الأبحاث  العلمية منذ فترة،  وهذا ما أكده  جوزيف اشباتشر، مدير عام وكالة الفضاء  الأوربية، في أحاديث صحافية  قطع فيها  بأنه يعتقد أن توليد الطاقة الشمسية من الفضاء قد يساعد بطريقة  هائلة  في مواجهة نقص الطاقة مستقبلا.
 هل من خلاصة ؟
 مثل كل الاكتشافات قد تكون فكرة الطاقة من الفضاء فتحا  هائلا في مسيرة البشر، لكنها من جانب آخر تبقى إحتمالات التلاعب بمقدراتها  في الإتجاه المعاكس، وكما حدث مع الطاقة النووية ، شأنا  مخيفا  للبشرية في الحال والاستقبال .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره