مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-01-05

على مشارف عام جديد عن معارك السلام وجولات الحرب..السلام أنفع وأرفع

على مشارف عام جديد يحق لنا أن نتساءل :” كيف يمكن لنا أن نعرف السلام وأهميته، وسط زخم الحروب والصراعات المنطلقة حول العالم، في حاضرات أيامنا ؟
 كان يخيل للناظر للمشهد الدولي غداة  سقوط حائط برلين، والذي أعتبر رمزا للإنقسام الدولي، أن عهدا جديدا من السلام والوئام، سوف يخيم على  الكرة الأرضية، وبخاصة في ظل تراجع المواجهات الحدية  بين حلفي وارسو والأطلسي .
 
بقلم: إميل أمين
كاتب وباحث مصري
 
غير أن واقع  الحال يخبرنا، أنه بعد ثلاثة  عقود ونيف،  يبدو العالم متشظيا، بل وقابلا  للإشتعال الدولي، ناهيك عن الصراعات الإقليمية المنتشرة  فوق سطح البسيطة، ما يفيد بغياب السلام كقيمة أخلاقية أول الأمر وأخره، الأمر الذي يفتح أبوابا واسعة للصدام والكراهية، ومن ثم نشوء وإرتقاء الحروب، وتفشي الموت، وغياب الإستقرار، وزوال أي رغبة صادقة في التنمية المستدامة الحقيقية .
 
السلام على الأرض،  هو موضوع الرغبة العميقة  التي تختلج في قلب البشرية  عبر الأزمنة كلها، ولا يمكن أن يتأسس ويتوطد إلا على الأحترام المطلق للنظام الذي وضعه الله تعالى للبشرية، والأصل فيه هو العيش الإنساني المشترك في إطار من المودات وبعيدا عن المخاصمات والمشاحنات .
 
يظل السلام والذي هو اسم من اسماء الله جل جلاله، عصيا على أن يشمله المرء في تعريف واحد، ذلك أنه في كل الأحوال، حالة الهدوء والسكينة التي تلف الجنس البشري، أو هكذا  يتوجب أن تكون، والسلام قيمة أدبية وأخلاقية منافة  ومجافية للحرب وأعمال العنف الحاصل بين الشعوب المختلفة، أو طبقات المجتمع  المتباينة أو الدول المتنافسة .
 
يعن لنا التساؤل :” هل السلام هو الأصل المجبولة عليه الخليقة الإنسانية أم الحروب ؟”.
 المؤكد أن هناك جنوحا فطريا  لصنع السلام ومحاولة إحلاله كحالة  طبيعية  وعادية، غير أن متغيرات بعينها  تأخذ البشرية في مسارات معضددة للحرب والعنف، ما يخلق حالة شاذة  معاكسة للحالة الطبيعية، الأمر الذي لا يتماشى مع التطلع للإزدهار والنمو، للإستقرار والبناء والعمران .
ولعله من نافلة القول الإشارة  إلى أنه لا يشعر بالسلام ولا يعرف قيمته النفسية والروحية والإجتماعية، بل والمادية، إلا من عاش  ويلات الحروب.
 تواجهنا  معضلة  فكرية  عمن يدعم السلام، الشعوب أم الحكومات،  ومن يقف كذلك في وجه الحروب منهما .
 
 الشاهد أنه لما كان السلم المبني على مجرد الإتفاقيات السياسية والإقتصادية  بين الحكومات لا يمكن أن يحظى من شعوب العالم ولا من الحكومات  بمؤازرة  اجماعية ثابتة  مخلصة ، فإنه كان من المحتم بالتالي أن  يقوم هذا السلم إذا  أريد له عدم الأخفاق،  على  أساس من التضامن الفكري والمعنوي، بين قادة الراي والفكر، وكذا بين عقلاء السياسة، وحتى جنرالات العسكرية الذين يعرفون الأكلاف الباهظة للحروب .
 
يتساءل البعض عن السلام كقيمة ثمينة عند أصحاب الأديان التوحيدية، وربما الشرائع الوضعية، وللمتسائلين ألف حق وحق ذلك، سيما أن السلام مرتبط بالخير، بعكس الحروب الموصولة بالشرور.
يمكن القطع بأن الأديان قاطبة، سيما  التوحيدية منها، قد وضعت اساسا  قويا وراسخا للسلم العالمي، وهو أمر قائم في متن كتبها السماوية،  وبنفس القدر نجد حثا مشابها  عند الشعوب الشرقية ذات الأديان والتقاليد التاريخية .
 
 هنا يعن لنا  القول، أنه حتى قبل أن تتنزل الأديان على الأنبياء ،  كانت الفطرة الطبيعية  التي خلق الإنسان عليها  تؤكد رفض القتل والإقتتال، وضرورة تعلية مفاهيم السلام كاداة  لتيسير الحياة بين الجماعات الإنسانية المتباينة.
 
 هل بات على  البشرية  أن تؤمن أكثر وأكثر بأن الإعتزاز بثقافة  السلام، ورفض فكر الهيمنة  والسيطرة المرتكزة على القوة العسكرية  المسلحة  ورفض الحرب والعدوان ، هو الدرب  المؤدي إلى  حياة أكثر أنسنة ، كما تقول جماعة الفلاسفة ؟
 
الثابت أن البشرية أختبرت  أهوال الحرب ورعبها ، وعاشت ألم العوز وضيقه، وكابدت الهلع ومرارته ، من جراء تشبثها  بأنماط الرغبة  في الأنتقام والثأر للماضي ،  وكافة  الأشكال التي تقادمت بفعل الزمن.
 
 وعلى الرغم من ذلك، ها  نحن نجدها مدفوعة بدافع قسري ، يجعلها تكرر أخطاء الماضي، من غير استخلاص الدروس من أحاجي الزمن أو دروس التاريخ .
تعني الحروب أول ما تعني ، إنعدام النضج الإنساني،  والإنسداد التاريخي  الحياتي ،  وعدم المقدرة على  حل الإشكاليات عقليا ، ولهذا يجئ  منطق القوة  ليذكرنا  بتعبير الفيلسوف السفسطائي الإغريقي “ ثراسيماخوس”،  في “محاورات افلاطون ”،  حين علا  صوته بأن “ القوة هي الحق ” ، الأمر الذي يجعل من عالمنا  غابة أكثر وحشية  من غابات الوحوش عينها .
 
تبدو الكارثة  وليس الحادثة  قائمة  في عالم التعصب المتفشي ، والقائم على  محاصصات عرقية تارة، وطائفية مذهبية تارة أخرى،  والعودة إلى  أزمنة الحروب ذات الملمح والملمس الدوجمائي، ما ينقل الناس من مستوى التعصب، إلى مستويات الكراهية الشخصية، والأخيرة تشعل الضغائن، لتولد الحرب في عقل الإنسان أول الأمر، ثم تتجرم في معارك على الأرض، ما يعني أن مراحل انعدام النضج  في المجرى الواسع  لأحداث التاريخ، لا تزال قائمة، ويمكن أن تكون قادمة.
 
 تذكرنا حروب القرن العشرين، بما فيها من حربين كونيتين، وعشرات الحروب الإقيمية، بأن “ فلسفة الخيبات”، هي التي أنتصرت ، ذلك أنه بعد قرابة مائة مليون ضحية  في القرن العشرين، لم تبلغ بعد البشرية  سن الرشد الجماعي، وأنها  لا تزال مربوطة برباطات التحزب والتمذهب ،  ولهذا  لا تبدو  قادرة  على تجاوز معضلات الحاضر بآليات السلام، عوضا عن النار والدمار .
 
  لكن عن أي سلام نتحدث ونحلم ونأمل ، أعن السلام الإيجابي أم السلبي، وما الفارق بينهما ؟
يعرف السلام السلبي بأنه ذاك الذي يكتفي بإطفاء الحروب والحرائق والأستباكات المشتعلة، لكن من غير مقدرة حقيقية أو إيجابية على مراكمة  طبقات من السلام الأخر .
 أما السلام الإيجابي، فهو السلام التقدمي ، أي ذاك الكفيل بتغيير شكل العالم المعاصر، ويتجاوزه أنماط الصراعات المتاصلة والقفز على العداوات التاريخية التي رسخت  في العقول والقلوب  لعقود وأجال طوال، وجعله عالما يسوده التعاون ويعمه الأنسجام، عالم من بناء الجسور وهدم الجدران.
 
 نهار الحادي والعشرين من سبتمبر أيلول المنصرم، اليوم العالمي للسلام، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”،  عن حاجة  العالم في وقتنا الحاضر للسلام أكثر من أي وقت مضى.
كلمات غوتيريش تعد دعوة للعمل، وتقر مسؤوليتنا الفردية  والجماعية عن تعزيز السلام والإسهام في إنهاء الحروب العبثية، وحتى يمكن للبشرية أن تحقق أهداف التنمية  المستدامة  التي سيؤدي تحقيقها  إلى  تكوين ثقافة سلام للجميع.
 
في تصريحاته الأخيرة  على  هامش الأحداث القاسية التي يعيشها  الشرق الأوسط، تحدث البابا فرنسيس بابا روما عن الحروب، مؤكدا أنها هزيمة لكل الأطراف، وأن نيرانها المشتعلة يتوجب عليها التوقف، وأن تحل التوعية بنشر ثقافة السلام وقيم التاريخ، محل بيانات الحروب، وهو أمر ينسحب على الأجيال الشابة بنوع خاص، سيما أنها هي المعنية  بتحقيق السلام ونشر التسامح مع الأخر وقبوله.
أين يوجد الإنتصار الحقيقي، هل في جولات الحروب ، حيث الموت يبقى عادة، أم في معارك السلام، حيث السعي لترسيخ هذه القيمة السامية؟
 
بالرجوع إلى أحد أهم المراجع الفكرية التي شكلت  عقل البشرية  منذ ثلاثة آلاف عام، كتاب “فن الحرب ”، لمؤلفه الإستراتيجي العسكري الصيني الأشهر “صن تزو”،  نجده يقرر أن “ الأنتصار الحقيقي هو ألا يتم السماح اصلا للقتال أن يقع”.
 
 تزو يؤكد على أن “فن الحرب هو فن السلام”، وهي عبارة  بليغة وإن أحتاجت إلى  المزيد من الوعي الذهني لفهمها، ذلك أن النصر العظيم هو الذي لا يتطلب قتالا، والمقاتل الحكيم هو من يتجنب المعركة، ومن يرغب في الأنتصار عليه أن يحسب أولا  التكلفة.
 
 تدور الحكمة الصينية من عند كونفوشيوس وصولا إلى صن تزو،  حول المهارة في تجنب أعمال القتال ،والمحارب الحكيم هو من يتجنب  المعارك، ما يعني أن البحث عن مسارب السلام ، أهم كثيرا جدا من نشوة النصر فوق الدماء والاشلاء .
 
 ولعل الحقيقة التي لا مفر من مواجهتها، هي أنه حيثما  تقع حروب متكررة، فإن الشعوب تضعف، وعندما  يسجلون أنتصارات متكررة، فإن الحكاميصبحون متجبرين، وحال جعل الحكام متجبرين، فإنهم يأمرون شعوبا مستضعفة، وتاليا  تجد من النادر على أمة كهذه  الأ تتعرض للفناء، وهو ما  حدث لروما العظيمة في منتصف القرن الخامس الميلادي .
 
 هل من خلاصة ؟
 قطعا  الحروب تدمر كافة  مداميك السلام وجسور الأخوة بين البشر ....السلام أنفع وأرفع من الحروب في الحال والاستقبال .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره