مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-06-09

كـورونا يفـاقـم خطـورة الهجمـات البيـو - إرهابيـة

طموحات «داعش» تنتعش تحت ضربات الوباء
في العام 2014، بث أبو محمد العدناني، الناطق باسم “داعش”، تسجيلاً صوتياً حظي بانتشار واهتمام كبيرين، بعدما دعا فيه أعضاء التنظيم والمتعاطفين معه إلى “القتل باستخدام أي سلاح متاح... حتى ولو كان سكين المطبخ، ومن دون التنسيق مع القيادة”، وبموازاة ذلك تصاعدت دعوات قائد التنظيم (والخليفة آنذاك) أبي بكر البغدادي لـ “استهداف الأعداء وقتلهم أينما وجدوا”، كما تعهد التنظيم عبر ذراعه الإعلامية “مؤسسة دابق للإعلام”، في تلك الأثناء، بشن “حرب شعواء” تحت عنوان “الذئاب المنفردة”.
 
بقلم / ياسر عبد العزيز   
تجسد تلك الإشارات المكثفة والمتسقة والمتواترة آنذاك عناصر استراتيجية متكاملة أعلنها تنظيم “داعش”، وراح يوطد لها ويوفر الإمكانيات والموارد المناسبة؛ وهي استراتيجية تنطلق من تأسيس عقيدي يقوم على حتمية “إقامة دولة الخلافة”، واستهداف أعداء التنظيم (الآخرين)، بأي وسيلة من الوسائل المتاحة مهما كانت، على أن يتم ذلك بشكل تلقائي، ومن دون الالتزام بالتنسيق مع المراتب الأعلى في التنظيم، بما يكرس صيغة “الذئاب المنفردة”.
 
يلتزم “داعش”، كما غيره من التنظيمات الإرهابية، بعقيدة قتالية لا تستثني أياً من الوسائل القادرة على هزيمة أعدائه أو إنهاكهم؛ وهو الأمر الذي جعله يجرب أجيالاً مختلفة من الحروب، وأساليب قتالية مختلفة، ومن بين تلك الأساليب يبرز أسلوب “الحرب البيولوجية”، الذي يمكن تسميته في هذه الحالة بـ “الحرب البيو- إرهابية”، والتي تقوم على تسخير الأمراض والأوبئة والفيروسات لتحقيق أهداف التنظيم.
 
لقـــد ضــرب فـــيروس “كــورونا” العالم، وراح يحصد الأرواح ويسجل ملايين الإصابات يوماً بعد يوم، وأربك الدول الكبرى والصغرى بتداعياته الصحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكارثية، لكنه مع ذلك وفر أسباباً جديدة لازدهار الأنشطة الإرهابية.
 
يبدو أن مقاتلي “داعش” بات لهم حليفان قويان بعد انهيار “الخلافة”؛ أولهما النزاعات الضاربة في مناطق مختلفة من العالم، والتي تولد مساحات وفرصاً يستغلها التنظيم، وثانيهما فيروس “كورونا”، الذي عمق هشاشة بعض أعداء التنظيم، وحدّ من فرص ملاحقته والقضاء عليه، وأنعش طموحاته في تطوير أسلحة بيولوجية يمكن أن يكون لها أثر أفدح وأكثر استدامة من سكاكين المطبخ.
 
سلاح “الريسين”
في العام 2018، ألقت السلطات الألمانية القبض على تونسي من المرتبطين بتنظيم “داعش” يُدعى “سيف الله”، بعدما تلقت اتصالاً من الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) حوى معلومات تفيد أنه اشترى كمية كبيرة من بذور نبات الخروع عبر “الإنترنت”، ما مكنه من إنتاج مادة “الريسين” الشديدة السُمية؛ وهي مادة يمكن أن تقتل المستهدفين بها.
 
وفي أبريل 2020، تلقى “سيف الله” حكماً بالسجن، لكن هذه الواقعة أثارت قلقاً كبيراً في الأوساط الأمنية والاستخباراتية، إذ لفتت الانتباه إلى أن “داعش” أو عدداً من المتعاطفين معه والمرتبطين به، يمكن أن يستخدموا وسائل الحرب البيولوجية كسلاح مؤثر في معاركهم.
ومما يزيد خطورة هذه الواقعة أن “داعش” سبق أن شرح لعناصره طريقة تصنيع سم “الريسين” على “الإنترنت” بغرض استخدامه في “إرهاب أوروبا بيولوجياً”، واصفاً إياه بأنه من السموم القوية التي لا يوجد علاج لها حتى الآن، وأنه قادر على منع إنتاج البروتين في أجساد المصابين به، ما يتسبب في قتل خلايا الجسم، ويؤدي إلى الموت خلال ساعات. 
 
أدى ظهور “كورونا”، وما كشفه عن قدرات واسعة في إنهاك بلدان العالم وإحداث الوفيات والإصابات بأرقام كبيرة إلى إنعاش آمال أعضاء “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية، وعلى عكس ما كان متوقعاً، فقد أظهر التنظيم احتفــاء بالفيروس، وكأنـه منحــه دفعــة جديــدة لمواصلـة أعـمالـــــه التخريبية.
 
في شهر مارس 2020، أصدر “داعش” بياناً، وبثه عبر أذرعه الإعلامية، معتبراً فيه أن “كورونا” ليس سوى “عقاب إلهي للأعداء... وعذاب مؤلم من الله للغرب، وبخاصة الدول المشاركة في عمليات عسكرية ضد المجاهدين”.
 
لقد جدد “كورونا” طموحات “داعش” بعد الضربات الموجعة التي تلقاها، وحاول أن يسخر الفيروس الخطير لخدمة أهدافه الدعائية والميدانية، ووفق “مجموعة الأزمات الدولية”، التي تخصص جهوداً لمتابعة أنشطة التنظيم؛ فقد ظهرت “نبرة شماتة” واضحة في خطابه عبر افتتاحية صحيفة “النبأ” الناطقة باسمه، في شهر مارس الماضي، حين اعتبر التنظيم أن وجود “كورونا” يؤكد “ضرورة الاستمرار” في أنشطة التنظيم وأعماله التخريبية.
ولا يستبعد مراقبون أن يحرض التنظيم أعضاءه على نشر فيروس “كورونا” في الدول والمناطق المستهدفة، بغرض إيقاع أضرار كبيرة في أوساط أعدائه.
 
مخاطر العمليات “البيو- إرهابية”
طرأ تطور كبير على “علم الجينوم” في العقدين الأخيرين، وهو أحد فروع علم الوراثة، ويهتم بدراسة المادة الوراثية في أجسام الكائنات الحية. ويتضمن المجال العلمي لتلك الدراسة جهودا مكثفة لتحديد تسلسل الحمض النووي بشكل كامل ورسم الخرائط الدقيقة للجينوم. 
 
وفي شهر أبريل من العام 2003، اكتملت دراسات “مشروع الجينوم البشري” مشروع الجينوم البشري، بالولايات المتحدة الأمريكية، وتوافرت معلومات ثمينة بشأن تسلسل القواعد في “الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الصفحة غير موجودة)” الحمض الريبي” (النووي المنقوص الأكسجين (المعروف بـ “دي إن إيه”DNA  في صبغيات الإنسان، التي تشكل نحو 35 ألف مورثة في خلاياه. 
وكان من جملة فوائد هذا المشروع تطور الدراسات الخاصة بالعلاج الجينومي، التي تبحث في تحديد التداخلات Interactions بين المورثات والعقاقير الدوائية. 
 
وبقدر ما منح هذا الاكتشاف البشرية الأمل العريض في التعرف الدقيق إلى الصيغ الوراثية للمرضى، وبالتالي التدخل السريع السلس لعلاجهم عبر التأثير في التركيب الجيني المعطوب، بقدر ما فتح الأبواب الواسعة أمام فرص استخدام هذا التطور كسلاح من أسلحة الحرب.
لقد تم توقيع اتفاقية الأسلحة البيولوجية عام 1972، ومع ذلك فثمة مؤشرات إلى أن دولاً عديدة، وتنظيمات أقل من الدولة، تفرز موارد ضخمة وتنشئ آليات علمية مستديمة لتطوير وسائل حرب بيولوجية.
 
ويعد أبسط تعريفات الحرب البيولوجية هو ذلك التعريف الذي يحددها في استخدام أحد أنواع الفيروسات أو الميكروبات أو البكتريا المعروفة في إحداث أضرار صحية محددة سلفاً في الأعداء أو المستهدفين بغرض تحقيق هدف سياسي.
 
أما “الإرهاب البيولوجي” (أو “العمليات البيو- إرهابية”)، فقد عرفته دراسة أكاديمية تم نشرها في مجلة “الأبحاث البيوطبية” الأمريكية، في العام 2017، بأنه: “استخدام الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتريا والفيروسات والفطريات أو السموم من قبل الإرهابيين أو الجماعات المتطرفة لإنتاج أسلحة تسبب الموت أو المرض بين البشر والحيوانات بغرض تحقيق أهداف سياسية”.
 
أنشطة ميدانية
في الوقت الذي تراجعت فيه معظم الأنشطة السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، فإن أنشطة “داعش” وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، تتواصل تحت غطاء فيروس “كورونا” في المناطق التي يتواجد فيها. 
 
في شهر مايو 2020، أفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن التنظيم “قرر استغلال ظروف العالم تحت وطأة (كورونا) لتصعيد هجماته، حيث نفذ أكثر من 20 هجوماً ضد الأكراد وفي مناطق دير الزور والرقة، ما أدى إلى إصابة ومقتل العشرات، كما نجح في تهريب عناصر من سجن تابع لمخيم الهول”.
 
وهو الأمر ذاته الذي يؤكده سام هيلر مستشار منظمة “كريسز جروب” Crisis Group غير الحكومية المعنية بدراسة الأنشطة الإرهابية في منطقة الشرق الأدنى، إذ يرى أن تنظيم “داعش” يكتسب قوة حقيقية مجدداً في أكثر من منطقة من مناطق تواجده ونشاطه بالعالم، بل إن الخبير الألماني في شؤون الإرهاب جيدو شتاينبرج، يرى في حديث أجرته معه “دويتش فيله”، أن “داعش” ما يزال “أقوى المنظمات الإرهابية في العالم”، خصوصاً أن عدد مقاتليه الذي لم يتجاوز الـ 700 مقاتل في العام 2010، بات يراح اليوم ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل، ما يكشف أن خطر التنظيم لا يزال “محدقاً”.
تعتبر هذه التقديرات لعديد مقاتلي “داعش” تقديرات محافظة نوعاً ما، إذ يذهب البعض إلى أن عناصر التنظيم تفوق ذلك بكثير، ومن ضمن هؤلاء جيمس جيفري السفير الأمريكي الخاص بالتحالف المعادي للتنظيم، الذي يقدر عدد أعضائه بما يراوح ما بين 14 إلى 18 ألفاً في الأراضي التي ينشط فيها “داعش” في سوريا والعراق.
 
وفي تلك الأراضي وحدها صعد التنظيم من عملياته خلال شهر رمضان الماضي، لتتنوع ما بين تفجيرات وهجمات وتفجيرات انتحارية ونصب كمائن، وتؤدي إلى مقتل 37 من قوات النظام السوري والمليشيات المتعاونة معه. ويفيد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في هذا الصدد أن “داعش” شن 43 هجوماً على قوات النظام السوري في وسط البلاد و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الكردية- العربية شرقي الفرات.
 
وبعيداً، في شرق آسيا، قال رئيس المعهد الفلبيني للسلام والعنف والإرهاب، رومل بانلاوي: إنه رغم الغلق التام للبلاد إثر انتشار جائحة كورونا، فإن “داعش” استمر في مزاولة أنشطته وبقوة، مستغلًا إجراءات الحجر الصحي ضد الجائحة؛ إذ يقوم بتجنيد الأعضاء، ونشر الأفكار المتطرفة، خاصةً في المناطق الريفية المنكوبة التي تضررت بشدة من عمليات الإغلاق.
 
ولا يتوقف الأمر على قارة آسيا وحدها في هذا الصدد؛ إذ يشير مؤشر دار الإفتاء المصرية إلى أن “القارة الأفريقية شهدت، في الأسبوع الأخير من أبريل الماضي، 14 عملية إرهابية من إجمالي 24 عملية هزّت العالم، بنسبة 58 في المائة من عدد العمليات الإرهابية، حيث ضرب الإرهاب 9 دول أفريقية هي (الصومال، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وليبيا، وتونس، والكاميرون، ومالي، والكونغو الديمقراطية)”. وأفاد المؤشر بأنه “لا تزال أفريقيا مهددة بانتشار التنظيمات الإرهابية، وهناك تنافس قوى بين كل من التنظيمات المُبايعة لـ(داعش) في غرب القارة، والمبايعة لـ(القاعدة)، وانتقل هذا التنافس أخيراً إلى وسط القارة، من خلال فرع (داعش) في الصحراء الكبرى، وجماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) الموالية لـ(القاعدة)”.
 
الصراع مستمر
لم يفت “كورونا” في عضد “داعش”، وغيره من التنظيمات الإرهابية، كما فعل مع عديد المجتمعات والدول، وعلى العكس من ذلك فقد منح الفيروس تلك الجماعات أسباباً جديدة للانتعاش ومعاودة شن الهجمات، أما الأخطر من ذلك فيتعلق بلفت انتباه الإرهابيين إلى العمليات “البيو- إرهابية”، ومحاولات تفعيل بعض الأفكار والمحاولات السابقة لاستخدام الأسلحة البيولوجية في شن هجمات.
زادت الأنشطة الميدانية لـ “داعش” وجماعات إرهابية أخرى بموازاة انتشار الفيروس، وتنوعت بين شن الهجمات وتهريب السجناء وبث الدعاية السوداء، ومع ذلك، فإن بعض الخبراء يقللون من إمكانية تطوير تلك التنظيمات قدرات هجومية بيولوجية مؤثرة. وكما يقول جونر جيرمايا، خبير الأسلحة البيولوجية الألماني، فإنه من المستبعد أن ينجح الإرهابيون في إحداث وباء عالمي، لأن هذا الأمر يتطلب مختبرات كبيرة واختصاصيين على أعلى مستوى، كما أن جهود تطويق تلك الجماعات، والتنسيق الدولي لمحاصرتها، وتوفير موارد مادية وبشرية وأنظمة إدارة أزمات وتدريبات راقية، يمكن أن تجهض أحلام تلك التنظيمات في شن هجمات “بيو- إرهابية”.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره