مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-01

كوب 28 ونموذج الإمارات الرائد فى مواجهة التغيرات المناخية

يعكس استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ, كوب 28, هذا العام, دور الإمارات الكبير والفاعل فى قيادة تيار عالمى لمواجهة تداعيات وأثار التغيرات المناخية, والتى باتت تشكل تهديدا واضحا للسلم والأمن الدوليين, فقد أدى تزايد الانبعاثات الكربونية وارتفاع درجة حرارة الأرض إلى انتشار ظواهر التصحر والجفاف وشح الأمطار خاصة فى أفريقيا وغيرها من الدول, وكذلك تزايد أعداد حرائق الغابات وانتشار ظواهر الأعاصير والبراكين وغيرها من الظواهر الطبيعية.
 
بقلم: د. أحمد سيد أحمد
 
وهو ما أثر سلبا على الأمن الغذائى وارتفاع أسعار الغذاء عالميا وتزايد حركة النازحين واللاجئين من مناطق الأزمات بسبب الجفاف والتصحر, كذلك ارتفاع معدلات الصراعات والحروب بسبب الصراع على الموارد إضافة إلى أن التغيرات المناخية تهدد الأمن القومى للدول, ولذلك لأن ضحايا التغيرات المناخية لا تقل عن ضحايا الحروب والصراعات العسكرية.
وقد برز دور الإمارات الفاعل فى التعامل مع التغيرات المناخية على أكثر من مستوى:
 
1 - قيادة العمل الجماعى الدولى لمواجهة التغيرات المناخية: 
تنطلق السياسة الخارجية الإماراتية من تعظيم العمل الجماعى الدولى فى مواجهة التحديات العالمية ومنها يما يتعلق بمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية التى باتت تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين وأنها تؤثر على كل دول ومناطق وقارات العالم, ولا توجد دولة أو منطقة بمنأى عن تأثير هذه التغيرات, كما أنه لن تستطيع دولة أو منطقة مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية بمفردها باعتبارها تمثل تهديدا عالميا يهدد الحياة على كوكب الأرض, وبالتالى وفقا للمقاربة الإماراتية لابد من العمل الجماعى الدولى للتعامل مع هذه الظاهرة لحماية كوكب الأرض فى ظل تزايد مخاطر هذه الظاهرة.
 
وكما أن الإمارات العربية قدمت نموذجا عالميا فى التعاطى مع المشكلات العالمية ودعمت من مفاهيم تعزيز الأمن والاستقرار العالمى, وتعزيز التعايش والتسامح العالمى ومفاهيم التعاون الدولى, فإنها أيضا قدمت نموذجا رائدا فى ضرورة وحتمية التكاتف الدولى تحت مظلة الأمم المتحدة, للتغلب على هذه الظاهرة. وتزداد  أهمية المقاربة الإماراتية فى ضرورة تعزيز العمل الجماعى الدولى فى مواجهة التغيرات المناخية, فى هذا التوقيت فى ظل تزايد حدة الاستقطاب العالمى بين القوى الكبرى فى النظام الدولى, خاصة بين أمريكا وحلفائها وبين روسيا على هامش الأزمة الأوكرانية, أو بين أمريكا وحلفائها وبين الصين على هامش قضية تايوان, وكذلك على هامش الصراع الاستراتيجى بين القوى الثلاث على بنية النظام الدولى, حيث تحاول أمريكا الحفاظ على الأحادية القطبية, بينما تسعى روسيا والصين لإقامة نظام دولى متعدد الأقطاب, وقد انعكس هذا الاستقطاب الحاد سلبا فى تراجع التعاون بين القوى الكبرى فيما يتعلق بمواجهة التحديات الكونية, كما برز فى أزمة جائحة كورونا وكذلك فى مواجهة التغيرات المناخية. كذلك تراجع بعض الدول المتقدمة عن التزامها فيما يتعلق بتقليل الانبعاثات الكربونية والتوصل إلى صفر كربون خلال السنوات المقبلة وهو ما شكل انتكاسة للعمل الدولى فى مواجهة تغيرات المناخ.
 
وفى هذا الإطار برز دور الإمارات العالمى فى مواجهة التغيرات المناخية من خلال المسارات التالية:
أولا: بناء توافق عالمى بين الدول المختلفة, المتقدمة والنامية, من أجل احتواء ومواجهة التغيرات المناخية والعمل على إيجاد أرضية مشتركة بين الدول الكبرى والتقريب فيما بينها للتعاطى بفاعلية مع قضية المناخ, وهو ما يمثل أحد الأهداف الأساسية لكوب 28. 
 
ثانيا: العمل خلال مؤتمر كوب 28 من أجل تحقيق الأهداف الخاصة بالمناخ والخروج بتوصيات وقرارات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع, والعمل على تنفيذ التوصيات والقرارات التى أقرتها مؤتمرات المناخ السابقة . 
 
ثالثا: دفاع دولة الإمارات عن قضايا وهموم الدول النامية من خلال العمل على ضرورة أن تلتزم الدول الكبرى والدول الصناعية, بتعهداتها فى مؤتمرات المناخ السابقة وهى تقليل انبعاثاتها الكربونية ومساعدة الدول النامية والفقيرة فى مواجهة آثار التغيرات المناخية وتقديم الدعم المالى لها, خاصة ال100 مليار التى تعهدت بها سابقا للدول النامية, كذلك الوفاء بالتزاماتها فى تمويل صندوق التعويض عن الخسائر والأضرار التى أقرها مؤتمر كوب27 بمصر العام الماضى, إضافة لمساعدة الدول الغنية للدول النامية بالتكنولوجيا الحديثة للتوسع فى الاقتصاد الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة والتى تحتاج إلى استثمارات ضخمة. 
 
رابعا: قدمت الإمارات العربية نموذجا رائدا فى الانخراط فى العمل الدولى فى مواجهة تغيرات المناخ وكانت من أوائل الدول التى انضمت لكل الاتفاقيات والمعاهدات والمبادرات الدولية المتعلقة بالمناخ, فقد بدأت مسيرة الإمارات للعمل المناخي في عام 1989 بالانضمام إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال عام 1989، والانضمام للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب) عام 1995، والانضمام لاتفاق كيوتو 2005، واستضافة المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آرينا» عام 2009، والانضمام لاتفاق باريس للمناخ في 2015، وتنظيم مؤتمر أبوظبي للمناخ 2019، وتنظيم حوار أبوظبي للمناخ 2021، والمشاركة في حوار القادة للمناخ 2021، بالإضافة إلى استضافة «كوب 28» فى 2023.
 
خامسا: قدمت الإمارات نموذجا عالميا رائد فى مساعدة الدول الأخرى فى مواجهة أثار التغيرات المناخية والتوسع فى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهربائية وغيرها. وفى هذا السياق دعمت الإمارات جهود التحول العالمي نحو تعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة؛ حيث شهدت تمويلات صندوق أبوظبي للتنمية في قطاع الطاقة المتجددة، نمواً ملحوظاً مع نهاية عام 2020, حيث بلغ عدد المشروعات الممولة 90 مشروعاً بقيمة إجمالية بلغت نحو 1.3 مليار دولار استفادت منها 65 دولة فى مناطق مختلفة.
 
2 - نموذج رائد وملهم فى مواجهة التغيرات المناخية:
قدمت الإمارات العربية نموذجا عالميا رائدا وملهما على أرض الواقع للدول الأخرى فى مواجهة التغيرات المناخية والاهتمام بقضية المناخ والتى تمثل نهجا راسخا وأولوية قصوى فى أجندة الدولة داخليا وخارجيا. وقد تبنت الإمارات إستراتيجية شاملة ومتكاملة ترتكز على العمل على تقليل الانبعاثات الكربونية والتوسع فى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة وتوظيف التكنولوجيا فى تحقيق هذا الهدف وتحقيق التنمية المستدامة. وقد أصبحت الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي، عبر إطلاق المبادرة الإستراتيجية لتحقيق الحياد المناخى بحلول 2050، والتي تشكل محركاً وطنياً يهدف إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخى. 
 
وقد برز النموذج الإماراتى فى تقليل الابنعاثات والتوسع فى الطاقة المتجددة وحماية البيئة فى العديد من المجالات:
أولا: التوسع فى الطاقة المتجددة والنظيفة: فقد أعلنت الإمارات عن استثمار 163 مليار دولار في الطاقة النظيفة والمتجددة والتقنيات الرئيسة، فيما تخصص شركة «أدنوك» 15 مليار دولار للاستثمار في حلول منخفضة الكربون ومصادر الطاقة البديلة وتقنيات خفض الانبعاثات. وتستهدف الدولة ضمن إستراتيجية الطاقة حتى عام 2050 مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم حتى 2050، لضمان تلبية الطلب على الطاقة. كما تهدف الإستراتيجية إلى رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50% منها 44% طاقة متجددة و6% طاقة نووية، وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة. 
 
وتمتلك دولة الإمارات اليوم القدرة على إنتاج الطاقة الشمسية الأقل كُلفة في العالم، وهي موطن ثلاث من محطات توليد الطاقة الشمسية الأكبر والأقل كُلفة في العالم، وهي أول دولة في المنطقة تستخدم الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، عبر مشروع براكة, وأول دولة في المنطقة طوّرت ونفّذت آليات التقاط واستخدام وتخزين الكربون على نطاق صناعى. كما تركز الدولة على زيادة استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة المبتكرة، مثل الهيدروجين، من خلال بناء أول مشروع للهيدروجين الأخضر على نطاق صناعي في المنطقة والذي تم إطلاقه في شهر مايو 2021، إلى جانب التوسّع في إنتاج الهيدروجين الأزرق لدعم جهود خلق مزيج متنوع من مصادر الطاقة.
 
ثانيا: التوسع في توظيف التكنولوجيا لمواجهة التغيرات المناخية: توسعت الإمارات فى استخدام التكنولوجيا لخفض الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة. وقد تم تنظيم «ملتقى تكنولوجيا المناخ» لاستكشاف الابتكارات الحديثة والفرص الاستثمارية الداعمة لجهود العالم لتحقيق الحياد المناخى بحلول عام 2050، وقد جاءت تلك المبادرة ضمن استعداد دولة الإمارات لاستضافة «كوب 28»، وإنشاء صناعات قوية لإعادة التدوير وإدارة النفايات، وذلك بتطوير مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، والتطوير المتواصل لتقنيات معالجة المياه والصرف الصحي بغرض تحسين كفاءة المياه عبر خفض الاستهلاك وإعادة الاستخدام. كما تم تبني استخدام التكنولوجيا في تعزيز جودة الهواء. ويرجع الاهتمام الإمارات بتسريع توظيف التكنولوجيا في مكافحة التغير المناخي، إلى المساهمة في تحقيق الحياد الكربوني والتنمية المستدامة، وتأكيد ارتباط الدولة بالتوجه العالمي نحو خفض الانبعاثات، وتعزيز المكانة الدولية في مجال التكنولوجيا الرقمية، وخلق فرص اقتصادية جديدة. 
 
ثالثا: دور الإمارات فى معالجة أثار التغيرات المناخية: خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائى العالمى, حيث تبنت الإمارات الدعوة العالمية للتغلب على تحديات انعدام الأمن الغذائى العالمى وضرورة تبنى حلول وسياسات مبتكرة فى هذا المجال, كما عقدت الإمارات العديد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من ضمنها حملة (وقف المليار وجبة) السنوية التي تنظمها مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية. كما أطلقت الإمارات والولايات المتحدة مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ لتحفيز الابتكار في الزراعة الذكية مناخياً، والتي جمعت أكثر من 13 مليار دولار لتسريع هذا التحول.
 
كما دعت الإمارات كافة الدول إلى الانضمام إلى مبادرة (تعهد التبريد العالمي)، وهو شراكة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة ورئاسة مؤتمر الأطراف COP28، وتتعاون مبادرة تعهد التبريد العالمى, عن قرب مع كل من الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، ومنظمة الطاقة المستدامة للجميع (SEforAll) الدولية، بهدف توفير التبريد وإتاحته للمجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ، خاصة في دول الجنوب العالمي والدول الجزُرية الصغيرة النامية والبلدان الأقل نموا، لحمايتها من شدة الحرارة، والحفاظ على الطعام واللقاحات والأدوية من التلف. وقد حققت الإمارات إنجازا علميا آخر، بوصول القمر الاصطناعي (دي إم سات-1)، القمر البيئي النانومتري الأول من نوعه الذي أطلقه مركز محمد بن راشد للفضاء بالتعاون مع بلدية دبي، إلى مداره حول الأرض يوم 22 مارس2022. 
 
رابعا: دعم البنية التشريعية والمعرفية المناخية: سعت الإمارات إلى تعزيز البنى التشريعية الوطنية، وكذا القدرات البحثية والمعرفية، في مجال مكافحة التغيرات المناخية. وقد أعلن الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة بالإمارات، في مارس 2021، عن البدء في إعداد المسودة الأولى لقانون التغير المناخي، الذي سيكون القانون الوطني الأول من نوعه على مستوى المنطقة، وسيُسهم في دعم جهود التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ودعم الابتكار والبحث والتطوير في مجال العمل من أجل المناخ، وهو القانون الذي سيساهم في دعم جهود الإمارات في هذا الملف، وسيعزز مكانة الدولة في مؤشرات التنافسية العالمية خاصة أن الإمارات دخلت ضمن الـ20 دولة الأوائل عالمياً في 8 مؤشرات خاصة بالتغير المناخي والبيئة لعام 2020.
 
لذلك يكتسب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ كوب28 أهمية كبيرة ويعد محطة فارقة فى مسيرة العالم فى مواجهة أثار التغيرات المناخية وبناء توافق عالمى لتنفيذ الالتزامات السابقة بشأن تقليل الانبعاثات الكربونية والتوسع فى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة من أجل حماية الحياة على كوكب الأرض وتحقيق التنمية المستدامة لحماية حقوق الأجيال القادمة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره