مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-01

كيف انتصرت الصين في صراع النفوذ بإفريقيا؟

 
لم يكن انخراط بكين المتزايد وتحرُّكاتها المُكثَّفة على الساحة الإفريقية منذ أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات سوى تجليّ من تجلِّيات التحوُّلات الجذرية التي اعترت السياسة الخارجية الصينية تزامنًا مع انتهاء الحرب الباردة التي أفضت إلى اختفاء النظام الدولي بهيكله ثنائي القطبية ليحل محله نظام أحادي القطب تتزعمه الولايات المتحدة. وأضحى النظام الدولي بصدد ما اصطُلِح على تسميته وقتئذ بـ «الإمبراطورية الأمريكية» (American Empire)، وهو الأمر الذي فرض على الصين ضرورة مراجعة لسياستها الخارجية، وإيجاد موطئ قدم لها في أقاليم أخرى تتجاوز محيطها الإقليمي بما يُمكِّنها من موازنة الهيمنة الأمريكية، والتصدي لأية محاولات غربية من شأنها عرقلة مسيرة صعودها الاقتصادي.
 
إعداد: جهاد عمر الخطيب 
 
وهكذا، وجدت الصين ضالَّتها في الدول الإفريقية، فانطلقت طيلة حقبة التسعينيات تُدشِّن شراكات مع دول القارة استنادًا لمقاربة مغايرة تمامًا للنموذج الغربي الذي اعتاد الدوران في فلك الأجندة النيوليبرالية منذ الثمنينيات، وما اقتضاه ذلك من فرض مشروطية سياسية واقتصادية لا تتسق وخصوصية الدول الإفريقية، كما أنها لم تضع حدًا لإشكالياتها بل على العكس تمامًا فاقمت أزمات القارة. 
 
وهو الأمر الذي تنبَّهت له بكين جيدًا عند انفتاحها على الدول الإفريقية في تلك المرحلة وما تلاها، فكانت النتيجة مقاربة صينية ترتكز على “لاءات أربع”؛ لا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولا للمشروطية بشقَّيها السياسي والاقتصادي، ولا لفرض العقوبات، ولا سلام بدون تنمية. وبفضل تلك المقارنة، لم تخلق الصين مكانًا لنفسها بين الكبار فحسب، بل إنها أزاحت العديد من القوى الدولية التي حظيت – تاريخيًا- بنفوذ على الساحة الإفريقية.
 
أولًا: دوافع الجانب الصيني للتقارب مع إفريقيا 
كان انفتاح الصين بشكل ملحوظ على الدول الإفريقية منذ مطلع التسعينيات نتاجًا مباشرًا لتحوُّلات اعترت بنية النظام الدولي في نهاية الحرب الباردة، وكذا النظام الإقليمي علاوة على تحوُّلات ومراجعات بالسياسات الصينية الداخلية في تلك المرحلة المهمة من تاريخ الصين والنظام الدولي برمّته. وجاءت تلك التحوُّلات على النحو التالي:
 
(1) تحوُّلات النظام الدولي ككل في نهاية الحرب الباردة: مع انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وتفكُّك الاتحاد السوفيتي، انهارت «الثنائية القطبية» لتحل محلها «الأحادية القطبية»، وتعاظَم الدور الأمريكي وهيمن  سياسياً وعسكرياً على مناطق عديدة حول العالم، وفي صدارتها منطقة الشرق الأوسط. وإزاء المخاوف من تبعات الهيمنة الأمريكية والرغبة في تسريع وتيرة الصعود على الساحة الدولية، انطلقت بكين في تدشين تحالفات مرنة بغية احتواء أي شكل من أشكال الهيمنة أو الضغوط الأمريكية، ولم تجد أفضل من الدول الإفريقية للتقارب معها خصوصًا أنها تتشارك معها في نفس الإرث المعادي للاستعمار الغربي والرغبة في الفكاك من أسر الضغوط الغربية.
 
(2) حالة «عدم اليقين» بشأن البيئة الأمنية الإقليمية: رغم أن انتهاء الحرب الباردة وضع حدًا لحالة الاستقطاب الحاد التي اعترت النظام الدولي طيلة عقود ممتدة من تاريخ تلك الحرب، اعترت بكين آنذاك حالة من «عدم اليقين» بشأن بيئتها الأمنية في خضم شكوك كبيرة حول مستقبل الاتحاد السوفيتي، وطبيعة الدور الأمريكي في آسيا، وكذا الدور الإقليمي المستقبلي لليابان (حليف واشنطن)، وعمَّا إذا كانت نهاية الحرب الباردة تنبئ بتقارب بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، ازدادت حدة التنافس الاقتصادي الدولي لتحل محل سباق التسلح الذي كان سمتًا رئيسيًا للحرب الباردة. وإزاء تلك التعقيدات الإقليمية، وجدت بكين ضالَّتها في تدشين علاقات صداقة وتحالف مع الدول الإفريقية باعتبار ذلك ركيزة أساسية تؤمِّن صعودها الدولي، وتضمن لها مكانًا في عالم «ما بعد الحرب الباردة».
 
(3) التحوُّلات الداخلية الصينية في نهاية الحرب الباردة: 
تزامنًا مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، شهدت الصين جملة من التحوُّلات الداخلية التي سرَّعت من وتيرة مراجعتها لسياستها الخارجية بشكل عام. وبالتبعية، تعزيز دورها على الساحة الإفريقية على وجه الخصوص. وأبرزها العزلة الغربية المفروضة على الصين إثر احتجاجات «الميدان السماوي» في عام 1989 التي خلَّفت هجومًا غربيًا شرسًا على تعامُل السلطات الصينية مع تلك احتجاجات ميدان تيانانمين، وفُرِضت عقوبات على الصين بما في ذلك حظر أو تقييد مبيعات الأسلحة والصادرات التكنولوجية.
 
بيْدَ أن بكين قد نجحت في تحويل العزلة الغربية إلى مدخل قوي لتعزيز تضامن دول الجنوب لا سيما الدول الإفريقية على اعتبار أن النظام الدولي الجديد في أعقاب الحرب الباردة لابد أن تقف فيه جميع الدول على قدم المساواة، ولا يُسمح فيه بالتدخُّل في الشؤون الداخلية للدول النامية، أو ممارسة «سياسات القوة» بدعوى حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
 
هذا، وقد اكتسب الدور الصيني في إفريقيا زخمًا كبيرًا في السنوات التالية لإنتهاء الحرب الباردة، وتحديدًا بالتزامن مع تبنِّي الصين سياسة «الخروج»، والتي تمثَّلت إرهاصاتها في الدعوة التي وجَّهها الرئيس الصيني الرئيس الأسبق جيانج تسه مين Jiang Zemin للشركات الصينية في عام 1996 من أجل الخروج والاستثمار خارج الأراضي الصينية.
 
وثمَّة غايات استهدفت القيادة الصينية آنذاك تحقيقها جرَّاء تبنِّي تلك السياسة، وقد مثَّلت القارة الإفريقية ميدانًا واعدًا لتحقيق مثل تلك الغايات، وفي صدارتها إيجاد موطئ قدم للشركات الصينية في السوق العالمية. وهو أمر يستهدف صقل الشركات الصينية، وتعزيز خبراتها الإنتاجية والتسويقية وكذا ستيعاب التكنولوجيا المتقدمة بما يُعزِّز القدرة التنافسية لتلك الشركات ويقود لتنويع الاقتصاد الصيني، كما أنه يفتح المجال واسعًا أمام الصادرات الصينية بعدما وصلت الأسواق الصينية آنذاك لحالة من التشبُّع.
 
علاوة على ما قد سلفت الإشارة إليه من تحوُّلات داخلية دفعت الصين لتعزيز تقاربها مع إفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة، فإن لمركزية النفط دورًا رئيسيًا في دفع بكين للمُضي قدمًا في توطيد علاقاتها بدول القارة خصوصًا الدول المنتجة للنفط. لم يَعُد بإمكان الصين تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط منذ عام 1993 مما أحالها إلى دولة مستوردة له. ومنذ عام 1995، أضحت إفريقيا في المرتبة الثانية –عقب منطقة الشرق الأوسط- في قائمة الأقاليم المُصدِّرة للنفط إلى الصين بنسبة وصلت إلى حوالي 10,8% من إجمالي الواردات الصينية من النفط.
 
ولذا، لم يكن بمستغرب أن تخطو بكين في تلك الأثناء خطوات ثابتة في مجال صناعة النفط الإفريقية لا سيما في الدول التي شهدت الانسحاب الغربي من تلك الصناعة -كما في الحالة السودانية على سبيل المثال- مما أهَّل الصين ليس لزحزحة النفوذ الغربي في صناعة النفط بالسودان فحسب، وإنما احتكار هذه الصناعة.
 
ثانيًا: المزايا التنافسية للمقاربة الصينية تجاه إفريقيا
ثمَّة مبادئ وتوجُّهات رئيسية للمقاربة الصينية إزاء إفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة، ولا تزال حاضرة حتى اللحظة الراهنة. وقد أضفت تلك المبادئ على المقاربة الصينية مزاياها التنافسية في مواجهة أدوار القوى الغربية على الساحة الإفريقية. وأبرزها ما يلي:
 
(1) احترام سيادة الدول ووقوفها على قدم المساواة: تؤكِّد الصين دائمًا على احترامها لمبدأ عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها وتكاملها الإقليمي؛ إذ اعتادت دائمًا ترديد مقولة أنها «أكبر دولة نامية»، وأنها منفتحة على الدول الإفريقية من منطلق النديَّة والوقوف على قدم المساواة بغض النظر عن المستويات المتفاوتة من الثروة الاقتصادية أو مقدار ما تتمتَّع به من حداثة وتقدم. علاوة على ذلك، فإن الخطاب الصيني الرسمي يؤكِّد دائمًا على احترام الخيارات التنموية للدول الإفريقية، وحق هذه الدول في تبنّي ما ترتئيه من أنماط سياسية واقتصادية وتنموية ملائمة لخصوصيتها دون أيَّة إملاءات خارجية.
 
(2) فك الارتباط بين المساعدات/ الاستثمارات والمشروطية (No Strings Attached): تترتَّب هذه الميْزة منطقيًا على مبدأ عدم التدخُّل، ووقوف الدول قاطبةً على قدم المساواة، ورفض أي شكل من أشكال الوصاية. والصين في ذلك تُقدِّم نموذجًا مغايرًا تمامًا لما درجت القوى الغربية على طرحه من مقاربة بشأن سياساتها الخارجية تجاه الدول الإفريقية؛ فدائمًا ما كانت الوصاية والفوقية سمْتًا للنموذج الغربي، ويتضح ذلك في المشروطية السياسية والاقتصادية المقترنة بالمساعدات والقروض التنموية في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيُّف الهيكلي (SAPs) ، وكذا حثّ الدول الإفريقية على الالتزام بالأجندة الغربية فيما يخص الديمقراطية ومعايير الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان. وهو ما أثبت تاريخيًا فشله كونه لا يتسق وخصوصية السياقات الإفريقية. 
 
(3) مقاربة «الربح للجميع» (Win- Win Approach): اعتادت بكين على تأكيد فكرة الشراكة القائمة على «مبدأ الربح للجميع»، والثقة التي لا تعتريها أية مخاوف إزاء ميول استعمارية أو علاقات غير متكافئة. وتُعتبر «صفقات النفط مقابل البنية التحتية» (Oil For Infrastructure Deals) نموذجًا على النهج التكاملي بين الصين وإفريقيا، وغايته تلبية احتياجات الصين المتزايدة من النفط في مقابل دعم الدول النامية (الغنية بالنفط) على تلبية متطلباتها التنموية عن طريق منحها قروضًا صينية (بدون فوائد أو بشروط ميسَّرة) لتمويل مشروعات البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية.
 
(4) الانخراط الانتقائي للدول الإفريقية التي تعاني عقوبات غربية: تنتهج بكين ما يمكن تسميته بسياسة «الانخراط الانتقائي» (Selective Engagement) مع الدول الإفريقية ليس على أساس ما تزخر به تلك الدول من نفط أو موارد أخرى طبيعية لعقد صفقات البنية التحتية مقابل النفط حسب، بل إنها تستهدف الدول التي تواجه عقوبات غربية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وأبرزها زيمبابوي في فترة حكم روبرت موجابي لزيمبابوي أو السودان تحت حكم عمر البشير منذ أواخر الثمانينيات وطيلة حقبة التسعينيات وما تلاها حتى سقوط تلك الأنظمة. وهي بذلك تُوفِّر بديلًا مناسبًا لتلك الدول من أجل عقد شراكات وتدفُّق الاستثمارات والقروض عِوضًا عن حالة العزلة المفروضة عليها.
 
(5) أسبقية الحضور وتحمُّل المُخاطر: يتسم المستثمر الصيني بالقدرة العالية على تحمُّل المخاطر؛ ولذا، فهو أسبق في الحضور -مقارنةً بالاستثمارات الغربية- في عدد من الدول الإفريقية في مرحلة «ما بعد الصراع» وإعادة الإعمار، وأبرزها أنجولا، والكونغو الديمقراطية، وسيراليون، وجنوب السودان؛ كون الصين تنظر للتحديات الأمنية والسياسية في أي دولة إفريقية باعتبارها فرصًا يمكن أن تخلق منها أرباحًا سياسية واقتصادية. ليس هذا فحسب، بل إن بكين تنتقي قطاعات بعينها تشهد عزوفًا من قِبل المستثمرين الغرب، وأهمها قطاع البنية التحتية حتى أصبحت لاعبًا رئيسيًا في هذا القطاع.
 
ثالثًا: أدوات السياسة الخارجية الصينية تجاه إفريقيا
نجحت بكين في توظيف عدة أدوات لتعزيز دورها على الساحة الإفريقية لتصبح –حسب رؤية العديد من المراقبين- القوة الأجنبية الأولى الأكثر نفوذًا بالقارة، وأبرز تلك الأدوات ما يلي: 
 
(1) الأداة الاقتصادية: ليس ثمَّة مبالغة إن قلنا أن الأداة الاقتصادية تُعَد الأداة الأسبق في الحضور والأكثر هيمنةً على التفاعلات بين الصين وإفريقيا، وأبرز تجلِّياتها المنحى تصاعدي لمعدلات التبادل التجاري على مدار العقدين الماضييْن، والذي وصل إلى أعلى قيمة في عام 2022 (282 مليار دولار )، وذلك بزيادة قدرها 14.5% عن العام السابق (2021). 
 
فضلًا عن ذلك، تزايدت معدلات الاستثمارات الصينية المباشرة بالقارة. وتشير الإحصائيات الصينية الرسمية إلى أنه بحلول نهاية عام 2020، تجاوزت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في إفريقيا نحو 43 مليار دولار، فيما بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في إفريقيا ما يربو على 3500 شركة، أكثر من 80% من موظفيها من السكان المحليين. 
 
هذا، تُعتبر بكين أكبر مصدر للقروض الأجنبية في إفريقيا؛ إذ قدَّمت حوالي 1180 قرض لدول القارة بقيمة 160 مليار دولار بين عامي 2000 و2020، ونحو ثُلثيّ تلك القروض تمَّ تخصيصه لتمويل مشروعات في مجالات النقل والمواصلات والطاقة والتعدين. وقد تزايدت القروض الصينية لإفريقيا بالتزامن مع تسارُع وتيرة النمو الاقتصادي الصيني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وإطلاق مبادرة “الحزام والطريق” الصينية  في عام 2013 حيث بلغت التزامات الإقراض الصينية السنوية لإفريقيا ذروتها. 
 
(2) الأداة العسكرية: بالتزامن مع تنامي الدور الاقتصادي الصيني في إفريقيا، واتساع حجم المصالح الاستراتيجية الصينية في القارة وتعقُّدها لا سيما ما يخص الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة والتعدين، فضلًا عن كون إفريقيا أكبر مكون إقليمي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، كان لزامًا تعزيز انخراط بكين في عمليات حفظ السِّلم الأُممية في إفريقيا. 
وفي هذا الصدد، سعت بكين منذ التسعينيات إلى تعزيز انخراطها في عمليات حفظ السِّلم التابعة للأمم المتحدة حتى أضحت الدولة الأكبر إسهامًا من حيث عدد القوات المشاركة في البعثات الأُممية (40 ألف صيني يدعمون 25 بعثة أُممية لحفظ السِّلم) مقارنةً ببقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ، كما تحتل المرتبة الثانية –عقب الولايات المتحدة– في قائمة الدول الأكثر إسهامًا في تمويل عمليات حفظ السِّلم تحت مظلة الأمم المتحدة بنسبة وصلت إلى 15.21% من إجمالي الميزانية المُخصصة لتلك العمليات.  
 
وقد حظيت القارة الإفريقية بنصيب الأسد من إسهامات بكين في هذا الصدد؛ وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن ما يربو على الـ 80% من قوات حفظ السلام العسكرية الصينية متمركزة في إفريقيا، كما أن 75% من إجمالي المساهمات المالية التي تُقدِّمها الصين في عمليات حفظ السلِّم التابعة للأمم المتحدة موجَّهة لعمليات حفظ السِّلم المتمركزة في إفريقيا. 
فضلًا عن ذلك، دشَّنت الصين نحو 10 مشروعات في مجال الأمن والسِّلم في إطار الخطة الثلاثية الأولى لـ “رؤية التعاون الصيني الإفريقي 2035” التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينج إبَّان افتتاح المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى “فوكاك” في نوفمبر 2021. وتستهدف تلك المشروعات -وغيرها من التحرُّكات الصينية في هذا الشأن- تقديم الدعم العسكري والتقني للاتحاد الإفريقي، ودعم جهود الدول الإفريقية لتعزيز الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب، إلى جانب إجراء تدريبات مشتركة بين قوات حفظ السلام الصينية والإفريقية، والتعاون في مجال مراقبة الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة.
 
(3) الأداة الدبلوماسية وأدوات القوة الناعمة: تولي بكين قدرًا كبيرًا للأداة الدبلوماسية في علاقاتها بالدول الإفريقية؛ ويتجلى ذلك في منح القارة دائمًا الأولوية على أجندة الزيارات والجولات التي يضطلع بها الرئيس الصيني ووزير خارجيته، فضلًا عن بلورة خطط عمل ومسارات تحرُّك لتعزيز التعاون الصيني الإفريقي، وكان أحدثها «رؤية التعاون الصيني الإفريقي 2035» والتي تُعتبر بمثابة خارطة طريق تُحدِّد أولويات واتجاهات وأهداف التعاون في الأجليْن المتوسط والطويل. إلى جانب تعزيز دبلوماسية الوساطة الصينية في الصراعات الإفريقية كما في مالي وجنوب السودان وإثيوبيا وغيرها، وذلك بالتعاون والتنسيق مع الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية بالقارة.
 
وعلى مدار العقدين الماضييْن، اهتمت بكين بتعزيز أدوات قوتها الناعمة في إفريقيا؛ فإلى جانب تنامي حجم الاستثمارات الصينية في مشروعات البنية التحتية من مدارس ومستشفيات وملاعب رياضية، وطرق، وكباري، وجدولة الديون الإفريقية أو إسقاطها بشكل كامل، استخدمت الصين عدة أدوات أخرى لتعزيز تقاربها مع الشعوب الإفريقية، وفي صدارتها تدشين معاهد حوالي 61 معهد كونفوشيوس عبر أنحاء القارة الإفريقية بغية نشر اللغة والثقافة الصينية، وكذا دعم خطوات إنشاء أقسام للغة الصينية في أكثر من 30 جامعة إفريقية، وقامت نحو 16 دولة إفريقية بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية. وتشير التقديرات إلى أنه منذ عام 2004، أرسلت الصين إجمالى 5500 مدرس ومتطوع لتعليم اللغة الصينية في حوالي 48 دولة إفريقية.
 
فضلًا عن ذلك، تواصل بكين تقديم المنح الدراسية للطلاب الأفارقة. وخلال الفترة القصيرة الممتدة بين عامي 2016 و 2018 فحسب، شهدت أعداد الطلاب الأفارقة بالصين قفزة هائلة من حوالي 40 ألف لتصل إلى 60 ألف طالب. وتُعد الصين الوجهة الثانية –عقب فرنسا- للطلاب الأفارقة الراغبين في استكمال تعليمهم خارج القارة. ففي عام 2020، استضافت فرنسا ما يقرب من 126 ألف طالب إفريقي، فيما تأتي الصين بالمرتبة الثانية بحوالي 81.5 ألف طالب، بينما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بحوالي 48 ألف طالب إفريقي.
 
وعلى صعيد الأدوات الإعلامية، نجحت بكين في بناء أكبر شبكة من المراسلين في جميع أنحاء العالم من خلال وكالة أنباء شينخوا (المملوكة للدولة). وللوكالة ما يربو على 28 مكتبًا في جميع أنحاء إفريقيا، وهي تنخرط بفاعلية في العديد من الفعاليات بتلك الدول في مختلف المجالات، وتُقدِّم –هي وغيرها من وسائل الإعلام الصينية- أحيانًا محتوى مجاني لوسائل الإعلام الإفريقية، كما افتتحت شبكة تلفزيون الصين العالمية (CGTN)  -المعروفة سابقًا باسم CCTV Africa- مقرها الإقليمي في نيروبي بكينيا في عام 2012، وفي العام ذاته، بدأت “تشاينا ديلي” (China Daily) بإصدار طبعة أسبوعية خاصة بإفريقيا.
 
وصفوة القول إن الصين قد نجحت في تقديم نفسها للدول الإفريقية باعتبارها شريكًا تنمويًا يقف معها على قدم المساواة، ويأبى ممارسة الاستعلاء أو التدخُّل في شؤونها الداخلية، وإنما يُعزِّز شراكاته الاستراتيجية مع دول القارة استنادًا لمقاربة «الربح للجميع»، والحق الأصيل للدول الإفريقية في اختيار وتبنّي المسار التنموي الخاص بها بما يتسق وخصوصية سياقاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم المحاذير أو الملاحظات التي أبداها المراقبون بشأن تبعات تنامي النفوذ الصيني على دول القارة، لكن يظل المكسب الأهم والأكبر لإفريقيا في كون هذا النفوذ الصيني قد دفع العديد من القوى الدولية والإقليمية خلال السنوات القليلة الماضية إلى إجراء مراجعات لسياستها الخارجية، والاتجاه نحو الانفتاح على القارة الإفريقية، وخلق آفاق تعاونية في العديد من المجالات.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره