مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-06-01

كيف نواجه خطاب الكراهية على الفضائيات الطائفية؟

في شهر أكتوبر من العام 2010، أصدرت شبكة "سي إن إن" بياناً نادراً من نوعه، قالت فيه إن مقدم البرامج الشهير "ريك سانشيز" لم يعد يعمل معها، وشكرته على السنوات التي أمضاها في خدمتها، كما تمنت له الخير، بعدما كان أحد أبرز نجومها، ومذيعاً بارزاً لواحد من أهم البرامج على شاشتها.
 
إعداد:ياسر عبد العزيز
 
في شهر أكتوبر من العام 2010، أصدرت شبكة «سي إن إن» بياناً نادراً من نوعه، قالت فيه إن مقدم البرامج الشهير «ريك سانشيز» لم يعد يعمل معها، وشكرته على السنوات التي أمضاها في خدمتها، كما تمنت له الخير، بعدما كان أحد أبرز نجومها، ومذيعاً بارزاً لواحد من أهم البرامج على شاشتها.
 
كان «سانشيز» قد أدلى بتصريحات فُهم منها أنه يجرح مشاعر المواطنين اليهود؛ وهو أمر استدعى الكثير من الانتقادات له وللمحطة، استناداً إلى أن حرية التعبير التي يكرسها التعديل الأول في الدستور الأمريكي لا تعني أبداً «تجريح الجماعات العرقية والدينية والطعن في أخلاق أعضائها بسبب ما يعتقدونه».
 
قبل هذه الواقعة الشهيرة بثلاث سنوات، أعلنت شبكة «إم إس إن بي سي» الأمريكية الشهيرة قطع علاقتها مع الإذاعي البارز «دون إيموس»، كما أوقفت بث برنامجه اليومي «إيموس في الصباح»، بسبب ما قالت إنه «تورطه في تصريحات عنصرية».
 
حدثت هذه الواقعة في شهر سبتمبر من العام 2007، حيث كان «إيموس» يمارس هوايته في النيل من الأقليات مثل السود، واليهود، والمسلمين بتصريحات عنصرية تحط من شأن أعضاء تلك الجماعات، وتثير الكراهية ضدهم.
لكن الشبكة التي يعمل بها هذا الإعلامي لم تتحمل تلك الممارسات، خصوصاً وأنها سبق وأن تلقت الكثير من الشكاوى من منظمات ومواطنين تطالب بالتحقيق مع هذا المذيع المثير للجدل، والعمل على إيقاف تجاوزاته؛ وهو الأمر الذي حمل الشبكة على الاعتذار عن «إساءات» تورط بها «إيموس» في العام 2004 ضد الأقلية المسلمة في البلاد.
 
الحرية لا تعني العنصرية
يعد «التعديل الأول» الذي طرأ على الدستور الأمريكي مفهوماً مركزياً يؤطر الممارسة الإعلامية، وغيرها من الممارسات المتصلة بحرية الرأي والتعبير، في الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل معقلاً لليبرالية والحرية بامتياز.
وينطوي هذا التعديل على فكرة حظر سن أي قانون يحد من حرية الكلام، لكنه ينطوي أيضاً على فكرة عدم سن قوانين من شأنها الحض على ممارسة شعائر دين معين أو الامتناع عن ممارسة شعائر دين معين.
يعطي التعديل الأول الحرية بيد للأمريكيين، لكنه يمنعهم من سن القوانين التي تؤدي إلى تمجيد دين والحط من آخر باليد الأخرى.
 
يوفر هذا الاقتراب أساساً نظرياً صالحاً لفهم ما جرى مع «سانشيز» و»إيموس»؛ فقد أُتيحت كافة الفرص لهذين النجمين للبروز وحصد الشهرة والإعجاب، كما كانت لديهما كافة الصلاحيات التي تمكنهما من ممارسة عملهما بحرية، ولطالما تفننا في نقد الأوضاع السائدة، وشن الهجمات الحادة على عتاة السياسيين.
 
لكن هذين المذيعين تجاوزا ما يمكن اعتباره «خطاً أحمر» في نظام إعلامي يوصف بالانفتاح والليبرالية... وهذا الخط يتعلق بأخطاء كبيرة؛ مثل «إثارة الكراهية»، و»التمييز الطائفي والعرقي»، و»الطعن في أصحاب العقائد».
لا يحدث هذا في الجانب الغربي من المحيط الأطلسي فقط، لكنه يحدث بدرجة أكبر ربما في الجانب الشرقي أيضاً.
 
وماذا عن أوروبا؟
في شهر يوليو من العام 2004، قرر المجلس الأعلى للإعلام المسموع والمرئي في فرنسا تقديم طلب إلى «مجلس الدولة» لإيقاف بث قناة «المنار» على الأقمار الاصطناعية الأوروبية داخل البلاد؛ وهو الأمر الذي حدث بالفعل في غضون العام نفسه، بعدما اتهمت سلطات الإعلام الفرنسية القناة بأنها «تبث محتوى لا يمكن احتماله».
 
كانت قناة «المنار» في هذا الوقت تذيع مسلسلاً عربياً رأت السلطات الفرنسية أنه «معاد للسامية»، إضافة إلى جملة أخرى من البرامج والممارسات، التي اعتبرت تلك السلطات أنها «مسيئة ومحرضة على الكراهية».
وبعيداً عن التقييم السياسي لما تقدمه قناة «المنار» من جهة، أو الموقف السياسي الفرنسي من قضية الشرق الأوسط وأطرافها من جهة أخرى؛ فإن ما يهمنا من هذه القصة تحديداً هو ما يتعلق بالنظام العام في فرنسا؛ وقدرته على الدفاع عن حرية الرأي والتعبير وصيانتها، ثم التدخل بوسائل قانونية وتنظيمية لإيقاف ممارسات غير مقبولة من جانبه إذا استدعت الحاجة.
ثمة قصة أخرى يمكن أن توضح تلك الآلية في العمل؛ وهي قصة تتعلق بأوروبا أيضاً.
 
ففي العام 2010، اتصلت سلطات القمر الاصطناعي الأوروبي (يوتلسات) برئيس شركة «نايل سات» المصرية، وهي الشركة التي تمتلك وتدير القمر الاصطناعي المصري الذي يحمل الاسم ذاته، طالبة منه العمل فوراً على إيقاف بث «قناة دينية» معينة، ضمن الحزمة التي تبثها «نايل سات» على القمر الاصطناعي «يوتلسات».
سألت الشركة المصرية عن سبب هذا الطلب الغريب، فكانت الإجابة أن «تلك القناة تبث محتوى يطعن في أتباع دين معين، ويحرض على التمييز ضدهم».
وقد استجابت الشركة المصرية لهذا الطلب على الفور.
 
سيمكن القول بالطبع إن معظم تدخلات الدول الغربية للحد من الممارسات الإعلامية التي تثير الكراهية، أو تحرض على أتباع دين معين، أو تستهدف الجماعات العرقية، إنما تتعلق بأتباع الدين اليهودي تحديداً.
والواقع أن كثيراً من تلك التدخلات تخص بالفعل ممارسات تستهدف اليهود، لكن المؤكد في الوقت نفسه أن بعضها كان يصب في مصلحة المسلمين أو المنتمين إلى أديان أخرى غير الديانة اليهودية.
 
«منتدى الإعلام» يطرح المشكلة
لقد بات «منتدى الإعلام العربي» أهم محفل إعلامي في المنطقة بامتياز، مكرساً نفسه كآلية دورية لتشخيص الهموم والمشكلات الإعلامية، ومناقشتها من مختلف جوانبها، واقتراح سبل تجاوزها، في إطار يجمع بين الرصانة العلمية من جانب، والحيوية والمرونة من جانب آخر.
وإضافة إلى ذلك، فإن المنتدى يلعب دوراً مهماً ونادراً في البيئة الإعلامية العربية، عبر جائزة الصحافة السنوية، التي يمنحها لنحو 13 صحفياً عربياً كل عام، من خلال منافسة تتوافر لها أفضل قواعد النزاهة؛ وهو أمر يكرس قيم العمل الصحفي الرشيد، عبر مكافأة أنماط الأداء الجادة والمعيارية.
 
ويجتهد القائمون على المنتدى عاماً بعد عام لإلقاء الضوء على أبرز القضايا التي تتفاعل في الإطار الإعلامي العربي، ويحرصون على اختيار الشخصيات الأقدر على مقاربة تلك القضايا، ضمن سياقها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبشكل يعالج اهتمامات معظم بلدان العالم العربي وأوضاعها الخاصة، التي تختلف من دولة إلى أخرى، ضمن السياق العربي العام.
 
وفي الدورة الثالثة عشرة للمنتدى، التي شهدتها دبي في الفترة من 20 إلى 21 من شهر مايو الجاري، تمت مناقشة عدد من أبرز القضايا الإعلامية العربية؛ وأهمها «التحريض والفتن» عبر وسائل الإعلام، والممارسات الإعلامية المسيئة التي تؤدي إلى «التصعيد الطائفي»، إضافة إلى طرح «سؤال المصداقية»، وتشريح الظواهر المرتبطة بما يسمى بـ «الإعلام الجديد»، وبحث مستقبل «الإعلام التقليدي»، وخصوصاً الصحافة المطبوعة، وصولاً إلى «الحروب الافتراضية»، التي تشتعل في مواقع التواصل الاجتماعي، دون إغفال بحث المقاربة الإعلامية للتطورات السياسية الحادة، التي شهدتها بلدان التغيير في العالم العربي، على مدى السنوات الأربع الأخيرة.
 
التحريض الطائفي والأثير العربي
وتحت عنوان «الإعلام العربي والتصعيد الطائفي»، عقد المنتدى جلسته الرابعة، التي استضاف خلالها عدداً من أبرز خبراء السياسة والإعلام العرب للحديث عن تلك القضية الخطيرة والمؤثرة.
سيكون من الصعب إدراك حجم الخطورة التي تنطوي عليها تلك القضية من دون تشخيص المجال الذي تنشط فيه؛ وهو مجال يتسع باطراد، ويتمتع بتدفقات مالية كبيرة.
فمن بين 1320 قناة فضائية عربية، هناك 125 قناة دينية؛ إذ تحتل الفضائيات الدينية المرتبة الثالثة بين غيرها من التخصصات، وفق دراسة لاتحاد الإذاعات العربية صدرت مطلع العام 2014.
ويزيد عدد القنوات الدينية العربية على تلك المتخصصة في المنوعات (الموسيقى والغناء)، كما يزيد بأكثر من الضعف مقارنة بالقنوات الإخبارية.
 
لكن الشكاوى تتزايد جراء أنماط الأداء التي تعتمدها بعض تلك القنوات الـ 125، وخصوصاً تلك القنوات التي تتخذ طابعاً مذهبياً، وتنحو منحى طائفياً، وتستخدم لغة تحريضية، بدافع إثارة الكراهية، وتمجيد العنف.
لا يوجد إحصاء يوضح عدد القنوات التي يمكن وصفها بأنها «مذهبية» أو «تحريضية» صرفة، كما لا يمكن استبعاد فرضية أن بعض تلك القنوات الـ 125 يقدم محتوى متبايناً لجهة الاعتدال والتطرف، بشكل يرتبط بمقدمي البرامج أو الأطقم العاملة فيها أحياناً.
لكن وثائقياً مميزاً أذاعته «بي بي سي» قبل شهرين، تحت عنوان «أثير الكراهية»، أشار إلى أن عدد تلك القنوات يبلغ العشرات، وأن أموالاً كثيرة تتدفق عليها خصوصاً من دول نفطية غنية في الخليج، تتزايد فيها مشكلة المذهبية، وتعرف احتقاناً طائفياً.
 
الحل في التنظيم
يعتقد البعض أن الدول الغربية المتقدمة تقصى الدين تماماً من الحياة الاجتماعية، وتجعله مقتصراً على بعض الممارسات والشعائر فى دور العبادة، وتحد من الحديث عنه أو تقيد حرية الدعوة إليه، وهو أمر غير صحيح بالطبع.
فكثير من الدول الغربية المتقدمة تشهد أنماطاً متباينة من التدين، والغالبية العظمى منها تتيح بث قنوات فضائية تقدم محتوى دينياً؛ باعتبار أن الدين ركيزة مهمة لدى شعوبها، وأن تقديم المحتوى الدينى والحق فى التعرض له أحد الحقوق الأساسية للمواطن والمقيم.
 
ولذلك، فإن تلك الدول تعرف عدداً من القنوات التى تقدم المحتوى الدينى فقط، كما تعرف قنوات أخرى تقدم محتوى منوعاً لكنها تخصص مساحة من بثها لتقديم برامج ومتابعات دينية.
وقد استطاع عدد من تلك الدول المتقدمة وضع أسس وقواعد إرشادية لتقديم المحتوى الدينى، بحيث تلبى حاجة الجمهور من الجرعات الإعلامية الدينية المطلوبة، وتحدد أسس الممارسة المهنية، وتحد من إمكانية وقوع الأخطاء فى هذا المجال الحساس فى الوقت نفسه.
 
وتتضمن تلك القواعد ضرورة ألا يتضمن المحتوى الدينى المقدم أى محاولة لـ «استقطاب» أتباع الأديان الأخرى، من خلال الإلحاح عليهم أو تقديم مزايا وإغراءات لهم.
ويتم إلزام تلك القنوات أيضاً بضرورة تفادى الحديث السلبى عن الأديان الأخرى، وعدم الطعن فى تلك الأديان، أو المساس بها أو بمعتنقيها. وإذا استدعت الضرورة ذكر تلك الأديان، أو «رسلها»، أو رموزها، أو أتباعها، ضمن معالجة إعلامية ما؛ فيجب ألا يتم هذا من خلال مقارنة تعزز موقف الديانة التى تروج لها القناة، في مقابل الحط من شأن الآخرين، كما ينبغى أن يتم هذا بالقدر الواجب من الاحترام لأصحاب المعتقدات الأخرى.
 
وتلزم تلك الدول القنوات الدينية أيضاً بضرورة احترام الحقائق العلمية، وعدم تقديم معلومات أو أفكار «مشوهة» أو تم دحضها علمياً، أو «تروج أو تشجع على ممارسات يمكن أن تسبب الأذى للمستهدفين أو أى من أفراد الجمهور». كما تلزمها بتجنب «التمييز» بين أفراد الجمهور استناداً إلى هوياتهم الدينية أو ممارساتهم الشعائرية.
تحدث بالطبع انتهاكات عديدة لتلك المعايير من قبل عدد من القنوات الدينية؛ ولذلك فإن تلك الدول تنشئ أجهزة تتضمن آلية لتلقى الشكاوى فى حق أنماط الأداء المسيئة، وتحقق فيها، وتنزل العقوبات المالية الموجعة بحق مرتكبيها.
 
وفي أحيان أخرى تنتفض تلك القنوات الفضائية، أو تتدخل أجهزة تنظيم البث لإيقاف مذيعين أو برامج بعينها، بعدما يثبت التجاوز في حق تلك القيم والمعايير، وبالشكل الذي يحافظ على وحدة المجتمع وسلامته، ويحد من فرص التطرف وإثارة النعرات العصبية والعرقية والطائفية، والتحريض على العنف وإشاعة الكراهية.
تلك هى بالطبع الطريقة الناجعة التى يمكن أن يتم التعامل بها مع القنوات الدينية العربية التى يمثل وجودها ضرورة ملحة وحقاً أصيلاً للجمهور العربي المتدين بطبعه، أما الدعاوى بإغلاق القنوات الدينية، أو منع الترخيص لها، أو الحد من حريتها، أو فرض قيود عليها، فلن تؤدي إلى حل تلك المشكلة.
 
حسناً فعل منتدى الإعلام العربي بطرحه تلك القضية المهمة للنقاش، وحسناً سيفعل النظام الإعلامي العربي إن استطاع إرساء قواعد ومعايير تحفظ للقنوات الدينية حريتها في تقديم المحتوى الديني، وتحفظ للمواطن العربي حقه في التزود بهذا المحتوى، دون أن تسمح بإشاعة الكراهية والتحريض الطائفي عبر الأثير.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره