مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-08-01

مخاطر تعرض الجنود للانفجارات في ميادين القتال

يمكن تعريف الانفجار بأنه اندفاع الغازات فجأة وبعنف من حيز محصور، مصحوباً بحرارة عالية، وصدمة عنيفة وصوت عال، وتوليد الغازات واندفاعها بعنف هما المعياران الرئيسان لشدة الانفجار، وهما موجودان في كل نوع من أنواع الانفجارات الأساسية، ومنها الانفجار الكيميائي الذي يتعرض له المقاتلون في الميدان، والذي ينطوي على تحول سريع جداً للمادة من حالة الصلابة أو السيولة إلى الحالة الغازية، ويكون حجم الغازات الناتجة أكبر بكثير من حجم المادة التي تولدت منها.
 
إعداد:  د. شريف علي محمد
 
مع زيادة قوة الانفجارات زادت أخطار الإصابات، وللبدء بالتعامل مع هذا التحدي كان من الضروري تفهم تأثيرات الانفجارات التي يتعرض لها المحاربون، والتي تتسبب في إحداث إصابات بعدة طرق، فالإصابة الأولية في الانفجارات تحدث بسبب التأثير المباشر لموجة الضغط الناتجة عن الانفجار على الجسم، كما يمكن أن تنتج الإصابات عن اختراق الشظايا المندفعة من مركز الانفجار لأجسام المصابين، أو عن اندفاع أجساد المصابين أنفسهم لمسافات متفاوتة، وفقاً لبعدهم عن مركز الانفجار، واصطدامهم بالأجسام الصلبة الموجودة في البيئة المحيطة، وهذا يحدث نتيجة الاندفاع السريع لكميات ضخمة من الغازات بعيداً عن مركز الانفجار، وبالتالي، تدفع هذه الغازات الأشخاص القريبين من مركز الانفجار، أو الذين يعترضون مسار هذه الغازات عند نقاط الهروب الضيقة، مثل الأبواب أو النوافذ، وقد تحدث الإصابات بسبب الطاقة الحرارية الناتجة عن الانفجار والحرائق الناجمة عنها، وتهدم المباني، والاختناق، واستنشاق الغازات المحترقة والغبار.
وعندما يقوم طاقم طبي مؤهل بفحص أحد المصابين في انفجار، يستفسر الطاقم عادة عن حجم الانفجار ومكان وقوعه، وذلك نظراً لما تعطيه هذه المعلومات من دلائل حول حجم الإصابة، كما يتم فحص الأذن، وقاع العين، والبطن، وإجراء أشعة سينية للصدر، وذلك لتقييم الإصابات الناتجة عن موجة الضغط، والتي غالباً ما تكون غير ظاهرة خارجياً.
 
موجة الضغط
تنطلق موجة الضغط من مركز الانفجار بسرعة فوق صوتية على نحو دائري، وتفقد سرعتها وطاقتها تدريجياً، ولكن في التفجيرات تحت الماء لا تفقد موجة الضغط قوتها بسرعة، وتصل لمدى بعيد، حيث يصل مداها القاتل إلى ثلاثة أضعاف المدى القاتل لنفس الشحنة المتفجرة في الهواء، ويزداد الضغط إلى أقصى درجة في أجزاء من الثانية بعد لحظة الانفجار، وتعتمد قوة موجة الضغط على قوة الشحنة المتفجرة والبعد عن مركز الانفجار، كما يؤدي اصطدام موجة الضغط بأسطح صلبة مثل الحوائط، إلى انعكاس وارتداد موجة الضغط بقوة، ليزيد الضغط عدة أضعاف في المنطقة بين مركز الانفجار والأسطح الصلبة العاكسة، ولذلك قد يتسبب انفجار بسيط في إصابات شديدة إذا ما تصادف وجود المصابين بين مركز الانفجار وأحد الحوائط، كما أن الشحنات المتفجرة البسيطة تكون مدمرة إذا ما انفجرت في أماكن مغلقة. 
أما الغازات المندفعة بعيداً عن مركز الانفجار، فتتحرك بسرعة أبطأ من موجة الضغط ولمسافة قصيرة، ويتركز تأثيرها التدميري على المنطقة المحيطة بمركز الانفجار فقط، وهذا التأثير يزيد بشكل محدود مع الانفجارات الكبيرة.
ويعتقد إن الإصابات الأساسية تنتج عن التعرض لموجة الضغط الفائق الناجم عن الانفجار ذاته، فموجات الضغط تنتقل بسرعات فائقة جداً، وتتأثر بالبيئة المحيطة بها، مثل الحيز المقفل داخل مركبة، فإذا كان الضغط قاسٍ جداً يستطيع جعل الأعضاء المملوءة بالهواء، مثل الرئة، تتداعى، أما التجاويف المليئة بالسوائل، مثل الدماغ، فهي عرضة للإصابة بشكل خاص. 
 
والإصابات الناتجة عن موجة الضغط تعتبر الأكثر تعقيداً، على الرغم من أن بعض الإصابات الأخرى الناتجة عن الشظايا والاصطدام بالأجسام الصلبة، والحروق الناتجة عن الانفجار قد تكون أكثر خطورة، إلا أن كل هذه الإصابات ظاهرة للعيان، على خلاف الإصابات الناتجة عن موجة الضغط، التي قد لا تكون ظاهرة، وعادة ما يجب البحث عنها بدقة، وهي تحتاج إلى أطباء متخصصين في رعايتها وعلاجها، وتؤثر الإصابات الأولية الناتجة عن موجة الضغط العالي على أعضاء الجسم التي تحتوي على غازات، وتحديداً الأذن، والجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، ومن بين هذه الأعضاء تعتبر الأذن هي الأكثر حساسية، والجهاز التنفسي هو الأكثر خطورة.
 
إصابات الأذن
بالنسبة للإصابات في الأذن، يعمل صوان الأذن Ear Penna وقناة الأذن الخارجية على تقوية موجة الضغط وتجميعها لتصل لغشاء طبلة الأذن Tympanic Membrane، حيث تتحول موجات التضاغط أو الضغط إلى طاقة حركية تنتقل للأذن الوسطى، وابتداء من زيادة في الضغط، لا تتعدى 0.34 ضغط جوي، يشعر المصاب بألم في الأذن، ولا تتحمل أي أذن بشرية زيادة تبلغ 1 ضغط جوي، حيث ستتمزق طبلة الأذن لدى معظم الأفراد الذين يتعرضون لهذه الزيادة في الضغط، ومع زيادة أكثر في الضغط قد تنخلع عظيمات الأذن الوسطى أو تنكسر، وعلى الرغم من أن هذه الضغوط قد تبدو بسيطة إلا أن سرعة تكون هذا الفارق في الضغط، وعدم قدرة الأذن على معادلة الضغط بنفس السرعة هو الذي يتسبب في تمزق طبلة الأذن.
 
والأذن هي الأكثر تعرضاً للإصابة في الانفجارات، ويتسبب تمزق طبلة الأذن في سماع المصاب لصوت صفير، وألم، وفقدان للسمع، ويمكن التعرف على تمزق طبلة الأذن من خلال وجود نزيف بسيط من قناة الأذن الخارجية، أو باستخدام منظار الأذن، ولكن النزيف من قناة الأذن الخارجية قد يحدث بسبب كسر في قاع الجمجمة أيضاً، وهو وارد في حالة الانفجارات.
 
إصابات الرئة
تتسبب إصابة الرئة نتيجة الانفجارات في معظم حالات الوفاة، حيث تحدث كدمات شديدة لأنسجة الرئة، وتتمزق الجدران الرقيقة للحويصلات الهوائية والشعيرات الدموية التي تحيط بها، وبالتالي يحدث نزيف في الرئة، مع صعوبة شديدة في التنفس، وقد يتسبب الانفجار في كسور في الضلوع، وتسرب الهواء إلى داخل الكيس البلوري Pleural Sac الذي يحيط بالرئة، بما يعيق عملية التنفس. 
ومثلما يسمح تمزق جدران الحويصلات الهوائية بهروب الدماء إلى داخل هذه الحويصلات، فإنه يسمح أيضاً بهروب الهواء إلى الدورة الدموية، وهذا هو السبب الرئيسي للوفيات التي تحدث خلال ثوان أو دقائق معدودة من وقوع الانفجار، والهواء المتسرب إلى الدورة الدموية يتحرك في شكل فقاقيع قادرة على سد الشرايين الهامة في الجسم، وقد يتسبب في إيقاف وصول الدماء لشرايين الجهاز العصبي المركزي أو للشرايين التاجية المغذية للقلب.
وإصابة الرئة قد تتسبب في إحساس المصاب بضيق في التنفس، وألم في الصدر، وبصاق دموي، وسرعة في التنفس، وقد يوضح الفحص الطبي الدقيق والأشعة السينية على الصدر حجم الإصابة ونوعها. 
 
إصابات الجهاز الهضمي
قد يتأثر أي جزء يحتوي على غازات في الجهاز الهضمي من موجة الضغط، والأكثر شيوعاً هو إصابة الأمعاء الغليظة، نظراً لاحتوائها على قدر أكبر من الغازات، مقارنة بباقي أعضاء الجهاز، ونادراً ما يحدث تمزق في الكبد أو الطحال نتيجة لموجة الضغط الانفجارية فقط، دون وجود علامات على إصابة مباشرة لهما تسبب بها جسم صلب، والإصابات التي تحدث للأمعاء أو المعدة تتراوح بين نزيف من جدار الأمعاء أو تمزق جدارها، وهذه الإصابات أكثر خطورة من إصابات الأذن، ولكنها أقل خطورة من إصابات الرئة، وتحتاج إلى رعاية طبية جيدة، وفي بعض الأحيان، تتطلب تدخلاً جراحياً لإصلاح جدار الأمعاء في حالات تمزقه.
وإصابة الجهاز الهضمي قد لا تسبب أي أعراض، أو قد تتأخر أعراضها لعدة ساعات، أو حتى يوم، وقد تظهر في صورة ألم شديد في البطن، وتحتاج إلى إجراء فحوصات وأشعة للتأكد من وجودها، وتحديد مكانها.
 
إصابات الدورة الدموية
يتسبب تسرب الهواء إلى الدورة الدموية نتيجة لإصابة الرئة، في خلال ثوان أو دقائق معدودة، في أعراض مختلفة، وفقاً للأوعية الدموية التي تأثرت بوجود الهواء، ويمكن أن يفقد المصاب تركيزه تدريجياً، ويصبح مشتتاً، وغير قادر على تمييز الظروف المحيطة به، ويغيب عن الوعي، إذا ما تأثرت الشرايين المغذية للجهاز العصبي المركزي، والمخ تحديداً، كما أن تأثر الشرايين التاجية يتسبب في ألم شديد في الصدر، يماثل الأزمات القلبية، ولكن معظم الأعراض المصاحبة لتسرب الهواء إلى الدورة الدموية تحتاج إلى أطباء ذوى خبرة لتمييزها والتعرف عليها.
 
الإسعاف الميداني
تمثل أعراض الإصابات الناتجة عن موجة الضغط جزءاً من مجموعة أكبر من الإصابات المتعددة، التي تحدث عادة في الانفجارات، وفي حالة الانفجارات الكبيرة تطبق نفس القواعد الأولية لتقويم وإسعاف أي نوع من الإصابات أو الحوادث، و ترتيب هذه القواعد كما يلي:
- طلب النجدة أو العون من أفراد مدربين ومؤهلين طبياً.
- التأكد من سلامة مجرى الهواء.
- التأكد من تنفس المصاب تلقائياً.
- التأكد من وجود نبض، وقياس عدد النبضات في الدقيقة.
- إيقاف أي نزيف وتجبير أي كسور.
- نقل المصاب إلى أقرب مركز يكون مؤهلاً لتقديم الخدمة الطبية له.
ولكن يراعى في إسعاف مصابي الانفجارات عدم إعطاء كميات  كبيرة من المحاليل أو السوائل، لأنها قد تؤدي إلى تفاقم حجم الإصابة في الرئة، ومراعاة تحريك المصاب بحذر، وتحت إشراف أفراد مؤهلين طبياً لذلك، نظراً لأن الكسور في العمود الفقري والرقبة قد تتفاقم مع أي حركة غير سليمة، متسببة في الشلل، أو الوفاة، كما يجب عدم السماح للمصاب بالكثير من الحركة، حتى لو كان قادراً على ذلك، نظراً لأن المزيد من الجهد يزيد من احتمال حدوث تسرب للهواء إلى الدورة الدموية، ويزيد النزيف داخل الرئة.
وتسرب الهواء داخل الدورة الدموية يمكن أن يؤدي إلى وفاة سريعة في خلال ثوان أو دقائق، ولذلك فإنه في حالة الشك في حدوث هذا التسرب يجب التعامل معه فوراً دون انتظار، حيث يوضع المصاب على جانبه الأيسر، ويرفع جسمه بالكامل بدرجة ميل 45 درجة عن الوضع الأفقي، مع وضع الأرجل للأعلى والرأس للأسفل، والظهر مستقيم، وفي هذا الوضع يتجه الهواء للأعلى، أي يتجمع في الأوعية الدموية للأطراف السفلية، بعيداً عن الأوعية الدموية، التي تغذي الأعضاء الحيوية الهامة.
ويجب نقل مصابي الانفجارات بسرعة إلى نقاط خدمة طبية ومستشفيات عالية التجهيز، نظراً لأن حالة هؤلاء المصابين قد تتدهور بسرعة، وغالباً ما يعانون من إصابات متعددة، كما أن استكمال العلاج الدقيق لهم يحتاج إلى أطقم طبية على دراية بأبعاد هذا النوع من الإصابات، وذلك لأن الكثير من الإصابات قد لا تكون ظاهرة. 
 
المعدات والملابس الواقية من الانفجارات
عندما يتعرض الجندي إلى تهديد نيران العدو فإنه يجابه أربعة أنواع من التهديدات، هي: الشظايا، والطلقات المباشرة، والانفجارات المختلفة، ثم التأثيرات الحرارية المصاحبة، وللحماية من هذا التهديد جربت القمصان المدرعة المصنعة من الليف الزجاجي (فايبر جلاس) المدعم بالصلب والنايلون، غير أنها كانت ثقيلة ومقيدة للحركة لصلابتها بدرجة غير مقبولة، وغيرت الحرب العالمية الثانية صورة الاستخدام إلى حد ما نتيجة التقدم في صناعة السبائك، فتحسنت الوقاية للخوذات، ولكن استمرت عيوب سترات (الليف الزجاجي).
 
وبدأ التطور في عالم اللدائن لاستبدال سترات الصلب الثقيلة، واستمر التطور بإدخال الزجاج والكربون ضمن المكونات، إلى أن حدثت طفرة في مجال التطبيق والحماية، والتأثير الفسيولوجي لهذه السترات يتمثل في الحرارة الناشئة بصورة قد لا يحتملها الجندي لمدة طويلة، فهي تعزل الجندي عن الظروف الجوية المحيطة، وعلى ذلك فإن القدرة على تحملها في الظروف الجوية الباردة قد تزيد، ولكن الأمر يختلف في الجو الحار، حيث أثبتت القياسات أن مدة التحمل لملبوسات أمريكية تزن 5.4 كيلو جرام وتغطي حوالي 30 % من الجسم لا تزيد عن 100 دقيقة، وذلك في الجو الحار الجاف، ولكن بزيادة نسبة الرطوبة فإن القدرة على التحمل لا تتجاوز 40 دقيقة، الأمر الذي يؤدي إلى نوع من الإجهاد ويقلل من الكفاءة القتالية.
 
ومن الطبيعي البحث عن توازن بين القدرة على الأداء ودرجة الحماية المطلوبة طبقاً لآفاق التهديد، وتمثل الرأس والرقبة أهم المناطق التي يجب حمايتها وتأخذ الأولوية، يليهما الكتفان واليدان حيث أكثر المناطق المعرضة للخطر مما تصل معه نسبة التغطية المطلوبة إلى 35-30 % من الجسم.
وتعتبر حماية الرأس من أهم الشواغل في مكونات الحماية، ففي الحرب العالمية الأولى، كانت الخوذات هي وسيلة الحماية الرئيسة، حيث صنعت لوقاية الجزء الهام من الجسم والأكثر تعرضاً للشظايا المختلفة، خصوصاً في حرب الخنادق التي ميزت تلك النزاعات، غير أن خوذات الصلب كانت ثقيلة فاستُبدلت بها خوذات من الفايبر التي توفر حماية أكبر ووزناً أصغر.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره