مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-07-10

مستقبل الأمن السيبراني في عصر الميتـافيرس

في ظل تزايُد الطلب في دول الشرق الأوسط على تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وعلى خدمات الإنترنت، أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزءًا لا يتجزأ من مستقبل الهياكل الأمنية الوطنية، وأصبح من الضروري أن تعتمد مؤسسات الدول على هذه التكنولوجيا التي أصبحت جزءًا من المستقبل، لكن تحت شرط التشديد على تطوير الأمن السيبراني الفعّال؛ لتحسين الدفاعات ضد الإرهاب الإلكتروني والهجمات السيبرانية، فمن المعروف أن الهيمنة السيبرانية ترسم ملامح الحروب في القرن القادم. 
 
إعداد: د. نانيس عبد الرازق فهمي 
خبيرة في شـــؤون الأمـــن الإقـلـيـمي
 
إن الأمن السيبراني من أهم مجالات الأمن في القرن الحادي والعشرين، ويُقصَد به مجموعة الأنظمة التقنية الحديثة التي تستخدمها الدول لحماية الشبكات وأجهزة الحاسب الآلي وكل ما هو موجود على الشبكة الدولية للمعلومات. وهو أمر ضروري وحيوي في ظل انتشار الهجمات السيبرانية، وهي عمليات في الفضاء الإلكتروني تستخدم وسائل وأساليب قتال ترقى إلى مستوى النزاع المسلح أو تُجرى في سياقه، ضمن المعنى المقصود في القانون الدولي الإنساني. ويثور القلق بشأنها بسبب ضعف الشبكات الإلكترونية والتكلفة الإنسانية المحتملة من جراء الهجمات السيبرانية. فعندما تتعرض الحواسيب أو الشبكات التابعة لدولة ما لهجوم أو اختراق أو تعطيل، فقد يُعرِّض ذلك المدنيين لخطر الحرمان من الحصول على الاحتياجات الأساسية، مثل: مياه الشرب والرعاية الصحية والكهرباء وغيرها.
 
ومع التطور السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ظهرت تقنيات جديدة، منها تقنية الميتافيرس، والتي أثار ظهورها مخاوف خاصة فيما يتعلق بالأمن السيبراني، وأمن الأفراد على الشبكة الدولية للمعلومات. 
 
ويتكون مصطلح Metaverse من شقين الأول (Meta=beyond) أي ما بعد أو ما وراء، والثاني (verse=universe) أي الكون، وبالتالي يعني المصطلح «ما وراء الكون». ويمكن تعريفه على أنه مساحة افتراضية تتيح التفاعل من خلال صور افتراضية ثلاثية الأبعاد بطريقة تحاكي الواقع الحقيقي، ويجب على المستخدم امتلاك أدوات خاصة كسماعات ونظارات، فضلًا عن البرامج التطبيقية المرتبطة بها. وقد ظهرت الميتافيرس إلى العلن بعد إعلان شركة فيسبوك أنها ستقوم بتطوير هذه التقنية لكي تضيف تجارب مميزة للمتعاملين في البيئة الافتراضية، وذكر مؤسس فيسبوك «مارك زوكربيرج» «إن ميتافيرس عبارة عن مجموعة من المساحات الافتراضية، حيث يمكن إنشاؤها واستكشافها مع أشخاص آخرين ليسوا في المساحة المادية نفسها». 
 
وعلى الرغم من أن الميتافيرس -وفقًا للخبراء- ستكون التقنية القادمة للحوسبة المستخدمة في البناء والأنشطة الرقمية التي تحاكي العالم الحقيقي؛ مما يدعم سرعة الأداء والاتصال في مجال الأعمال، فإن لها آثارها السلبية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسألة الخصوصية والأمن السيبراني، على النحو التالي: 
التأثير على صحة الأفراد؛ من خلال افتقاد حقيقة الإنسان والمجتمع؛ حيث لا يوفر الواقع الافتراضي المستوى نفسه من السعادة والرضا كما في الواقع؛ مما قد يؤثر على تصور الإنسان للوقت والمكان الحقيقيين، وما يترتب على ذلك من انعكاسات قد تكون غير معروفة الآن، لكن تشير الدراسات إلى أنه كلما عاش الأفراد في العوالم الافتراضية ابتعدوا عن الحقيقة أو التفاعل مع أشخاص أو أصدقاء حقيقيين. كما تمكَّن الميتافيرس الأشخاص من إنشاء هويات افتراضية مزيفة؛ وقد يكون للشخص هويات متعددة؛ مما يؤثر على صحته النفسية، فضلًا عن إمكانية امتلاك أصول افتراضية لا يتطلب امتلاكها إجراءات قانونية.
 
افتقاد القدرة على تأمين الكم الهائل من البيانات التي تتطلبها الميتافيرس؛ حيث تحول الميتافيرس العالم الحقيقي إلى عوالم افتراضية؛ مما يتطلب كمية كبيرة من المحتوى الثنائي والثلاثي الأبعاد، الأمر الذي يزيد الطلب على إنشاء البيانات وتخزينها ونقلها؛ مما يزيد من إمكانية سرقة بيانات الأفراد المخزنة في ملفات تعريف المستخدمين في حساب الميتافيرس الخاص بهم، أو انتحال شخصياتهم، أو سرقة بياناتهم المالية، فضلًا عن صعوبة حماية الملكية الفكرية للمستخدمين. 
 
محدودية خصوصية المستخدمين؛ حيث قد تُستَخدم المعلومات الشخصية التي تُجمَع من مواقع التواصل الاجتماعي للتشهير أو الابتزاز، أخذًا في الاعتبار أن الميتافيرس يعتمد على بيانات شخصية أكثر تفصيلًا عن مستخدميه. بالإضافة إلى زيادة وتعقيد الهجمات الإلكترونية وهجمات الهندسة الاجتماعية وهجمات الفدية وهجمات حجب الخدمة؛ ففي العالم الحقيقي، يمكن منع استراق النظر أو التعقب أو التحرش من خلال العقوبات الرادعة، لكن لا تُطبَّق الإجراءات نفسها في الميتافيرس؛ مما يجعل وقوع مثل هذه الجرائم أكثر احتمالًا.
 
يُضاف إلى ما سبق، أن حروب المعلومات في عالم الميتافيرس ستمثل تهديدًا حقيقيًّا يمكن استخدامه لنشر المعلومات والبيانات المضللة؛ إذ تشير الترجيحات إلى أن الأخبار الكاذبة ستصبح أكثر إقناعًا في عالم الميتافيرس، وستصبح التغطية الإخبارية أكثر ترويعًا، في حين ستصبح الرياضة والترفيه أكثر واقعية. كما سيشهد هذا العالم الافتراضي زيادة المؤثرات العاطفية، الأمر الذي يمكن لبعض الجهات أن تستغله، مثل التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة.
 
ما الذي يمكن فعله حيال هذه المخاطر؟
في ضوء استعراض المخاطر السابقة، وفي إطار المحاولات المبدئية لاستخدام الميتافيرس، يمكن حماية الخصوصية في العالم ثلاثي الأبعاد في الميتافيرس من خلال ثلاث طرق تتضمن: إنشاء أفاتار معين يعكس أنشطة المستخدم، وإنشاء نسخة خاصة لمكان خاص للمستخدم تبعد غيره من المستخدمين، وإمكانية اختفاء أو تنكر المستخدم. على أن تكون هذه الطرق متاحة في قائمة الخصوصية، وهو ما تشير التقديرات إلى إمكانية تطبيقه حتى الآن، لكن قد يختلف الأمر إذا تطورت الميتافيرس وأصبحت أكثر تعقيدًا.
 
وبشكل عام، كلما زادت تعقيدات الإنترنت زادت الهجمات الإلكترونية. وفي ظل عدم إدراك المستخدمين لحجم التهديدات الإلكترونية بعد تبني تقنية الميتافيرس، فمن المرجّح أن تزداد السرقة اليومية للهويات وبيانات بطاقات الائتمان وكلمات المرور وغيرها، فضلًا عن هجمات البرمجيات الخبيثة والاحتيال بسبب افتقار الجاهزية لدى العديد من الدول وعدم وجود خطط فعالة للحماية الإلكترونية.
 
وختامًا، بما أن حماية أجهزة الحاسب الآلي على رأس أولويات الأمن السيبراني، فإنه مع الزيادة المتوقعة في معدلات استخدام الميتافيرس من المرجّح ارتفاع معدلات اختراق المنصات والأجهزة، وتفاقم التهديدات والانتهاكات التي تستهدف البيانات، ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة في العالم الواقعي. هذا ويظل الميتافيرس إحدى التقنيات المبهرة في الوقت الراهن وفي المستقبل، لكن المخاوف المتعلقة بالخصوصية غير محدودة؛ مما يعرض الأمن الشخصي والأمن السيبراني لخطر دائم.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره