مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-10-01

مستقبل عسكرة الفضاء وساحة جديدة للتنافس

لم يعد بالإمكان الاطمئنان إلى مزاعم أية  دولة بأن نشاطها الفضائي سلمي بحت، بعد أن بينت الحروب الأخيرة ابتداءً من حرب الخليج الثانية، الدور الحاسم  للأقمار الاصطناعية وهو دور متزايد الأهمية مع استمرار التطور التكنولوجي لتقنيات ووسائط حرب المعلومات والحرب الالكترونية .
 
إعداد: مُعين أحمد محمُود
 
إن الإستخدامات العسكرية للفضاء من رصد واستطلاع وتصوير عن بعد واتصالات وتشويش الكتروني واستخدام الألغام الفضائية وأسلحة أخرى لتدمير الأقمار الاصطناعية والصواريخ العابرة القارات المعادية، وصولاً إلى المشاريع  الخاصة باطلاق صواريخ وأسلحة أشعة من الفضاء الخارجي ضد أهداف أرضية بات واقعاً ملموساً، وقد جاء في كتاب " القوات العسكرية الفضائية " لمؤلفه الخبير الاستراتيجي جون كولينز : أن السنوات الخمسون القادمة سيكون مفتاح السيطرة العسكرية فيها هو فضاء المحيط الأرضي الذي يغلف الكرة الأرضية بسماكة ثمانين ألف كيلو متر، فمن يسيطر على هذا الفضاء يتحكم بكوكب الأرض، ومن يسيطر على كوكب القمر يتحكم بفضاء المحيط الأرضي" .
ومن هنا تأتي أهمية البعد العسكري لتصعيد التنافس الجارية على قدم وساق. ولكن متى بدأت عسكرة الفضاء؟ وإلى أين سوف تقود العالم؟ هنا محاولة للإجابة .
 
عصر جديد من الحروب 
حروب العالم التي تجري على الأرض تكون غالباً بين المشاة والمدرعات، أو في السماء القريبة من الأرض بين الطائرات؛ ولكن الجديد هو تسريع الدول الكبرى والاستعمارية من وتيرة تفننها في تطوير وسائل التسلح والرصد والمراقبة إلى حدود خيالية، انتقلت إلى الفضاء الخارجي حتى ترسّخ عصر جديد من الحروب أطلق عليه "عسكرة الفضاء"،وخطورة هذا التوجه الجديد أن الدول الكبرى مهما بلغت درجة اتفاقها مازالت تعيش خلافات عقائدية ومنازعات إقليمية مما يهدد الكون كله في حالة الصراع في الفضاء، فروسيا مثلاً تسعى لاستعادة أمجادها كوريثة للاتحاد السوفييتي لتكون الند للولايات المتحدة الأمريكية، بل وبدأت الكنيسة الأرثوذوكسية هناك تتحرك لتصريف السياسة الخارجية وفق معايير دينية مثلما يجري في التعامل مع قضايا دولية عديدة .
 
فالصين في خلاف أيديولوجي حاد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا ليست على اتفاق تام مع بقية دول الاتحاد الأوروبي ولا مع الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى لمجد إمبراطوري تحت قيادة الرئيس هولاند ؛ وهذه الدول وغيرها ممن لها باع طويل في صنع وإطلاق الأقمار الاصطناعية، تحاول تحقيق التفوق على الدول الأخرى في مجال هذه الأقمار، وكل الأقمار المنطلقة للفضاء تحمل خلافات هذه الدول مع بعضها إلى الفضاء، وبالتالي فثمة احتمالات كبيرة لوقوع مواجهات فضائية، وهو ما تحسبت له الدول منذ زمن. 
 
بداية عسكرة الفضاء
بداية عسكرة الفضاء كانت روسية، حينما نجح السوفييت في إرسال أول قمر صناعي إلى الفضاء عام 1957م، ولكن سرعان ما أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى قمراً اصطناعياً خاصاً بها إلى الفضاء أيضاً عام 1961م، وبدأ السباق بين القطبين لامتلاك الفضاء، لأن من يملك الفضاء يملك الأرض، وبدأ التفكير في كلتا الدولتين بوضع أسلحة في الفضاء لاستخدامها في ضرب أهداف على الأرض، وكانت الولايات المتحدة سبّاقة في هذا المجال، حيث اتجهت عقيدتها العسكرية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي إلى تطوير أسلحة حرب الفضاء في الجانب الدفاعي، وتطوير أسلحة نووية تكتيكية وأسلحة تقليدية ذكية، وأصبحت أسلحة حرب الفضاء أهم مجالات تطوير تكنولوجيا التسليح الأمريكي .
 
والجدير بالذكر أن البنتاغون كان قد أطلق العديد من المبادرات الهادفة إلى (عسكرة الفضاء الخارجي)، وذلك عن طريق اختراع أنماط ونماذج التسليح الجديدة، ذات القدرة على إيقاع الإصابة الدقيقة على الأهداف الصغيرة الموجودة في أي مكان في هذا العالم، كذلك افترض خبراء البنتاغون بأن يتكون لهذه الأسلحة الفضائية القدرة على التدخل وشل قدرة كل أنظمة الدفاع الصاروخي التي تستخدمها الدول الأخرى، وأيضاً شل وإعاقة عمل الأجهزة الالكترونية مثل الإدارات ووسائط الاتصالات، والهدف الرئيسي الذي سعى إليه خبراء البنتاغون هو: أن تتفوق الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجياً على كل القوى العالمية الأخرى .وقد برزت  بشكل واضح وجلّي عملية عسكرة الفضاء في أطروحة  "حرب النجوم " خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، ولكن هدأت فترة إدارة بوش الأب، وكادت تنتهي تماماً خلال فترة إدارة الرئيس بيل كلينتون .
 
وأشارت جماعة المحافظين الجدد إلى ضرورة إحياء برنامج عسكرة الفضاء وأفردت حيزاً كبيراً لهذا الأمر في مخططها التفصيلي الذي حمل عنوان (إعادة بناء الدفاعات الأمريكية)، وقد طالب المحافظون الجدد في هذا التقرير بأن تنشئ الإدارة الأمريكية قيادة عسكرية جديدة تحت اسم (القيادة الفضائية) تكون مسؤولة عن القوات الفضائية الأمريكية ، والقواعد العسكرية الفضائية الأمريكية، في منتصف شهر مايوعام 2005م، طالبت القوات الجوية الأمريكية الإدارة الأمريكية بإصدار توجيه حكومي رسمي يسمح بعملية نشر الأسلحة الهجومية والدفاعية في الفضاء الخارجي، ومطالبة الرئيس جورج دبليو بوش بإصدار قرار  يلغي القرار الذي سبق أن أصدره الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، والذي حرم ومنع استخدام الفضاء للأغراض العسكرية، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من طرف واحد من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية في عام 2002م، تزايدت المخاوف من احتمال قيام الإدارة الأمريكية بالمضي قدماً في تنفيذ (برنامج حرب النجوم) على النحو الذي يحوّل الفضاء الخارجي إلى مسرح جديد للمواجهات العسكرية والحربية وسباق التسلح الباهظ التكلفة .
 
 خطط أمريكية لعسكرة الفضاء 
هناك معلومات إضافية تقول بأن البنتاغون يقوم حالياً بتنفيذ العديد من الخطط الأخرى المتعلقة بعسكرة الفضاء الخارجي، منها:
 
أولاً- خطة برنامج (الضربة العالمية الشاملة): ويتضمن هذا البرنامج تنفيذ الخطط الفضائية التي يتم وفقاً لها حمل ونقل وتوجيه أسلحة عالية الذكاء يكون وزن الواحد منها في حدود 5000 كيلوغرام، بمعدل خطأ في إصابة الهدف لا يتجاوز 3 أمتار فقط في الانحراف عن النقطة المحدد إصابتها، بحيث يتم استخدام هذه الأسلحة في تدمير القواعد العسكرية والمنشآت الرئيسية الكبيرة في كافة بقاع العالم، ضمن فترة زمنية تكون حصراً في حدود 45 دقيقة من لحظة الانطلاق.
 
ثانياً- خطة برنامج (مسدس الرب): ويمثل البرنامج امتداداً لبرنامج الثمانينيات الخاص بحرب النجوم، ويركز على إنشاء منصات فضائية، من معدن التانجستن، يتم استخدامها في توجيه عملية ضرب وإصابة الأهداف على أي مكان في سطح الأرض .
 
تزايد وتعدد مجالات استخدام الأقمار
لم تقتصر ساحة عسكرة الفضاء على أمريكا وروسيا، بل دخلتها دول أخرى عديدة في السباق الدولي لإطلاق الأقمار الاصطناعية منها: فرنسا، اليابان، الصين، بريطانيا، ألمانيا، والهند، فهناك ما بين 40 و50 دولة تمتلك أقمارها الخاصة حالياً، ويكفي أن نذكر أنه في عام 1986م تم إطلاق 3200 قمر اصطناعي إلى مدارات حول الأرض من أجل غايات مختلفة، من بينها 2000 قمر أطلقها الاتحاد السوفييتي، و2001 أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية، واليوم صار الفضاء مليئاً بعدد غير معروف من الأقمار الاصطناعية، 65% منها أقمار تجسس، وهناك 270 قمراً اصطناعياً تستخدم لأغراض عسكرية بحتة، وهي الآن في مدارات فضائية وغالبيتها العظمى أميركية، كما أن هناك في الوقت نفسه حوالي 600 قمر تجاري مزدوج الاستخدام، أو مملوك لمنظمات غير حكومية، ومن المحتمل أن يزداد ذلك العداد حثيثاً سيما وأن حجم الأقمار الاصطناعية أصبح أصغر، كما أن إطلاقها للفضاء أصبح أسهل من ذي قبل .
 
ومع الوقت تزايدت وتعددت مجالات استخدام الأقمار الاصطناعية، فلم تعد فقط بمثابة وسائل رئيسة للاستطلاع الإستراتيجي والسيطرة على الأهداف المعادية، بل أصبحت أنسب وسيلة لإطلاق أشعة الليزر ضد الأهداف المعادية ، ذلك أن أشعة الليزر هي أشعة من الضوء المركّز ذات طاقة عالية ، ويتم توجيهها بشكل مباشر لإحداث ثقب في جسم الصاروخ أو الهدف المعادي لتفجير المحرك أو إعطاب نظام التوجيه أو أجهزة التفجير في الرأس الحربي للصاروخ العابر للقارات أو للصاروخ متوسط المدى، فأصبحت أشعة الليزر بأنواعها من أهم أنواع أسلحة الفضاء ، إضافة لمنظومات الصواريخ المضادة للصواريخ .
 
ومع ازدياد عمر الأقمار الاصطناعية فإن أمنها لم يعد هماً عسكرياً فقط، القليلون الآن هم من يعرفون مدى اعتمادنا على الأقمار في حياتنا اليومية وكيف أنها تجلب لنا الكثير من الأشياء، كالخرائط والأفلام والرسائل، والدعم الطبي، بل والنقود أيضاً (عبر أجهزة الصراف الآلي) .
 
كما أن عدداً أقل من الناس هم من يقدرون الدور الذي تلعبه الأقمار الاصطناعية في دعم السلام. ومن المعلوم أن العديد من الاتفاقيات الأكثر أهمية في مجال المحافظة على السلام، وهي الاتفاقيات التي تحد من انتشار الأسلحة النووية ، وأسلحة الدمار الشامل والاتفاقيات التي تنظم تحركات الجيوش والاتفاقيات الهادفة إلى بناء الثقة بين الدول المتحاربة والاتفاقيات الهادفة إلى منع الحرب البيئية مستقبلاً  تعتمد جميعاً على عنصر التحقق من مدى التزام الدول الموقعة عليها بتطبيق بنودها، والوسيلة الأساسية لذلك هي التحقق بوساطة الأقمار الاصطناعية .
 
الاقتحام الصيني
بعد عشر سنين على إرسال أول رائد صيني إلى الفضاء تواصل بكين برنامجها الفضائي الطموح ، وتدخل سباق التسلح الفضائي من أوسع أبوابه، وبالذات عندما أعلنت نجاح تجربة صاروخها الجديد (ASAT) المضاد للأقمار الاصطناعية، ويخشى خبراء انتشار الأسلحة من أن التحدي الصيني في مجال الفضاء ، يمكن أن يؤدي إلى " حرب باردة جديدة " وسباق تسلح في الفضاء، وقد نجحت الصين في تدمير قمر صناعي تابع لها من طراز "فينج يون 1سي" بصاروخ باليستي، وهو في مداره في الفضاء على بعد 865 كيلومتراً فوق الأرض، كان مخصصاً لاستطلاع "الطقس"، مما يؤكد قدرات الصين العسكرية الجديدة، وقد وضعت هذه التجربة الصين في مصاف الولايات المتحدة وروسيا كثالث دولة في العالم تتمكن من تدمير قمر في مداره، إذ نفذت الولايات المتحدة اختبارات مماثلة في فترة الحرب الباردة، ولكنها تخلت عنها منذ عام 1985م، بسبب قلقها من انتشار الحطام في الفضاء والتهديدات المحتملة للأقمار العسكرية والمدنية الأخرى في الفضاء.
 
وتنفق السلطات الصينية بلايين الدولارات على برنامجها الفضائي الذي يشرف عليه الجيش، وتحاول من خلال ذلك أن تحتل مكانة مهمة على المستوى الدولي، وأن تظهر قدراتها التقنية ودور الحزب الشيوعي الحاكم في الارتقاء بالصين من بلد كان ينهشه الفقر إلى دولة تغزو الفضاء إلى جانب القوى الكبرى، ومن المقرر أن تسفر هذه الجهود عن رحلة مأهولة إلى القمر في السنوات المقبلة ، يسبقها إرسال مركبة غير مأهولة، وتعمل الصين أيضاً على افتتاح منصة رابعة لإطلاق الصواريخ الفضائية في غضون سنتين، وتعتزم بناء محطة فضاء تسبح حول الأرض بحلول عام 2023 تطلق عليها اسم " نيانغونغ – 3 " ، بتزامن هذا التاريخ مع توقف محطة الفضاء الدولية، التي بثتها الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وكندا واليابان ، عن العمل بعد عشرين عاماً من الخدمة .
 
وفيما يسجل برنامج الفضاء الصيني تطوراً وازدهاراً، تعاني الوكالة الأمريكية للطيران والفضاء " ناسا" الرائدة حتى الآن في غزو الفضاء ، صعاباً تتصل بالأزمة المالية، فقد توقفت مكوكات الفضاء التابعة ل " ناسا " عن العمل في عام 2011، وفي انتظار الجيل الجديد من المركبات الفضائية الأمريكية ، تعتمد الولايات المتحدة على المركبات الروسية " سوبوز" لنقل روادها من محطة الفضاء الدولية وإليها .
 
عودة المنافسة الروسية 
ولم يعد التحدي الفضائي الراهن والمستقبلي لتفوق الولايات المتحدة وهيمنتها يقتصر على الصين، فقد تزعزع الاطمئنان الأمريكي السابق إلى أن روسيا قد تراجعت كثيراً في هذا المضمار بعد استفحال أزمتها الاقتصادية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي الفضائي تماماً، وجعل الهيمنة الأمريكية أمراً واقعاً يتعزز يوماً بعد يوم، باعتبارها سيدة الميدان بلا منازع، لكن روسيا التي تحتفظ بخبراتها الهائلة ومنشآتها ومعظم علمائها وفنييها الفضائيين، قد صممت على استعادة موقعها المتفوق في الفضاء ، بعدما استطاعت وقف تراجعها ونجحت في انشاء المنشأة الهائلة قرب " نوليت " جنوب جمهورية طاجيكستان ، وبدأت تشهد نشاطاً فضائياً مكثفاً لأنها بالأساس منخرطة منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق في أنشطة سباق التسلح الفضائي، وما تزال الأقمار الاصطناعية الروسية المنافس الرئيسي للأقمار الاصطناعية الأمريكية، كما أن هناك معلومات تقول بأن فرنسا تعمل سراً في برامج التسلح الفضائي ، إلا أن برنامجها مايزال في أول الطريق.
 
وكان الاتحاد السوفييتي قد اتجه هو الآخر للانطلاق لعسكرة الفضاء، فأطلق أقماراً صناعية مزوّدة بأشعة الليزر، وبنى محطات فضائية لاستخدامها منصّات لإطلاق صواريخ عابرة للقارات، واتفق السوفييت والأمريكيون على استبعاد استخدام الرؤوس النووية لتدمير الأقمار الاصطناعية أو القذائف المعادية في الفضاء، تجنباً لتأثيرات النبضات الإلكترومغناطيسية على الأقمار الاصطناعية المخصصة للاتصالات، وعلى المحطات الفضائية الصديقة والمعادية والمخصصة للأبحاث العلمية، كما اتجه الجانبان إلى استخدام الطاقة الموجهة وأسلحة الحركة لتدمير الأقمار الاصطناعية والصواريخ البالستية معاً بالإحراق أو تدمير أجهزة التوجّه أو الرؤوس الحربية.
 
وقد جهّز السوفييت والأمريكيون أيضاً المحطات الفضائية المزوّدة بأسلحة أشعة الليزر لتدمير الصواريخ المعادية في مرحلة الإطلاق، وفي عام 2001 بدأت روسيا نشاطاً فضائياً مدهشاً فاطلق الجيش الروسي مثلاً صاروخين يوم 20 يوليو 2001 ، وقد انطلق الصاروخ " مولينا – م " من مركز بلستيك الفضائي شمال روسيا لوضع قمر تجسس في مداره ، وأرسل قمر أبحاث علمية من طراز " كوزموس – 1 " في نفس اليوم بصاروخ "فولنا" اطلقته الغواصة النووية "بوريسوجليب" من عمق ستين متراً تحت سطح مياه بحر "بارنتس" لاختبار طلوع الشمس، ولدى هبوط قمر الأبحاث على أرض جزيرة "كامتشاتكا "تبين أنه استخدم أسلوب هبوط غير مسبوق يعتمد "الفرملة " عن طريق النفخ ، مما جعل هبوطه سلساً جداً، وذلك بتخفيض سرعة هبوط الأقمار الاصطناعية من سبعة الاف متر في الثانية إلى خمسة عشر متراً فقط في الثانية، ثم توالت المفاجآت الروسية الأخرى مهددة الاطمئنان الأمريكي إلى تكريس تفوق وهيمنة دائمة في الفضاء .
 
وعندما ظهرت الحرب الأمريكية ضد ما يسمى الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 اتجهت الولايات المتحدة إلى إخضاع دول العالم الثالث المعادية لها ، فعمدت إدارة الرئيس بوش إلى مراجعة عقيدة السياسة الفضائية الأمريكية، وذلك بالاتجاه لتزويد الأقمار الاصطناعية الأمريكية بصواريخ نووية، وادعت الولايات المتحدة أن الهدف من وراء هذه الخطوة هو توفير الحماية للأقمار الاصطناعية الأمريكية أمام ظهور تهديدات جديدة، واعتبرت روسيا هذا التصرف الأمريكي بمثابة خرق للاتفاق السابق بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة والقاضي بعدم تزويد الأقمار الاصطناعية بصواريخ نووية .
 
الهند تحاول اللحاق
بعد أن حصلت الهند على استقلالها من بريطانيا في الأربعينيات من القرن الماضي ، أدرك علماء الهنود وسياسيوها الإمكانات الكامنة  لتكنولوجيا صواريخ إطلاق الأقمار الاصطناعية سواء في التطبيقات العسكرية أو في مجال البحث والتطوير، و قد انطلق هؤلاء الحالمون بإنشاء منظمة للأبحاث الفضائية حين  شعروا أن بلداً هائلاً بسكانه مثل الهند سوف يحتاج إلى قدرات فضائية أصيلة و مستقلة كما أدركوا الإمكانات المبكرة للأقمار الاصطناعية في مجال الاستشعار عن بعد و الاتصالات.
 
و تم تشكيل اللجنة الوطنية للأبحاث الفضائية (INCOSPAR) في عام 1962 تحت قيادة رائد برنامج الفضاء الهندي الدكتور فيكرام سارابايDr. Vikram Sarabhai، وحققت هذه اللجنة حلم الهند في أن تصبح في مصاف دول العالم في تطبيق التكنولوجيا المتطورة مثل التكنولوجيا الفضائية لحل المشاكل الحقيقية للفرد والمجتمع، وفي عام 1972 تم الإعلان عن البرنامج الفضاء الهندي بشكل رسمي مع تأسيس هيئة فضائية بتمويل حكومي من خلال الإدارة الفضائية، وكانت بداية البرنامج الفضائي الهندي بداية متواضعة حيث أطلق صاروخاً صغيرا من منطقة تومبا  قرب تروفانندابورم عاصمة ولاية كيرلا الجنوبية عام 1963، وبعد ذلك مرت بمرحلة من التطور والتقدم في السبعينات عندما قامت الهند بإجراء تجارب على نطاق واسع مثل تجربة تلفاز تعليمي مرتبط بالأقمارالاصطناعية ومشروع قمر اصطناعي للاتصالات وبنفس الوقت صنعت صواريخ تجارب مثل آرياباتا وباسكارا وهذه الأقمار الاصطناعية والصواريخ الهندية كانت بداية للمزيد من الأقمار الصناعية المعقدة ومراكب إطلاق الأقمار الاصطناعية والصواريخ التي صنعت في الثمانينات.
 
واليوم تشكل جزء من برنامج الفضاء الهندي الطموح ، وتتولى اليوم منظمة أبحاث الفضاء الهندية(Indian Space Research Organisation) المعروفة بـ  (ISRO) وتقع تحت إشراف الإدارة الفضائية Department of Space أو دوسDOS  مسؤولية البحث والتطوير والتشغيل للأنظمة الفضائية فى مجالات الاتصال عن طريق الأقمار الاصطناعية ،الاستشعارعن بعد، مسح الموارد، المراقبة البيئية، خدمات الرصد الجوي، أما  DOS فهي الجهة الإدارية لكل من مختبر الأبحاث الفيزيائية Physical Research Laboratory) ) التي تقوم بإجراء البحوث في مجال العلوم الفضائية والوكالة الوطنية للاستشعار عن بعد( National Remote Sensing Agency)  التي تقوم بتوظيف تقنيات حديثة في عمليات الاستشعار عن بعد و في أعمال المسوح عن الموارد الطبيعية و تزود بخدمات تشغيلية للوكالات ذات الصلة بها.
 
 وبهذا تصبح الهند هي الدولة الوحيدة من دول العالم الثالث التي استطاعت أن تطور قمرها الاصطناعي للاستشعار عن بعد مما يمكن اعتباره تكريساً ً للهند كـ" دولة كبرى " .
 
اندفاع اوروبي 
لم يقتصر الأمر على المنافسة الفضائية الروسية والصينية وربما الهندية بعد حين، وإنما راحت أوروبا تخطو خطوات واسعة لتأمين حضور واسع فاعل وقوي لها في الفضاء .
 
فكان إطلاق المستكشفة الأوروبية "بيجل" إلى كوكب المريخ على متن مركبة الفضاء الأوروبية "مارس اكسبريس" في منتصف عام 2003 حدثاً بالغ الأهمية، بعد أكثر من عشرة برامج أمريكية مختلفة للوصول إلى المريخ، ولم يكن اختيار المريخ بالذات من قبل وكالة الفضاء الأوروبية لهذه الخطوة عشوائياً، وإنما كان إظهار التحدي للولايات المتحدة واضحاً في اختيار الوكالة الأوروبية كوكباً أعتبره الأمريكيون ميداناً لا ينازعهم  أحد فيه، وكانت المفارقة في تزامن وصول الرحلتين الأوروبية والأمريكية إلى المريخ  في مطلع يناير 2004 ، ولم تكتف وكالة الفضاء الأوروبية بتلك الرحلة إلى المريخ ، بل توالت الرحلات فأرسلت أيضاً أول مجس فضائي أوروبي إلى مدار القمر على متن الصاروخ " اريان- 5" الفرنسي، وقد حمل الصاروخ "اريان -5" في نفس الرحلة إلى جانب المجس "سمارت – 1" قمرين اصطناعيين .
 
محاولات أمريكية للعرقلة 
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية عرقلة المشروع الأوروبي ، ومارست ضغوطاً قوية لثني الدول المشاركة فيه عن المضي في تنفيذه ، متذرعة حيناً بأنه لا حاجة إليه عملياً ولا خطة له بالنجاح والاستمرار حيث أن نظام تحديد الموقع العالمي الأمريكي يوفر ما يحتاجه العالم من خدمات في هذا المجال، أو ذريعة أن النظام الأوروبي يسىء إلى المصالح والقدرات العسكرية الأمريكية، لكن جميع هذه الضغوط أخفقت، وكانت المانيا التي تلقت أشد هذه الضغوط الأمريكية قد حسمت أمرها وانضمت إلى باقي الدول الأوروبية المشاركة في المشروع، عندئذ غيرت الولايات المتحدة موقفها من التهديد والتحذير والغضب إلى محاولة استيعاب المشروع، عبر اقتراح تعاون أمريكي – أوروبي لتنفيذه وإدارته، لكن الجانب الأوروبي رفض الاقتراح الأمريكي وتمسك باقتصار المشروع على الدول الأوروبية المشاركة فيه دون سواها .
 
طريق محفوف بالمخاطر 
عموماً تقول الاستنتاجات بأن الطريق نحو عسكرة الفضاء برغم أنه طريق محفوف بالمخاطر، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية على ما يبدو أصبحت غير متورعة عن خوض المخاطرة، وتتصرف بثقة كبيرة، واعتداد مفرط بالنفس إزاء قدرتها على التعامل مع ملف عسكرة الفضاء بنجاح وفاعلية، ومن المعروف أن الصين وروسيا تطالبان منذ عام 2002 بحظر تطوير الأسلحة الفضائية، ولكن الولايات المتحدة رفضت التفاوض، وذكر تقرير في صحيفة (الغارديان) الانجليزية أن تدمير القمر الاصطناعي الصيني هو رسالة واضحة محتواها أن الصين لا تريد هيمنة الولايات المتحدة على ما يطلقون عليه "ساحة الفضاء" .
 
وفي الختام على المجتمع الدولي أن يدرك أن الاستغلال الأمثل للفضاء الخارجي لا يأتي إلا من خلال العمل المتعدد الأطراف والخاضع لمبادىء وميثاق الأمم المتحدة الساعي إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ولذا لابد من الاتفاق حول إنشاء صك دولي شامل وملزم قانوناً لمنع وضع أي نوع من أنواع الأسلحة في الفضاء الخارجي.
 
إن القصور الفني المرافق للصكوك القانونية الدولية التي تتعامل مع انتشار الأسلحة في الفضاء الخارجي رغم دورها في تعزيز الاستخدامات السلمية وتنظيم الأنشطة في الفضاء الخارجي ، قد يؤدي في النهاية إلى حدوث سباق تسلح خارجي، مما ينذر بإيجاد تحديات استثنائية متعاظمة الخطورة على مستقبل أنماط الحياة الحديثة، وما قد ينسحب عليها من تداعيات سلبية تضرب  وبشكل مباشر أوجه التنمية المتعددة وكذلك في إيجاد مناخ عالمي يفتقد للثقة . 
 
إن الانتقال عملياً من حرية الفضاء وإبقائه مشاعاً للبشرية جمعاء، إلى فرض أمر واقع بالقوة واستخدام الفضاء ساحة صراع عسكري ومحاولة اقتسام مناطق نفوذ على هذا الكوكب أو ذاك ، كل ذلك يعني ببساطة تصعيداً بالغ الخطورة يهدد الجنس البشري بأسره، ويضاعف المآسي التي تزخر بها  الحياة على الأرض.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره