مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-01-01

موجة جديدة من إرهاب الذئاب المنفردة؟!

أثارت الحوادث الإرهابية الأخيرة في أمريكا الشمالية واستراليا والشرق الأوسط الاهتمام بظاهرة إرهاب الذئب المنفرد Lone Wolf Terrorism أو الإرهاب الفردي. بيد أنّ الاهتمام السياسي والإعلامي بالظاهرة لا يقابله اهتمام أكاديمي بنفس الدرجة، فضلاً على أنّ الساسة والإعلاميين ساهمواْ في زيادة المبالغات والغموض المتعلق بالظاهرة. 
 
إعداد:
د. أيمن الدسوقي
 
مفهوم إرهاب الذئب المنفرد:
لا يوجد اتفاق بين الباحثين على تعريفٍ الظاهرة. ولكنهم يتفقون على أنها ليست ظاهرة جديدة، وإنما تعود إلى القرن الـ19 على الأقل، حينما طوّر الفوضويون نظرية "المقاومة بلا قيادة"Leaderless Resistance.
وقد لاقت هذه النظرية رواجاً بين حركات اليمين المتطرف وغيرهم في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن المنصرم، ثم التقطها الإسلاميين الراديكاليين مثل أبومصعب السوري وأنور العولقي، وتبنتها "القاعدة" منذ أواخر التسعينيات.
 
وأخيراً، ولج تنظيم "داعش"في هذا الميدان؛ من خلال نداء حركي إلكتروني (21 سبتمبر) إلى المسلمين في الدول الغربية، حثهم فيه على الهجوم بكل الوسائل على أهدافٍ عسكرية ومدنية في هذه الدول.
 
على أية حال،يمكن تعريف الإرهاب الفردي بأنه عنف سياسي أو مخطَط لتنفيذ عنف سياسي، يرتكبه أو يتآمر لارتكابه شخص يتصرف بمفرده،لا ينتمي إلى أية مجموعة أو شبكة إرهابية منظمة، ويعمل بدون نفوذ مباشر لقائد أو هيراركية تنظيمية، ويطوّر تكتيكاته وطرائقه العملياتية من دون توجيه أو قيادة منظمة.
 
وعليه، فإنّ الهجمات التي ينفذها أزواج أو أثلاث لا تُعد إرهاباً فردياً.
 
وبالتالي، تُستبعد من التعريف بعض الهجمات التي غالباً ما تُوصف بأنها إرهاب فردي، مثل تفجير مدينة أوكلاهوما الأمريكية عام 1995، الذي نفذه تيموثي ماكفي بمساعدة زميلٍ له، وهجوم بوسطن عام 2013، الذي ارتكبه شقيقان من القوقاز.
 
ويُستبعد أيضاً من التعريف، بسبب غياب دافع سياسي واضح، كل أعمال العنف التي تُنفذ بسبب مظالم شخصية، أو بدافع الحصول على منفعة مادية، أو بغرض الانتقام الشخصي أو تحقيق الشهرة، مثل حوادث إطلاق النار في المدارس.
 
ولا يدخل في تعريف المفهوم عناصر تتعلق بإحكام التخطيط، والمهنية في التنفيذ، وامتلاك إستراتيجية خروج، والإشهار والدعاية للعملية الإرهابية، أو مدى خطورتها. وذلك أنّ الإرهاب الفردي يفتقد إلى العناصر الثلاثة الأولى؛ الأمر الذي يميزه عن الأنماط الأخرى من الإرهاب.
 
أما العنصر الرابع، فقد يترك الذئب المنفرد بياناً يكشف عن دوافعه للقيام بالعملية، وقد لا يفعل. وفيما يتعلق بمدى خطورة العملية، فالذئاب المنفردة، كونهم غير محترفين، أقل خطورة ودموية، بصفةٍ عامة، من سائر الإرهابيين المنظمين.
 
الهجمات الإرهابية الأخيرة:
شهد العام الحالي عدة عمليات إرهابية فرديةفي أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا والشرق الأوسط. ويلاحظ أنّ أغلبية هذه العمليات حصلت في العالم الغربي. وهذا يؤكد أنّ هذا النمط من الإرهاب أكثر شيوعاً ونمواً في الغرب مقارنةً بسائر أقاليم العالم.
 
كما أنّ تزايد هذه العمليات منذ منتصف العقد الفائت يشير إلى فعالية إجراءات مكافحة الإرهاب في الحؤول دون تنفيذ عمليات كبيرة الحجم، مثل هجمات نيويورك وواشنطن (2001)، من ناحية، ونجاعة دعاية تنظيم القاعدة التي تقوم على دعوة المتعاطفين معها إلى تجنب التخطيط وتنفيذ هجمات كبيرة الحجم، والتركيز على هجمات صغيرة الحجم ضد أهدافٍ مدنية وعسكرية في الدول الغربية، من ناحيةٍ أخرى. ويبدو أنّ دعاية "داعش" تصيب نجاحاً أكثر مما حققته القاعدة.
 
فمنذ دعوتها في سبتمبر، حصلت عدة عمليات إرهابية في الدول المشاركة في الائتلاف الدولي ضد "داعش"، اثنتين في كندا، وواحدة في كلٍ من نيويورك وبريطانيا واستراليا،،واثنتين على الأقل في استراليا، فضلاً عن الهجمات في مصر والسعودية. 
 
ففي أكتوبر الماضي، شهدت الولايات المتحدة وكندا ثلاث عمليات إرهابية فردية. حصلت الأولى في نيويورك، حينما هاجم زيل تومسون ببلطة مجموعة من ضباط الشرطة، فأصاب اثنين منهما، قبل أن يُردى قتيلاً. وفي مونتريال، تربص ذئب منفرد بجنودٍ كنديين في موقفٍ للسيارات، فقتل أحدهما، وأصاب الآخر.
 
وفي أوتاو، هاجم مايكل زيهاف-بيبو بسلاحٍ ناري جندي كندي فقتله، ثم اقتحم مبنى البرلمان، حيث كان رئيس الوزراء الكندي بداخله.
 
وكادت تحدث كارثة، لولا تدخل أحد حراس المبنى بقتل المهاجم. وفي نوفمبر، تم توقيف شاب كان يخطط للقيام بتفجير قنبلة في نيوكاسل بانجلترا، وطعن عبد النعمان حيدر شرطيين في استراليا قبل أنْ يخر صريعاً.
 
وفي منتصف ديسمبر، اقتحم هارون مؤنس، وهو لاجئ إيراني، مقهى في وسط مدينة سيدني، واحتجز عدداً من الرهائن لنحو 16 ساعة، وطالب بأن يقابل رئيس الوزراء الاسترالي، قبل أنْ تقتحم قوات الأمن المقهى؛ ما أسفر عن مقتل شخصين فضلاً عن محتجز الرهائن، وجرح أربعة آخرين.
 
وقبل هذه الحادثة بأيام، ألقت السلطات الهنديةعلى صاحب حساب "الشاهد الشامي" على تويتر، وهو مدير إحدى الشركات؛ لترويجه لعمليات "داعش" وتشجيعه على الالتحاق بالتنظيم. وتشير تقارير إعلامية إلى انتشار عددٍ من الذئاب المنفردة في السعودية، وتنامي أعدادهم في مصر. وقد أُعلن في نوفمبر عن القبض على أمريكي وجه نداءً حركياً الكترونياً للذئاب المنفردة في مصر بتنفيذ عمليات "جهادية".
 
ومن خلال فحص الحالات الفائتة، ومراجعة الأدبيات السابقة، يمكن بلورة سمات عامة لإرهاب الذئب المنفرد، تتمثل أولها في وجود مزيجٍ من الدوافع السياسية والشخصية وراء الجرائم المرتكبة أو المخطط لها. بعبارة أخرى، يميل الإرهابيون إلى خلق أيديولوجياتهم الخاصة، التي تتضمن مزج إحباطاتهم الشخصية بالمظالم أو الشكاوى السياسية والدينية.
 
فقد كشفت التحقيقات الأمنية والتقارير الصحفية أنّ زيهاف-بيبو، الذي اعتنق الإسلام حديثاً، حُرم من استخراج جواز سفر؛ حيث كان ينوي التوجه إلى سوريا، وأنه ارتكب جريمته انتقاماً من مشاركة كندا في الحرب ضد داعش، وأنه أُلهم بدعاية الأخيرة في الفضاء الرقمي. ونفس الأمر ينطبق على مهاجم نيويورك وإرهابي كندا ومؤنس في استراليا.
 
والحالة الأخيرة نموذجية؛ فقد كان مؤنس شخصاً محبطاً في حياته الشخصية والعامة جميعاً؛ له سجل جنائي ومتهم بجرائم خطيرة منها التورط في قتل زوجته السابقة، وخارج من السجن بكفالة، وليست له مهنة حقيقية. وتحول حديثاً (منذ شهرٍ تقريباً) من المذهب الشيعي إلى السني، واعتنق فكر داعش من خلال الإنترنت.
 
وهذا يبين الدور الكبير للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عملية التحول إلى الراديكالية، ومساعدة الذئاب المنفردة في تشكيل أيديولوجياتهم، بل وفي رسم تكتيكاتهم وطرائقهم في تنفيذ عملياتهم الإرهابية.
 
ويرتبط بذلك أنّ الذئاب المنفردة قد يكونون متعاطفين مع مجموعات إرهابية، وربما يكونون أعضاء سابقين في هذه المجموعات. فالأخيرة توفر لهم الأيديولوجية، وتساعدهم على تحويل إحباطاتهم الشخصية إلى الآخر "الظالم".
 
وقد وضح تعاطف زيهاف-بيبو ومؤنس مع داعش، بل ورغبة الأول في السفر إلى سوريا للالتحاق به، وإجبار الثاني رهائنه على رفع علم يشبه ذلك الذي ترفعه "داعش". أما الأمريكي صاحب النداء الحركي في مصر، فيبدو أنه كان متعاطفاً أكثر مع تنظيم أجناد مصر.
 
أما السمة الثالثة، فترتبط بأنّ الإرهابيين الأفراد يعانون من بعض الاضطرابات النفسية، كما توضح معظم الحالات الفائتة بقدر ما توافر من معلومات على شحتها، وبصفة خاصة حالة زيهاف-بيبو وزيل تومسون وهارون مؤنس. ويتصل بذلك أنّ الذئاب المنفردة تميل إلى المعاناة من عدم القدرة على التكيف الاجتماعي.
 
فبدرجاتٍ متفاوتة، تجدهم منعزلون، ولهم أصدقاء قليلون، ويفضلون العمل بمفردهم. ولكن يُلاحظ أنّ الإرهاب الفردي لا يحدث في فراغ اجتماعي. 
 
على العكس، تظهر الراديكالية نفسها في موقفٍ نشط، يتضمن التعبير عن آراء الشخص السياسية، من خلال بحث نشط للغاية للمواجهة اللفظية والمادية مع الخصوم. بعبارة أخرى، بينما يميل الإرهابيون المنفردون إلى العزلة عن المجتمع، فإنهم في نفس الوقت يتواصلون مع الآخرين، ويميلون إلى إعلان نيتهم في ارتكاب العنف.
 
وقد اتضح ذلك في الخطابات "المسيئة" التي أرسلها محتجز الرهائن في سيدني إلى عائلات الجنود الاستراليين الذين لقوا حتفهم في أفغانستان عام 2009، يصفهم بأنهم جنود هتلر.
 
وأخيراً، أبانت العمليات الإرهابية السابقة أنّ الغالبية الغالبة من منفذيها من الرجال، وهيمنة الدوافع الأيديولوجية المرتبطة بالراديكالية الإسلامية على الموجة الجديدة من الإرهاب الفردي، كما هيمنت العنصرية البيضاء واليمينية المتطرفة على موجة الثمانينيات.    
   
التداعيات المستقبلية
ثمة اتفاق بين الباحثين والممارسين على السواء على أنّ الموجة الجديدة من الإرهاب الفردي، سوف تتزايد، وبصفة خاصة في العالم الغربي، وأنه ربما تصل إلى ذروتها في النصف الثاني من العقد الحالي، بصرف النظر عن أية نتيجة محتملة للحرب على داعش.
 
وربما يزيد من تصاعد هذه الموجة أنْ تؤدي العمليات الإرهابية ذات الدوافع الراديكالية الإسلامية إلى عمليات مضادة من قبل المناهضين للمسلمين في الدول الغربية، على نمط الهجوم الذي نفذه النرويجي أندريه ريفيك عام 2011. وهو ما بدأت إرهاصاته بالفعل. فقد تم القبض على ذئب أمريكي في إسرائيل (19 نوفمبر) كان يخطط للقيام بعمليات إرهابية ضد مواقع إسلامية في فلسطين.
 
ومع تصاعد الموجة الإرهابية الجديدة التي يقودها ذئاب منفردة، سوف تتزايد معها المبالغات الإعلامية والسياسية عن خطورة هذه الظاهرة على الأمن القومي للدول، وربما تسيطر على الخطاب العام؛ما يجعل من الصعب تطوير مجموعة من الأولويات الاستراتيجية المتناسقة، وإغفال الخطر الأكبر، وهو الإرهاب المنظم.
 
غير أنّ أبرز التداعيات السلبية هنا هو الخلط بين ظاهرتي الإرهاب الفردي والمقاومة المنفردة المشروعة للاحتلال، على نحوٍ ما شهدناه في القدس ونواحيها حديثاً.على أية حال، سوف يتعزز اتجاه تشديد الإجراءات السياسية والأمنية والتشريعية لمكافحة الإرهاب، وهي شديدة أصلاً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما يتطلبه ذلك من تكثيف الرقابة على الإنترنت والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي.
 
وقد يفضي هذا الاتجاه إلى التأثير بالسلب على الحقوق والحريات الشخصية والمدنية في كافة دول العالم. وهذا اتجاه غير ذي جدوى من الناحية العملية في مكافحة هذا النمط من الإرهاب، الذي أهم خصائصه أنه عصي إلى درجة كبيرة للغاية على الكشف والمراقبة بواسطة أجهزة المخابرات والأمن الوطنية، ولا تستأهل مواجهته التضحية بجانب من الحقوق والحريات الفردية. 
 
ولكنّ هذا النمط من الإرهاب ليس مستحيلاً مواجهته. وأنجع وسيلة لمواجهة الإرهاب الفردي هو تدعيم علاقات أجهزة الأمن بالمجتمعات المحلية، سيما المجتمعات المسلمة في الغرب، حتى يوفروا معلومات عمن تظهر عليه أمارات الراديكالية والتطرف. فالراديكالية لا تتم في فراغ اجتماعي من ناحية، والمجتمعات هي التي تهزم الإرهاب من ناحيةٍ أخرى.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره