مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-01-05

نظم الإنذار المبكر للحد من مخاطر الكوارث : التهديدات المناخية نموذجاً

خلفية تاريخية
ظهرت نظم الإنذار المبكر منذ عقود طويله وساهمت كثيراً في تأمين حياة الجماعات الإنسانية، وكانت تعتمد فقط على الحس الإنساني الطبيعي، وباستخدام النيران والأصوات كأدوات لإرسال دلالات على وجود أخطار قريبه.
 
بقلم: أ. أيمن سعد الدين محمد
زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية
 
لكن مع مرور الزمن وفي العصر الحديث، تم التعرف على التطبيق العلمي للإنذار المبكر، عام  1868، عندما قام العالم الأمريكي جى دى كوبر، بتركيب أجهزة استشعار زلزالية بالقرب من ولاية كاليفورنيا، لترسل إشارة كهربائية إلى مدينة سان فرانسيسكو بمجرد اكتشاف بوادر للزلزال.  وتغيرت بوصلة الإنذار المبكر إلي اتجاه التغيرات المناخية في عام 1938، عندما قام مهندس البخار البريطاني “جاى كاليندار” بجمع السجلات من 147 محطة أرصاد جوية حول العالم. وبعد إجراء جميع حساباته يدوياً، اكتشف أن درجات الحرارة العالمية ارتفعت بمقدار 0.3 درجة مئوية خلال الخمسين عاماً السابقة. 
 
وفي العام 1958، حدث تطور جديد في قياس التغيرات المناخية، حيث قام عالم جيوكيميائي أمريكي يدعى “تشارلز ديفيد كيلينج” بقياس مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وبدء في تسجيل قياسات دقيقة كل يوم لمدة خمس سنوات ليعلن بعدها للعالم،  أول دليل علمي موثق، على أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون آخذة في الارتفاع وكان ذلك أحد أهم الأعمال العلمية في القرن العشرين. 
 
ويسجل التاريخ أن عام 1969، قد شهد التطور الأكبر في التاريخ البشرى من أجل قياس درجة حرارة الأرض بالأقمار الصناعية لأول مرة، حيث تم إطلاق القمر الصناعي ( Nimbus III) التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا ليوفر أول قياس دقيق في العالم لدرجات حرارة الغلاف الجوي العالمية ولقد أحدث ذلك ثورة في كيفية دراسة العلماء لمناخ الأرض وأنظمة الطقس والغلاف الجوي.
 
عام 1985، نشرت مجلة ساينس ورقة بحثية، لعالم الجيوفيزياء توماس هيتون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، عن بناؤه لمنظومة إنذار مبكر أطلق عليها اسم SCAN، وهى عبارة عن شبكة إنذار زلزالية. لاستخدامها في حماية أنظمة الكمبيوتر، وعزل شبكات الطاقة، وإغلاق صمامات الغاز الطبيعي، وحماية خطوط السكك الحديدية، مع العديد من الإجراءات الاحترازية الأخرى التي تٌعبر عن منظومة متكاملة للإنذار المبكر الفعال. وفى العام 1991، بدء في المكسيك تطبيق أول نظام متكامل للإنذار المبكر في العالم يختص بالزلازل. ودخلت اليابان مجال بناء أنظمة الإنذار المبكر في العام 2007 وتوالت بعدها دول كثيرة، حيث بدء العالم في استيعاب خطورة التغيرات المناخية وحتمية العمل على الحد من مخاطرها من خلال الإنذار المبكر.    
 
التهديدات المناخية   
من بين كل الأخطار الكونية، أصبحت التهديدات المناخية هي الأخطر على الاستقرار العالمي، لكونها تهاجم النظام البيئي للكرة الأرضية وتٌهدد منظومات الحياة الأساسية للشعوب.  بدءاً من جودة الهواء التي تتغير نتيجة تغير أنماط الطقس وهبوب العواصف التي تحمل ذرات ضارة من أماكن صناعية، أو بسبب الأعاصير المدمرة التي تجتاح مدناً بأكملها. وقد يؤدى تطور التغير المناخي، إلى أزمة غذاء عالمية عندما تحدث موجات جفاف شديدة ومتكررة أو فيضانات تهدد المحاصيل بشكل مباشر.

وقد يساهم أيضاً في زيادة أعداد الآفات الحشرية التي تستهلك كميات ضخمة من المحاصيل وتنشر الأمراض بشكل خطير وسريع، لتنتشر حالة وباء عالمي تقضى على ملايين البشر.  أما على مستوى المدن الشاطئية، فإن التغير المناخي قد يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر وحدوث فيضانات تجتاح المٌدن وتٌغلق كافة موارد الحياة للمواطنين أثناء ارتفاع المد، ليؤثر على استقرار المجتمعات والتدفقات الطبيعية لسير الأعمال ومٌجمل الحياة العادية.  وغالباً ماتحدث الفيضانات عندما تتجاوز مياه الأمطار أو ذوبان الجليد قدرة التربة على امتصاصها أو عندما لا تتمكن الأنهار من تصريف كميات المياه الواردة لمجرى النهر الطبيعي بشكل يتوازن مع كميات المياه الوارد إليها من المنابع. لينتج عتها فائض كبير في تدفق المياه الجارية وتخرج عن خط المجرى المائي لتتسبب في فيضانات مدمرة.
 
وطبقاً لما ورد في مجلة (nature) الدولية المتخصصة في علوم البيئة والتغيرات المناخية، فإن حكومات العالم إذا لم تتخذ مزيدًا من الإجراءات لوقف التأثيرات المناخية الحالية، فمن المحتمل أن يشهد الكوكب ارتفاعًا في درجات الحرارة العالمية بمقدار من  2 إلى 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن. حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى ذوبان كارثي للجبال الجليدية شمال وجنوب الكرة الأرضية، مما يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر إلى مستويات قياسية، الذى من شأنه أن يغمر معظم المدن الساحلية العالمية الرئيسية. وسيتم تدمير جزء كبير من الحياة البرية، يقود إلى انقراض أنواع كثيرة من مكوناتها الطبيعية والتي لا يمكن تعويضها. وستختفي إمدادات المياه في أماكن كثيرة في دول كثيرة، مما يجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن تقريبًا. 
 
وطبقاُ لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة )اليونسكو( فإنه بحلول عام 2030، فإنه من المتوقع حدوث 1.5 كارثة بيئية يوميًا في جميع أنحاء العالم بسبب الزلازل أو الفيضانات أو أمواج تسونامي أو الجفاف. مما يؤثر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمناطق جغرافية يعيش فيها ثلاثة أرباع سكان العالم معظمهم من المجتمعات الأكثر ضعفاً.  وذكرت منظمة الصحة العالمية، أن التغيرات المناخية سوف تتسبب في وفاة  250 ألف شخص سنوياً بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، وخسائر مالية مباشرة بين 2 و4 مليارات دولار أمريكي سنوياً، وذلك خلال الفترة من عام 2030 إلى عام 2050.  لهذا فإن التغيرات المناخية  قد دخلت إلى نطاق التأثير على الخريطة الصحية الوطنية بالإضافة إلى تأثيرها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام. 
 
دور أنظمة الإنذار المبكر في توقع التهديدات المناخية 
ومن أجل الحد من مخاطر التغيرات المناخية التي تتسبب في خسائر عالميه ضخمة، فإن تطبيق آليه متطورة للإنذار المبكر للتهديدات المناخية، يساهم إلى حد كبير في التعرف على الأخطار المستقبلية وأماكن حدوثها مع تقدير النطاق الجغرافي لتأثيرها وحجم المتضررين منها، ويؤدى إلى السيطرة على الخسائر المادية والبشرية.  حيث أن مفهوم الإنذار المبكر يُقصد بـه مجموعة من القدرات التكنولوجية والإدارية والإعلامية المطلوبة لإعداد ونشر معلومات تحذيرية مفهومة وواضحة وفي الوقت المناسب، لتمكين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات المُهددة بالأخطار لتستعد وتتصرف بشكل مناسب، ويساهم في تحقيق الفعالية في الاستجابة للإنذار وعدم الاقتصار على مجرد تعميم التحذير.  
 
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير والمتسارع، فقد تغيرت أدوات الإنذار المبكر، وتم إضافة بعض الآليات والنظم التكنولوجية التي نقلت هذا المفهوم إلى أفاق جديده. حيث بدأ استخدام الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والأقمار الاصطناعية لبناء أنظمة الإنذار المبكر في العصر الحديث والتي ساهمت في إنقاذ العديد من الأرواح والكثير من الممتلكات ودعمت بشكل كبير استقرار الدول والمجتمعات.  وذلك بالإضافة إلى مساهمتها في اتساع المدى الزمنى للإنذار المبكر الذى بدأ قديماً بالتحذير قبل دقائق من التهديد الوشيك، إلى أن وصل إلى إخطار مسبق بأيام وأسابيع. وأعطى الفرصة لتدارك أخطار جسيمه بل والمساهمة في بقاء مجتمعات ودول كثيرة كانت لتذهب لولا وجود أنظمة الإنذار المبكر للتغيرات المناخية.
 
 حيث يتم بناء هذه النظم من عدة مكونات تكنولوجيه، تبدأ بشبكات اتصال ذات قدرات فائقة على مستوى الكرة الأرضية ونظم اتصالات فضائية خارج نطاق الغلاف الجوي من خلال الأقمار الاصطناعية. مع دمجها جميعاً في منظومة للاستشعار عن بٌعد والتحليل الطيفي.  وتتواصل الٌأقمار الاصطناعية مع القواعد الأرضية من خلال إرسال كافة المعلومات والصور والخرائط الى مركز تكنولوجي ضخم  يحتوى على قواعد بيانات ضخمة، وعدد من المنظومات المتقدمة لتحليلات المعلومات، مع نظم تحليل ذكيه لصور الأقمار الاصطناعية، ينتج عنهم آليه للتوقعات المستقبلية بها عدة سيناريوهات لإدارة الأزمات المناخية المستقبلية.
 
وداخل هذه المنظومة للإنذار المبكر،  يكون هناك على سبيل المثال، تطبيق لنموذج أولى يعتمد على مفهوم التحليل التاريخي للبيانات الضخمة لتوقع تغيرات مناخية مستقبلية، وتقوم الأقمار الاصطناعية بتجميع لبيانات المناخ من كافة المناطق الجغرافية لدول العالم ومقارنتها بالبيانات التاريخية المتواجدة على قاعدة البيانات الضخمة، ثم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لاستكشاف أي تشابه بين البيانات التاريخية لأى تغيرات مناخية تسببت في أزمات دوليه سابقه، وهو ما يسمى نموذج التشابه الذى يعطى توقعات مستقبلية على أساس مقارنات تاريخية.

وفى نموذج أخر لاستخدام الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في الإنذار المبكر للتهديدات المناخية، يتم تعيين ما يسمى بالنقاط الحرجة في المؤثرات المناخية مثل الأنهار عابرة الحدود، والفيضانات الساحلية، حيث يتم تحليل تدفقات المياه مع حسابات لكميات التسرب ومعرفة حدود المخاطر والمدى الزمنى لحدوث التدفق الخطر للمياه ومسارها الجغرافي.  ويتم نفس الأسلوب في التنبؤ بالتهديدات المناخية المتعلقة بالجفاف الشديد واسراب الحشرات المهاجرة. ويتم تحليل المخاطر المحتملة في هذه الموضوعات ونطاق تأثيرها الجغرافي. وبذلك ترتكز محاور عمل هذه النظم على ثلاث اتجاهات:
  • التنبؤ بالتهديدات واكتشافها وتتبعها
  • بناء قاعدة معلومات لدعم متخذ القرار الاستراتيجي في حالات الإنذار المبكر
  • تقييم الأضرار وإبلاغ عمليات الإغاثة
     
تجارب ناجحة في تحسين نظم الإنذار المبكر مناخياً 
ومن أنجح التجارب على مستوى العالم في بناء أنظمة الإنذار المبكر للحد من أضرار التغيرات المناخية، هو نظام الاتحاد الأوروبي الذي يقوم برصد مخاطر الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات وموجات الحر والجفاف ويتم تطبيقه على قطاعات الصحة، والزراعة، والغابات، والمباني، والمناطق الساحلية والحضرية.  وهذا النظام يُسمى « عين أوروبا على الأرض». ويتكون من أعداد هائلة من الأقمار الاصطناعية ومراكز الرصد البيئي والمراقبة الأرضية.  وتديره المفوضية الأوروبية من خلال وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) والمنظمة الأوروبية للأرصاد الجوية (EUMETSAT) والمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (ECMWF). ويٌطلق الاتحاد الأوروبي على هذا النظام اسم كوبرنيكوس (Copernicus Climate Change Service C3S)

وقد ساهم هذا النظام للإنذار المبكر، في إنشاء آلية للإخطار والتوعية يٌطلق عليها (MeteoAlarm) للقيام بإرسال تحذيرات التغيرات المناخية الحادة التي يُتوقع حدوثها في أوروبا، اعتمادا على قواعد معلومات التوعية الصادرة عن الشبكة الأوروبية لهيئات الأرصاد الجوية في 37 دولة أوروبية (EUMETNET).  وقد تم تصميمه لتطوير حالة الوعي في أوروبا مع تقديم سيناريوهات وإرشادات للمواطن الأوروبي عن حالات التغير المناخي الحاد، مما سمح للمواطنين بالاطلاع على أحدث التحذيرات واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة التهديدات المناخية. وهذه المنظومة تعتمد على ربط كافة قواعد بيانات التغيرات المناخية التي يتم رصدها عبر جميع الدول الأوروبية المشاركة في المنظومة، مع خضوعها لقدرات تحليل متقدم وتوقعات مستقبلية ودعم اتخاذ القرار، والاستفادة منها بتوصيات لكافة الدول والمؤسسات والمواطنين، بشأن كيفية التعامل مع كل مشكله على حدة من مشاكل التغير المناخي الحاد.

وقد أضاف الاتحاد الأوروبي لهذا النظام الرئيسي، عدد من الأنظمة المتخصصة في الإنذار المبكر للتغيرات المناخية التي تعتمد على الخرائط الرقمية للمناخ مع تطبيق أفضل سيناريوهات دعم اتخاذ القرار لمواجهتها والحد من أخطارها. مثل نظام (EuroHEAT) لتوقعات الموجات الحارة،  ونظام المرصد الأوروبي للجفاف (EDO)  لتوقع موجات الجفاف القادمة وأماكن حدوثها واثارها على كافة قطاعات المجتمع وخاصة الزراعة والصناعة والسياحة والمرافق العامة. كذلك النظام الأوروبي للتوعية بالفيضانات (EFAS) في الأنهار الكبيرة في جميع أنحاء أوروبا.  وأيضاُ يقوم نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي (EFFIS) بمهام الإنذار المبكر لحماية الغابات من الحرائق في دول الاتحاد الأوروبي ويزود خدمات المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي بمعلومات وخرائط محدثة وموثوقة عن احتماليات حدوث حرائق في الأراضي البرية والغابات الكثيفة. 
 
أهمية الاستثمار في نظم الإنذار المبكر في الدول النامية 
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة إن نصف البشرية يعيش بالفعل في منطقة الخطر. «والعالم يُخفق في الاستثمار في حماية أرواح من هم على خط المواجهة وفي حماية سبل عيشهم. وأولئك الذين يتحملون أقل قدر من المسؤولية عن أزمة المناخ يدفعون الثمن الأكبر».  وهذه الكلمات من أكبر مسؤول أممي في العالم، تٌعبر عن أهمية الاستثمار في  الإنذار المبكر للتغيرات المناخية التي تؤثر بشكل أكبر على الدول النامية، ويكون الجانب الاقتصادي هو المتضرر الأول في قطاعات الدولة، نتيجة للخسائر التي تلحق بالممتلكات وتوقف الأعمال التجارية الناجمة عن زيادة مستويات الأحداث المناخية القاسية، وفقدان الإنتاجية نتيجة تعطل خطوط الإنتاج وتوقف سلاسل الإمداد للمواد الخام مع اختلال العمليات التصديرية، مما يدفع الحكومات إلى إعادة توزيع الموارد الشحيحة لمواجهة التغير المناخي.

وغالباً لا تتحمل موازنات الدول النامية حجم الأضرار الهائل الناتج عن التغيرات المناخية. حيث جاء في تقارير هيئة الأمم المتحدة عن الأضرار الاقتصادية في العالم نتيجة التغيرات المناخية في  العام 2021، أنه قد وقعت 432 كارثة ذات صلة بالأخطار الطبيعية في كافة أنحاء العالم. وأُبلغ عن خسائر اقتصادية تقدر بنحو 252 مليار دولار أمريكي، حيث أرتبط 44 % من تلك الكوارث بالفيضانات.  وطبقاً لصندوق النقد الدولي فقد قدمت المنظمات الدولية بين عامي 2009 و2019 تمويلا قدره 70 مليار دولار تقريبا للأنشطة المناخية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وهم من المناطق التي بها نسبة كبيرة من الدول النامية والسكان تحت خط الفقر.
 
وعلى المستوى العالمي، ووفقا لدراسة أعدتها الشركة السويسرية لإعادة التأمين في عام 2021، أن أغنى دول العالم من البلدان الأعضاء في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، ستشهد انخفاضا بنسبة 5% في حجم اقتصاداتها، مقارنة بـ 9 % في أمريكا الجنوبية، ونحو 17% في الشرق الأوسط وإفريقيا، و 25 % في دول «رابطة جنوب شرق آسيا/ آسيان. وفى المقابل، تشير بعض الدراسات إلى احتمال أن يؤدى ارتفاع الحرارة بمعدل 3.2 درجة، إلى خسارة 18.1 % من الناتج الاقتصادي العالمي.
 
ويمكن أن يساهم الاستثمار في بناء أنظمة الإنذار المبكر، في دعم عمليات التنمية المستدامة في الدول النامية وزيادة في الدخل القومي ومتوسط دخل الأفراد من خلال الحد من الخسائر البشرية والمادية. ففي قطاع المياه والري الذى يمثل الدخل القومي الرئيسي للدول الزراعية من الدول النامية، يؤدى نظام الإنذار المبكر الى الحفاظ على إنتاجية الأراضي الزراعية وكميات المحاصيل. كما يدعم الحفاظ على ثبات المردود الاقتصادي من الزراعة على فئة المعتمدين على هذا القطاع الحيوي، وعلى المستوى الدولي يساهم في انخفاض تأثير المجاعات على شعوب العالم بالحفاظ على حجم الإنتاج العالمي من المحاصيل.
 
ومعظم الدول النامية هي دول زراعية أو سياحية أو تعتمد في دخلها الأساسي على المواد الخام من نتاج الطبيعة، ولذلك فهي أكثر شعوب العالم تضرراً من التغيرات المناخية الحادة التي تؤدى إلى تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار فى المراكز السياحية الشاطئية، كما يؤثر الاختلال البيئي على الغابات ومناطق الحياة البرية في عدد من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية مما يعصف بالتدفق السياحي فتنخفض الموارد المالية من هذا القطاع الهام وتمنع الدول من الاستفادة من مواردها الطبيعية.  لذلك فإن زيادة الاستثمار في بناء أنظمة إنذار مبكر للتغيرات المناخية، تؤدى بشكل حتمي لعائد اقتصادي واجتماعي كبير.

ولقد توصلت اللجنة العالمية المعنية بالتكيف المناخي، أن إنفاق 800 مليون دولار فقط على أنظمة الإنذار المبكر في البلدان النامية من شأنه أن يتجنب خسائر تتراوح بين 3 و 16 مليار دولار في السنة.
 
الجهود الدولية لتوسيع نطاق الإنذار المبكر 
وفى إطار الاهتمام الدولي الذى تقوده هيئة الأمم المتحدة، لجميع الأعمال الدولية الخاصة بالتغيرات المناخية، فقد كانت هناك جهود تاريخية حثيثة أثمرت عن هذا النجاح الحالي في الإنذار المبكر للتغيرات المناخية، حيث بدأت الاهتمامات الدولية بالدخول إلى مرحلة التفاعل الإيجابي لمواجهة التغيرات المناخية منذ تأسست الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ( ‎( IPCC‏ عام ‎1988‏. وهى منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة وتتألف من ثلاثة آلاف من علماء المناخ، وخبراء المحيطات والمسطحات المائية وكذلك وخبراء الاقتصاد وغيرهم. وهي الجهة العلمية النافذة في مجال دراسة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وتأثيراته. وتعمل الهيئة على تقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي لهذا التغير. 
 
واستمرت الجهود الدولية في مؤتمر هيئة الأمم المتحدة للبيئة والتنمية عام 1989، حتى تم إصدار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  (UNFCCC ) في العام 1992 والتي نتج عنها معاهدة بيئية دولية لمكافحة (التدخل البشري الخطير في النظام المناخي). وانتقلت الجهود الدولية إلى مستوى أكبر للتعاون وأكثر فاعلية بالتوصل إلى اتفاقية باريس في العام 2015 بتوقيع 197 دولة، أقرت فيها أن تغير المناخ هو حالة طوارئ عالمية تتجاوز الحدود الوطنية. وإنها قضية تتطلب حلولاً منسقة على جميع المستويات وتعاوناً دولياً لمساعدة الدول على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون.
 
وفى إطار التوسعات المستقبلية، فقد وضعت هيئة الأمم المتحدة، مبادرة (الإنذار المبكر للجميع) لضمان حماية كل شخص على وجه الأرض من خلال الإنذارات المبكرة بحلول عام 2027.  وذلك كخطة استراتيجية عالمية يتم تنفيذها بالتعاون بين المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC). 
 
 وقد حددت هيئة الأمم المتحدة الركائز الأربع الرئيسية لنُظم الإنذار المبكر للتغيرات المناخية كما يلي:
  • الإلمام بمخاطر الكوارث - من خلال تجميع البيانات بطريقة منهجية وإجراء تقييمات للمخاطر فيما يتعلق بالأخطار والمواضع الجغرافية للتأثر.
  • الرصد والتنبؤ  -  من خلال وضع خدمات لمراقبة الأخطار والإنذار المبكر بها.
  • التأهب والاستجابة – من خلال بناء الكفاءات الوطنية والمجتمعية في مجال الاستجابة.
  • التعميم والإبلاغ – من خلال تعميم المعلومات المتعلقة بالمخاطر بحيث تصل إلى جميع من يحتاجون إليها وتكون مفهومة وقابلة للاستخدام.
  • وستعمل جميع المنظمات المشاركة في هذه المبادرة، على بناء أحدث منظومة تكنولوجيه للإنذار المبكر للتغيرات المناخية لتغطية كافة المواطنين على مستوى الكرة الأرضية. عن طريق استخدام كافة الموارد والإمكانيات الدولية وخاصة التكنولوجيا المتقدمة.
     
المشاركات التكنولوجية الدولية في بناء أحدث منظومات الإنذار المبكر في التغيرات المناخية
سارعت كبرى الشركات التكنولوجية الدولية للمساهمة في الاصطفاف الدولي بشأن المشاركة في الإنذار المبكر للتغيرات المناخية والحد من أثارها، وتعهدت شركة ميكروسوفت  (Microsoft) بتحسين سرعة شبكات الإنترنت وتطوير وضمان إمكانية الوصول إليها بسهولة لكافة المواطنين المستهدفين بالإنذار المبكر. مع التأكد من وصول التحذيرات ورسائل الإنذار المبكر في الوقت المناسب ومن خلال جميع خدمات الأرصاد الجوية العالمية. بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية عالية الدقة لرسم خرائط للسكان المعرضين للخطر وتقييم الأضرار بعد وقوع الكارثة. مما سيكون له أثر كبير على توسيع حجم المستفيدين من الإنذار المبكر على مستوى الكرة الأرضية.

  كما ستساهم شركة جوجل  (Google) بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لبناء أنظمة متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الإنذار المبكر، لتدعم بذلك منظومة التحليلات المتقدمة لبيانات وخرائط التغيرات المناخية وسيناريوهات الإنذار المبكر لمدة زمنية اطول. وستضع شركة (Amazon) قوة السحابة الإلكترونية لديها لخدمة أنظمة الإنذار المبكر العالمية. بل وستدعم بناء وتشغيل النظام العالمي لمعلومات الكرة الأرضية (WIS 2.0)، وهو الإطار التكنولوجي للمشاركة والاطلاع وتقاسم بيانات (الأرصاد الجوية، وحركة مياه الانهار، والمناخ، والمحيطات).

مما سيعٌطى زخماً أكبر في قدرة منظومات الإنذار المبكر على البقاء والاستمرار وضمان استمرارية عملها بكفاءة وفعالية.  بينما تشارك شركة  (Meta) بنظام الاستجابة للكوارث منذ عام 2014، حيث يصل إلى ملايين الأشخاص في المجتمعات المتأثرة بالأزمات في 125دولة. وهو الذى يحتوي على تنبيهات فحص السلامة وصفحات الأزمات الدولية ومعلومات لدعم منظومات الإنذار المبكر للتغيرات المناخية. وانضمت شركة  (Alibaba) لهذا التحالف الدولي، من خلال الابتكارات التكنولوجية في مجال السحابة الإلكترونية الدولية والذكاء الاصطناعي للمساعدة في منع الكوارث والحد منها، مع التركيز على آسيا. وباجتماع  هذه الشركات العالمية لوضع كافة التكنولوجيا المتقدمة في خدمة أهداف الإنذار المبكر للتغيرات المناخية، فإنه من المتوقع أن تحدث طفرات كبيره في الأنظمة المستخدمة وبالتالي تكون النتائج المتوقعة أكبر بكثير من التصورات الحالية. 
 
وأخيراً، فإن هذه الجهود الدولية التي تساهم في بناء شبكات الإنذار المبكر للتغيرات المناخية للحد من مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية، يجب أن تتضمن أليه واضحة للاستمرار والتطور وعدم التوقف لأى سبب سياسي أو اقتصادي، سواء كان حدثاً دولياً أو إقليمياً. لذلك فإن وجود آلية ضمان استمرارية الأعمال في منظومات الإنذار المبكر، تصبح ذو أهمية قصوى في الخطط الاستراتيجية الدولية لهذا العمل الحيوي والمؤثر على غالبية شعوب الكرة الأرضية. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره