مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-10-03

هل تصبح أفغانستان ملاذًا لجماعات العنف والتطرف؟

بعد سيطرة طالبان على الحكم
 
هل يمكن وصف «طالبان» بالحركة المتطرفة؟ وإذا كانت كذلك فما فائدة الحديث عن فكرة تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن لجماعات العنف والتطرف بعد سيطرتها على الحكم في منتصف يوليو الماضي؟ هناك من يعتقد أن الحركة باتت مختلفة في نسختها الجديدة عن «طالبان» التي وصلت إلى السلطة في العام 1996، وهو ما سوف ينعكس على سلوكها وبالتالي إحترامها للمرآة ولحقوق الإنسان، هؤلاء الذين يراهنون على الطبعة الجديدة لحركة «طالبان» نسوا أو تناسوا أنها احتضنت تنظيم قاعدة الجهاد قبل وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في العام 2001، وبالتالي لن تتخلى الحركة عن التنظيم حتى بعد وصولها للسلطة.
 
 
بقلم: منير أديب 
باحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي
 
تعهدت “طالبان” في المفاوضات التي جرت بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية أنها سوف ترفع الغطاء عن “القاعدة” ولن تسمح لأي تنظيم أن يستخدم أفغانستان منصة لتهديد أمن الدول، هذا التعهد لا ضامن له، ولن تتراجع الحركة عن أفكارها واستراتيجيتها لمجرد تعهد لن يقدم أو يؤخر في حالة عدم الإلتزام به. 
 
 
رفضت «الحركة» تسليم، أسامة بن لادن، للقوات الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، تحججت في البداية ثم اشترطت بعد ذلك على الولايات المتحدة تقديم أدلة تؤكد تورطه في تفجير برجي التجارة العالمي، وكان ذلك قبل اعتراف بن لادن، وضحت بالحكم مقابل عدم تسليم زعيم القاعدة، ثم حدث الغزو الأمريكي في العام 2001، ورغم ذلك انسحبت القوات الأمريكية من البلاد دون أن تسلم “طالبان” زعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، الموجود في جبال قندهار، فقط تفاوضت مع أميركا على عدم تعاون «الحركة» مع «التنظيم» دون أن تطلب تسليمه أو تصل إليه لتقليل خطر “القاعدة”.
 
 
أفغانستان منصة الإرهاب العالمي 
سوف تتحول أفغانستان إلى منصة لتصدير العنف لأسباب ترتبط بأفكار الحركة الأيديولوجية والتي تتماهى مع كل تنظيمات العنف والتطرف مثل القاعدة وشبكة حقاني وتنظيمات أخرى محلية مسلحة ترتدي ثوب الدين، والأمر الثاني، أنها لن تستطيع أن تبسط سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية وهو ما يدفع إلى تنامي “ولاية خرسان”، وهو ما يُهدد بصعود “داعش” من جديد، رغم أن المؤشرات كلها تذهب إلى أن تنظيم قاعدة الجهاد قد يتصدر المشهد الجهادي، بعد سيطرة طالبان على الحكم واحتضانها له.
 
 
تحولت أفغانستان أيام الحرب السوفيتية إلى ساحة تدريب للجهاديين من كل أنحاء العالم، هؤلاء الجهاديين هم من شكلوا تنظيم القاعدة بعد انتهاء الحرب وخروج القوات السوفيتية في العام 1988، وقتها اقترح عبد الله عزام، أحد قيادات الإخوان المسلمين، على، أسامة بن لادن، انشاء «القاعدة»، بعدما دار حوار بينهما فحواه، بأن الحرب انتهت والجهاد لم ينتهي بعد، فهو باق إلى يوم الدين، وأننا نمتلك قاعدة بيانات لكل المجاهدين سواء من ماتوا أو من مازالوا أحياءً، وضرورة انشاء “قاعدة الجهاد” كتنظيم للدفاع عن الإسلام، فكان قرار النشأة والتدشين.
 
 
من بعدها أصبحت أفغانستان ساحة للعنف عابر الحدود والقارات، ومن هنا خطط أسامة بن لادن ومساعدوه للإعتداء الأكبر والأشهر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية “تفجير برجي التجارة العالمي”، وأثناء الحرب السوفيتية كانت تقام معسكرات القتال في أفغانستان التي سمحت بالتربية الجهادية والتدريب العسكري، وبات هؤلاء “الجهاديين” قنبلة موقوتة تهدد أي أرض يحطون عليها.
ربما تكون الطبيعة الجغرافية أحد الأسباب التي جعلت أفغانستان ملاذًا لجماعات العنف والتطرف، ولكن السبب الأهم في تحولها لمركز استقطاب لهذه التنظيمات، سواء أثناء الحرب السوفيتية، حيث أرادت أميركا أن تواجهها في عقر دارها، وهنا دعمت ما أطلق عليه وقتها “المجاهدين العرب” أو المقاتلين العرب” والذين تحولوا فيما بعد وأنشأوا تنظيم القاعدة، الذي خرجت من رحمه “داعش” فيما بعد، وها هي الآن تستخدم أفغانستان ساحة لهذه التنظيمات من خلال صعود “طالبان” للحكم سواء برغبة منها أو بعدم إدارك حقيقي لإنسحابها، فسواء هذا أو ذلك فقد أدى إلى قيام إمارة إسلامية تهدد أمن العالم.
 
 
مشروع طالبان يتركز في إقامة إمارة إسلامية ودعم التيارات الدينية في الشرق والغرب، ولعلها تفعل ذلك من واقع قبائلي يميل إلى نصرة الضعيف بغض النظر عن جرمه، فضلًا على أنها ترى أن هذه التنظيمات مجرد خطوة في طريق إقامة الدولة الإسلامية التي تحلم بها، قد يكون هناك بعض الإحتلافات فيما بينها ولكن ما يجمع هذه التنظيمات و «طالبان» أكثر من هذه الاختلافات، ولعل ذلك أحد أسباب دعم “طالبان” لكل التنظيمات المتطرفة.
 
 
ما بعد طالبان
تساهلت الولايات المتحدة الأمريكية مع حركة طالبان، التي نجحت في تجميع صفوفها أثناء الوجود الأمريكي في أفغانستان على مدار عقدين كاملين حتى أن أغلب التقارير الاستخباراتية أكدت أن أقل عدد لمقاتلي حركة طالبان يصل إلى 60 ألف مقاتل، فضلًا عن ضعف الحكومة الأفغانية والجيش الذي تهاوى أمام سلطة «الحركة» التي كانت تسيطر على المدن وذخائر الجيش دون أن تطلق طلقة واحدة! فكانت تسيطر على مواقع الجيش من خلال بعض أنصارها الذين يحملون أسلحة خفيفه فوق الدراجات البخارية، وهو ما يُعزز الرغبة الأمريكية في وجود “طالبان” في الحكم.
أميركا فقط لم تخرج مهزومة من أفغانستان، ولكنها أتاحت الفرصة لصعود حركة طالبان إلى السلطة مع بدايات الإنسحاب، وفشلت فشلًا ذريعًا في إنشاء حكومة مدنية قادرة على مواجهة خطر “طالبان” ولا جيش قادر أيضًا على الدفاع عن الأرض، فلا حكومة ولا جيش ولا مجتمع مدني قوي.
 
 
الصراع السياسي بين أميركا والصين وروسيا ربما ألقى بظلالة على أفغانستان، وربما يكون السبب وراء إنشاء إمارة للفوضى في هذه الدولة، تواجه من خلالها الصين وتقدمها الإقتصادي والعسكري وربما ترد على مناكفات روسيا لها، وهنا تعتقد واشنطن أن هذه الإمارة قد تعيق الصين عن مسارها في طريق الحزام والطريق، وقد يوقف طريق الحرير من أساسة ويعيق تدفق البضائع الصينية إلى كل دول العالم في مختلف القارات.
 
 
عين الولايات المتحدة الأمريكية من وراء سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان على مسلمي الإيجور، واحتمال تماهي “طالبان” و “القاعدة” مع “الإيجور” التي تنظر الصين إلى قطاع كبير منهم على أنهم متطرفين أو مشاريع تطرف مستقبلية، وهو ما سوف يتيح مساحة من الفعل تقوم بها “طالبان” و “القاعدة” و “الإيجور” كما تعتقد واشنطن ورد الفعل من قبل القوات الصينية، وهو ما يُساعد في تفكك الصين قبل صعودها.
 
 
الصراع بين الدول الكبرى ربما يعطي مساحة أكبر لجماعات العنف والتطرف، التي تستغلة لصالحها، كان ذلك مع بداية الإجتياح السوفيتي في العام 1979 عندما تم دعم المجاهدين العرب من قبل المخابرات المركزية الأمريكية بهدف مواجهة روسيا، فشكل هؤلاء نواة تنظيم “القاعدة” أولا ثم “داعش” بعد ذلك، وما حدث قبل خمسين عامًا يحدث الآن، فأميركا تريد مواجهة الصين بنفس ذات الطريقة، كما أنها تواجه هجمات روسيا السيبرانية بتسهيل إقامة إمارة إسلامية بالقرب منها، هذا الصراع لن يسلم منه أحدًا سواء دول الجوار أو الدول البعيدة عن أفغانستان، التي قد لا تجمعها حدود مشتركة مع الدولة الآسيوية ولكن سوف يصل خطر تنظيمات العنف والتطرف إليها لا محالة.
 
 
مواجهة خطر الإرهاب 
على المجتمع الدولي أن يقف أمام مشروع «طالبان»، صحيح أنها باتت أمر واقع وهي في السلطة الآن، لكن أي تساهل أمام صعودها واحتضانها لجماعات العنف والتطرف سوف يخلق دولة جديدة أشبه بمملكة «داعش» التي سقطت في 22 مارس عام 2019، ولكن هذه الدولة سوف يكون معترف بها من المجتمع الدولي أو من دول كثيرة ربما لا ترغب في صدام معها، وهو ما يزيد الأمور تعقيدًا، ويدفع لتنامي جماعات العنف والتطرف وبالتالي تهديد أمن واستقرار العالم كله من شرقة إلى غربه.
 
 
وهنا لابد من مشروع عربي يتوجه إلى وضع خطط استراتيجية من شأنها مواجهة الإرهاب «المعولم» عابر الحدود والقارات والذي بدأ يطل علينا من قارة جديدة، ولابد لهذا المشروع أن يفرغ جزء كبير من استراتيجيته لتفكيك الأفكار المؤسسة لهذه التنظيمات.
 
 
الوقوف أمام مشروع توطين إمارة إسلامية أمر يستلزم إقناع دول العالم بخطورة اللعب في هذه المنطقة أو التراجع عن مواجهة هذا المشروع وخطرة على أمن واستقرار العالم، ثم مواجهة تبعات ما سوف يحدثه زلزال صعود “طالبان” للحكم، خاصة وأنه أعطى ماء الحياة لكثير من تنظيمات الإسلام السياسي التي باتت تشعر أن الأمل قريب، فضلًا عما توفره لها من دعم ووجود آمن.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره