مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-05-03

هل‭ ‬تغير‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭- ‬الدرونات‭-‬ من‭ ‬شكل‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬؟

في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬أدى‭ ‬استخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬أو‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تدار‭ ‬بها‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الراهنة‭. ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬العميق‭ ‬والمنهجي‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الصراعات‭ ‬وتغيير‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬العسكرية‭ ‬باستخدام‭ )‬الدرونات‭( ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬والارهاصات‭ ‬الأولى‭ ‬لاستخدام‭ ‬المركبات‭ ‬الجوية‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬ترجع‭ ‬الى‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬مهدها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬وكانت‭ ‬النتائج‭ ‬غير‭ ‬مبهرة،‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات،‭ ‬بدأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الطائرة‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬Ryan‭  ‬Model 147‭ ‬للعمل‭ ‬الاستخباراتي،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬قدم‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬طائرته‭ ‬‮«‬Hawk‮»‬‭ ‬Tu-123‭.‬
 
د‭ ‬محمد‭ ‬عصام‭ ‬لعروسي‭ ‬
 
خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬تطورت‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬بشكل‭ ‬مذهل،‭ ‬فبينما‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬للتصوير‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬الجوي،‭ ‬فإنها‭ ‬أصبحت‭ ‬حاليا‭ ‬تنجز‭ ‬مهاما‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬ودقة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تنسيق‭ ‬أعمال‭ ‬القوات‭ ‬البرية،‭ ‬وتصحيح‭ ‬الأهداف‭ ‬المدفعية،‭ ‬وتحديد‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬للعدو‭ ‬وقصف‭ ‬الأهداف‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬وتشمل‭ ‬الشركات‭ ‬المصنعة‭ ‬والمشغلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وتركيا‭ ‬والصين،‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬تطورا‭ ‬كبيرا‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وكندا‭ ‬والنرويج‭ ‬وإيران‭.‬
 
إن‭ ‬امتلاك‭ ‬صناعة‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬يغير‭ ‬حتما‭ ‬من‭ ‬شكل‭ ‬الصراعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬ويضع‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬حرج،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬دول‭ ‬صاعدة‭ ‬تصنيع‭ ‬وبيع‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬تخوض‭ ‬حروبا‭ ‬نظامية‭ ‬وكذا‭ ‬سهولة‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬والجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬نظرا‭ ‬لنجاعتها‭ ‬و‭ ‬لانخفاض‭ ‬تكلفتها‭ .‬
‭ ‬ولعل‮ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭-‬الأوكرانية‮ ‬تعد‭ ‬مختبرًا‭ ‬عمليًا‭ ‬للمسيّرات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬القتالية‭ ‬لتصبح‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬فعالية‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬عمق‭ ‬أراضي‭ ‬الخصم‭ ‬بأقل‭ ‬التكاليف‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المهاجمين‭. ‬وشهدت‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬و‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬استخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭ ‬و‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي،‭ ‬وكذا‭ ‬تصنيع‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وتركيا‭ ‬لهذه‭ ‬الطائرات‭ ‬وما‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية‭  ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والرهانات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والعسكرية‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد‭.‬
 
أولا‭: ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬تفرض‭ ‬واقعا‭ ‬جديدا‭ ‬للصراع‭ ‬
في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬فيه‭ ‬واشنطن‭ ‬شروطا‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الفائقة‭ ‬للطائرات‭ ‬المُسيَّرة‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬حتى‭ ‬حلفائها،‭ ‬فإن‭ ‬سوق‭ ‬المُسيَّرات‭ ‬المُسلحة‮ ‬منخفضة‭ ‬التكلفة‬،‭ ‬الذي‭ ‬وفرته‭ ‬تركيا‭ ‬والصين‭ ‬وإيران،‭ ‬أعاد‭ ‬تشكيل‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬وقلب‭ ‬موازين‭ ‬المعارك،‭ ‬بل‭ ‬وفرض‭ ‬وضعا‭ ‬جديدا‭ ‬على‭ ‬المعدات‭ ‬التقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬المدرعات‭ ‬والدبابات‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعُد‭ ‬تصمد‭ ‬أمام‭ ‬المُقاتِلات‭ ‬الصغيرة‭.‬
على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬منذ‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬تخوض‭ ‬السعودية‭ ‬حربا‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬لاستعادة‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬بها‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي‭. ‬وتقول‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إن‭ ‬ترسانة‭ ‬الحوثيين‭ ‬تشمل‭ ‬صواريخ‭ ‬مضادة‭ ‬للسفن‭ ‬ومركبات‭ ‬مائية‭ ‬محملة‭ ‬بالمتفجرات،‭ ‬لكن‭ ‬المُسيَّرات‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعركة‭. ‬وبحسب‭ ‬بيانات‭ ‬رسمية‭ ‬سعودية‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الطائرات‭ ‬المُسيَّرة‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬منشآت‭ ‬استراتيجية‭ ‬داخل‭ ‬المملكة‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬نحو‮ ‬851‭ ‬طائرة ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬الجماعة‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬أبرزها‭ ‬“شاهد‭ ‬136”،‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬روسيا‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬مُسيرات‭ ‬“صماد‭ ‬2‭ ‬و‭ ‬3”‭ ‬و“قاصف‭ ‬1‭ ‬و‭ ‬2”‭.‬
كما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬النموذج‭ ‬التركي،‭ ‬نموذجا‭ ‬متفردا‭ ‬وقصة‭ ‬نجاح‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تصنيع‭ ‬الطائرات،‭ ‬فقد‭ ‬حمل‭ ‬الخلاف‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وأنقرة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬سنوات‭ ‬2000‭  ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬على‭ ‬حثّ‭ ‬الصناعة‭ ‬التركية‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬الذاتية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعويض‭ ‬المسيّرة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬هيرون‭ ‬بنظام‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬تركية‭ ‬خالصة‭. ‬
 
وخلال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبا،‭ ‬انتقلت‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬مصاف‭ ‬المستوردين‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬مصدري‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة،‭ ‬إذ‭ ‬صمّمت‭ ‬مصانعها‭ ‬قرابة‭ ‬130‭ ‬نموذجاً‭ ‬مختلفاً‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬بيرقدار‭ ‬تي‭ ‬بي‭ ‬2،‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صناعة‭ ‬الأسلحة‭ ‬التركية‭. ‬وكانت‭ ‬المُسيَّرة‭ ‬التركية‭ ‬‮«‬بيراقدار‮»‬‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬مهمتها‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬غصن‭ ‬الزيتون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬شنَّتها‭ ‬تركيا‭ ‬عام‭ ‬2018‭. ‬وبعد‭ ‬عامين،‭ ‬كادت‭ ‬مدينة‭ ‬إدلب،‭ ‬معقل‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية،‭ ‬أن‭ ‬تسقط‭ ‬لولا‭ ‬انقضاض‭ ‬المُسيَّرات‭ ‬التركية‭ ‬وتدميرها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مركبة‭ ‬مدرعة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬توقف‭ ‬هجوم‭ ‬الأسد‭ ‬الناجح‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬معقل‭ ‬المعارضة‭. ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬منحت‭ ‬‮«‬بيراقدار‮»‬‭ ‬تركيا‭ ‬يدا‭ ‬طُولى‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭ ‬الشمالية،‭ ‬كما‭ ‬مكَّنتها‭ ‬من‭ ‬انتزاع‭ ‬سيطرة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬إم‭ ‬4‮»‬‭ ‬الدولي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وكان‭ ‬سابقا‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬والنظام‭ ‬السوري‭.‬
وفي‭ ‬ليبيا،‭ ‬نشر‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬عشرًا‭ ‬منها‭ ‬دعماً‭ ‬لحكومة‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬حزيران‭/‬يونيو‭ ‬2019‭. ‬وفي‭ ‬ناغورني‭ ‬كاراباخ،‭ ‬لعب‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أذربيجان‭ ‬في‭ ‬نزاعها‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬مع‭ ‬أرمينيا‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬العسكري‭. ‬وأخيراً‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬حصل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬بيرقدار‭ ‬تي‭ ‬بي‭ ‬2،‭ ‬وترى‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وسيلة‭ ‬لتعويض‭ ‬النقص‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬وذلك‭ ‬لتحقيق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬العسكري‭ ‬لمواجهة‭ ‬تصعيد‭ ‬التوتر‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬ومليشيا‭ ‬البوليساريو‭ ‬الانفصالية،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬بشكل‭ ‬أحادي‭ ‬منذ‭ ‬2021،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬الصينية‭ ‬والإيرانية‭.‬
 
ثانيا‭: ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬و‭ ‬حروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬
تخوض‭ ‬إيران‭ ‬حروبا‭ ‬بالوكالة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬و‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬عبر‭ ‬نشر‭ ‬ودعم‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬كالحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬ونظام‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وميليشيات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬وكلاء‭ ‬إيران‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬لأغراض‭ ‬عسكرية‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬المراقبة‭ ‬والاستطلاع‭ ‬وحمل‭ ‬القنابل‭ ‬والصواريخ‭ ‬الموجهة‭. ‬و‭ ‬اضطرت‭ ‬إيران‭ ‬وأتبعاها‭ ‬من‭ ‬المليشيات‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬فباستثناء‭ ‬سوريا،‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬غير‭ ‬نظامية‭ ‬شراء‭ ‬طائرات‭ ‬مقاتلة،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬تغير‭ ‬الاهتمام‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬وتوسيع‭ ‬استخداماتها‭.‬
 
بالنسبة‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬تمثل‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬الإيرانية‭ ‬خطرًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بالرغم‭ ‬اعتماد‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬تشكله‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2022‭ ‬عندما‭ ‬صرح‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إنه‭ ‬أسقط‭ ‬ثلاث‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬استخدمها‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬تنقيب‭ ‬إسرائيلية‭ ‬عن‭ ‬الغاز‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬البحرية‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬لبنان‭. ‬كما‭ ‬هددت‭ ‬إيران‭ ‬و‭ ‬وكلاؤها‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭ ‬والعسكرية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وخليج‭ ‬عمان‭ ‬ومنطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭. ‬وتنتشر‭ ‬صناعة‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬الإيرانية‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬ففي‭ ‬مايو‭ ‬2022،‭ ‬افتتحت‭ ‬إيران‭ ‬مصنعًا‭ ‬للطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬في‭ ‬طاجيكستان‭ ‬لإنتاج‭ ‬طائرة‭ ‬أبابيل‭-‬2‭ ‬،‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬الاستطلاع‭ ‬والقتال‭.‬
لقد‭ ‬تبنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬موقفاً‭ ‬عدوانياً‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الموجهة‭ ‬بالطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2019،‭ ‬هاجمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أهدافًا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والعراق‭ ‬مرتبطة‭ ‬بإيران‭. ‬وشنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هجومين‭ ‬إضافيين‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬أيضا،‭ ‬بدعوى‭ ‬استهداف‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬التابع‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬والذي‭ ‬زعمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يستعد‭ ‬لاستخدام‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬لمهاجمة‭ ‬أهداف‭ ‬إسرائيلية‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية‭ ‬مدنية‭.‬
 
وفي‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬قصفت‭ ‬طائرة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬قافلة‭ ‬لميليشيات‭ ‬شيعية،‭ ‬مما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬تسعة‭ ‬أشخاص،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬قائد‭ ‬كبير،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الثالث‭ ‬باستخدام‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬شنته‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2019‭ ‬على‭ ‬مستودع‭ ‬أسلحة‭ ‬إيراني،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬أول‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1981‭. ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬الرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬هجمات‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬على‭ ‬بيروت،‭ ‬والتي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬طفيفة،‭ ‬بأنها‭ ‬“إعلان‭ ‬حرب”،‭ ‬ووعد‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬بالرد‭.‬
 
ثالثا‭: ‬دور‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة
في‭ ‬غزة،‭ ‬شكل‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬عقبة‭ ‬كأداء‭ ‬أمام‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬صعوبة‭ ‬إلحاق‭ ‬أضرار‭ ‬جسيمة‭ ‬بإسرائيل‭ ‬باستخدام‭ ‬الصواريخ‭ ‬و‭ ‬القذائف‭. ‬ولذلك‭ ‬قررت‭ ‬حماس‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وبدأت‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بتزويدها‭ ‬بطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬مجهزة‭ ‬بالأسلحة‭ ‬وجمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخبارية‭. ‬و‭ ‬أكدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصادر،‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬تسلل‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬عبر‭ ‬غزة،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬مستودعات‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنتاج‭ ‬المشتبه‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬القطاع‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬حصلت‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬صغيرة‭ ‬متاحة‭ ‬تجارياً‭ ‬تصنعها‭ ‬الصين‭ ‬وتستخدمها‭ ‬لأغراض‭ ‬المراقبة،‭ ‬و‭ ‬قد‭ ‬أسقطت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬وهي‭ ‬طائرة‭ ‬كوادكوبتر،‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أكتوبر‭/‬تشرين‭ ‬الأول‭ ‬2023‭.‬
 
لقد‭ ‬زاد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬استخدامه‭ ‬للطائرات‭ ‬الرباعية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬إلكترونيًا‭ - ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬مقصورًا‭ ‬على‭ ‬الأغراض‭ ‬الاستخباراتية‭ - ‬لقتل‭ ‬وجرح‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬حيث‭ ‬صعد‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬العمد‭ ‬والإعدامات‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬القانون‭ ‬والشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬و‭ ‬القتل‭ ‬العشوائي‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستهداف‭ ‬المباشر‭ ‬بالقناصين‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬والمدفعي‭ ‬للمناطق‭ ‬السكنية‭.‬
واستنادا‭ ‬إلى‭ ‬التحقيقات‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية،‭ ‬يستخدم‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬قاتلة‭ ‬صغيرة‭ ‬مزودة‭ ‬برشاشات‭ ‬وصواريخ‭ ‬من‭ ‬فئتي‭ ‬ماتريس‭ ‬600‭ ‬ولانيوس،‭ ‬وهي‭ ‬عالية‭ ‬الحركة‭ ‬ومتعددة‭ ‬الاستخدامات،‭ ‬أي‭ ‬مثالية‭ ‬للعمليات‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭. ‬و‭ ‬يمكن‭ ‬لأنظمة‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬البحث‭ ‬تلقائيًا‭ ‬في‭ ‬المباني‭ ‬وإنشاء‭ ‬خرائط‭ ‬لتحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬المحتملة؛‭ ‬وحمل‭ ‬حمولات‭ ‬فتاكة؛‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬للأفراد‭ ‬العسكريين‭ ‬والقوات‭ ‬الخاصة‭.‬وتستهدف،‭ ‬عمليات‭ ‬القنص‭ ‬والقتل‭ ‬والإعدامات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الإيواء‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والشوارع‭ ‬والمناطق‭ ‬السكنية‭ ‬المأهولة؛‭ ‬ولا‭ ‬يشكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المدنيون‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬أو‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص،‭ ‬حيث‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬أعمال‭ ‬عدائية‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭.‬
 
رابعا‭: ‬الدرونات‭ ‬والتهديدات‭ ‬الارهابية‭ ‬
‭ ‬إن‭ ‬الانتشار‭ ‬الواسع‭ ‬للطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬وما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬وإمكانيات‭ ‬ذات‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬عالية،‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬مكامن‭ ‬الخطورة‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬الحديث‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬وبالخصوص‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فوصول‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬للجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الإرهابية‭ ‬واستخدامها‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬هجمات‭ ‬طالت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬والحرب‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والصراعات‭ ‬الخفية‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬والحروب‭ ‬غير‭ ‬النظامية،‭ ‬سلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬الدرونات‭.‬
‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الاستخدام‭ ‬الموسع‭ ‬للطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬يثير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعضلات‭ ‬القانونية‭ ‬و‭ ‬الأخلاقية‭ ‬المعقدة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬كبح‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معاهدات‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التسلح،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬انتهاكات‭ ‬لسيادة‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬وانتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتقويض‭ ‬جهود‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬بقيادة‭ ‬دولية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬سيمهد‭ ‬لحرب‭ ‬الروبوتات‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬أية‭ ‬آلية‭ ‬تحكم‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬خطيرًا‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭.‬
 
إن‭ ‬استخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬إطار‭ ‬تنظيمي‭ ‬شامل‭ ‬لحماية‭ ‬المدنيين‭ ‬والالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الانساني‭  ‬أو‭ ‬فحص‭ ‬للتداعيات‭ ‬التكتيكية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يُجرى‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬أداة‭ ‬للعنف‭ ‬السياسي‭ ‬غير‭ ‬الخاضع‭ ‬للقوانين‭ ‬والتشريعات،‭ ‬وهذه‭ ‬الثغرة‭ ‬في‭ ‬الإشراف‭ ‬الدولي‭ ‬سمحت‭ ‬لقوى‭ ‬عظمى‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تستخدمها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التصفية‭ ‬والاغتيالات؛‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬التابع‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2020‭.‬
 
‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬ذلك،‭  ‬فإن‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬بهذه‭ ‬الطائرات‭ ‬مخالف‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يوفر‭ ‬الحماية‭ ‬للمدنيين‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬ويُخضع‭ ‬الأشخاص‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬تهريب‭ ‬مكونات‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬الدلائل‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين،‭ ‬للعقوبات‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬التحديات‭ ‬الكبرى‭ ‬لاستخدام‭ ‬الدرونات،‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬القانوني‭ ‬بين‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬وعمليات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬باستخدامها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬ضوابط‭ ‬يرسم‭ ‬طريقًا‭ ‬جديدًا‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬قواعد‭ ‬ومبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬المنظمة‭ ‬للأنشطة‭ ‬العسكرية‭.‬
 
إن‭ ‬امتلاك‭ ‬الجماعات‭ ‬والميليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬لهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الطائرات؛‭ ‬يشكل‭ ‬تحديا‭ ‬كبيرا‭ ‬لأمن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬استخدام‭ ‬الدرونات‭ ‬الايرانية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثيين‭ ‬لاستهداف‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬وخاصةً‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية؛‭ ‬ففي‭ ‬سبتمبر‭ ‬2019،‭ ‬نفذ‭ ‬الحوثيون‭ ‬هجومًا‭ ‬على‭ ‬منشآت‭ ‬نفطية‭ ‬تابعة‭ ‬لشركات‭ ‬أرامكو‭ ‬السعودية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬بالغة‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2021،‭ ‬نجا‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬السابق‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬فاشلة‭ ‬بطائرة‭ ‬مُسيّرة‭.‬
 
إن‭ ‬انتشار‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬التوازنات‭ ‬أو‭ ‬التسلسلات‭ ‬الهرمية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬نتيجة‭ ‬الصراع‭ ‬تُحسم‭ ‬مسبقًا‭ ‬لصالح‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬عتاد‭ ‬عسكري‭ ‬كبير،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لما‭ ‬تملكه‭ ‬الدول‭ ‬المتحاربة‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬والتدريبات‭ ‬وأسلحة،‭ ‬بات‭ ‬هناك‭ ‬عنصر‭ ‬جديد‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬معادلة‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬للدول،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬امتلاكها‭ ‬للطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية‭. ‬
وتضل‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬تداعيات‭ ‬الاستخدام‭ ‬غير‭ ‬النظامي‭ ‬للدرونات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬والاقليمية،‭ ‬ومسرحا‭ ‬للتنافس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬إضعاف‭ ‬فرص‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وخروج‭ ‬جماعات‭ ‬و‭ ‬مليشيات‭ ‬إرهابية‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬السيطرة‭ ‬والتوازنات‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬المعروفة،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬التسلح‭ ‬بطائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬متطورة‭ ‬و‭ ‬أخرى‭ ‬مضادة‭ ‬للطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬لتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬لحدودها‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬سيادتها‭ ‬الوطنية‭ ‬ولما‭ ‬لا‭ ‬امتلاك‭ ‬إمكانية‭ ‬التصنيع‭ ‬الذاتي‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬لأهداف‭ ‬مدنية‭ ‬وعسكرية‭.‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره