مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-03-01

الرّياضة والسّلام العالميّ

شهد مفهوم السلام تطورا كبيرا خلال العقوق الثلاث الأخيرة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة بهواجسها العسكرية والإديولوجية، انسجاما مع طبيعة التهديدات العابرة للحدود التي أضحت تلقي بظلالها القاتمة وتحدياتها على السلم والأمن الدوليين، والتي لم تعد مقتصرة على العوامل العسكرية فقط، بل أضحت أكثر اتساعا، تتحكم فيها عناصر ومحددات بيئية ورقمية وصحية.. مختلفة.
 
وأمام التعقيدات والشمولية اللتان تطبعان مفهوم السلم والأمن الدوليين في الوقت الراهن، أصبح من اللازم تطوير النظام الدولي لتدبير الأزمات وترسيخ السلام المنشود، مع تزايد وتعدّد التحديات والتهديدات التي تواجه دول العالم بشماله وجنوبه، والتي كشفت هشاشة السبل التقليدية الواردة في هذا الإطار ، تحت محكّ عدد من الأزمات الدولية..
 
تزايدت الدعوات الأكاديمية والسياسية إلى بلورة سبل أكثر انفتاحا وتطورا لمواجهة الإشكالات التي تواجه السلام في أبعاده المختلفة، مع تنامي المخاطر غير العسكرية وغير «الدولاتية»، وهو ما أفرز نقاشات واسعة في هذا الصدد، حيث بدأ الحديثة عن الحوكمة الأمنية، وعن مدخلي التنمية والديمقراطية كسبيلين ناجعين على طريق كسب هذا الرهان الإنساني الملحّ..
 
تنبّهت الكثير من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.. إلى الانتشار الكبير الذي أصبحت تحظى به الرياضة بمختلف أصنافها في أوساط الشعوب، والاهتمام الذي تلاقيه في الأوساط الإعلامية والاقتصادية والسياسية.. بما يجعلها مدخلا مهما لتلطيف العلاقات بين الدول، ووسيلة للتقريب بين مختلف الشعوب، خدمة للسلام العالمي، في عالم متشابك ومثقل بالتحديات..
 
كثيرا ما استخدمت الرياضة على نحو منحرف، فالوقائع التاريخية تبرز أن كلّا من «موسوليني» و»هتلر» وظّفاها في الترويح لنظاميهما الفاشي والنازي؛ كما نجحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي(السابق) في استغلال المناسبات واللقاءات الرياضية لتكريس الصراع الذي كان قائما بينهما خلال فترة الحرب الباردة، فيما وظّفتها بعض النظم في التسويق لسياساتها وبناء مشروعيتها، وفي تعبئة الجماهير وتوجيههم وشحنهم، وإلهائهم بصراعات ومعارك وهمية تسهم في تضخيمها بعض وسائل الإعلام..
 
ضحت الرياضة في عالم اليوم أحد روافد التنمية في أبعادها المختلفة، وغدت قطاعا منتجا بالنظر إلى الشعبية العالمية التي تحظى بها، كما استثمرتها الكثير من الدول والمنظمات في ترسيخ قيم تربوية وإنسانية نبيلة. 
 
فقد شكلت بطولة العالم لكرة الطاولة التي انعقدت باليابان عام 1971 مناسبة رائعة لتلطيف الأجواء المشحونة بين الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية، وإرساء أرضية للحوار بينهما، بعد قطيعة دامت أكثر من عقدين، ضمن ما سمي في حينه بدبلوماسية «البينغ بونغ»..
 
وخلال الدورة الأولمبية التي نظمت في بكين عام 2008، حاولت الصّين استثمار نجاحها في تنظيم هذه الدورة وتقدّمها ضمن ترتيب الميداليات المحصل عليها؛ لتسويق صورة مشرقة عنها كبلد متطور ومنفتح.. فيما حاول بعض الفاعلين المحليين والغربيين في مجال حقوق الإنسان، استثمار هذه المناسبة الرياضية لطرح مشكلة «التبت»؛ والتنديد بما أسموه ب»انتهاكات» النظام الصيني لحقوق الإنسان.. وقد سبق للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة أن اعتبرت ضمن قرارها رقم 60/1 لعام 2005 أن بإمكان الرياضة أن تسهم في تحقيق الأهداف الإنمائية للتنمية، قبل أن تجعل من من تاريخ 06نيسان/أبريل من كل عام يوما دوليا للرياضة، من أجل التنمية والسلام بمقتضى قرارها رقم 67/296  لعام 2013.
 
وشكّلت الألعاب الأولمبية الشتوية التي احتضنتها كوريا الجنوبية أخيرا، محطّة لتلطيف أجواء الصراع القائم بين الكوريتين، بعد مصافحة الرئيس الكوري الجنوبي “مون جاي إن” لشقيقة الزعيم الكوري الشمالي “كيم يو جونغ”، أعقبه دعوة الزعيم الكوري الشمالي نظيره في الجارة الكورية الجنوبية إلى عقد قمة في “بيونغ يانغ”.. لا تخفى الأهمية التي تنطوي عليها الرياضة من حيث ترسيخ قيم التواصل والتعايش والتسامح والاختلاف واللاعنف..
 
علاوة على أدوارها في تلطيف الأجواء السياسية المشحونة والتفريغ الإيجابي للطاقات، وإصلاح وترميم المشاكل والصراعات التي تخلّفها السّياسات المرتجلة على الصعيدين الداخلي والدولي. يظل الطريق نحو السلام المنشود محفوفا بالمخاطر والتحديات، الأمر الذي يفرض إرساء مداخل وإمكانات استراتيجية في هذا الصدد، وتستأثر الرياضة بمكانة حيوية، تتيح نشر القيم الإنسانية الراقية، بالنظر إلى قدرتها على الجذب والتعبئة لتقديم المساعدات الإنسانية وجمع التبرعات، ونبذ العنف والتطرف، وترسيخ الإقبال على الحياة في أعقاب الأزمات والكوارث..
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره