مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2017-01-03

المأزق السّوري والصّمت العالمي

لم يعد خافيا حجم المآسي والمعاناة التي خلّفها تعقد الأزمة السورية؛ بعدما أضحت ورقة بيد مجموعة من الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى من ورائها إلى كسب مصالح خاصة، وقد زاد من تأزّم الأوضاع؛ عدم قدرة الأطراف السورية بمختلف توجّهاتها على بلورة حلّ توافقي كفيل بوقف الاقتتال والحدّ من تصاعد الأوضاع نحو الأسوء.
 
يحلّ العام الجديد (2017)؛ على وقع اختناق الأوضاع السورية على كل الواجهات؛ حيث يكابد المواطن الأمرّين بين عدوان القوات النظامية من جهة؛ وجرائم الجماعات المتطرّفة من جهة ثانية؛ وويلات التدخلات العشوائية لعدد من القوى الإقليمية والدولية من جهة ثالثة.
 
 لم يستطع مجلس الأمن باعتباره المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين؛ أن يتخذ قرارات حاسمة تسمح بحماية المدنيين من القتل والترحيل والاختطاف والحصار..، وهو ما يشكّل مؤشرا آخر على أزمة المصداقية التي أصبحت تطبع أداء المجلس والأمم المتحدة بشكل عام؛ بعد سلسلة انتكاسات بصدد عدد من القضايا والأزمات في عالم اليوم.
 
تشير التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتخصصة إلى أن أكثر من ثلث الساكنة في سوريا أرغموا على مغادرة بيوتهم ووطنهم نحو الخارج بحثا عن فضاءات أكثر أمنا؛ ضمن مغامرة شاقة لا تخلو بدورها من مخاطر وتحدّيات.. فيما تجاوز عدد القتلى الربع مليون أكثرهم من المدنيين. 
 
وتفيد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية إلى أن العمليات العسكرية النظامية لا تستثني المناطق الآمنة؛ سواء تعلق الأمر بالأسواق والمستشفيات والمساجد والمباني المدنية والمدارس..؛ بل أشارت بعضها إلى استخدام أسلحة كيماوية محرمة دوليا رغم انضمام الحكومة السورية إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية عام 2014، كما أكدت أيضا على استخدام آليات الحصار والاحتجاز لتجويع المدنيين ومنع وصول المساعدات إليهم كسبيل للضغط لاسترجاع بعض المناطق (مدينة حلب على سبيل المثال)..
 
فيما لم تتردّد الجماعات المتطرّفة التي انتعشت في أجواء الأزمة؛ كما هو الشأن بتنظيمي جبهة النصرة وداعش في ارتكاب أفظع الجرائم التي كان لها الأثر الكبير في تردّي الأوضاع الأمنية والإنسانية بالبلاد؛ وخصوصا على مستوى ممارسة الاختطاف؛ وإعدام المدنيين في الأماكن العامة بذرائع مختلفة؛ وتجنيد الأطفال في المواجهات العسكرية وممارسة الاغتصاب في حق النساء والمتاجرة فيهن؛ ومصادرة حقوق وحريات الأفراد..
لم تنجح مختلف المبادرات الدولية في إيقاف النّزيف؛ سواء تعلق منها ببعض الوساطات والمساعي الحميدة المطروحة لتذليل العقبات بين الأطراف المتصارعة؛ أو على مستوى فرض الهدنة التي غالبا ما كانت تتعرّض للخرق بسبب غياب آليات للمتابعة..
 
كان لفشل الأطراف السورية في بلورة توافقات تركّز على المشترك وتسمح بحقن الدماء ودعم الاستقرار؛ أثر كبير في إتاحة الفرصة أمام قوى أجنبية لتتدّخل في الأزمة وتجعل منها فضاء لتصفية الحسابات وربح أوراق استراتيجية.. مما أدخل البلاد في متاهات خطرة من الصراع الدامي..
 
فالطرف الروسي الذي استغل موقعه داخل مجلس الأمن ليمنع صدور أي قرار حاسم يوقف هذه المأساة؛ وقدّم كل المساعدات السياسية والعسكرية للنظام السوري؛ وجد في الأزمة مدخلا للعودة إلى الواجهة الدولية من جديد؛ بعد سنوات من الغياب..
 
 ونفس الأمر ينطبق على الطرف الإيراني الذي استثمرها (الأزمة) في تعزيز تمدّده داخل المنطقة التي تعيش أصلا على إيقاعات الصراع والمشاكل والتي يعكسها تردّي النظام الإقليمي العربي وتراجع أداء جامعة الدول العربية.
 
تشير الكثير من القرائن إلى أن حلّ الأزمة تجاوز كل الفاعلين السوريين؛ وأضحى بحاجة إلى حدوث توافقات إقليمية ودولية؛ غير أن استيعاب حجم الإشكالات والمعضلات الكبرى التي تخلفها على السّلم والأمن الدوليين؛ من شأنه أن يدفع نحو البحث عن حل جدّي؛ وهو ما يسائل مختلف القوى الدولية الحيّة باتجاه فضح الانتهاكات ورصد المخاطر وتعبئة الرأي العام الدولي في هذا الخصوص.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره