مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2017-06-04

جريمة الإشادة بالإرهاب

تطوّرت الجرائم بتعقّد العوامل المختلفة التي تغذيها وبتطوّر المجتمعات.. بما انعكس على مفهوم الأمن الذي أضحى أكثر شمولية وانفتاحا، حيث ظهرت مفاهيم أمنية فرعية تحيل إلى الأمن البيئي والأمن الاقتصادي والأمن الروحي والأمن الرقمي والأمن القضائي.. إلى جانب الأمن التقليدي الذي ظلّ يتركّز لعقود حول التهديدات العسكرية..
 
إذا كان الطابع الاجتماعي للقاعدة القانونية يجعل هذه الأخيرة - من الناحية الافتراضية -مواكبة للتحولات الاجتماعية بتعقيداتها وقضاياها المختلفة؛ بل وقادرة على التنبؤ بإشكالات يمكن أن تحدث في المستقبل، فإن الواقع يبرز أن الكثير من هذه التشريعات أضحت متجاوزة؛ يعتريها الغموض تارة أو القصور والفراغ تارة أخرى، مما يطرح صعوبات ميدانية عديدة بفعل المفارقة التي يفرزها واقع اجتماعي متطوّر، وضوابط قانونية جامدة أو بطيئة في تطورها.. الأمر الذي يتيح ارتكاب الكثير من الجرائم انطلاقا من استغلال منحرف لهذه النقائص، عبر التحايل على هذه التشريعات.
 
رغم الجهود الداخلية والدولية المبذولة على سبيل محاصرة الظاهرة الإرهابية، فإن هذه الأخيرة ما زالت في تطوّر وتمدّد مستمرّين، بما يعكس هشاشة وسطحية المقاربات التي لم تستطع الوقوف بعد على العوامل المغذية للظاهرة في أشكالها المتباينة.
ترسّخت القناعة لدى الكثير من الدول بأن المقاربة القانونية وعلى أهميتها لا يمكنها أن تحاصر الإرهاب، في غياب مبادرات واجتهادات أخرى داعمة، خصوصا وأن الظاهرة شهدت تطورا كبيرا من حيث خطورتها وتقنياتها وأطرافها ومداها..
 
هناك جرائم إرهابية عديدة يتورّط فيها بعض الأفراد؛ تقوم على استغلال منحرف للقوانين؛ كما هو  الشأن بالنسبة للالتحاق بجماعات متطرّفة في مناطق الصراعات والأزمات بذرائع الهجرة وممارسة حرية التنقل؛ أو الإشادة بالتطرف وتمجيد العنف والإرهاب بذريعة ممارسة حرية التعبير..، وغالبا ما توجّه السلطات القضائية لهؤلاء تهما تتصل بجرائم تقليدية منصوص عليها في التشريعات الجنائية..، وهي التهم التي لم تعد متلائمة في حدّتها وخطورتها مع تطوّر الجرائم الإرهابية المنفلتة التي ترتكب في عالم اليوم..
 
تحيل جريمة الإشادة بالإرهاب إلى التصريحات والسلوكات التي تستهدف تبرير أو تشجيع أو التطبيع مع العنف الإرهابي.. وقد طرحت هذه الجريمة على واجهة النقاشات السياسية والأكاديمية والاجتماعية في السنوات الأخيرة، مع تطور وسائل الاتصال الحديثة وما رافق ذلك من سقوط بعض المواقع ورواد شبكات التواصل الاجتماعي في هفوات تعكس عدم القدرة على الموازنة بين حرية التعبير المكفولة بموجب التشريعات الداخلية والاتفاقيات والقوانين الدولية من جهة، ومتطلبات الأمن الرقمي بما يعنيه ذلك من تدابير تمنع توظيف التكنولوجيا الحديثة بصور منحرفة ضمن ما يُعرف بالجرائم الإلكترونية..
 
أمام تنامي حدّة الإرهاب والتطرف، وتمدّد تداعياتهما إلى مناطق مختلفة من العالم، وتزايد توظيف تكنولوجيا الاتصال الحديثة في هذا الشأن، قامت الكثير من دول العالم بمراجعة تشريعاتها الجنائية ومواءمتها مع هذه التحديات.. فعلى المستوى الإقليمي؛ تمكّن وزراء الداخلية العرب خلال اجتماعهم بتونس عام 2008 من تعديل المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب؛ لتتضمّن تجريم الإشادة بالجرائم الإرهابية إلى جانب عدد من الأعمال الأخرى المندرجة في هذا السياق..
 
وفي عام 2014 قام المغرب بإقرار تعديلات على تشريعه الجنائي في ارتباطها بتجريم الالتحاق أو محاولة الالتحاق فرديا أو جماعيا بمعسكرات تدريب تتعلق بجماعات إرهابية داخل البلاد أو خارجها؛ وتجريم التحريض على ارتكاب الإرهاب أو الإشادة به أو الترويج والدعاية له عبر مختلف الوسائط.
 
وقد قامت السلطات المغربية باعتقال ستة أشخاص من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي وعرضتهم على القضاء بتهم “التحريض على ارتكاب جرائم إرهابية، والإشادة بأفعال تشكّل جريمة إرهابية”؛ في أعقاب اغتيال السفير الروسي بتركيا، حيث صدرت في حقهم أحكام سجنية.
 
فيما وضعت النيابة العامة الفرنسية والد منفّذ اعتداء “الشانزليزيه” في باريس بتاريخ 20 أبريل 2017 تحت المراقبة القضائية، وأعلنت أنه سيحاكم في شهر يونيو من نفس العام بتهمة الإشادة بالإرهاب.. كما قامت السلطات الاسبانية في شهر مارس 2017باعتقال ثلاثة أشخاص مشتبه بهم بنفس التهم بكل من مدينتي فالنسيا وبرشلونة..
 
أمام تطوّر الظاهرة الإرهابية من حيث حدّتها وتقنياتها، باتت الحاجة ماسّة إلى اعتماد إصلاحات ومراجعات تشريعية تدعم ردع ومحاصرة الظاهرة؛ ومواكبة مخاطرها المتزايدة على السلم والأمن في أبعادهما الوطنية والدولية.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره