مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-01-01

قرار ترامب وتمكين إيران

تنفس النظام الإيراني الصعداء بمجرد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا وأفغانستان، الدولتين المهمتين في هذه اللحظة لديه، وبدأ ممارسة سلوكه التقليدي من خلال تعبئة الفراغات الاستراتيجية سواء التي تتركها الولايات المتحدة أو الدول الإقليمية وذلك من خلال عقد مباحثات مع ممثلي حركة طالبان الأفغانية بهدف استغلال الانسحاب الأمريكي من هذا البلد المهم.
 
بلا شك أن النظام الإيراني سيتحرك، بقوة ونشاط، خلال الفترة القليلة القادمة بعدما مرت شهرين تقريباً وهو مختفي عن الساحة السياسية والإعلامية بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليه إدارة الرئيس ترامب، ولكن للأسف إعلان قرار الانسحاب من المنطقة هي فرصة سانحة له للاستفادة من ترسيخ مكانته مرة ثانية والعودة إلى ممارسة الفوضى الأمنية في خطوة تذكر المراقبين بتلك التي فعلتها إدارة أوباما بسحب بعض القوات الأمريكية من العراق.     
 
النتيجة الطبيعية لإعلان الرئيس الأمريكي استراتيجيته التي تحاكي استراتيجية أوباما المتمثلة في تقليل الوجود الأمريكي في المنطقة هو تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة خاصة في ظل تصاعد التوتر مع الدول الإقليمية وكذلك مع الإدارة الأمريكية الحالية وهذا التنامي سيكون نتيجته تشجيع بعض القوى السياسية الموالية لإيران في المنطقة على تخريب المصالح الأمريكية فإيران تعمل منذ عام 2003 على أن تكون القوة الرئيسية في المنطقة واستطاعت إلى حد ما أن تتسبب في تهديد الاستقرار خاصة بعد توقيع الاتفاقية النووية عام 2015 ولكن صحوة الدول العربية الرئيسية ورغبتها في الاعتماد على نفسها في وضع حد للتمدد الإيراني ساعد على منع ذلك.
 
اعتادت دول المنطقة على سياسة إيران في استغلال الثغرات السياسية والعسكرية لتحقيق طموحاتها في المنطقة من خلال دعم بعض الأقليات الطائفية كما هو حاصل في لبنان واليمن والعراق الذي بدأ يستعيد عافيته من تلك التدخلات ويرتب أوراقه للعودة إلى الصف العربي وممارسة دوره الحقيقي ولكن المؤسف في الموضوع أن القرارات الأمريكية التي تتم فيما يخص استراتيجيتها الدولية تضعف مصداقيتها مع حلفاءها ليس في المنطقة فقط وإنما مع حلفاءها الآخرون في العالم وما فعلتها إسرائيل مؤخراً من قصف دمشق هو نوع من «الحوار» الذي يفهمه الإيرانيون ولا يجيدون غيره. 
 
إن قوة الدول في مواجهة كل التحديات الاستراتيجية ومنها الولايات المتحدة تكمن في التعاضد مع حلفاءها وليس في الاعتماد على قوتها المنفردة من خلال تشكيل تحالفات استراتيجية وبالتالي يكون الانسحاب هو نوع من التخلي عن حلفاءها التقليدين في المنطقة ما يعني في الاستراتيجية الأمريكية أن الإدارة الأمريكية تتجه نحو الانكماش الداخلي وإعطاء فرصة للدول الأخرى لتحل محلها وإقليمياً فإن المستفيد الوحيد من هذا القرار هي إيران ومعها تنظيم داعش. 
 
لا يمكن تجزئة قرار ترامب وإخراجه عن السياق الاستراتيجي للولايات المتحدة التي بانت ملامحها الأولى مع إدارة الرئيس بوش الابن من خلال الاستراتيجية التي أطلقتها وزيرة الخارجية أنذاك كونداليزا رايس والتي عرفت باستراتيجية «الفوضى الخلاقة» والتي تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط ولكن هذه الاستراتيجية مكنت إيران من دول في المنطقة سواء خلال فترة الرئيس باراك أوباما أو الرئيس الحالي الذي أعطى انطباعاً أولياً بأنه سيكون شخصية مختلفة عن سابقه ولكن بقراره هذا لا يؤكد عدم وعيه ليس بالسياسة الخارجية فحسب، ولكن أيضاً في كيفية الحفاظ على دور المؤسسات التقليدية في ممارسة عملها لأن قراره تسبب في استقالة «آخر العقلاء» وزير الدفاع جيمس ماتيس وبالتالي فإن الاستعدادات الإيرانية لتدمير مساعي السلام لكل من دولة الإمارات والسعودية في أفغانستان واضحة.
 
تتجه الإدارة الأمريكية إلى سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية الخطيرة التي سيعرض أمنها وأمن العالم للخطر ويدمر تحالفاتها الدولية والإقليمية ومصداقيتها. وإذا كانت قد اختلفت طرق الإدارات الأمريكية في التعامل مع الغطرسة الإيرانية في المنطقة إلا النتيجة النهائية تبدو أنها واحدة. 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره