2022-07-01
كل الدول الكبرى مرت من هنا
مثلما جرب غيره وفشل، حاول الرئيس الأمريكي الديموقراطي، جو بايدن، أن يفترض المثالية في سياسته الخارجية منذ فترة الانتخابات الرئاسية. وتبنى جملة من القرارات كلها تصب ضد دول في منطقة الشرق الأوسط وإن كان التلميح الأساسي على الدول الخليجية. معتبراً هذه المنطقة باتت هامشية ولم تعد بذات الأهمية التي كانت في الاستراتيجية الدولية في فترة السبعينيات، لكن الأحداث الكبرى التي مرت على العالم خلال العام والنصف من فترة رئاسته وتأثيرها على الوضع الداخلي دفعته لأن يعود ويراجع اعتقاداته ويكون واقعياً في تقييمه لدول المنطقة.
لذا قرر أن يزور منطقة الشرق الأوسط ويلتقي بقياداتها في يوليو الجاري في العاصمة السعودية، الرياض، يلتقي فيها قادة الدول الخليجية الست بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن.
بلا شك أن تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية لعبت دوراً في تغيير نهجه المثالي وتبنيه لقضايا يمكن تصنيفها ضمن الشأن الداخلي للدول في زمن لم يعد الأمر مقبولاً، خاصة وأنه وريث سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي ما يزال ينظر لأفكار الفوضى في الدول وحينها كان بايدن نائباً له. ومع ذلك علينا ألا نستبعد نجاح طريقة إدارة الدول الخليجية لحالة التجاهل الأمريكية لرؤيتها في قضايا تخص استقرار المنطقة منها: الملف النووي الإيراني الذي جمد، والصمت الأمريكي من الفوضى التي تقوم بها الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، وكذلك الانسحاب الأمريكي المفاجئ والمستغرب من أفغانستان دون وضع في الاعتبار تداعيات الفراغ الأمني على دول المنطقة.
ومن ضمن سياسة التجاهل للرئيس بايدن للمنطقة حالة الغموض لزيارته للمنطقة بطريقة ملفتة للمراقبين حيث أن الموضوع كان عبارة عن تسريبات إعلامية تظهر وتختفي بين الحين والآخر لحين تم تأكيدها في منتصف يونيو الماضي. ثم قيامه بجولتين خارجيتين خلال شهري إبريل ومايو. الأولى: نحو أوروبا لتوحيد حلفاءه ضد روسيا.
والجولة الثانية: كانت باتجاه آسيا لإيقاف التمدد الصيني، ولكن تأكد له أن الأمر لن يكتمل لأن هناك طرفاً أصيلاً في المعادلة الاستراتيجية الدولية حسب ما يشهد التاريخ فكل الكبار الذين سبقوا الولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا والبرتغاليون كان لا لهم بد أن يقيموا علاقات مع دول المنطقة كي تكون لهم مكانة عالمية أو يتم تصنيفهم دول عظمى أو امبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
ربما اقتنع بايدن أن زيارتيه عديمتي الجدوى في الحفاظ على مكانة بلاده ما لم يمر بمنطقة الشرق الأوسط لذا قرر أن يزورها في منتصف يوليو الحالي ويجتمع بقادتها الفاعلون وقبل ذلك غير خطابه السياسي الذي كان يردده قبل تأكيد زيارته وجعله يتوافق وأهمية المنطقة.
تنطلق محاولات بعض الرؤساء الأمريكيون (الديموقراطيون بوجه الخصوص) في التقليل من أهمية منطقة الشرق الأوسط وهي نغمة بتنا نسمعها كثيراً في وقتنا من متغيرين اثنين هما.
المتغير الأول: أن النفط الخليجي لم يعد مهماً وليس أولوية في الاستراتيجية الأمريكية، متناسين أن «الخليج ليس نفطاً فقط».
المتغير الثاني: أن المنطقة لم تعد مهمة في الاستراتيجية العالمية كما كانت وأن التنافس الدولي أصبح في جنوب شرق آسيا، بسبب التمدد الصيني العالمي ولم يعتقدوا بأن الروس أيضاً يعودون.
كل هذه الاعتقادات السياسية ارتدت على أصحابها وفي وقتها فانسحاب أوباما من المنطقة عام 2014 كانت النتيجة ظهور «داعش» الذي أربك العالم، وتوقيعه الاتفاقية النووية مع إيران 2015 أدت إلى فوضى في اليمن والعراق. ومحاولة بايدن الاستمرار في نهج سلفه الديموقراطي في الانسحاب من أفغانستان ثم الحرب الروسية الأوكرانية أدت لأن تتزعزع مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي.
القاعدة الاستراتيجية: كل من يريد أن يقود العالم عليه أن يمر من منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها الخليج العربي ومن يتشكك في ذلك عليه مراجعة التاريخ.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات