مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-08-01

الأمـن المائـي .. أولويــة استثنـائـيـة علـى أجنــدة القيــادة الإمـاراتـيــة

 
إذا كان تأمين حق الأجيال المقبلة في مياه الشرب في دولة الإمارات العربية المتحدة، يمثل تحدياً تنموياً بالغ الأهمية، فإن الأولوية الاستثنائية التي يحظى بها هذا الملف الاستراتيجي على أجندة القيادة الرشيدة يبعث بإشارات إيجابية باتجاه المستقبل.
إن هذه الأولوية لا تقتصر فقط على الاهتمام رفيع المستوى وبشكل متواصل وتخصيص الميزانيات من أجل معالجة تداعيات الوضع المائي الراهن في الدولة، بل تركز أيضاً وبشكل أساسي على كيفية مواجهة هذا التحدي مستقبلاً من خلال التخطيط العلمي ووضع الاستراتيجيات والحلول المدروسة التي تضمن تفادي سلبيات الوضع المائي الراهن وتداعياته السلبية على الأجيال المقبلة، وبالشكل الذي يمكن معه القول بأن معالجة ملف المياه في دولة الإمارات يندرج ضمن القضايا الحيوية الخاصة بالتنمية المستدامة.

إعداد: التحرير
 
في منتـصـف ديسمـبر الماضي، وفي مداخـلـة  للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عقب محاضرة في مجلسه حول المياه العذبة في العالم، اطلق تصريحاً بالغ الأهمية حين قال "المياه تشكل أهمية كبرى تفوق أهمية النفط بالنسبة إلى الإمارات" ، مشيراً إلى أن "المنطقة تواجه مشكلة جدية، ونحن منشغلون بها، نظراً لأنها في غاية الأهمية" هذه المداخلة تسلط الضوء بقوة على ملف إدارة الموارد المائية في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص، وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي بشكل عام، وتدشن مرحلة جديدة قائمة على التخطيط العلمي في التصدي لواحدة من أبرز التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون خلال المديين القريب والبعيد، حيث تبدي دولة الامارات حرصاً واضحاً على امتلاك رؤية علمية طويلة المدى وواضحة في التعامل مع ملف المياه، ولعلّ حملات التوعية التي تقوم بها الأجهزة المختلفة في الدولة، والإجراءات العمليّة من أجل ترشيد استهلاك المياه، هي مثال بارز في هذا الشأن. 
 
المياه ..واقع ومتطلبات
أكد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في مداخلته، على مدى إدراكه للواقع المائي وما يمثله من تحد جسيم للأمن القومي في دول مجلس التعاون بشكل عام حيث قال سموه أيضاً في مداخلته «أعتقد أن ذلك يعود إلى أن السكان في شبه الجزيرة العربية في تزايد مستمر، وليس للمنطقة اليوم الكثير من الموارد»، مشيراً سموه إلى أنه يمكن حالياً الحصول على الماء من خلال التحلية، لكن بعد عقود سيختلف الوضع عما هو عليه الآن، فلا توجد في المنطقة أنهار، ولا توجد لدينا تقنية تساعدنا على تلبية احتياجات المنطقة من المياه العذبة لمواجهة الوضع، لذا يتوجب علينا تركيز الجهود على إجراء الدراسات والبحوث، ووضع الخطط والاستراتيجيات، والحلول الملائمة التي من شأنها ايجاد السبل الكفيلة بتلبية احتياجات المستقبل، وحفظ الموارد الطبيعية وصونها لأجيالنا المقبلة.
وألقى الدكتور بيتر غليك - مؤسس مشارك ورئيس معهد المحيط الهادئ وخبير عالمي في مجال المياه ومحاضر رئيس في مؤتمر نوبل - محاضرة في مجلس سمو ولي عهد أبوظبي حول المياه العذبة كان عنوانها: «المياه العذبة في العالم: السعي نحو مستقبل مستدام»، أشاد فيها بما تقوم به دولة الإمارات في مجال الموارد الطبيعية والمياه والطاقة، وقال إن استخدام التقنية الذكية للمياه دليل أفضل على الجهد العلمي المتطور للتفكير في طرق ومصادر حديثة مقارنة بالمصادر التقليدية.
وأكد أن المياه العذبة قليلة جداً في العالم، وأنها مرتبطة بكل شيء تحتاجه البشرية، كما تحتاج للكثير من الطاقة، خصوصاً لتحريك المياه والكهرباء أيضاً، مضيفاً أن أزمة المياه تظهر بأشكال وأماكن مختلفة.
واعتبر أن المشكلة الكبرى في العالم هي الفشل في تلبية الاحتياجات الرئيسة من المياه والقضايا الصحية، مشيراً إلى أن مليار نسمة لا يستطيعون الحصول على المياه العذبة، كما أن ملايين البشر لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية بسبب الفقر في المياه، وأضاف أن ندرة المياه تتزايد حتى في المناطق التي يعتقد أنها مملوءة بالمياه، إضافة إلى ذلك قضايا التلوث، كما أدى الفشل في تلبية الاحتياجات الأساسية إلى كثير من الأمراض، وهناك نحو مليوني وفاة بسبب أمراض مرتبطة بالمياه، وهي في تزايد مستمر، بسبب الفشل في توفير المياه الآمنة والصحية لسكان العالم.
ومن أجل الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، يجب أن يتم أولاً إعادة النظر في البنية التحتية للمياه، وبناء سدود ومنظومات ري كبيرة، والتفكير في الإدارة الذكية للمياه السطحية، على الرغم من أنها مكلفة، وعليه لابد من اكتشاف طرق جديدة.
 
أولوية استثنائية للأمن المائي
تواجه أغلب دول العالم أزمة مياه حقيقية، وتبدو هذه الأزمة واضحة في الدول الواقعة في المنطقة الجافة التي تتميز بقلة تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة المصاحب بارتفاع معدلات التبخر، ودولة الإمارات العربية المتحدة من الدول التي تقع في هذه المنطقة، حيث يتراوح متوسط سقوط المطر ما بين 60 مليمتر/سنة في ليوا في غرب أبوظبي، إلى 160 مليمتر/سنة في المناطق الجبلية والشرقية من الدولة، أما معدلات التبخر فقد تزيد عن 2000 مليمتر/سنة، وهذه الأرقام تؤكد أن الفاقد من مياه الأمطار المتجمعة بعد الفترات المطيرة أكثر بعشرين مرة تقريباً من المياه المتسربة إلى باطن الأرض، كما أن الفرق الكبير ما بين المتسرب من الأمطار والفاقد من المياه المتجمعة سيزيد من شح المياه، حيث قدرت نسبة شح المياه في دولة الإمارات بـ 1448.2 %، فالموقع الجغرافي الطبيعي للدول الواقعة في المنطقة الجافة لعب دوراً سلبياً في تفاقم مشكلة المياه، وتزداد مشكلة المياه عالمياً يوماً بعد يوم نتيجة الزيادة السكانية، حيث أن استخدام مصادر المياه المتجددة قد تضاعف ست مرات، بينما نجد أن عدد سكان العالم قد تضاعف ثلاث مرات خلال القرن العشرين، كما أن عدد السكان سيتضاعف بنسبة تصل إلى 50-40 %، ويصاحب هذه الزيادة السكانية زيادة الطلب على المياه لتوفير الاحتياجات المنزلية والزراعية والصناعية للمجتمع، وهذا بدوره سيزيد الضغط على خزانات المياه الجوفية والتي في تناقص مستمر كما في دولة الإمارات، وتعتبر مشكلة المياه من المشاكل العالمية التي تشغل أصحاب القرار حيث أن 1.1 بليون شخص أو أكثر يعيشون بدون مياه شرب نظيفة، وعدم توفر مياه الشرب النظيفة بكميات كافية تسبب الأمراض، كما وتتمثل أزمة المياه في السحب الجائر والعشوائي للمياه الجوفية والذي بدوره يؤدي إلى تحويل المياه الجوفية إلى مصدر غير متجدد؛ وذلك بسبب انعدام التوازن المائي مابين الداخل إلى الخزان و الخارج منه، بالإضافة إلى النقص الحاد للخزان الجوفي، فإن جودة المياه المتواجدة فيه تتغير إلى الأسوأ، كما أن السحب الجائر مع تلوث المياه يؤثر على التنوع البيولوجي وعلى قلة الإنتاج الزراعي الذي يعتمد بشكل أساسي على توفر الكميات الكافية من المياه العذبة ، وتشير إحدى الدراسات بأن الزراعة تستـخـدم مـا يصـل إلى 87 % من الماء المتاح عالمياً، وفي دولة الإمارات فإن الزراعة تستهلك أكثر من 70 % من المياه الجوفية المنتجة، وقلة مصادر المياه وتردي جودة المياه الجوفية سيقلل من المساحة المزروعة وقلة الإنتاج الزراعي والذي بدوره يقلل من الغذاء، ويزيد من الجفاف وبالتالي شحة في المياه، ففي عام 1998، كان هناك 28 دولة في العالم تواجه ضغوطاً مائية، وسيصل عددها إلى 56 دولة في عام 2025.
 
أسباب حقيقية للأهمية الأمنية للمياه
لاشك أن طرح قضية الأمن المائي في دول مجلس التعاون من خلال منابر حوارية ونقاشية علمية يكتسب أهمية عميقة لأكثر من سبب: أولها، أن دول الخليج العربية تعاني، كما ورد آنفاً وبحكم طبيعتها المناخيّة وموقعها الجغرافي، نقصاً كبيراً في الموارد المائية العذبة، سواء الصالحة للشرب أو الزراعة، ومن ثمّ فإنها تعتمد في ذلك على تحلية المياه المالحة أو المياه الجوفية، ثانيها، الزيادة المطّردة في عدد السكان في المنطقة، وما يستتبعه ذلك من زيادة في الاستهلاك والطلب على الموارد بشكل عام، وفي مقدّمتها المياه ، ومن هنا تأتي أهمية امتلاك نظرة استشرافيّة حول هذه القضية وأساليب التعامل معها خلال السنوات المقبلة، ثالثها، ارتفاع مستوى المعيشة في دول الخليج العربية، وما يرتبط بذلك من التوسّع في استهلاك المياه العذبة، حيث تشير التقديرات إلى أن معدل هذا الاستهلاك يتجاوز المعدل العالميّ بما يفرض ضغوطاً على المتوافر من المياه، ويزيد من الموارد الماليّة المخصصة لعمليات التحلية بشكل كبير، رابعها، التغيّرات المناخيّة في العالم بشكل عام، التي تزيد من مخاطر التصحر، ومن ثم التأثير السلبي في الزراعة وما يتبع ذلك من آثار ونتائج.
وتعرف التنمية المستدامة بأنها عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات والأعمال الإنتاجية لتلبي احتياجات الحاضر، دون استنزاف الموارد الطبيعية وبما يضمن استمرار تجددها حتى تستطيع تلبية احتياجات الأجيال المقبلة، وتهدف التنمية المستدامة إلى تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل، ويتم تطبيق التنمية المستدامة في ثلاثة مجالات رئيسة هي: النمو الاقتصادي، وحفظ الموارد الطبيعية والبيئية، والتنمية الاجتماعية، ومن أهم التحديات التي تواجه تطبيق التنمية المستدامة هو ايجاد التوازن بين استمرار النمو والمحافظة على الموارد الطبيعية والبيئية التي يتطلبها ذلك، وتستند التنمية المستدامة على ركائز عدة أهمها المياه، الغذاء، الصحة، المأوى، والطاقة، وتعتبر المياه العنصر الأساسي لأن كافة الركائز الأخرى تعتمد عليه ولا تقوم من دونه، فمن خلال ضمان الإمدادات الكافية من المياه ورفع كفاءة استخدامها وإدارة مواردها بفعالية، تتحقق التنمية الزراعية والصناعية والحضارية.
 
معدلات استهلاك لافتة 
يرى خبراء متخصصون أن دولة الإمارات تعتبر من أكثر دول العالم استهلاكاً للمياه، مشيرين إلى أن الدولة تستهلك حالياً 5.6 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وأن الاستخدامات الزراعية تشكل نسبة 60 % من هذا الاستهلاك، وطالب بعضهم الجهات المختصة في الدولة بتقليص زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية والمحلاة، مؤكدين أن قطاع الزراعة يعتبر أكثر القطاعات استهلاكاً للمياه في الإمـارات وبنسـبـة 36 %، وأنه يستنزف 12 % من احتياطي المياه الجوفية العذبة، داعين إلى الاهتمام بالزراعات التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مثل النخيل.
 
نسب استهلاك المياه في الإمارات
مما يجدر ذكره، أن حصة قطاعي المنازل والصناعة من مجمل استهلاك المياه بالدولة تبلغ 27 %، في حين تبلغ نسبة الهدر 13 %، وتستهلك الثروة الحيوانية أقل من 0.5 %، ويشكل استخدام إمارة أبوظبي للمياه ثلثي الاستخدام الكلي لها في الدولة، في حين تبلغ حصة إمارة دبي نحو الخمس، بينما لا يمثل استخدام الإمارات الأخرى سوى 17 %، وتضم إمارة أبوظبي نحو 33 % من سكان الدولة لكنها تستهلك تقريبا 60 % من مجموع المياه المحلاة المستخدمة في القطاعين المنزلي والصناعي، وتظهر دراسات مركز الرقابة والتنظيم في أبوظبي أن حصة استهلاك الفرد في الفلل من المياه يزيد ما بين 3 إلى 9 مرات عن استهلاك الفرد في الشقق السكنية التي يبلغ المعدل فيها 200 لتر يومياً، وترجع تلك الزيادة إلى استخدام المياه في ري الحدائق وغسل السيارات، وأوضح أن إمدادات المياه في دولة الإمـارات تـأتي مـن ثلاثة مـصـادر رئيسية هـي، المياه الجـوفـيـة بنسبة 50 %، المياه المحلاة بنسبة 34 %، والمياه المعالجة بنسبة 16 %، وأن الزراعة تعتمد على المياه الجوفية العذبة والمالحة، في حين تستخدم المياه المحلاة في بعض المناطق مثل العين للري، كما أن معظم إمدادات المياه المنزلية والصناعية تأتي من المياه المحلاة إضافة إلى كمية محدودة من المياه الجوفية، كما يتم استخدام المياه المعالجة في ري الغابات والزراعات التجميلية ،  كما أن جزءاً كبيراً من المياه المحلاة والكميات غير المستغلة من المياه المعالجة يهدر إما في الصحراء أو في البحر، وتبلغ تكاليف تحلية مياه البحر في الدولة 7.16 درهم لكل متر مكعب، حيث بلغت تكاليف إنتاج المياه المحلاة لعام 2008 نحو 11.8 مليار درهم، وتشكل تغذية المياه الجوفية من مياه الأمطار التي يتم تجميعها خلف السدود في الإمارات نحو 2 % فقط من مجموع استخدامات المياه في الزراعة، حيث يوجد في الدولة 114 سداً تبلغ سعتها التخزينية 118 مليون متر مكعب، في حين بلغ حجم مخزون المياه التراكمي لغاية عام 2007م نحو 211 مليون متر مكعب، بمتوسط 8 ملايين متر مكعب في السنة، فيما تبلغ التكلفة الاستثمارية لكل متر مكعب مخزن من المياه 114 درهماً، وتأتي إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي لتقلل من حجم تدفق المياه العادمة بنسبة 30 % إلى 50 %، وهو ما سيسهم في خفض تكاليف تشغيل وصيانة محطات التنقية والمعالجة بنحو 73 مليون درهم سنوياً حالياً و162 مليون درهم في عام 2030م.
 
رؤية تاريخية ثاقبة لأهمية المياه 
تتجلى الرؤية الثاقبة للقائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تأكيده منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة على الأهمية الإستراتيجية للمياه وضرورة الحفاظ عليها للأجيال المقبلة، ورسخ بذلك مبدأ التنمية المستدامة منذ مطلع القرن الماضي، وليس أدلّ على ذلك من المبادرة الخلاقة التي وجه إليها في إعادة حقن الآبار الجوفية بجزء من إنتاج المياه المحلاة كمخزون طبيعي استراتيجي للسنوات القادمة، وإثر دراسة فنيّة، تم اختيار موقعين لتطبيق هذه المبادرة وفق أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، أحدهما في المنطقة الغربية (ما بين مدينة زايد وليوا)، والآخر في المنطقة الشرقية (مدينة العين)، ويتم فعلياً الآن ومنذ سنوات عديدة حقن الكميات الفائضة من المياه المحلاة وتخزينها في هذه الآبار، كما أن رؤية إمارة أبوظبي في مجال التنمية المستدامة والتي تم التعبير عنـهـا في أجنـدة السياسـة العامة للإمـارة 2007 /2008، والإستراتيجية البيئية 2008 / 2012، أعطت أهمية كبيرة للإدارة المتكاملة للموارد المائية، وانعكست هذه الخطط والتعاون والتنسيق بين الهيئات المحلية على مستوى دولة الإمارات ككل.
وقد واصل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله- تعزيز المشروعات المائية وتطوير الموارد الذاتية على هذا الصعيد، حيث أمر حفظه الله في مارس عام 2011 بزيادة الاستثمارات في قطاع الماء والكهرباء في الإمارات الشمالية لتصل إلى 7.5 مليار درهم، وفي مايو من العام ذاته، دشن صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة محطة الفجيرة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه وهي المحطة التي تعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوســط بقيمة تكلفة إجمالية تقدر بنحـــو 10 مليارات درهـــم وتنتـــج نحو 130 مليار جالون من المياه يومياً.
 
الميزان المائي في دولة الإمارات
توجد أربعة مصادر للمياه في دولة الإمارات هي المياه السطحية والمياه الجوفية ومياه التحلية ومياه الصرف الصحي المعالجة، ونظراً لوقوع البلاد في حزام المناطق الجافة فقد أدى ذلك إلى شح الموارد المائية الطبيعية المتجددة، وإلى عدم وجود مصادر مياه سطحية دائمة الجريان مثل الأنهار أو البحيرات العذبة، ويشير الميزان المائي لدولة الإمارات إلى أن حجم المياه السطحية والجوفية المتجددة يصل إلى 150 مليون متر مكعب سنوياً فقط، أي ما يعادل نحو 4 % من إجمالي الطلب الكلي على المياه في الدولة، بينما يبلغ حجم الضخ من المياه الجوفية غير المتجددة 2300 مليون متر مكعب سنوياً، أي مايعادل نحو 52 % من إجمالي الطلب على المياه، ولذا تعتبر المياه الجوفية هي المصدر الرئيس للمياه المستخدمة في الإمارات، وذلك بالرغم مما يعرف علمياً بالضخ الجائر من بعض الخزانات وتدهور نوعية المياه فيها. 
ويشير باحثون  إلى أن استخدام مصادر المياه وتنميتها في دولة الإمارات يعود إلى العصر الحجري، أي نحو 5000 سنة قبل الميلاد، حيث جرى استخدام المياه الجوفية التي تستخرج من الآبار الضحلة المحفورة يدوياً وباستخدام الأفلاج التقليدية وكذلك إتباع أساليب الزراعة المعتمدة على الأمطار،  وقد حفرت هذه الآبار السطحية على شاطئ الخليج العربي أو في الجزر الواقعة داخل مياه الخليج العربي، وقد وجدت بالفعل آبار في الموقع الحالي لمطار أبوظبي الدولي وجزيرة مروج. 
 
إدارة المياه في دولة الإمارات
تواجه مشاكل المياه في الإمارات تحديات لا تقتصر على الجوانب التقنية، ولكنها تشمل أيضاً جوانب أخرى متعددة، أبرزها ضعف التنسيق بين الجهات المتعددة التي تتعامل مع المياه، الأمر الذي يشتت الجهود ويحد من كفاءة التخطيط واتخاذ القرار حول الاستخدام الأمثل لهذا المورد الحيوي الهام، فقوانين المياه في الدولة  تَتبَّع النظام اللامركزي في إدارة المؤسسات المسؤولة عن هذا القطاع، وهذا النظام علاوة على ما يسببه من تضخم في ميزانية الدولة نظراً لتعدد الجهات والدوائر المسؤولة عن المياه، فإنه يسبب تداخلاً كبيراً في اتخاذ القرارات بالنسبة لإنتاج المياه واستخدامها، علاوة على الاختلاف والتباين في تصميم وتنفيذ المشاريع الخاصة بالمياه، وخاصة بالنسبة لشبكات المياه وإيصال المياه إلى المستهلكين. 
إن الأمن المائي في دولة الإمارات وبقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا يتطلب جهود الحكومات فحسب، بل يتطلب جهود كل فرد من أفراد المجتمع، من خلال ترشيد الاستهلاك في المنزل وعدم إساءة استخدام هذا المورد المهم والحيوي، فالمرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود والتعاون المستمر على المستويين الحكومي والاجتماعي، للمحافظة على الموارد المائية الشحيحة، وذلك من خلال ضرورة تغيير سلوك الفرد اليومي في الاستهلاك، ودوره المحوري في المحافظة على هذه الثروة والعمل على نشر الوعي المائي في المجتمع. 
 
ضمان ترشيد الموارد المائية
نتيجة لأهمية المياه فقد وضعت آليات عديدة لضمان ترشيد وإدارة  استهلاك الموارد المائية منها: 
- ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة: فهناك عدة أساليب يمكن إتباعها مثل: رفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه، تطويرنظم الري، رفع كفاءة الري الحقلي، تغيير التركيب المحصولي، وكذلك استنباط سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات أقل من المياه، وتتحمل درجات أعلى من الملوحة.
- تنمية الموارد المائية المتاحة: فهناك عدة جوانب يجب الاهتمام بها مثل: مشاريع السدود والخزانات وتقليل المفقود من المياه عن طريق التبخر من أسطح الخزانات ومجاري المياه وكذلك التسريب من شبكات نقل المياه
- إضافة موارد مائية جديدة: والتي يمكن تحقيقها- وخصوصاً لدول الخليج العربية- من خلال محورين أولهما: إضافة موارد مائية تقليديـة مثل المياه السطحية والمياه الجوفية، حيث إن هناك أفكاراً طموحة في هذا المجال مثل جر جبال جليديـة من المناطق القطبية وإذابتها وتخزينها، ونقل الفائض المائي من بلد إلى آخر عن طريق مد خطوط أنابيب ضخمة وكذلك إجراء دراسات واستكشافات لفترات طويلة لإيجاد خزانات مياه جوفية جديـدة ولكن جميع هذه الأفكار هي في الواقع أفكار مكلفة للغاية وتحتاج إلى وقت طويل لتطبيقها عملياً بالإضافة إلى أنه لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر آمن للمياه، ثانيهما: إضافة موارد مائية غير تقليدية (اصطناعية) ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استغلال موردين مهمين هما مياه الصرف الصحي ومياه التحلية، ولعل هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي يجب على الدول الفقيرة بالموارد المائية الطبيعية، ومنها دول الخليج العربية، الاهتمام بها والتركيز عليها كمصدر أساسي ومتجدد (غير ناضب) للميـاه، فمياه الصرف سواءً الصناعي أو الزراعي أو الصحي، يمكن معالجتها بتقنيات حديثة وإعادة استخدامها في ري الأراضي الزراعية وفي الصناعة وحتى للاستخـدام الآدمي (تحت شروط وضوابط معينة) بدلاً من تصريفها دون معالجة إلى المسطحات المائية، مما يتسبب في مشاكل بيئية خطيرة تؤدي إلى هدر مصدر مهم من مصادر الثروة المائية. 
 
الوضع المائي الخليجي
يبلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من المياه العذبة في دول مجلس التعاون حوالي 150 متر مكعب، الأمر الذي يجعل دول المجلس تقع ليس فقط تحت خط الفقر المائي (أقل من 1000 متر مكعب للفرد في العام)، بل أيضاً تحت خط الفقر المائي المدقع أو الحاد (أقل من 500 متر مكعب للفرد في العام)، وبحسب توقعات النمو السكاني في هذه الدول، يمكن أن يهبط متوسط نصيب الفرد من المياه إلى ما يقرب من 50 متراً مكعباً بحلول العام 2050، وكنتيجة للمعطيات الجغرافية والبيئية الصعبة التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى حالة التصحر التي تعاني منها دول مجلس التعاون، بدأت هذه الدول تعاني من فجوة غذائية متزايدة، حيث ارتفعت قيمتها من حوالي 4 مليارات دولار عام 1990، إلى نحو 5.53 مليار دولار عام 2000، وقفزت إلى حوالي 7.8 مليار دولار عام 2005، ثم إلى 8.4 مليار دولار عام 2006، وذلك وفقاً لبيانات المنظمة العربية للتنمية الزراعية، ثم قدرت بأكثر من 12 مليار دولار عام 2010 طبقاً لبيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون، وتواجه دول المجلس معضلة من نوع خاص، فالتوسع الزراعي فيها بغرض تقليص فجوة الأمن الغذائي يزيد من حدة النقص المائي، ونظراً للظروف المناخية القاسية ومحدودية رقعة الأراضي الصالحة للزراعة والفقر المائي الذي تعانيه، تقوم دول مجلس التعاون بجهود مضنية ومستمرة في مجال ترشيد استهلاك المياه مثل التوسع في إقامة السدود لاستثمار مياه الأمطار بشكل كامل، والحد من الزراعات المكشوفة والمحاصيل الشرهة في استهلاك المياه كالقمح والأعلاف، والتوسع في إنشاء محطات تحلية المياه، كما يوجد مشروع للربط المائي فيما بينهما، ورغم هذه الجهود، فإن الميزان المائي لدول مجلس التعاون في ضوء تقديرات الطلب على المياه يعاني خللاً واضحاً، فمن المقدر أن يصبح العجز المائي خلال أعوام 2020، 2030، 2040، 2050 نحو 26، 35، 46، 60 مليار متر مكعب على التوالي، ولهذا أصبح هدف تحقيق الأمن المائي من أهم ما يشغل المسؤولين والمخططين الخليجيين.
 وتجدر الإشارة إلى أن المياه الجوفية هي أهـــم مصدر للمياه في دول مجلس التعاون، لكن هـــذا المصدر المهم يواجه تحديات عديدة؛ لأن الكمية المستخرجة من المياه الجوفية أكبر بكثير من كمية إعادة التغذية، فضلاً عن أن بعض خزانات المياه الجوفية بدأت في النضوب بسرعة، وتقدّر كمية التغذية للخزانات الجوفية في دول التعاون بحسب بعض المصادر بنحو 4875 مليون متر مكعب سنوياً في العام 2010، في حين أن كميات السحب المستمرة وغير المخططة من الخزانات الجوفية، بلغت 19572 مليون متر مكعب سنوياً في هذا العام، ما يعني أنها تجاوزت معدل التغذية بما يقدّر بنحو 14697 مليـــون متر مكعب، الأمر الذي دفع دول المجلس إلى البحث عن وسائل أخرى بديلة لحل أزمتها المائية، مــن بينها معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي الزراعي، وتقنيــات الحــد من التبخر والنتح، وتقنية استمطـــار السحـــب، واستخــدام أساليب الزراعة الحديثة وغيرهــا، غير أن حجم ما توفره هذه الوسائل يعد ضئيلاً مقارنــة بحجـم الاحتياجــات المائية المتزايدة.
 
إستراتيجية خليجية مشتركة
كانت تأكيدات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بشأن الاهتمام بالأمن المائي وضرورة تسليط الضوء عليه منهجياً وعلمياً بمنزلة خارطة طريق للتصدي لهذا التحدي الاستراتيجي بالغ الأهمية، ليس فقط بالنسبة للمتخصصين والدوائر الرسمية المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن أيضاً على صعيد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فعقب تصريحات سموه بأشهر قلائل، أعربت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال مؤتمر إقليمي حول المياه عُقد في العاصمة القطرية الدوحة خلال شهر ابريل الماضي، عن مخاوف من نقص هذا المورد الحيوي، وتداعت إلى وضع إستراتيجية  عاجلة للأمن القومي المائي تكون مرتبطة بالأمن القومي السياسي والعسكري للمنطقة، وفي هذا الإطار قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد اللطيف الزياني "من بين التهديدات والتحديات التي تواجه دول المجلس، إننا نصنف النقص المحتمل للماء تصنيفا عالياً"،  وأضاف خلال افتتاحه مؤتمر الخليج العاشر للمياه "لا يساورني أدنى شك في أن الماء سيكون على رأس سجل مخاطر دول مجلس التعاون"  ودعا الزياني إلى "إعداد خطة إستراتيجية لطوارئ المياه"، وقال في هذا الصدد "اعتقد إننا بحاجة إلى إستراتيجية خليجية شاملة وغير مجزأة على المدى المتوسط والطويل لمعالجة هذا التحدي" وربط أمين عام مجلس التعاون في كلمته بين الأمن القومي المائي وبقية التحديات الأمنية التي تواجه دول مجلس التعاون، وقال في هذا الإطار أن "دول الخليج اتخذت تدابير جماعية لتعزيز القدرات الدفاعية المشتركة بالإضافة إلى التنسيق الوثيق بشأن قضايا مثل حماية المجال الجوي والحماية من الأخطار الكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية"  ثم تساءل "عما إذا كنا تمعنا جيداً في حماية محطات التحلية وماهية التدابير التي ينبغي اتخاذها في حالة حدوث تلوث شامل لمياه البحر نتيجة اعتداء كيميائي أو بيولوجي أو إشعاعي؟"،  ومن المعروف أن المخاوف الخليجية إزاء احتمال حدوث تسربات إشعاعية من المفاعلات  التي تبنيها إيران في الضفة الأخرى من الخليج العربي، خصوصاً من مفاعل بوشهر الذي يقع على مياه الخليج مباشرة، قائمة وحقيقية ويناقشها الخبراء والمعنيين، وبالنظر إلى مستوى اعتمادية دول مجلس التعاون على تحلية مياه الخليج بشكل أساسي، فإن إصابة هذه البقعة المائية شبة المغلقة ( الخليج العربي) بأي تلوث سيشكل كارثة حقيقية لدول المجلس بحسب ما يشير الخبراء.
 
أزمة مياه عالمية 
يرى الباحثون أن الأرض، التي هي عبارة عن عالم تغطي المحيطات أكثر من نصفه وتغطي قمم قطبية طبقات الثلوج، وغلافه الجوي مشبع بالرطوبة، وبرغم ذلك يعاني أزمة مياه وشيكة بحسب مخططي موارد المياه في مختلف مناطق العالم، وقال تقرير صدر عن الاستخبارات الأمريكية في مارس 2012، إن إمدادات المياه العذبة لن تواكب على الأرجح الطلب العالمي بحلول عام 2040، الأمر الذي ينذر بالمزيد من عدم الاستقرار السياسي، ويعوق النمو الاقتصادي، ويعرّض أسواق الغذاء العالمية للخطر، وذكر التقرير الصادر عن مكتب مدير المخابرات القومية الأمريكية أن مناطق، منها جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستواجه تحديات كبيرة في معالجة مشكلات المياه التي قد تعوق القدرة على إنتاج الغذاء وتوليد الطاقة، وقال التقرير إن نشوب "حرب مياه" غير محتمل في السنوات العشر المقبلة، لكن خطر الصراع سيزداد لأنه من المحتمل أن يفوق الطلب العالمي على المياه الإمدادات الحالية المستدامة منها بنسبة 40 % بحلول عام 2030. 
وكانت دراسة صادرة عن إحدى المؤسسات الخيرية البريطانية قد حذرت في مارس 2001 من أن ثلثي سكان العالم سيعانون من نقص موارد المياه بحلول عام 2025،  وتوقعت الدراسة الصادرة عن وكالة تيرفاند الخيرية للإغاثة والتنمية أن يضطر الكثير من هؤلاء الأشخاص لترك منازلهم بحثاً عن أماكن تتوفر فيها المياه،  وذكرت الإحصاءات التي تضمنتها الدراسة أن معدلات استهلاك المياه في العالم ارتفعت بأكثر من ضعف معدل زيادة السكان على مدى القرن الماضي، وحذرت من أن تناقص موارد المياه سيرفع أسعار المواد الغذائية إلى ما فوق متناول القدرة الشرائية لنحو مليار إنسان، وأشارت وكالة تيرفاند إلى أن مشكلة نقص المياه قد وصلت بالفعل إلى مرحلة خطيرة، فهناك نحو عشرين مليون شخص في ست دول بغرب ووسط إفريقيا يعتمدون على مياه بحيرة تشاد التي انحسرت مساحتها بنسبة 95 % على مدى الأعوام الـ 38 الماضية، كما أن ثلثي المدن في الصين أصبحت تعاني من النقص الحاد في الموارد المائية،  ويخشى الخبراء من أن 60 % من سكان المناطق الريفية في إيران قد يضطرون للهجرة إلى المدن بسبب الجفاف، ومن المتوقع ارتفاع كميات المياه المستهلكة لإنتاج الغذاء بنسبة خمسين بالمئة على الأقل بحلول عام 2025 نتيجة الزيادة السكانية، وقد حذر التقرير من أن تناقص الموارد المائية يهدد بانخفاض معدلات إنتاج الغذاء في العالم بنسبة 10 %، وتستهلك الزراعة في الوقت الحالي 70 % من موارد المياه العذبة في العالم، وتتجاوز هذه النسبة 90 % في قارتي آسيا وإفريقيا،  ومع تفاقم مشكلة المياه سيصبح على الدول الفقيرة أن تختار ما بين استغلال المياه في الزراعة أو في الصناعة وتلبية الاحتياجات المنزلية،  ونبه التقرير إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية يمكن أن يعرض مليار وثلاثمئة مليون شخص لخطر الموت جوعاً، وهؤلاء هم أفقر فقراء العالم الذين يقل دخل الفرد منهم عن دولار واحد في اليوم  ويوضح التقرير أنه توجد أسباب عديدة للأزمة من بينها فشل الدول النامية في إدارة واستثمار مواردها المائية، كما أن النمو السكاني يؤدي إلى اتساع نطاق المشكلة ومن العوامل الأخرى التي تؤدي لتفاقم مشكلة المياه ارتفاع درجات حرارة الأرض الذي يخشى العلماء من انتشار الجفاف ومشكلة التصحر وحذر التقرير أيضاً من سوء استخدام المياه الجوفية بشكل يهدد بنضوبها.
 
خارطة طريق للمستقبل
وضعت مداخلة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، النقاط على الحروف بشأن سبل مواجهة التحدي المائي ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، بل أيضاً في دول مجلس التعاون جميعها، إذ لم تقتصر المداخلة على توضيح مدى الإلحاح الذي تنظر به القيادة السياسية الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله إلى ملف المياه وأهميته بالنسبة لاستمرار خطط التنمية المستدامة بالبلاد، وقد انعكس هذا الأمر في قول سمو ولي عهد أبوظبي "إن المياه تشكل أهمية كبرى تفوق أهمية النفط بالنسبة لدولة الإمارات"، وهي كلمات يدرك معناها من يدرك قيمة النفط الصعب الاقتصادي الذي ارتكزت عليه التنمية منذ سنوات البناء الأولى في دولة الاتحاد، ويدرك معناها وقيمتها أيضا من يعرف جيداً جهود القيادة في تطوير الثروة النفطية والحفاظ عليها وتنميتها لمصلحة الأجيال المقبلة، وإذا كان الحال كذلك مع النفط،  لنا أن نتصور كيف يمكن أن تكون أولوية ملف المياه من منظور الأهمية الإستراتيجية، وبالإضافة إلى تشخيص حقيقة الوضع المائي الخليجي بكلمات تعكس بدقة مدى إلمام صانع القرار في دولة الإمارات بتفاصيل هذا الملف الإستراتيجي، تطرقت المداخلة كذلك إلى جانب بالغ الحيوية وهو ضرورة تضافر الجهود والتركيز على المنهج العلمي والتخطيط السليم للتصدي لهذا التحدي، حيث أكد سموه أنه "يجب علينا تركيز الجهود في إجراء الدراسات والبحوث ووضع الخطط والاستراتيجيات والحلول الملائمة التي من شأنها إيجاد السبل الكفيلة بتلبية احتياجات المستقبل وحفظ الموارد المائية وصونها لأجيالنا المقبلة" وهي كلمات تثلج الصدر لأسباب واعتبارات عدة أولها بطبيعة الحال أنها تعكس قناعة راسخة لدى قيادتنا الرشيدة بدور البحث العلمي والتخطيط السليم في معالجة المشكلات، وهذا النهج في التعاطي مع الأمور يبشر بكل خير، ولكنه لا يبدو غريباً في دولة تنحاز للعلم وتؤثر التخطيط وتجد في البحث العلمي ووضع البدائل المدروسة منهجاً للتعاطي مع مختلف الإشكاليات؛ والأمر الثاني أن هذه المداخلة تضمنت ضوءاً أخضراً يشحذ همم الجهات والمؤسسات المعنية بأن تواصل جدياً سعيها للبحث عن حلول ومخارج في مواجهة هذا الوضع المائي الصعب بشكل يحقق هدف استدامة خطط التنمية ويضمن عدم الجور على حقوق الأجيال المقبلة من مواردنا المائية الحالية، والأمر الثالث أن هذه المداخلة وضعت ملف المياه في المرتبة التي يستحقها من حيث التراتبية والأهمية بعدما أوضح الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عمق إلمامه بالتفاصيل الدقيقة للوضع المائي الراهن في الإمارات والمنطقة، ما يعني بالتبعية أن نشر ثقافة الإحساس بالمسؤولية تجاه الموارد المائية للدولة يبدو واجباً من خلال مختلف الآليات والوسائل والأدوات المتاحة، مثل وسائل الإعلام ومؤسسات التنشئة المجتمعية كالمدارس ودور العبادة وغير ذلك، لاسيما أن الموضوع يتطلب تضافر جهات عديدة داخل المجتمع، فالمسألة لا تتوقف عند حد البحث عن مصادر مياه بديلة أو تطوير المصادر المتاحة؛ بل تمتد أيضاً لتشمل عناصر عديدة يمكن أن تندرج ضمن إستراتيجية مائية شاملة ومتكاملة.
والمؤكد أن القمة العالمية للمياه، التي ستنطلق دورتها الأولى في أبوظبي العام المقبل، ستضع النقاط على الحروف، وتطلق جهداً إماراتياً وطنياً خالصاً لمواجهة التحدي المائي الذي لا يقتصر تهديده على مستقبل الأجيال المقبلة في دول مجلس التعاون فحسب بل يمتد ليشمل دول العالم كافة، ولتؤكد الإمارات من خلال هذه القمة التي تمثل منبراً حضارياً بالغ الأهمية دورها الفاعل في التعاطي مع إشكاليات العالم وهمومه بشكل جاد، يقدر قيمة العمل والعطاء الإنساني ويستشعر المسؤولية حيال أمن العالم واستقرار الأجيال المقبلة وضرورة العمل على توفير مقومات العيش الكريم للإنسانية جمعاء.
أكثر ما يبعث بإشارات طمأنة بشأن الوضع المائي في دولة الامارات خلال السنوات والعقود المقبلة أن القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظـه الله - تأخذ بأسباب العلم والتخطيط في التصدي لأي إشكاليات تنموية، سواء كان الأمر متعلقاً بالمياه أو غيرها، مايعني أن هناك آفاق رحبة للتصدي لمثل هذه التحديات، لاسيما وأن الدولة قد حققت بالفعل نجاحات مشهودة بحسب تقديرات جميع الخبراء والمتخصصين والمراقبين، ومايضاعف من قيمة هذه النجاحات أنها لم تقتصر على قطاع تنموي محدد بل شملت جميع القطاعات التنموية بالدولة من دون استثناء، والأكثر أهمية من ذلك أن ثمار هذه الطفرة التنموية والحضارية قد وصلت إلى جميع المواطنين وفي مختلف مناطق الدولة وإماراتها من دون تمييز أو استثناء، ولعل تقارير المنظمات الدولية المتخصصة التي تستهدف قياس مؤشرات التنمية وصداها لدى الشعوب ترصد هذا الواقع بوضوح، حيث صنف شعب دولة الإمارات  باعتباره الأكثر سعادة في العالم العربي والـ 17  في " قائمة الشعوب العشرين الأكثر سعادة في العالم " طبقاً لنتائج أول مسح دولي شامل عن مستويات السعادة والرضا بين الشعوب تجريه الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال فإن حالة  السعادة والرضا التي يشعر بها شعب دولة الإمارات لم تأت من فراغ، وإنما هي نتيجة مجموعة متداخلة من المقومات كان لها عظيم الأثر في تكريس هذا الإحساس الإيجابي، أبرزها السياسات والاستراتيجيات العامة التي تستهدف الارتقاء بالإنسان الإماراتي في المجالات كافة من تعليم عصري، ورعاية صحية متقدمة، وشبكة واسعة من الضمان الاجتماعي وهي منظومة الخدمات الاجتماعية التي تعمق الإحساس بالسعادة والشعور بالرضا لدى جميع أفراد المجتمع خاصة مع حرص الدولة على تطوير هذه الخدمات بشكل متواصل وتوفير الموارد المالية اللازمة للارتقاء بها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره