مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-03-01

نهاية العولمة وبداية التنافس الثلاثي على قيادة العالم

انتهت مرحلة الأحادية القطبية القصيرة التي دخلها النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، ودخل العالم في مرحلة تعددية قطبية، فعلى المستوى الاقتصادي هناك عدة قوى اقتصادية رئيسة، أهمها الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي واليابان، أما على المستوى الاستراتيجي والعسكري، فهناك قوى ثلاث، هي الولايات المتحدة والصين وروسيا، دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، في مرحلة توتر منذ عدة سنوات، فمنذ عام 2014 على الأقل والعلاقات بين الولايات المتحدة وهذه القوى تصل في كل عام إلى مستوى أعلى من التوتر، الأمر الذي يرجِّح أن يتواصل ذلك في العام 2021، رغم وصول إدارة جديدة للحكم في الولايات المتحدة. 
 
 د. جمال عبد الجواد
يعبِّر التوتر المتزايد بين القوى الدولية الثلاث الأكثر أهمية عن تحولات عميقة طويلة المدى في النظام الدولي، وعن انتقاله من مرحلة العولمة إلى مرحلة التنافس الاستراتيجي بين القوى العسكرية الرئيسة، ورغم تأثر العلاقات بين القوى الثلاث بطبيعة القيادة السياسية الممسكة بالقرار في هذا البلد أو ذاك، أو هذه المرحلة أو تلك، فإن العوامل الموضوعية العميقة طويلة المدى تبدو الأكثر أهمية في تحديد الاتجاه الذي تطورت فيه هذه العلاقة. 
 
صعود الصين
صعود الصين إلى مرتبة القوة العظمى هو التحول الدولي الأكثر أهمية، لقد حدث الأمر تدريجيًّا منذ أن تخلَّت القيادة الصينية، والتي تولَّت الحكم بعد وفاة الزعيم التاريخي «ماو تسي دونج»، عن السياسة التقليدية لتدخل الدولة الشيوعية في الاقتصاد، وتبنَّت بدلًا من ذلك سياسة اقتصادية جديدة تمزج بمقتضاها دور الدولة بدور أكبر للقطاع الخاص، لقد ترافق التركيز على التنمية والإصلاح الاقتصادي مع سياسة خارجية صينية هادئة، فتم تسكين صراعات الحدود البرية والبحرية مع الجيران، وتخلَّت الصين عن الخطاب الإيديولوجي العدائي تجاه الخصوم، وتجنبت الظهور في شكل القوة الثورية التي تسعى إلى تغيير النظام العالمي، أو في شكل القوة الكبرى التي تريد فرض نفوذ خارجي. 
 
 
ولقد راهن الغرب على أن الرفاهية الاقتصادية واقتصاد السوق والانفتاح على العالم، كل هذا سيؤدي إلى تغيير الصين، وتأهيلها لكي تصبح عضوًا في نادي الدول الرأسمالية الديمقراطية المتقدمة، أو على الأقل فإن الصين التي استفادت في صعودها من النظام الدولي الليبرالي اقتصاديًّا وسياسيًّا، لن تنقلب على هذا النظام، وستظل حريصة عليه، وفي الوقت نفسه فإن الصين بسوقها الكبيرة، والأيدي العاملة المنضبطة الوفيرة قليلة التكلفة الموجودة فيها كانت طوال الوقت هدفًا للمستثمرين الغربيين، فالصين لم تكن مجرد دولة نامية تسعى وراء الاستثمارات الأجنبية، لكنها كانت الجائزة الكبرى في تسابق المستثمرين على التوسع والأرباح، وعلى مستوى ثالث كانت هناك جموع المستهلكين الغربيين المستفيدين من المنتجات الصينية منخفضة السعر، وقد كان هناك تحالف قوي مؤيد للإبقاء على العلاقات مع الصين، وللترويج لمقولة «إن الصين حتمًا ستتغير وتصبح ليبرالية ديمقراطية مثل الدول الغربية، ألم تتغير اليابان من قبل؟، فلماذا لا تتغير الصين؟!». 
 
 
على جانبٍ آخر، كان هناك العمال في القطاع الصناعي الذين خسروا وظائفهم لأقرانهم الصينيين بعد أن نقل المستثمرون الغربيون، الأمريكيون وغيرهم، استثماراتهم إلى الصين، وظل هؤلاء العمال جماعة مهمَلة في السياسة الأمريكية، حتى مجيء الرئيس «دونالد ترامب»، الذي نجح في تعبئة الطبقة الصناعية العاملة الأمريكية لتأييده، مستخدمًا خطاباً معادياً للصين، ومعادياً للعولمة؛ ونسج حلفًا بين هؤلاء العمال واليمين الديني، فقام بتحويل الحزب الجمهوري الأمريكي إلى عدو لحرية التجارة الضارة بمصالح العمال، وعدو للعولمة التي يخاصمها المحافظون المتدينون، لما يرتبط بها من هجرة وتعددية ثقافية وعرقية، وقد انعكس كل ذلك في الرسوم الجمركية والقيود التجارية والتكنولوجية التي فرضها الرئيس «ترامب» على الصين، والأرجح أن يغير انتخاب الرئيس «بايدن» لرئاسة الولايات المتحدة بعضًا فقط من السياسات الأمريكية تجاه الصين، فيما سيواصل اتباع سياسات سلفه «ترامب» في مجالات أخرى. 
 
 
إعادة بناء التحالف الغربي
إعادة بناء التحالف الغربي هي أهم نقطة في برنامج السياسة الخارجية للرئيس «بايدن»، لقد أدت سياسة «أمريكا أولًا» التي طبَّقها الرئيس «ترامب» إلى إضعاف التحالف الغربي، ويرى الرئيس «بايدن» أن التصدي للصين سيكون أكثر فعالية لو خاضته الولايات المتحدة كقائد لتحالف عريض من الدول صاحبة المصلحة، لقد وعد الرئيس «بايدن» بعقد قمة للدول الديمقراطية خلال العام الأول من رئاسته، ورغم الصعوبات التي تكتنف تنفيذ هذا الاقتراح، فإن تنفيذه لن يكون معضلًا للإدارة الأمريكية الجديدة. إن عقد القمة الديمقراطية، وربط ذلك بتكوين تحالف للضغط على الصين، يشير إلى نية الرئيس «بايدن» مواصلة الضغط على بكين، وإلى إضافة البعد الإيديولوجي للمواجهة معها، في محاولة لتجديد قيادة الولايات المتحدة لمعسكر الحرية في مواجهة معسكر الاستبداد، كما فعلت عدة مرات خلال القرن العشرين، عندما قادت المعسكر الغربي في الحربيْن العالميتين الأولى والثانية، وأيضًا في الحرب الباردة، وإضافة البعد الإيديولوجي للصراع الأمريكي الصيني، وهو ما لم يفعله الرئيس «ترامب» قبل ذلك، وهذا يشير إلى أن المواجهة بين الصين والولايات المتحدة ربما تصبح أكثر حِدة في ظل الإدارة الديمقراطية مما كانت عليه في ظل الإدارة الجمهورية. 
 
 
العولمة المنقسمة
إعادة بناء التحالف الغربي، وقمة الدول الديمقراطية، وبناء  تكتل يواجه الصين؛ كل ذلك يدفع في اتجاه تقسيم العالم إلى مجاليْن أحدهما غربي، يرفع رايات الديمقراطية، تقوده الولايات المتحدة؛ والآخر تقوده الصين، ويضم الدول التي يخدم التصدي للغرب مصالحها، رافعة شعارات مقاومة الهيمنة الغربية، وحماية السيادة الوطنية ضد التدخل الغربي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بحجة الدفاع عن الحرية في مشهد قريب من مشهد الحرب الباردة، فبعد العولمة والقرية الكونية الواحدة، يبدو العالم متجهًا نحو تقسيم العولمة إلى مجاليْن، تتحرك في كل منهما المنتجات ورؤوس الأموال بحرية نسبية، فيما تقام الحواجز بين المجاليْن.
 
 
طرائق التفكير ومنطق تطور الأمور يدفع النظام الدولي في هذا الاتجاه، في الوقت نفسه الذي لا يبدو فيه أن هناك في العالم من يفضل الوصول إلى هذه النتيجة، فليس من مصلحة الغرب التضحية بالسوق الصينية الكبيرة، ولا بالقدرات الهائلة للصناعة والتكنولوجيا الصينية، وفي الوقت نفسه، ليس من مصلحة الصين أن يجرى عزلها عن الأسواق الغربية، وعن التكنولوجيا الغربية شديدة التطور، التحدي هو ما إذا كان من الممكن التوفيق بين هذه المصالح الاقتصادية من ناحية، والطموحات والمخاوف السياسية من ناحية أخرى، وما إذا كان منطق المنفعة والعقلانية الاقتصادية سيتغلَّب على منطق القوة والفخر القومي. 
 
 
لقد دخلت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، منذ تولِّى الرئيس «ترامب» الحكم قبل أربع سنوات، في عملية ترويض وترويض مضاد، فإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر ليس هدفًا لأي من الطرفيْن، وإنما المطلوب هو دفع الطرف الآخر للتصرف بطريقة متوافقة مع مصالح الطرف المنافس، وسوف تستمر العلاقة الأمريكية الصينية في التحرك في هذا الإطار، تتجاذبها اعتبارات التعاون والصراع، والمؤكد أن اعتبارات الصراع هي الغالبة في هذه المرحلة، وأن الرئيس الأمريكي الجديد «جو بايدن» سيأخذ الصراع مع الصين إلى مستوى جديد، دون أن تكون واضحة النقطة التي ستبدأ بعدها العلاقات بين الطرفين في العودة إلى منطق التعاون، وما إذا كان ذلك سيحدث في وقت قريب، وهو أمر غير مرجَّح في كل حال.
 
 
روسيا ... قوة استراتيجية كبرى ولاعب اقتصادي هامشي
العلاقات الأمريكية الروسية هي الأخرى تمر بمرحلة من التوتر، والأرجح هو زيادة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة في ظل رئاسة «جو بايدن» للولايات المتحدة، فمنذ احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وما تبعه من فرض عقوبات أوروبية وأمريكية عليها، دخلت العلاقات بين البلديْن في مرحلة توتر آخذ في التزايد، لقد كان للرئيس «ترامب» تقديره الخاص لروسيا ورئيسها، كما حرص على تخفيف التوتر في علاقات البلدين، في مقابل تأكيده المتكرر خطورة التهديد الذي تمثِّله الصين بالنسبة للمصالح الأمريكية، لكن هذا لم يكن كافيًا لتغيير الطابع السلبي الغالب على العلاقة بين البلديْن. 
 
 
رغم أن الاقتصاد الروسي يعاني من مشكلات هيكلية حقيقية لا تؤهل روسيا للمنافسة على صدارة النظام الدولي، فإن روسيا تملك قوة عسكرية ضاربة كافية لوضعها في صدارة المشهد الدولي؛ فروسيا هي القوة العسكرية التقليدية والنووية العظمى المناظرة للولايات المتحدة، وقد أجادت روسيا بشكل خاص استخدام القوة المسلحة لخدمة مصالحها الوطنية، فعلى العكس من الولايات المتحدة التي استنزفت مواردها العسكرية في حروب هيمنة، ليس لها سوى صلة واهية بالمصالح الصلبة للولايات المتحدة، ويسري هذا بشكل خاص على الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق؛ فإن روسيا قد اختارت مواقع تدخلها العسكري بدقة، وحدَّدت أهدافها فيها بشكل صارم، وحرصت على عدم التورط بأعداد كبيرة من القوات في هذه المواقع، وتجنبت تعريض نفسها للاستنزاف في هذه الحروب. 
 
 
استخدمت روسيا قوتها العسكرية لممارسة حق النقض على الاختيارات السياسية للدول التي كانت سابقًا جزءًا من الاتحاد السوفيتي، فروسيا تحت قيادة الرئيس «بوتين» تتعامل مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق كمنطقة نفوذ ومجال حيوي لها، ولا تتردد في استخدام القوة المسلحة لفرض رؤيتها في هذه المنطقة، حدث هذا في جورجيا وأوكرانيا، وبأساليب أقل وضوحًا، وإن كان بالفاعلية  نفسها في جمهوريات سوفيتية سابقة أخرى، والولايات المتحدة، من ناحيتها، ترفض الإقرار لروسيا بأي مكانة خاصة في الجمهوريات السوفيتية السابقة، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي تعتبر الولايات المتحدة سياسة روسيا في جوارها المباشر تدخلًا غير مشروع في شؤون جيرانها، تنظر روسيا للسياسة الأمريكية في الجوار الروسي المباشر والقريب باعتبارها محاولة أمريكية وغربية لتطويق روسيا، خصوصًا سياسة توسيع عضوية حلف الناتو لتشمل دولًا سوفيتية سابقة. 
 
 
تمتد الجهود الأمريكية لتطويق روسيا إلى مناطق ومجالات أخرى، فالولايات المتحدة تحاول الحد من اعتماد أوروبا على الغاز ومصادر الطاقة الروسية، وفي هذا المجال تركز الولايات المتحدة ضغوطها على خط غاز الشمال الذي ينقل المزيد من الغاز الروسي إلى أوروبا، وتشدد الولايات المتحدة في سبيل ذلك الضغط على الحكومة الألمانية، وتفرض عقوبات على شركات أوروبية تسهم في تنفيذ خط الأنابيب، أيضًا تشدد الولايات المتحدة ضغوطها للحد من صادرات السلاح الروسي، وخصوصًا لمنع الدول من الحصول على السلاح الأمريكي والروسي في الوقت نفسه، لما قد ينطوي عليه ذلك من كشف لأسرار عسكرية أمريكية، وتعريض أمن أمريكا للخطر. 
 
 
في المقابل، فإن التدخل العسكري الروسي الخارجي لم يتوقف عند حدود الجوار المباشر والقريب، بل تكرر في بلاد كانت لها علاقات تاريخية وثيقة بالاتحاد السوفيتي السابق، خصوصًا في الشرق الأوسط، حدث هذا في سوريا بشكل مباشر وصريح، وفي ليبيا بشكل غير صريح وغير رسمي، عن طريق كيانات عسكرية روسية، تربطها بالدولة روابط غير رسمية، لكنها قوية، فقد أدى الصراع الأهلي المحتدم في البلديْن إلى ظهور طلب محلي على تدخل عسكري روسي، وفي ظل السياسة الأمريكية الانسحابية غير الواضحة من الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة لا تشعر بالارتياح للتدخل العسكري الروسي في هذه البلاد، وتقوم بمناوأة الوجود الروسي هناك، لكن بشكل غير منتظم، ولأهداف غير محددة بدقة. 
 
 
إلا أن أهم ما يميز التوتر الروسي الأمريكي هو قيام روسيا بالعمل بنشاط من أجل إلحاق الضرر بالنظم والمؤسسات السياسية في الغرب؛ حيث تستخدم روسيا سلاح الدعاية ومنصات التواصل الاجتماعي لإثارة الشكوك في الديمقراطية الغربية، والاتحاد الأوروبي، ولتأجيج الانقسام الأيديولوجي في مجتمعات الغرب، فروسيا تنكر على مجتمعات الغرب ادعاءاتها بتفوق نظمها السياسية على الأنظمة السياسية الموجودة في بلاد العالم الأخرى، وهي تحاول إظهار هشاشة الأنظمة الحاكمة في الغرب باستخدام حملات دعائية تشنها أجهزة سرية، وهو ما كشفته التحقيقات في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016. 
 
 
لقد ركز الرئيس الأمريكي «ترامب» جهوده على عزل الصين، فيما حاول كسب روسيا إلى جانب الولايات المتحدة، أو تحييدها في الصراع المحتدم مع الصين، لكن لم يتفاعل التيار السائد في المؤسسات السياسية والأمنية الأمريكية بإيجابية مع استراتيجية الرئيس «ترامب»، والتي حاولت الاستفادة من خبرة الرئيس «نيكسون» في تحييد الصين في الصراع على قمة النظام الدولي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، كما أنه لا يوجد ما يشير إلى أن القيادة في روسيا أخذت سياسة الرئيس «ترامب» في هذا المجال بجدية، إذ امتنعت روسيا عن تقديم أي تنازلات أو إشارات لاستعدادها للتعاون مع سياسة كهذه، انتهت رئاسة «دونالد ترامب»، وجاء «جو بايدن» للرئاسة الأمريكية، متبنياً خططًا أكثر تشدداً في التعامل مع روسيا، فموسكو من ناحيتها تبدو مستعدة لمزيد من التشدد في علاقتها مع واشنطن، وهو ما يمكن ملاحظته في رد فعل الكرملين البارد إزاء نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية، ومن الهجوم السيبراني الذي تم شنه على مؤسسات أمريكية، من جانب قراصنة تُرجَّح تبعيتهم للدولة الروسية، قبل أسابيع قليلة من تنصيب «جو بايدن»، وكلها مؤشرات ترجح تصعيد التوتر في علاقات البلديْن.
 
 
بؤر ملتهبة في بحر الصين والشرق الأوسط
 العولمة تنتهي، والتنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى يعود ليطبع النظام الدولي؛ إلا أننا لسنا إزاء عودة لسياسات الحرب الباردة، وخصوصًا لأن التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى أضيق نطاقًا من أن يشمل جميع مناطق وأقاليم العالم، كما كان الحال في زمن الحرب الباردة، فعلى عكس ما كان عليه الحال زمن الحرب الباردة، عندما كان لكل من القوتيْن العظمييْن استراتيجية كونية تشمل كل العالم، فإن استراتيجيات القوى الكبرى في المرحلة الراهنة تتسم بالانتقائية. 
 
 
شرق آسيا وبحر الصين هي المنطقة الأكثر سخونة وخطورة في المرحلة الراهنة، فالصين الصاعدة تضع تأمين الجوار القريب، وتأكيد هيمنتها على إقليمها الطبيعي في شرق آسيا، على قمة أولوياتها؛ حيث ستحاول الصين فرض وجهة نظرها على نزاعات الحدود البحرية والبرية بين الصين وجيرانها، لقد شرعت الصين بالفعل في تغيير الواقع القائم في المنطقة، فمارست سيطرة عسكرية على مياه متنازع عليها في بحر الصين، وغيرت الوضع السياسي الفعلي لهونج كونج، ولا يبدو أنها مستعدة لإيقاف هذه السياسة.
 
 
وبينما تحرص دول شرق آسيا على إبقاء الوجود الأمريكي في المنطقة لموازنة صعود الصين، فإن هذه الدول نفسها لا تريد للصراع بين الولايات المتحدة والصين أن ينفجر؛ خوفًا من التكلفة الهائلة التي قد تترتَّب على ذلك، فبينما تعيش دول شرق آسيا في ظل التهديد العسكري المقلق للعملاق الصيني، فإنها تعتمد على الاقتصاد الصيني المزدهر كقوة تحرك اقتصاداتها الوطنية وتساعدها على النمو السريع، والإبقاء على الأمر الواقع هو الاستراتيجية المفضلة للدول الآسيوية، واتباع توازن دقيق بين الولايات المتحدة والصين هو اختيارها، لكن كيف يمكن الحفاظ على الأمر الواقع، فيما تسعى الصين لتغييره بإصرار؟ وما إذا كان الوجود الأمريكي سيكون فعالًا لتحقيق الأهداف المرجوة؟ كل هذه تبقى أسئلة بلا إجابات. 
 
 
الشرق الأوسط هو بؤرة متفجرة أخرى، ليس بسبب صعود قوى إقليمية معينة، فلا أحد يصعد في الشرق الأوسط، وما لدينا هو تهاوٍ وتفكك لعدد من دول المنطقة، بما يخلق فراغًا، تندفع القوى الإقليمية والدولية لشغله، فإلى جانب القوى الإقليمية الطامحة، خصوصًا إيران وتركيا، فهناك أيضًا روسيا، التي تدخلت بفعالية في سوريا، وإلى حد ما في ليبيا، فالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تظل غامضة، وتبقى الولايات المتحدة ممزقة بين الرغبة في الانسحاب من الشرق الأوسط، والعمل على منع روسيا من تحقيق الهيمنة في المنطقة، ومواصلة دعم بعض الحلفاء؛ والأرجح أن يؤدي كل ذلك إلى سياسة غير متسقة، تأخذ طابعًا انفجاريًّا يزيد التوتر من حين لآخر.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره