2023-05-01
لماذا الصين مهمة لدول منطقة الخليج العربي؟
يكثر هذه الأيام الحديث عن الصين ومكانتها الحالية والمستقبلية في النظام الدولي. ويتعدد المحللون في تقديراتهم لأهمية الصين لمختلف مناطق العالم وبما في ذلك منطقة الشرق الأوسط. ونحن في منطقة الخليج العربي لسنا بمعزل عن مثل هذه التقديرات التي تحاول أن تربطنا بالصين وفقاً لتحليلات مختلفة. وأياً ما كان عليه الوضع فإننا أمام دولة تعد غاية في الأهمية لدول منطقة الخليج العربي في الحاضر والمستقبل. ويمكن لنا أن نحدد أهمية الصين بالنسبة لدول منطقة الخليج العربي في التالي:
أولاً، دعم التعاون التجاري مع دول المنطقة. الصين اليوم هي ثاني أقوى قوة اقتصادية في العالم وأكبر دولة منتجة ومصنعة ومصدرة بين دول العالم، وثاني أكبر دولة مستوردة في النظام العالمي، وهي الشريك التجاري الأبرز لأكثر من 120 دولة في العالم ومنها السعودية والإمارات وقطر والعراق وإيران من منطقة الخليج العربي. فالصين طرف أساسي مساهم في النمو العالمي وتحقيق العولمة، فهي كما توصف «مصنع العالم»، فوجودها الاقتصادي ملموس في كل انحاء العالم. فلا يمكن لأي دولة تصبوا إلى تحقيق التنمية الاقتصادية إلا وأن ترتبط بتعاون اقتصادي مع مثل هذه الدولة. ولعل مبادرتها المعروفة بالحزام والطريق أكبر مشروع تجاري صيني تسعى دول العالم المختلفة ومن ضمنها دول الخليج العربي إلى الاستثمار من خلاله لما فيه من مصلحة تجارية ترتبط بها لدعم قوتها الاقتصادية.
ثانياً، استيراد الطاقة من المنطقة. تعتبر الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وحاجتها من النفط والغاز في تزايد مستمر، وعليه فإن دول الخليج العربي تنظر بعين الاهتمام للصين باعتبارها دول مصدرة للطاقة. فالصين تُعتبر مستورد رئيسي للطاقة من معظم دول منطقة الخليج العربي. وتلعب الصين دور هام في الاستثمار في موارد الطاقة في دول المنطقة عبر الدخول في شراكات للبحث والتطوير والتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة وإنشاء مصافي لتكرير النفط في الصين لتلبية احتياجاتها الحالية والمستقبلية من الطاقة.
ثالثاً، دعم استراتيجية التنويع الاقتصادي لدول المنطقة. فجميع دول منطقة الخليج العربي وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي تسعى لتنويع مصادر دخلها وقوتها الاقتصادية من خلال البدء في مشاريع تنموية مرتبطة بمجالات لا تعتمد على النفط والغاز وحسب بل تتجه إلى مجالات الطاقة المتجددة وتطوير البنية التحتية العمرانية وتلك المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة في مجالات الاتصالات وتطوير الموانئ، وتحقيق الأمن غير التقليدي عبر دعم الأمن الغذائي والصحي والبيئي. ولعل التقدم الذي استطاعت أن تحققه الصين في مثل هذه المجالات ورغبتها في مشاركة الدول الصديقة لخبراتها يفتح المجال للتعاون بين دول المنطقة والصين. وهو ما يلاحظ في التعاون القائم مع دعم الرؤي والخطط التنموية للدول الخليجية من قبل الشراكات القائمة مع الصين.
رابعاً، حرصها على دعم الأمن والاستقرار في المنطقة وعدم إثارة الخلافات والتوترات فيها. فالصين لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا تدعم طرف ضد طراف، بل تتخذ موقف الحياد والوقوف مناصفةً بين جميع الأطراف. بالطبع ذلك يعود لحماية مصالحها مع دول المنطقة جميعها، ولكنه أيضاً يصب في صالح عدم تقوية طرف ضد الآخر. وهذا الأمر يجعل الصين أكثر قبولاً واحتراما من جميع الأطراف في المنطقة، ويجعلها قادرة على لعب دور سياسي مهم.
وخامساً، تمنح الصين، بفضل مكانتها السياسية العالمية وما تمتلكه من قدرات في المجالات المختلفة، دول العالم الراغبة في تحقيق التوازن في علاقاتها الاستراتيجية مع القوى الدولية فرصة ثمينة لاتباع استراتيجية التحوط في علاقاتها الدولية. فالمكانة والقدرات الصينية الحالية والمستقبلية تفتح المجال أمام دول العالم إلى الاستفادة من جميع الأطراف وفقاً لفلسفة التوازن بحيث لا تضع الدول جميع بيضها في سلة واحدة كما يقال.
لذلك فإن الصين ليست بدولة عادية بل هي قوة تستطيع أن تمنح دول العالم فرصة لتحقيق ما تصبو إليه بعيداً عن الاعتماد على طرف واحد بعينه. فهي قطب قائم في المعادلة الدولية يُسهم في خلق الفرص لدول لطالما ظلت لفترة طويلة تعتقد بأنها مقيدة في الخيارات المتاحة أمامها. لذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تدرك هذه الأهمية المحورية للصين في النظام الحالي والمستقبلي، وأصبحت تتعامل معها باستقلالية وبثقة وباقتدار وفقاً لما يحقق مصلحتها الوطنية.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات