مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-04-02

الصين والحرب الأوكرانية

تتجه أنظار العالم إلى ما يحدث في أوكرانيا والحرب الدائرة هناك، وتستميت الدول الكبرى لإنجاح أجنداتها مستخدمة أطراف الحرب لتحقيق غاياتها، وهذا ما يفسر لنا الجهد الأمريكي الكبير والواضح في مساعدة أوكرانيا بكل ما تملك من أجل إضعاف روسيا وإلحاق الهزيمة بها. الصين ليست بمعزل عن ما يدور في أوكرانيا، فهي أيضاً لها غاياتها التي تود استثمارها من خلال الحرب الدائرة هناك. وليس بشرط أن تكون الغايات الصينية متطابقة مع الولايات المتحدة.
 
 
وهذا ما يفسر الانتقاد الأمريكي للصين والمتمثل في توجيه العديد من التهم لبكين حول وقوفها ودعمها لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. ومهما كانت مصداقية تلك الادعاءات من عدمها إلا أننا نقول بأنه من حق الدول أن تكون حذرة في التعامل وأن لا تنجرف مع توجه ضد توجه آخر. وهذا ما تفعله الصين التي لم تنجرف مع التوجه الأمريكي المعادي لروسيا ولم تقف بشكل كامل وواضح مع الولايات المتحدة في عدائها لروسيا. فالصين ظلت شبه محايدة في الحرب، ولها ما يبرر عملها هذا. 
 
 
ولعل العامل الحاسم في الموقف الصيني غير المنحاز للولايات المتحدة في هذه القضية مرده الأساسي حالة التوتر والمنافسة الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي بدأت الولايات المتحدة اتباعها في علاقتها مع الصين، فالأجواء المتوترة في العلاقة بين البلدين والسعي الأمريكي لخلق تحالفات جيواستراتيجية في منطقة المحيط الهندي وشرق أسيا من أجل احتواء النفوذ الصيني ولد ردة فعل طبيعية لدى الصينيين بأنهم لا يمكن أن يسايروا الولايات المتحدة، وأن عليهم مواجهة المسعى الأمريكي القاضي باحتوائهم باستراتيجيات خاصة بهم كتلك التي نراها في تعاملها مع الحرب الأوكرانية. فليس من المنطق أن نجد الصين تقف مع الولايات المتحدة وتغضب روسيا في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة بشكل واضح على اغضاب الصين بسياساتها الاحتوائية وبأعمالها الاستفزازية فيما يتعلق بتايوان. 
 
 
روسيا شريك طبيعي للصين في مواجهة العنجهية والانفرادية الأمريكية على شؤون العالم. فليس هناك من مبرر يجعل الصين تسعى إلى اضعاف روسيا في مثل هذه المواجهة. المصلحة المشتركة بين الصين وروسيا كبيرة في العمل على إبقاء النظام الدولي بعيداً عن سيطرة الولايات المتحدة بشكل منفرد. وهذا ما يغضب الولايات المتحدة التي تخشى من أن يؤدي الصعود الصيني والاستفزازات الروسية إلى خلق نظام دولي جديد تفقد فيه الولايات المتحدة قوتها في السيطرة والهيمنة  على النظام الدولي. فالولايات المتحدة لا تود مشاركة الآخرين في السيطرة والهيمنة على النظام العالمي. والآخرين لا يريدون الاستمرار في نظام دولي لا يجدون لأنفسهم فيه كلمة أيضاً. من هنا تقابلت المصالح الصينية والروسية بين بلدين يعتقد كل واحد منهما بأنه له الحق في أن يكون له كلمة مؤثرة في النظام الدولي. 
 
أوكرانيا هي اليوم نقطة التماس الرئيسية بين هاتين الفكرتين. فروسيا تريد أن تقول للولايات المتحدة أن هناك حدود لتطلعاتها لا يمكن ان تقبل موسكو بها في منطقة أوروبا، والولايات المتحدة تود أن تؤكد هيمنتها وسيطرتها على النظام العالمي من خلال فرض نفسها على أكبر رقعة جغرافية ممكنة في أوروبا. والصين ترى بأنه إذا ما نجحت واشنطن في فرض هيمنتها هناك فإنها ستعمل على زيادة نفوذها في منطقة شرق أسيا والمحيط الهندي من أجل احتواء الصين. إذاً، أليس من المنطقي في الفكر السياسي الصيني أن تعمل الصين على عدم إنجاح المشروع الأمريكي في منطقة أوروبا عبر أوكرانيا؟
 
 
 
بالطبيعي نعم. الصين لم تبرز إلى الأن على أنها تدعم روسيا بالسلاح كما تفعل إيران مثلا. ولكن الدعم السياسي والاقتصادي الصيني لروسيا كفيل بأن يبقي روسيا في صلب المواجهة للمشروع الأمريكي. وفي اعتقادنا أن هذا الأمر يكفي في وجهة النظر الصينية، لذلك لا تذهب أبعد من هذا لتقديم دعم عسكري لروسيا قد يتسبب في إلحاق انتقادات دولية كبيرة لها ويعرضها إلى عقوبات من دول اقتصادية مهمة مثل دول أوروبا. فليس من المستغرب أن يكون هدف الصين في أوكرانيا هو إبقاء الوضع على ما هو عليه من دون وجود منتصر واضح وبالأخص أن لا تنتصر الولايات المتحدة، حتى تنشغل بشكل أكبر في حرب تنهكها سياسياً واقتصادياً. 
 
 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره