مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-07-01

الكونفدرالية الخليجية

لا يخفى على أحد أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية أصبح اليوم وللأسف الشديد مشلولاً وعاجزاً عن العمل بالطريقة التي كان يعمل عليها في السابق قبل القطيعة مع قطر. وهذا أمر طبيعي، فلا يمكن لدول مقاطعة لدولة عضو في تنظيم معين أن تجلس معها على طاولة واحدة وتناقش قضايا التنسيق والتكامل قبل أن تسوى الخلافات التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه من توتر وقطيعة. ولطالما أن هذه الخلافات ترتبط بالأمن والمصلحة الوطنية، وباعتبارها ما زالت قائمة فلا يتوقع للمجلس أن يعود للعمل بالشكل الطبيعي الذي كان عليه قبل القطيعة. لكن هل ذلك يعني أن العمل الخليجي يجب أن يتوقف؟!
 
بالطبع لا، ولاسيما مع الدول الأعضاء التي مازالت تجمعها قواسم ومصالح مشتركة، وتعمل بشكل مستمر على بلورتها في تحركات سياسية وعسكرية واقتصادية مشتركة. ما يجري اليوم بين كل من السعودية والإمارات والبحرين كفيل بأن يخلق عمل خليجي مشترك من نوع جديد بين هذه الدول يعوض النقص الحاصل في جمود عمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية. لقد أدركت دولة الإمارات والسعودية هذا الأمر لذلك أعلنت مؤخراً عن قيام شراكة استراتيجية بينهما سميت بـ «استراتيجية العزم» وهي خطوة في الطريق الصحيح بين البلدين. ولعلنا نُضيف هنا إلى أن الحاجة تبرز أيضاً لإيجاد كونفدرالية خليجية بين الدول الثلاث للدفع نحو الاستمرار في العمل الخليجي المشترك الذي يصب في صالح كل من السعودية والإمارات والبحرين ولا يتعارض مع المصلحة الخليجية. كونفدرالية تؤطر لمثل هذه الشراكات التي تقوم بين هذه الدول. 
 
نعم، الروابط القوية بين الدول الثلاث كفيلة بأن تخلق كونفدرالية خليجية ناجحة تكون نواة لعمل خليجي جديد يعوض فتور عمل مجلس التعاون الخليجي. كلنا عشنا على واقع مجلس التعاون الخليجي، وكلنا نحب هذا المجلس لأنه نجح في ربطنا كخليجيين ببعضنا البعض، فلسنا نحن هنا في مقام الدعوة لإلغاء مجلس التعاون الخليجي ولاسيما أن إنجازاته مازالت حاضرة فينا وما زلنا نقطف ثمارها كمواطنين خليجيين. إلا أن جمود عمل المجلس في إحداث نجاحات جديدة وتحركات من شأنها مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات أصبح يُحتم علينا النظر في منظومة يمكن أن تُسهم في تعويض ذلك العجز وتبني على ما هو موجود من ثقل ووزن كبير في العلاقة القائمة بين بعض الدول الخليجية. ولعل إنشاء كونفدرالية خليجية بين كل من السعودية والإمارات والبحرين يمكن ان يُحقق ذلك الهدف.
 
هذه الدول الخليجية الثلاث تشترك اليوم في قواسم مشتركة تؤهلها لأن تخلق عمل تنسيقي ناجح مشترك فيما بينها عبر إنشاء كونفدرالية خليجية تعمل على مأسسة تلك الشراكة في إطار تنظيمي يعطي قوة وزخم لهذه العلاقة القائمة بينها. وهذا لا يتعارض مع عمل التكامل الخليجي بل يدعمه. فالمعروف أن كل التكتلات الدولية تحفز على قيام تكتلات فرعية داخلية تساهم في تحقيق أهداف التكتلات الأكبر. وعليه فإن الكونفدرالية الخليجية لن تعمل في إطار خارج عن سياق الأهداف التي ينشدها مجلس التعاون الخليجي بل ستعمل على تعزيزها والعمل من خلالها عبر منظومة تعاون مشترك بين الدول الثلاث. 
 
كونفدرالية خليجية هي الأنسب لدول الخليج العربية، حيث أنها لا تذيب سيادة الدول في وحدة سياسية واحدة كما هو الحال مع الاتحادات الفيدرالية وإنما تبقي على الكيانات السياسية وتعمل على تعزيز أطر التعاون والتنسيق والتحالف فيما بينها. وهذا أمر كفيل بحماية مصالح جميع الدول الوطنية الأعضاء في هكذا منظومة.
 
لذلك وبسبب استمرار التحديات على دول الخليج العربية فإنه أصبح من الواجب أن تفكر في عمل تنسيقي مشترك يربطها مع بعضها البعض ولاسيما تلك التي تدور في ذات التفكير المشترك. وباعتبار أن القطيعة مع قطر أبعدت فكرة أن تكون حكومة قطر الحالية في المعادلة، وبسبب رغبة البعض الآخر في إبقاء مجلس التعاون الخليجي وعدم تجاوزه أصبح من المهم التفكير في آلية عمل جديدة تعزز من العمل المشترك القائم بين كل من السعودية والإمارات والبحرين. فحجم التقارب بين هذه الدول الثلاث كبير للغاية وبحاجة إلى إطار تنظيمي معين يربطها ببعضها البعض.
 
وفي ذات الوقت تلتزم الدول الثلاث ببقاء مجلس التعاون الخليجي كمنظومة إقليمية من دون إنهائها حتى لا يؤخذ عليها أنها السبب وراء ذلك. كونفدرالية خليجية بين الدول الثلاث يمكن ان تنقل العمل الخليجي إلى مرحلة جديدة أكثر قوة ومتانة. لذلك حان الوقت للتفكير بشكل جدي في تجاوز ضعف مجلس التعاون الخليجي بإنشاء تكتل جديد قائم على أسس جديدة تحقق الأمن والاستقرار والازدهار لدوله؛ ولعل الاستثمار في التقارب والشراكة الكبيرة القائمة بين كل من السعودية والإمارات والبحرين هو أفضل سبيل لتحقيق ذلك، فهذه العلاقة القائمة لا يمكن أن تُترك من دون إطار مأسسي يضمن لها البقاء والنجاح.                

 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره