مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-03-01

خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬ومنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط

كما‭ ‬يقول‭ ‬السياسيون‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬السياسات‭ ‬هي‭ ‬محلية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المستهدف‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬حكومات‭ ‬الدول‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬من‭ ‬غطاء‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬هو‭ ‬الداخل‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬منظري‭ ‬علم‭ ‬السياسة‭ ‬وبالأخص‭ ‬المهتمين‭ ‬في‭ ‬تنظير‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬يتفقون‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المقولة،‭ ‬ولكن‭ ‬بالشكل‭ ‬العام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬لها‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يهتم‭ ‬السياسيون‭ ‬فيها‭ ‬بصوت‭ ‬الناخب‭ ‬المحلي‭. ‬وهذا‭ ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الأول‭ ‬له‭ ‬أمام‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬حول‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد‭. ‬خطاب‭ ‬كان‭ ‬مفعماً‭ ‬بالقضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التطرق‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬كانت‭ ‬موجهة‭ ‬أساساً‭ ‬للداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭.‬
 
نستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬تحظى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬بتغطية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬هذا،‭ ‬وكان‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الداخلي‭ ‬والمرتبط‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬كمواضيع‭ ‬البطالة‭ ‬والمديونية‭ ‬وارتفاع‭ ‬التكاليف‭ ‬المعيشية‭ ‬والتضخم‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬الحيوية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأساسية‭ ‬والطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬والضرائب،‭ ‬والمرتبط‭ ‬بالقضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كالأسرة‭ ‬وحقوق‭ ‬المثليين‭ ‬والمرأة‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والضمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والمرتبط‭ ‬بمواجهة‭ ‬المشاكل‭ ‬ومحاولة‭ ‬ردء‭ ‬الصدع‭ ‬الداخلي‭ ‬المنقسم‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬والجمهوريين‭ ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬مركز‭ ‬التشريع‭ ‬الأمريكي‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يرضي‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬تطرق‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المسافرين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬أثناء‭ ‬رحلاتهم‭ ‬الجوية‭! ‬لكن‭ ‬أين‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟
 
في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬تطرق‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬مسألتين‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬وهما‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والحرب‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬البلد،‭  ‬وكذلك‭ ‬موضوع‭ ‬الصين‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذين‭ ‬الموضوعين‭ ‬هما‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬للشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬تقبل‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬نجده‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬قضايا‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبالأخص‭ ‬قضايا‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وبالذات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وملفها‭ ‬النووي،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإشارة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬والالتزام‭ ‬بأمنها‭! ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬المواضيع‭ ‬أصبحت‭ ‬بلا‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬للناخب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ام‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدمه‭ ‬للشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬كي‭ ‬يتفاخر‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬حول‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬السنتين‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عهده؟‭! ‬في‭ ‬اعتقادنا‭ ‬أن‭ ‬التفسير‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬الأقرب‭ ‬لسبب‭ ‬هذا‭ ‬التهميش‭. ‬
 
فأوكرانيا‭ ‬ودعمها‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬قيمية‭ ‬لدى‭ ‬الأمريكان‭ ‬بضرورة‭ ‬مواجهة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬لذلك‭ ‬نجده‭ ‬يتطرق‭ ‬إليها‭ ‬وبشكل‭ ‬سريع‭ ‬وغير‭ ‬مفصل،‭ ‬لأنه‭ ‬يعلم‭ ‬بانه‭ ‬لا‭ ‬يود‭ ‬أن‭ ‬يؤجج‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬كثيراً‭ ‬حول‭ ‬حجم‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬يهمه‭ ‬دعم‭ ‬مستواه‭ ‬المعيشي‭ ‬وحياته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬دولية‭. ‬وعن‭ ‬الصين‭ ‬فإن‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتجاهل‭ ‬ذكر‭ ‬الصين‭ ‬لأن‭ ‬الجمهوريين‭ ‬مهتمين‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬كثيراً،‭ ‬وعليه‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يود‭ ‬ان‭ ‬يبرز‭ ‬كرئيس‭ ‬ضعيف‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬التحدي‭ ‬الصيني‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يفعله‭ ‬لمواجهتها‭. ‬ولكن‭ ‬ظل‭ ‬ذلك‭ ‬التطرق‭ ‬لروسيا‭ ‬والصين‭ ‬خجولاً‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬حول‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد‭. ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬خطاباً‭ ‬للقضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬بامتياز‭. ‬
 
غابت‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وقضاياها‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن،‭ ‬ومعه‭ ‬زادت‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬شي‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬المنطقة‭. ‬وكأن‭ ‬المنطقة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬الداخل‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬الأولوية،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مفهوم‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المقال،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬الداخل‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التطرق‭ ‬إليه‭ ‬دون‭ ‬غيره‭. ‬لذلك‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬كان‭ ‬ضعيفاً‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬حول‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالعالم،‭ ‬وكانت‭ ‬قوته‭ ‬ترتبط‭ ‬بالشأن‭ ‬الداخلي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬وباعتبار‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد‭ ‬هو‭ ‬تتويج‭ ‬لمسيرة‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فلربما‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬النجاحات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ (‬باستثناء‭ ‬ربما‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭) ‬خلال‭ ‬هاتين‭ ‬السنتين‭ ‬أفقد‭ ‬بريق‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬وكان‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الإنجازات‭ ‬لربما‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬الداخلية‭. ‬
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره