2024-02-01
بعد تجربة فاغنر.. نقابة عسكرية في روسيا
أصدر، مؤخراً، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، دراسة يمكن اعتبارها مهمة في ضوء انتشار الشركات الخاصة التي تقدم خدمات عسكرية (خاصة المقاتلين) في مجال الصراعات العسكرية والحروب والتي كانت إلى وقت قريب يُنظر بمن يعملون فيها مجموعة من «المرتزقة»؛ أي أولئك الذين يقاتلون من أجل المال، وهي مهنة أو حرفة قديمة عرفتها العديد من الحضارات بما فيها الدولة العثمانية.
وجرى العرف ألا يُنظر إليهم بالثقة والاطمئنان لأن في النهاية هو مع من يدفع أكثر. وبالتالي ووفق منطلق المنطق التقليدي يقتصر العمل العسكري على مواطني الدولة التي ينتمون إليها، وهذا الأمر لا يمكن التشكيك فيه بل هو الأصل الذي ينبغي أن يكون.
لكن في ظل حالة التوسع في التهديدات التي تواجهها الدول ورغبتها في حماية أمنها الوطني الذي لم يعد يقتصر على حدودها الوطنية فقط وفي ظل حجم الجيوش بدأ أن هذه الشركات أصبحت ذات أهمية خاصة أن مسألة الاستعانة بها صارت دارجة ومتبعة ولا يوجد فيها ذلك العيب القديم، أحدث الاستعانات لها كان في الحرب الروسية-الأوكرانية عندما تم فتح باب التطوع لهم في أوكرانيا وشارك العديد من الجنود القدماء من دول العالم المختلفة كما أن هناك أنباء بأن في حرب الإسرائيلية على غزة تشارك فيها جيوش فرنسية وبريطانية وأثار هذا الأمر إشكالية لدى الرأي العام البريطاني.
الدراسة التي نشرها مركز «تريندز» هي من إعداد واحد من المتخصصين في الجماعات المسلحة وهو بيير بوسيل الذي يعمل باحثاً في مؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس ويدرك تفاصيل هذه الخدمات خاصة من الفاعليين في النظام الدولي من «غير الدول» وبالتالي فتناول جاء من زاوية تمثل أهمية كي تتدخل الحكومات في العالم لتنظيم هذا السوق لأنه يبدو أن المسألة ستتحول إلى أن تكون «تجارة» عالمية والراغبون من الاستفادة من هذه الشركات ستكون كبيرة مستقبلاً وبالتالي فالإجراء المناسب (كما جاء في الدراسة) هو تنظيمها كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستفيداً من حالة التمرد التي فعلها قائد شركة فاغنر العسكرية، يفغيني بريجوزين الذي كان مقرباً منه ولكنه حاول أن يتمرد عليه قبل أن يموت بحادثة الطائرة في أغسطس 2023 يُعتقد بأن الأمر كان مدبراً.
وأشارت الدراسة أن في روسيا وحدها 27 شركة خاصة تقدم هذه النوعية من الخدمات وبالتالي تم السماح لها بالإعلان عن نفسها وتقديم ما يشير إلى خدماتها إلى وزارة الدفاع الروسية في أقصى فترة الأول من يوليو القادم وهذا يحيل الأمر لأن يكون مشروعاً. وأن المزايا المادية التي استعرضتها الدراسة باعتباره أحد دوافع تنظيم هذا القطاع فشركة فاغنر كانت تحقق أرباح مادية كبيرة في سوق الأسهم الروسية وكانت سبباً في نشوء شركات أخرى تؤدي الخدمات نفسها بالتنظيم الجديد سيكون هناك تعاون أكبر بين كل العاملين في هذا القطاع وتكون هناك شبه إدارة منظمة لهذه الشركات.
وجود كيان للمؤسسات العسكرية الخاصة في المجتمعات الغربية تشابه فكرة «جماعات المصالح» أو نقابات مهنية متخصصة: مثل مجلس رجال الأعمال، ونقابة عملية...إلخ تكون وسيطة بين المنتسبين إليها والحكومة. ولكن طريقة إدارتها تختلف وفق طبيعة النظام السياسي فالنقابات في أوروبا الغربية والولايات المتحدة لديها هامش حركة كبير سواء في اختيار من يترأسها وكيف تدير أعمالها وهذا هو الخطر في أن يتحول الأمر ليكون عرض وطلب في أسوأ صوره، أما الدول في أوروبا الشرقية وتحديداً روسيا فإنها ستكون تحت الرقابة الحكومية وتعمل ضمن إطار الدولة وربما هذا خطره أقل. ولكن في الحالتين أن القطاع العسكري بات يتحول هو الآخر يتحول في مفهومه التقليدي ليتناسب وتطورات النظام الجديد وهي: العولمة الاقتصادية.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات