2024-05-01
تحصين الإقليم انطلاقاً من الخليج
لعلنا نتذكر تلك الوثيقة الخليجية للأمن الإقليمي التي صدرت في 28 مارس الماضي؛ والتي لا تركز فقط على أمن دول مجلس التعاون الخليجي وإنما تهدف إلى تحقيق الاستقرار في إقليم الشرق الأوسط بأكمله الأمر الذي يعطي إشارة إلى طريقة تفكير قادة هذه المنطقة لمفهوم الأمن الوطني لبلدانها وهو أمر (بلا شك) لا يدركه الكثيرين بما فيهم مراقبين مختصين في مجالات الأمن وهو: أن الدائرة الأمن الوطنية لكل دولة خليجية لا تتحقق بالمفهوم الشامل دون تحقيق الأمن بالاشتراك مع دول الجوار لها بما فيها التي تعتبر مصدر قلق للأمن فالإقليم بأكمله يتأثر ببعضه.
لذا نجد الرؤية الخليجية للأمن توسعت لتشمل دول منطقة الشرق الأوسط وهذه النقطة تحسب لقادة دول المجلس التعاون الخليجي.
ولم تقتصر الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي على نوع واحد من مصادر التهديد لها، بل اتخذت مسارات متعددة لتشمل قضايا ما زالت قيد التشكل خاصة القضايا الإنسانية وذلك انطلاقاً من مواكبة هذه الدول لمفاهيم الأمن الجديدة رغم أن هذه القضايا تعتبر حديثة العهد فهي تعود إلى فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وهي ليست في أولويات بعض الدول مثل قضايا: المناخ والاحتباس الحراري التي بدأ العالم يعاني منها وكذلك قضايا الأمن الغذائي وهذا أمر آخر يعطينا لمحة لطريقة التخطيط الاستراتيجي المستقبلي لهذه الدول في التفكير.
وللأمن السيبراني الذي بدأ يغزو العالم ومنطقة الشرق الأوسط بمفهومه الشامل الذي يجمع الجزء الآسيوي والأفريقي أو ما يطرح في الدوائر الغربية الشرق الأوسط الجديد، نصيب من هذه الرؤية الاستراتيجية الخليجية للأمن الإقليمي في الاهتمام بها حيث أن التكنولوجيا برغم ما تحمله من إيجابيات وفوائد في تسهيل حياة الأفراد فإنها كذلك هي مجال مهم بالنسبة للإرهابيين وكذلك للدول التي لديها رغبة في تهديد استقرار المنطقة لهذا وجب العمل على للحد من تأثيراتها السلبية قدر الإمكان لأمن مسألة منعها بالكامل هو أمنية الجميع سواء الحكومات أو أفراد المجتمع.
يمكننا استنتاج ثلاثة نقاط رئيسية من هذه الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي وهي نقاط مهمة في مسألة إدراك طريقة تفكير قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمفهوم الأمن وهي:
النقطة الأولى: أن هذه الدول مهمومة بالتفكير في تحصين دولها الست للحفاظ على الاستقرار والأمن الذي يؤدي بالطبيعة إلى التنمية والازدهار وهما المبدأين الأساسيين في ميثاق تأسيس منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وبالتالي فإن هذه الدول تعمل بطريقة غير مباشرة بالمساعدة في استقرار العالم.
النقطة الثانية: هناك شمولية في الرؤية الخليجية من أجل مواجهة التحديات وشمولية في توسعة مفهوم الأمن فمن جانب طبيعة التحديات لم تعد تقتصر على مصادر التهديد التقليدية مثل الخطر من الأسلحة النووية أو مخاطر الإرهاب وإنما مخاطر الحروب التكنولوجية والذكاء الاصطناعي وبالتالي فإن العمل على مواجهتها يتطلب تجاوز مفهوم الأمن من الأمن الوطني الضيق إلى مفهوم الأمن الوطني الواسع ليكون استقرار الإقليم هو استقرار الدولة أو الوطن فالجميع متأثر من عدم الاستقرار.
النقطة الثالثة متعلقة بأدوار الدول الصغيرة والمتوسطة في استقرار العالم وربما هذه النقطة تؤسّسها هذه الدول الست أكثر من غيرها من دول العالم الأخرى. فمن جانب هناك اتفاق عام على قدرة هذه الدول في العمل المنظم بشكل جماعي في ظل المعطيات الإقليمية والدولية ومواجهتها بشكل جماعي وناجح. ومن جانب آخر تعطي هذه الدول درساً للدول المتوسطة والصغيرة بأن لديها دور مؤثر في استقرار العالم وفي تهديد استقراره وفق منطلقات قيادتها السياسية ولا يمكن الاستغناء عن دورها مهما اعتقدت بعض الدول الكبرى، ولكن يبقي منطلقات القيادات السياسية لهذه الدول هو المحرك الأساسي في اتجاه تسير رؤيتها للأمن.
مسألة تحديث وتطوير الاستراتيجيات الوطنية مسألة طبيعية كي يتوافق مع طبيعة المتغيرات الواقعة في دائرتها الأمنية التي بدأت تتعدى حدودها الجغرافية لتصل إلى نقاط تبدو بعيدة وذلك نتيجة لتطور طبيعة التهديدات ومصادرها.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات