مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-04-01

دروس وطنية من أزمة الأمن الأوروبي

تشير التطورات المتتالية في الفترة الأخيرة، إلى أن أوروبا تواجه أزمة حادة بشأن الأمن والدفاع عن القارة العجوز. ربما لم تكن تلك الأزمة بالوضوح الراهن حين نشبت الحرب الروسية الأوكرانية قبل ثلاثة أعوام. حيث أدى اندلاع الحرب وقتها إلى استنفار غربي عام، وخصوصاً لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وكان الهاجس الغربي المُلح والعاجل في ذلك الوقت، هو كيفية مواجهة الخطر الروسي القائم ضد أوكرانيا، والمحتمل ضد أوروبا ككل.
ورغم تباين التقديرات الأوروبية بشأن الخطر الروسي، إلا أن القرار الأوروبي كان موحداً بالاصطفاف خلف أوكرانيا والاستجابة للدعوة الأمريكية إلى دعم البوابة الشرقي لأوروبا في مواجهة الغزو الروسي.

لا يزال الموقف الأوروبي ينطلق من ضرورة مواجهة التهديد المشترك لاستقرار القارة وأمنها. لكن الجديد الذي يثير جدلاً أوروبياً متزايداً وسيظل محل اهتمام لفترة مقبلة، هو الأدوات والقدرات اللازمة لاستيفاء متطلبات تلك المواجهة، وبصفة خاصة الموارد المالية. حيث لا تزال الموازنات الدفاعية الأوروبية أقل كثيراً من المطلوب لتأمين شبكة دفاعية أوروبية، بما تستلزمه من قوة بشرية وتسليح وكفاءة قتالية ولوجستيات.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تعتمد أوروبا في تحقيق الأمن وتوفير الحماية، على الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أساسية. سواءً بالجانب الاقتصادي وحصص الحلفاء في تمويل حلف شمال الأطلسي، أو بوضع القدرات العسكرية الأمريكية المتقدمة كماً ونوعاً كدرع حامي لأوروبا.

تواجه أوروبا حالياً تحدياً مصيرياً يتمثل في التخلي اضطراراً عن مظلة الحماية الأمريكية، والاعتماد على القدرات والإمكانات الذاتية وحدها في الدفاع عن الأمن والاستقرار الأوروبي. ورغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشف عن التوجه الأمريكي نحو التوقف عن لعب دور الأخ الكبير للعالم الغربي، خلال فترة رئاسته الأولى 2016 – 2020، إلا أنه لم يتمكن من تحويل ذلك التوجه إلى خطوات عملية، في أثناء تلك الولاية الرئاسية الأولى له. بينما دخل إلى البيت الأبيض هذا العام وهو مستعد ولديه خطط وتصورات واضحة لما سيقوم به في مختلف الملفات والقضايا، ومن أهمها إدارة العلاقة مع أوروبا وتغيير الموازين والأدوار داخل المنظومة الأطلسية.

واللافت، أن الاضطراب داخل الاتحاد الأوروبي، والجدل بين الدول الأوروبية بشكل عام، يشير إلى أن القارة العجوز لم تتحضر مُسبقاً لذلك التحدي. ربما يرجع ذلك إلى أن فوز ترامب في الرئاسيات الأمريكية الأخيرة جاء مفاجئاً لأوروبا وغيرها من دول العالم. وربما كانت أوروبا تراهن على تغير قرارات ترامب وأفكاره. أو لعل الأوروبيين ظنوا أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن، سيحول دون تراجع واشنطن عن دور الراعي الأساسي للأمن الأوروبي ويدفعها إلى الاستمرار في التزاماتها الدفاعية تجاه شركائها في حلف الأطلسي.

أياً كانت الأسباب، الشاهد أن الدول الأوروبية لم تكن مستعدة لهذا الموقف التاريخي، الذي لا يمثل تحدياً فقط، بل أزمة مصيرية ستنعكس على حاضر ومستقبل القارة. وفي ذلك دروس وعبر كثيرة يجب التوقف عندها، لعل أهمها أن أمن الدول وأمان شعوبها يجب أن يكون بأيدي القائمين عليها، وليس بأيدي أي طرف آخر، مهما توافقت المصالح أو كانت التهديدات مشتركة.

دول قليلة فقط في العالم هي التي تدرك هذه الحقيقة، على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة. التي تعي قيادتها الحكيمة حتمية امتلاك القوة وتعظيم قدرات الدولة الشاملة، ليس للتعدي أو الاعتداء على الآخرين. فمهما بلغت العلاقات بين الدول من موثوقية وتفاهم وقواسم مشتركة، تظل القوة الذاتية من دون اعتمادية أو تعويل على أي طرف، هي الضمانة الفعلية والمؤكدة لتوفير الأمن، وحماية الشعب، والأرض والسيادة.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-05-30 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره