مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-10-02

دلالات زيارة شي جين بينغ لأسيا الوسطى

بعد أن كانت التكهنات تشير إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيقوم بزيارة إلى المملكة العربية السعودية كأول وجهة خارجية له منذ عام 2020، وبالأخص بعد ظهور فيروس كورونا وتفاقم جائحة كوفيد 19 في أرجاء العالم المختلفة، اختار  الرئيس الصيني كازاخستان لتكون وجهته الخارجية الأولى، ومنطقة أسيا الوسطى لتكون المنطقة الأجنبية الأولى التي يزورها منذ نحو سنتين. كل ذلك يحمل دلالات مهمة في سياق تحليل السياسة الخارجية الصينية. فالحديث عن زيارة الرئيس الصيني للسعودية يجسد الأهمية التي توليها الصين للمنطقة في مسار الدفع بالمصلحة الصينية في المنطقة.
 
إلا أن تغير الوجه نحو أسيا الوسطى يعطي انطباعاً على أن الرئيس الصيني وجد فرصة سانحة له في توثيق مكانته في منطقة غاية في الأهمية للصين من الناحية الجيو-اقتصادية والجيو-سياسية، وخاصة إذا ما علمنا بأن هذه المنطقة ليست منطقة نفوذ صيني فعلي بل أن هناك حضور روسي بارز في المنطقة. 
 
بالطبع الزيارة لمنطقة اسيا الوسطى تأتي للمشاركة في اجتماعات منظمة شنغهاي للتعاون والتي تستضيفها مدينة سمرقند بأوزباكستان. هذه المنظمة مهمة بالنسبة للصين باعتبار أنها هي الدولة صاحبة فكرة نشأتها والراعية لها مع الشريك الروسي. وبالتالي فإن استمرارها ونجاحها مطلب صيني لبقاء قوة ومكانة الصين كلاعب دولي مؤثر، وقادر على خلق ترتيبات تعاونية دولية خارج منظومة الترتيبات الدولية القائمة حالياً برعاية الولايات المتحدة. قبل المشاركة في قمة شنغهاي زار الرئيس الصيني كازاخستان الشريك الاقتصادي الأبرز للصين في المنطقة، والذي تعتمد عليه الصين في تزويدها بالمعادن المهمة، وباعتبارها نقطة تواصل لمبادرتها المعروفة بالحزام والطريق للوصول إلى أوروبا.
 
ربما جاز القول بان الصين تريد ان تستثمر في تراجع النفوذ الروسي والفراغ الموجود في المنطقة لصالحها ومحاولة ملئه لتصبح الدولة التي يمكن الاعتماد عليها من قبل دول أسيا الوسطى. التحرك الروسي ضد أوكرانيا أثار رعب وذعر العديد من دول أسيا الوسطى التي أصبحت تخشى من قوة النفوذ الروسي في المنطقة. لذلك فإن الصين يمكن أن تكون أكثر قبولاً باعتبارها لا تستخدم القوة العسكرية لفرض نفوذها على الدول الأخرى، ولعل توقفها عن التحرك العسكري ضد تايوان يعطي ذلك الانطباع لمثل تلك الدول، ويطمئنها بأن الهدف الصيني ليس السيطرة وخلق نفوذ وجودي عسكري لها في تلك المنطقة وإنما الهدف هو الدفع بالمصالح الاقتصادية وتحقيق المنفعة المشتركة وفق مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
 
ويضاف إلى ذلك دلالة أخرى مهمة ترتبط بالصورة التي يود الرئيس شي جين بينغ إعطائها للعالم عن الصين. فزيارة شي جين بينغ تأتي في هذه الفترة بالذات والصين على اعتاب عقد المؤتمر الوطني العشرين، المؤتمر الغاية في الأهمية للرئيس الصيني الذي من المتوقع أن يتم إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة خلال المؤتمر، ليصبح أول رئيس للصين يعاد انتخابه لأكثر من مرتين. فالزيارة هي تعبير من قبل الرئيس الصيني على ثقته الكبيرة في متانة الداخل الصيني وقدرة مؤسسات الدولة الصينية على العمل بشكل احترافي من دون توجس وخوف كما يحاول الغرب الترويج له. فالرسالة هي أن الصين قوية، ونموذجها في الحكم فيه من الصلابة التي تبعد كل التكهنات السلبية حوله. هذا ما يريد الرئيس الصيني إرساله للجميع حول الصين ونظامها السياسي وقوته كقائد للدولة الصينية. 
 
ودلالة أخرى في هذه الزيارة ترتبط برغبة الرئيس الصيني في الحفاظ على دعمه للرئيس بوتين ولو في شكل تقديم دعم معنوي له ضد الموقف الغربي المتشدد بسبب غزوه لأوكرانيا. فالصين في اعتقادنا لا تود لبوتين الانتصار في أوكرانيا بشكل كبير وحازم لأن ذلك من شأنه أن يجعل المنطقة تخشى من روسيا باعتبارها قوة مهيمنة عسكريا على الإقليم، ولكن في ذات الوقت فإن الصين لا تود لبوتين أن يخسر أمام الناتو والولايات المتحدة حتى لا يفتح المجال أمام تعاون أوروبي-أمريكي أكبر في مجالات التوسع بأعمال حلف الناتو لمناطق تطال المصلحة الصينية. لذلك فإن اجتماعه ببوتين يعطي زخم معنوي للرئيس الروسي بأن الصين حاضرة مع الفكرة الروسية الرافضة للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره