مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-11-05

نهوض عالم الجنوب

برز مؤخراً الحديث بشكل أكبر عن مصطلح عالم الجنوب (Global South) للإشارة للدول التي لا تُعتبر من دول عالم الشمال المتقدم. ويرتكز عالم الجنوب على دول أسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية بشكل أكبر، وهو مصطلح جاء بديلاً عن مصطلح العالم الثالث الذي كان شائع في السابق، باعتبار أن مصطلح العالم الثالث لم يعد يُعبر بشكل دقيق عن حالة التقسيم العالمي للدول بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية وجود ما يسمى بالعالم الثاني.
 
 
مع مصطلح عالم الجنوب بدأت دول مثل الصين والهند وروسيا تُركز بشكل كبير على السعي نحو النهوض بالعمل المشترك بين دول عالم الجنوب باعتبارها الساحة التي يمكن لها أن تخلق نفوذاً لها، لاسيما وأن قدرتها على فعل ذلك في منظومة عالم الشمال أصبحت غاية في الصعوبة مع السيطرة الأمريكية والرفض الأمريكي لمنافسة هيمنتها. لذلك جاء التركيز على دول علم الجنوب. ونشاهد اليوم دولة بحجم الصين تدفع وبقوة نحو فكرة التعاون بين دول عالم الجنوب باعتبار أن هذه الدول هي وسيلتها نحو إبراز القوة الصينية التي يمكن أن تنافس الهيمنة الأمريكية، ولاسيما في الفترة الراهنة التي تتسم بالتنافس بين الطرفين على المستوى الإقليمي والعالمي. لذلك أصبح عالم الجنوب اليوم جزء من المنافسة الأمريكية – الصينية، وخاصة أننا نتحدث عن دول استطاعت أن تحقق درجات من النمو الاقتصادي تفوق دول في عالم الشمال. فحسب ارقام صندوق النقد الدولي فإن دول عالم الجنوب وبالأخص الاقتصاديات الناشئة أصبحت تمثل أكثر من 58% من مجموع الناتج القومي العالمي في عام 2022 حسب مؤشر القوة الشرائية. فهي غدت قوة اقتصادية مؤثرة في النظام العالمي. 
 
 
كما أن دول عالم الجنوب أصبحت تلعب دور في السياسة الدولية عبر اتخاذ مواقف تدعم مصالحها الوطنية من خلال عدم الاعتماد على الغرب بل فتح مجالات التعاون مع قوى أخرى في عالم الجنوب وبالأخص مع الصين والهند وروسيا. الأمر الذي جعلها تتبنى مواقف سياسية قد لا تتلاءم مع مواقف دول عالم الشمال وبالأخص الولايات المتحدة. فهذه الدول وجدت في دولة مثل الصين فرصة اقتصادية لتحقيق أجندتها الوطنية للتنمية، ووجدت في روسيا فرصة لتنمية قدراتها العسكرية. وأصبح هذا الأمر واضحاً في الموقف من المنافسة الدائرة بين الصين والولايات المتحدة وبين روسيا والولايات المتحدة، حيث أن معظم دول عالم الجنوب فضلت البقاء على الحياد من أجل حماية مصالحها. تطور مهم يُعبر عن نهوض وبروز دول عالم الجنوب. وإدراكا من أهمية دول عالم الجنوب بدأت الولايات المتحدة ومعها حلفائها في عالم الشمال يهتمون بهذه الدول، إلا أن هذا الاهتمام في اعتقادنا أتى بشكل متأخر وقد لا يكون كافياً لتلبية حاجات وتطلعات دول عالم الجنوب، الأمر الذي لا يعني على الإطلاق أن هذه الدول قد تتجه إلى الميل لدول عالم الشمال على حساب الدول المحورية في عالم الجنوب. 
 
 
نهوض عالم الجنوب وبروزه هي ظاهرة صحية في عالم اليوم ومهمة من أجل تحقيق التوازن في النظام العالمي الذي ظل لفترة طويلة يميل كفته لصالح دول الشمال. عالم الجنوب ليس ضد عالم الشمال، وإنما يسعى عالم الجنوب إلى جعل عالم الشمال يهتم بقضاياه وعدم تهميشها في الأجندة العالمية. فلا يمكن لمجموعة G7 مثلاً (التي تغيب عنها دول عالم الجنوب) أن تبقى هي اللجنة التسييرية - كما يعتقد الأمريكان – لشؤون العالم، بل لابد أن يكون لعالم الجنوب حضوراً في مثل هذه التكتلات والتجمعات القيادية العالمية. وهذا مطلب صحي وأمر غاية في الواقعية. لذلك فإن السير بعالم الجنوب نحو التعاون فيما بينه عبر مجموعة بريكس على سبيل المثال أمر مهم لتعزيز موقف دول عالم الجنوب. فمثل هذه التجمعات الجنوبية تعبر عن تطلعات دول عالم الجنوب في نظام عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً من ما هو عليه اليوم. فما من شك أن توسع دائرة حجم التعاون بين دول الجنوب عبر مجموعات وتكتلات اقتصادية وسياسية سيضفي دفعة قوية نحو تحقيق هذا التطلع.     
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره