2024-02-01
سمات النظام العالمي في عام 2023
انتهى عام 2023 بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات على نظامنا العالمي. ولكن نهايته لا تعني انتهاء ما حمله لنا من سمات محورية سيظل نظامنا العالمي يتشكل من خلالها في السنة الجديدة ولربما لسنوات أخرى عديدة قادمة. دعونا نتحدث عن بعض هذه السمات التي ما من شك أنها استطاعت أن تجذب اهتمام المتابعين للشأن العالمي وتخلق تبعات أثرت على العديد من المعطيات التي نشاهدها في نظامنا العالمي الذي نعيشه. أحد أهم هذه السمات هي انحسار العمل الجماعي المشترك وبروز العمل الثنائي أو العمل الجماعي المصغر والذي قادته الولايات المتحدة في تعاملها مع تطورات النظام الدولي وبالأحرى في تعاملها مع كل من الصين وروسيا.
تغييب الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية العالمية لصالح ترتيبات ثنائية أو جماعية مصغرة مثل مجموعة السبع والكواد وتحالف أوكوس ومجموعة بريكس لهو دليل واضح على انحسار العمل الجماعي العالمي المضطلع به تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء للعالم بأسره. فعام 2023 رسخ هذه الفكرة بشكل أكبر عن ما كانت عليه في السابق، ولعل عام 2024 يحمل في طياته استمراراً لهذه الحالة غير الإيجابية للعمل العالمي المشترك.
السمة الأخرى ترتبط بظهور الازدواجية في معايير التعامل مع القضايا الدولية وبروز ممارسة النفاق السياسي الدولي من قبل الدول الرئيسية التي من المفترض أن يُضطلع بها تطبيق القانون الدولي الإنساني من دون تحيز لطرف ضد الآخر. فالموقف الدولي من القضيتين الأوكرانية والفلسطينية أعطى انطباعاً واضحاً بان هناك بالفعل ازدواجية في المعاير المرتبطة بتطبيق القانون الدولي الإنساني. فبينما وقفت الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية مع أوكرانيا في حربها مع روسيا بحجة تطبيق القانون الدولي الإنساني تخلت تلك الدول عن دعم ذلك القانون في الحرب الإسرائيلية على غزة. وكأنما معايير القانون الدولي مرتبطة بمصالح تلك الدول وليس بالمصلحة العالمية لحفظ السلم والأمن الدوليين وفقاً لاحترام القوانين الدولية. ليس من المتوقع أن يختفي هذا النفاق في عام 2024 حيث أن مسببات وجوده ما زالت قائمة، وعلى رأسها الاعتبارات السياسية الداخلية في دولة محورية بحجم الولايات المتحدة التي ستدخل في نهاية هذا العام في انتخابات رئاسية من المفترض أن يلعب صوت دعم إسرائيل عاملاً مهماً في حشد التأييد للمرشح الرئاسي الأوفر حظاً.
إن بروز أهمية دول الجنوب في النظام العالمي كان هو أيضاً سمة أخرى من سمات النظام العالمي في عام 2023. ففي هذا العام أصبح الحديث عن عالم الجنوب أكثر حضوراً وقوةً عن ما كان عليه في السابق. عالم الجنوب في مواجهة عالم الشمال أصبح أحد العناوين البارزة في أدبيات دراسة التفاعلات الدولية. ومفهوم عالم الجنوب بدأ يتصدر العديد من الأدبيات. فبعد أن كانت دول الشمال هي مركز ثقل الاقتصاد العالمي منذ عام 1800 وحتى مطلع الألفية الثالثة، فإن دول الجنوب بدأت تأخذ زمام الريادة باعتبارها مركز آخر لا يقل أهمية عن دول الشمال. فمع تصاعد دول بحجم الصين والهند وروسيا والبرازيل فإننا أمام ثقل عالمي جديد يتحور خارج منظومة دول الشمال. وهذه السمة هي التوجه الذي سيسير عليه العالم في المستقبل، ولا رجعة لمثل هذا التحول.
تطور الذكاء الاصطناعي أصبح من أهم المواضيع التي شغلت بال النظام العالمي في عام 2023، ومتوقع له أن يستمر في ذلك لسنوات قادمة. عام 2023 حمل لنا تطورات مهمة في عالم الذكاء الاصطناعي ودخل علينا هذا المفهوم بشكل قوي، لامس من خلاله تفكير وحياة الكثيرين حول العالم من دول وشعوب. وأصبحت دول العالم تدخل في منافسة جديدة وتخطط من أجل تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي بشكل محتدم، ألأمر الذي سيضع العالم أمام محك جديد مرتبط بكيفية ضبط هذا التنافس لما يخدم الإنسانية ولا يستخدم في مجالات إحداث ربكة لمعطيات النظام الدولي.
ومن سمات عام 2023 أنه كان العام الأعلى من حيث درجات الحرارة على الإطلاق، فكان من المنطقي أن تتعاون الدول في مجال إيجاد حلول عملية لضبط هذا الارتفاع المهدد لحياة الانسان. لذلك جاء مؤتمر كوب 28 في دبي ليحاول وضع بعض الأطر الاستثنائية للحد من خطورة ارتفاع درجات حرارة الأرض. هذا الموضوع لا يمكن أن يكون موضوعاً تكتيكياً بل سيظل الموضوع الأبرز الذي سيشغل بال الإنسانية للمستقبل.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات