2023-03-01
عودة جديدة.. للحروب الجاسوسية
يُعتبر «المنطاد الصيني» الذي تعقبته الاستخبارات الأمريكية (السي أي إيه) لحين دخوله الأراضي الأمريكية ثم تم إسقاطه، عن «تجديد» لمرحلة كنا نعتقدها باتت جزء من تاريخ ازدهرت كثيراً خلال فترة الحرب الباردة واختفت بانهيار الاتحاد السوفيتي وهي: الحروب التي يستخدم فيها الجواسيس بين المتنافسين. ولعل من أشهر الجواسيس الموجودين على الساحة الدولية حالياً هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي عمل في جهاز المخابرات الذي كان يعرف بالكي جي بي (KGB) وقتها.
ليس من الضرورة الحديث عن عودة حرب الجواسيس أن يكون جنرالاتها أو مقاتليها من البشر فقط كما كانت في السابق والتي اعتمدت أساساً على هذا العنصر. فقد تغيرت كثيراً الأدوات المساعدة على إنجاز المهمة بل إن المسألة تطورت لأن يتجاوز القدرات البشرية على كشفها وهو ما يدعو إلى ضرورة توسعة التفكير في هذه الحرب بالشكل الذي ينسجم مع متطلبات العودة الجديدة.
فعلى سبيل المثال: حتى الآن هناك تساؤلات حول عمليات اغتيال دون معرفة كيف تم ذلك كما هو حال اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، الذي يعتبر أبو القنبلة النووية الإيرانية في عام 2020، فكل ما يتم تداوله حالياً حول الفاعل الأساسي هو عبارة عن تكهنات واعتقادات ولكن لم يتم التوصل إليه بشكل واضح ومعلن، أما إذا تم اعتقال شخص في أي دولة تحوم حوله الشكوك، ففي أكثر الحالات هو من أجل التعويض المعنوي للأجهزة المسئولة عن توفير الحماية وذلك بهدف تغطية حالة العجز عن كشف الجاسوس.
بدأت تنتعش هذه الحرب مع الحديث عن عودة الحرب الباردة ولكن هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين وليس مع روسيا المنشغلة بحربها مع أوكرانيا والتي دخلت عامها الثاني في 24 فبراير الماضي، ومثلما كنا نقرأ عن طرد دبلوماسيين تابعين لسفارات بلدان معينة لأسباب لها علاقة بالتجسس عدنا مرة ثانية إلى تلك الأخبار حيث تم طرد حوالي 500 دبلوماسي روسي يعملون في سفاراتها في عدد من الدول الأوروبية تحت هذه التهمة.
ومشكلة هذا النوع من الحرب أن يؤدي دائماً إلى رفع حالة من التوتر الدبلوماسي والاحتقان السياسي بين الدول مع بث حالة من الشك المستمر بين الدول، وكأن الحالة التي عاشها العالم بين الحرب الباردة القديمة والحرب الباردة المنتظرة هي فترة استراحة فرضتها معطيات جديدة وهي التنظيمات الإرهابية.
لو افترضنا جدلاً، أن دوائر صناعة القرارات في العالم طرحت تساؤلاً عاماً على المخططين الاستراتيجيين على النحو التالي: ما هي الأخطار الحقيقية على أمن الدولة خلال المرحلة المقبلة؟
الطبيعي أن نجد أجوبة متعددة مع ثبات بعض الأخطار التقليدية على سبيل المثال: أمن المناخ وأمن الطاقة والإرهاب ربما من الأولويات الثابتة لكل دول العالم. لكن في ظني أن الإضافات للأخطار الجديدة ستشمل الحرب الجاسوسية. خاصة مع وجود المؤشرات بأن العالم مقبل على حرب باردة جديدة مع الرغبة في الابتعاد كثيراً من الحرب الشاملة بين الكبار كي لا تفلت الأمور وتنتقل إلى كارثة تدمر الجميع.
الأمر الإيجابي في هذا السيناريو حتى الآن شيئين هما. الشيء الأول: وجود حوار سياسي بين القادة المتشككين من بعضهم فمثلاً الولايات المتحدة عن طريق وزير خارجيتها بلينكن عاتبت الصين في مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد في فبراير الماضي على إطلاق المنطاد محذرة بكين من تكرار ذلك، وإيجابية وجود هذا العامل أن تفتح أفقاً لإمكانية التفاهم. قد مارست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة ذلك وفق مبدأ الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ريجان “ثق ثم راقب”.
الشيء الآخر: أن هناك قوى إقليمية صاعدة في العالم تقوم بدور “وازن” وسط حالة من التحفز في سباق توسعة النفوذ في العالم وإلى الآن هذه الدول قادرة على كبح ذلك الحماس المتعطش للدخول في الحرب الباردة جديدة.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات