مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-03-01

عودة‭ ‬جديدة‭.. ‬للحروب‭ ‬الجاسوسية

يُعتبر‭ ‬‮«‬المنطاد‭ ‬الصيني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تعقبته‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ (‬السي‭ ‬أي‭ ‬إيه‭) ‬لحين‭ ‬دخوله‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬إسقاطه،‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تجديد‮»‬‭ ‬لمرحلة‭ ‬كنا‭ ‬نعتقدها‭ ‬باتت‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬ازدهرت‭ ‬كثيراً‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬واختفت‭ ‬بانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وهي‭:‬‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬يستخدم‭ ‬فيها‭ ‬الجواسيس‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الجواسيس‭ ‬الموجودين‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬حالياً‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬بالكي‭ ‬جي‭ ‬بي‭ (‬KGB‭) ‬وقتها‭.‬
 
 
ليس‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عودة‭ ‬حرب‭ ‬الجواسيس‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جنرالاتها‭ ‬أو‭ ‬مقاتليها‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬فقط‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬والتي‭ ‬اعتمدت‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭. ‬فقد‭ ‬تغيرت‭ ‬كثيراً‭ ‬الأدوات‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬المهمة‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬تطورت‭ ‬لأن‭ ‬يتجاوز‭ ‬القدرات‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬كشفها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬توسعة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬العودة‭ ‬الجديدة‭. ‬
 
 
فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬هناك‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬عمليات‭ ‬اغتيال‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬اغتيال‭ ‬العالم‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬محسن‭ ‬فخري‭ ‬زادة،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أبو‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تداوله‭ ‬حالياً‭ ‬حول‭ ‬الفاعل‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تكهنات‭ ‬واعتقادات‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إليه‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬ومعلن،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬اعتقال‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تحوم‭ ‬حوله‭ ‬الشكوك،‭ ‬ففي‭ ‬أكثر‭ ‬الحالات‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعويض‭ ‬المعنوي‭ ‬للأجهزة‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تغطية‭ ‬حالة‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬كشف‭ ‬الجاسوس‭. ‬
 
 
بدأت‭ ‬تنتعش‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عودة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وليس‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬المنشغلة‭ ‬بحربها‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والتي‭ ‬دخلت‭ ‬عامها‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬ومثلما‭ ‬كنا‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬طرد‭ ‬دبلوماسيين‭ ‬تابعين‭ ‬لسفارات‭ ‬بلدان‭ ‬معينة‭ ‬لأسباب‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالتجسس‭ ‬عدنا‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأخبار‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬طرد‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬دبلوماسي‭ ‬روسي‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬سفاراتها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحت‭ ‬هذه‭ ‬التهمة‭. ‬
 
 
ومشكلة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬دائماً‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والاحتقان‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬بث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬المستمر‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وكأن‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬القديمة‭ ‬والحرب‭ ‬الباردة‭ ‬المنتظرة‭ ‬هي‭ ‬فترة‭ ‬استراحة‭ ‬فرضتها‭ ‬معطيات‭ ‬جديدة‭ ‬وهي‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭.‬
 
 
لو‭ ‬افترضنا‭ ‬جدلاً،‭ ‬أن‭ ‬دوائر‭ ‬صناعة‭ ‬القرارات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬طرحت‭ ‬تساؤلاً‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬المخططين‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأخطار‭ ‬الحقيقية‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة؟‭ ‬
الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أجوبة‭ ‬متعددة‭ ‬مع‭ ‬ثبات‭ ‬بعض‭ ‬الأخطار‭ ‬التقليدية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬أمن‭ ‬المناخ‭ ‬وأمن‭ ‬الطاقة‭ ‬والإرهاب‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬الأولويات‭ ‬الثابتة‭ ‬لكل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬ظني‭ ‬أن‭ ‬الإضافات‭ ‬للأخطار‭ ‬الجديدة‭ ‬ستشمل‭ ‬الحرب‭ ‬الجاسوسية‭. ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬المؤشرات‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الابتعاد‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬بين‭ ‬الكبار‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تفلت‭ ‬الأمور‭ ‬وتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬تدمر‭ ‬الجميع‭. ‬
 
 
الأمر‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬شيئين‭ ‬هما‭. ‬الشيء‭ ‬الأول‭: ‬وجود‭ ‬حوار‭ ‬سياسي‭ ‬بين‭ ‬القادة‭ ‬المتشككين‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬فمثلاً‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬بلينكن‭ ‬عاتبت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬ميونخ‭ ‬للأمن‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬المنطاد‭ ‬محذرة‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬ذلك،‭ ‬وإيجابية‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬أفقاً‭ ‬لإمكانية‭ ‬التفاهم‭. ‬قد‭ ‬مارست‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬ذلك‭ ‬وفق‭ ‬مبدأ‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجمهوري‭ ‬دونالد‭ ‬ريجان‭ ‬“ثق‭ ‬ثم‭ ‬راقب”‭.‬
 
 
الشيء‭ ‬الآخر‭: ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬صاعدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬“وازن”‭ ‬وسط‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التحفز‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬توسعة‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وإلى‭ ‬الآن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬كبح‭ ‬ذلك‭ ‬الحماس‭ ‬المتعطش‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬جديدة‭.    ‬
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره