مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-03-03

هل تشهد المنطقة حـرباً جديدة واسعة ؟

منذ اندلاع الحرب في غزة والتحاليل تتكلم عن مدى إمكانية اتساع رقعة الحرب لتشمل دول أو أطراف أخرى في المنطقة. وهذا ما حدث بالفعل نوعاً ما، فالحرب شملت أطراف أخرى غير الأطراف التي من المفترض أن تبقى دائرة الصراع محدودة فيما بينها، ألا وهي إسرائيل والحركات المسلحة في غزة. حزب الله في لبنان كان حاضراً في الحرب عبر توجيه ضربات مشتركة بين الجانبين الإسرائيلي وحزب الله على الحدود المشتركة. وهذا مؤشر على أن دائرة الصراع اتسعت نوعاً ما. إلا أن دخول الحوثيين في الحرب عبر إرسالهم لصواريخ نحو الأراضي الإسرائيلية وتوجيههم لضربات عسكرية للسفن التجارية المتجهة لإسرائيل عبر باب المندب وبعد ذلك للسفن التجارية الأمريكية والبريطانية وسع من دائرة الصراع لتشمل أطراف بعيدة كل البعد إقليمياً عن دائرة الصراع الجاري في غزة.
 
ولم تتوقف الدائرة عند ذلك الحد، فشهدنا أيضاً جماعات مسلحة تتحرك من العراق وسوريا لضرب التواجد العسكري الأمريكي هناك. فهل هذا التوسع دليل على أن الحرب خرجت عن نطاقها المحدود إلى نطاق أوسع. وهل نحن أمام حرب أوسع جديدة في منطقة الشرق الأوسط؟ 
 
في ظل عالم يسوده عدم اليقين من سلوك الدول فإننا لا نستطيع شرح ما ستفعله الدول إلا عبر ما تفسره لنا نظريات العلاقات الدولية. ولعل النظرية الواقعية في تفسير السياسة الدولية تعطينا التفسير الأكثر منطقية للحالة التي نعيشها اليوم في منطقتنا الشرق أوسطية. تُركز هذه النظرية على مفهوم البقاء كمرتكز أساسي من مرتكزات تحرك الدول في سياستها الخارجية. البقاء للأنظمة التي تخشى من وجود قوى أخرى تريد القضاء عليها، مثل الحالة الإيرانية الحالية في تعاملها مع الولايات المتحدة.
 
فإيران كدولة عقلانية في مثل هذا النظام الدولي الذي يسوده عدم اليقين -كما تقول هذه النظرية- ستعمل بكل ما تملك لرفع من قدراتها العسكرية من أجل تحقيق التوازن المطلوب لضمان أمنها وسلامتها واستقرار نظامها السياسي، أي ضمان بقاؤها بشكلها الحالي. لتحقيق ذلك حسب هذه النظرية فإنه يتعين على إيران رفع قدراتها العسكرية عبر تشكيل عناصر عسكرية في مناطق مختلفة تكون قوى حليفة ترتبط بإيران ارتباطاً وثيقاً لدعم أجندتها الساعية لحماية مشروعها وضمان بقاء نظامها. وهذا ما يفسر لنا استراتيجية إيران في خلق جماعات عسكرية حليفة لها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. فجميعها أدوات تنفذ الإستراتيجية الإيرانية الساعية لفرض الهيمنة وضمان المحافظة على النظام الحاكم القائم في طهران من خطر تهديد القوى الساعية للإطاحة به. 
 
ومن خلال ما يدور حالياً فإننا نستطيع القول بانه في حالة نشوب حرب واسعة في المنطقة فإن أطرافها ستكون الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران وقوى ما يسمى بمحور المقاومة من جهة أخرى. ولكن السؤال هو: هل تريد هذه الأطراف الدخول في حرب مباشرة فيما بينها؟ اعتقد أن الإجابة هي أقرب إلى النفي لعدة أسباب. فبالنسبة للولايات المتحدة فإن الدخول في حرب في هذه الفترة بالذات حيث الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات رئاسية هو أمر غاية في الصعوبة ولا يمكن ان يكون خياراً مطروحاً للرئيس الأمريكي، كما أن الدخول في حرب مع إيران في ظل انشغال واشنطن في حرب أوكرانيا واحتواء روسيا والصين سيضفي عبئاً كبيراً على الولايات المتحدة لن تستطيع تحمله.
 
لذلك فإن واشنطن لن تحبذ توسعة دائرة الصراع بالشكل الذي يخرج عن نطاق السيطرة. وبالنسبة لإيران فإن حرباً أمريكية على إيران ستهدد النظام السياسي وشرعيته وتمزق إيران كما حدث مع العراق، وهو ما لا تريده طهران. لذلك لا أحد من هذه القوى الرئيسية في الصراع يريد الحرب الواسعة في المنطقة، بل ما نلاحظه هو رغبة إيران في حماية جوهرة التاج لمشروعها السياسي والأيديولوجي في المنطقة ألا وهو حزب الله من خطر حرباً تدميرية تشنها الولايات المتحدة وحلفائها عليه. فإيران تدرك بأن حرباً ضدها شبه مستحيلة ولكن حرباً مع قوى محور المقاومة هو أمر وارد وبقوة. فعليه يجب حماية بقاء هذه القوى باعتبارها خط الدفاع الأول لحماية النظام السياسي في إيران ومشروعه للهيمنة في المنطقة.
 
لذلك فإن جر المنطقة إلى حرب واسعة النطاق بعيداً عن ما يحدث اليوم من مناوشات منضبطة نوعاً ما هو أمر قد يكون غير وارد في الغالب. ولكن ما يثير مخاوفنا هو غياب الخطوط الحمر الواضحة في التعامل بين الأطراف الرئيسية في الصراع القائم. مما يجعلنا كمحللين ودارسين للعلاقات الدولية نتوجس من مثل هذه الحالة، ويجعلنا لا نستبعد خيار الحرب الأكبر في المنطقة. الخطوط الحمر ضرورية في حالة الأزمات التي تحدث بين الدول المتصارعة أو التي تعيش حالة توتر في علاقتها مع بعضها البعض، وهي غير موجودة بين أطراف الصراع القائم اليوم في منطقة الشرق الأوسط.            
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره