2023-05-01
دروس من الحرب في أوكرانيا: القيادة الاستراتيجية
تعتمد القوة الوطنية على العديد من الديناميّات. ويدل التاريخ على أن الأزمات الكبرى غالباً ما كانت من صنع القيادة الشخصية بقدر ما هي نتاج الإمكانات الوطنية أو القوة العسكرية. وتمثل الحرب الحالية في أوكرانيا مثالاً جليّاً على تأثير القيادة الاستراتيجية أثناء الصراع. فقد هيمن الرئيسان بوتين وزيلينسكي على الحرب بين دولتيهما، إلّا أن كلّاً منهما ينتهج أسلوباً في القيادة مختلفاً تماماً عن الآخر.
فبعد أكثر من عشرين عاماً في السلطة، ينتهج الرئيس بوتين أسلوباً في القيادة مركزياً للغاية؛ إذ يمارس سلطة شبه مطلقة داخل روسيا، كما كان بارزاً على المسرح العالمي على مدى عشرات السنين. فهو يتمتع بالحكمة والحنكة، ومع هذا فلعلّه استهان بقدرات القيادة وتصميمها لدى خصمه غير التقليدي. فالرئيس زيلينسكي لم يتولّ السلطة إلّا حديثاً، من دون خبرة سياسية، غير أنه سرعان ما كوّن شخصية القائد الخادم للشعب، الذي لا يفر ولا يستسلم أبداً، وقد دلّل على قدرة نادرة لديه على إلهام شعبه لمواصلة القتال.
كان بوتين يمتلك تأثيراً عالمياً بالفعل من حيث الثروة والقوة؛ ومن ثم فإن قراره بغزو أوكرانيا مثير للجدل. فهو كرئيس سبق له أن واجه جورجيا عام 2008، وساعد الرئيس بشار الأسد أثناء الحرب الأهلية السورية، ثم قام عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم وسلخها عن أوكرانيا، بينما لم تفعل الدول الأخرى سوى القليل جداً للرد على ذلك. ولعل هذه التطورات دفعت بوتين إلى الاعتقاد بسلامة نهج دولته وعصمتها من الخطأ. لقد صور الرئيس بوتين أوكرانيا على أنها جزء لا يتجزأ من روسيا العظمى؛ فهو يرى أن كونها منفصلة اليوم ما هو سوى نتيجة لتأثيرات خارجية خبيثة، ويبدو أن معظم الروس حتى الآن يصدقون بوتين، غير أن إيمانهم به قد يتلاشى مع استمرار الحرب.
لو فكر الرئيس بوتين بأسلوب استراتيجي لربما راهن على نحو مختلف. فهو من خلال أفعاله أسهم عن غير قصد في تعزيز حلف الناتو والاتحاد الأوربي، وأثار ردود أفعال من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى، أما الصين فتتخذ موقفاً ودّيّاً من روسيا، ولكنها غير متورطة في الوقت الحالي. وقد أثارت تصرفات بوتين بعض المقاومة في روسيا، وقد تتنامى هذه المقاومة إذا استمرت الخسائر الروسية في الازدياد.
شهد التاريخ في بعض الأحيان قادة يبرزون من العدم، لكنهم يستطيعون حشد شعوبهم لمواجهة الصعاب التي تبدو مستحيلة. وقد كتبت مارغريت ماكميلان مؤخراً تقول إن الرئيس زيلينسكي زعيم أبعد عن التوقعات مما كان عليه ونستون تشرشل في بريطانيا عام 1940. فعندما تم انتخاب زيلينسكي في عام 2018، كانت العناوين الرئيسية تدور حول شخصية كوميدية تلفزيونية لا تتمتع بالخبرة السياسية. وعندما غزا الرئيس بوتين أوكرانيا، كانت معدلات شعبية زيلينسكي ضعيفة، لكن رؤيته وشغفه ومهاراته الإعلامية والاتصالية وشجاعته أثبتت أنه قائد استراتيجي فعال للغاية؛ ذلك أن الرئيس زيلينسكي يعرف كيف يتواصل مع الناس في أوكرانيا وفي دول أخرى حول العالم. فهو يقود بالقدوة، ويرفض مغادرة أوكرانيا، ويشارك مخاطر الحرب بشكل يومي، مما عزز القوة الأوكرانية.
كما أوضح الشيخ زايد، يمكن أن تكون شخصية القائد أكثر أهمية من القوة العسكرية. إن ما سيحدث تالياً في أوكرانيا يتوقف على أمور عديدة؛ من تصميم الشعب الأوكراني إلى عدد ونوعية الأسلحة التي سيحصل عليها كل جانب، لكنه يعتمد أيضاً إلى حد كبير على قيادة اللاعبين الرئيسيين. وبغض النظر عن نتيجة الحرب، فإن الصفات القيادية للرئيسين بوتين وزيلينسكي تمثل دروساً قوية لجميع الخبراء الاستراتيجيين.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات