2012-11-01
الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة ومسار العلاقات عبر ضفتي الخليج العربي
يعكس الخطاب السياسي الإيراني، ومواقف طهران حيال قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، نوايا الجانب الإيراني حيال مستقبل العلاقات مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل عام، حيث يمكن التكهن بأن مواقف طهران الراهنة لا توفر أي مساحة للتفاؤل بشأن إمكانية تسوية هذه القضية عبر الحوار.
حيث يبدو واضحاً أن الخطاب السياسي الإيراني يزداد تشدداً بمرور الوقت، والأهم من ذلك أن النظام بات يلجأ في الآونة الأخيرة إلى توظيف هذه القضية من أجل كسب الدعم الداخلي عبر إثارة الروح القومية، وتجاوز الخطاب الذي يردده طيلة سنوات الزاعم بأن الجزر الثلاث "جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية"، إلى القول بأن هذه الجزر "ستظل كذلك إلى الأبد"، ما يغلق الباب مقدماً أمام أي فرص للحوار وجهود التسوية السياسية للأزمة التي تحاول دول مجلس التعاون إحداث اختراق فيها بين الفينة والأخرى؛ ويبقى الأمل معقوداً على أن تدرك طهران حجم الضرر السياسي والاقتصادي الناجم عن تمسكها بموقفها الحالي في هذه القضية.
على الخلفية السابقة تحاول "درع الوطن" فتح هذا الملف الحيوي وتسليط الضوء على المواقف السياسية الإماراتية والإيرانية حيال القضية، مع محاولة استشراف آفاق التسوية.
إعداد: التحرير
في الثاني من شهر سبتمبر الماضي، أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تزال تعاني من احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى"، مشيراً سموه إلى أنه وعلى الرغم من هذا الاحتلال غير الشرعي إلا أن الإمارات كانت ولا زالت راغبة بالالتزام بالوساطة الدولية أو المفاوضات المباشرة للتوصل إلى حل لهذا النزاع المهدد للاستقرار دولياً، وقال سموه إن عدم رغبة إيران في المشاركة قد أعاق إلى الآن تحقيق أي تقدم منذ عام 1971، وجدد سموه الموقف الإماراتي من المسألة والمتمثل في الاستعداد للالتزام بالعمل الدولي سواء عبر الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية أو أي جهود وساطة دولية أو مفاوضات ثنائية مباشرة، واعتبر سموه خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح الدورة الخاصة والاجتماع الرابع لوزراء الخارجية للدول الأعضاء في مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة "سيكا" في "آستانا" عاصمة جمهورية كازاخستان، أن قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة تعد أحد عقبات التعاون والتكامل على الصعيد الآسيوي، بالإضافة إلى الأزمة السورية والقضية الفلسطينية، حيث قال سموه "على الرغم من الجهود المبذولة على الصعيدين الدولي والإقليمي إلا أن آسيا لا تزال تواجه مشاكل تقف عائقاً في طريق تحقيقها لكامل إمكاناتها على الصعيد الدولي، فبالإضافة إلى القضية الأولى المتعلقة بالجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران اسمحوا لي أن أذكركم بقضيتين تقعان في دائرة اهتمام ومصالح الإمارات العربية المتحدة والتي يمكن من خلالها الاستفادة من آليات بناء الثقة في سياق آسيوي كذلك"، وفي هذا الإطار أشار سموه خلال كلمته إلى ما تفرزه الأزمة السورية وجمود عملية السلام واستمرار الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية من عقبات ومعوقات على صعيد التعاون الآسيوي.
الأهمية الاستراتيجية للجزر الثلاث
لا تعود أهمية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) إلى الموقع الاستراتيجي الذي تحتله هذه الجزر الثلاث فحسب، بل لأن الممارسات الإيرانية على هذا الصعيد تعتبر مؤشراً على الرؤية الاستراتيجية الإيرانية لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي ذات الأهمية الاستراتيجية بالغة الحيوية بالنسبة للاقتصاد العالمي، كما أنها مؤشر أيضاً على مدى جدية طهران في الالتزام بأي ترتيبات أمنية إقليمية تضمن تحقيق الاستقرار في المنطقة، كما أن إدارة طهران لهذه الأزمة تعد مؤشراً إضافياً يعتد به على مسار العلاقات عبر ضفتي الخليج العربي خلال المديين القريب والبعيد.
وقد أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيام الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971 على حقها في ملكية الجزر وممارسة السيادة عليها، كما أكدت كذلك مراراً وتكراراً حرصها على تسوية الخلاف مع إيران في هذا الشأن بالسبل السلمية وبما يتفق مع القوانين والأعراف الدولية، وفي التاسع من ديسمبر عام 1971، عندما ناقش مجلس الأمن الدولي قضية الجزر الثلاث المحتلة، أكد ممثل الإمارات حق دولته في الجزر الثلاث، واحتج على احتلال إيران لها، وفي جميع ما أعقب ذلك من مراحل تاريخية كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تحرص على تأكيد حقها في الجزر الثلاث من خلال المذكرات والبيانات المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، كما سبق لها أن سعت إلى استصدار قرار دولي بشأن قضية الجزر مبني على ضرورة حل القضية عبر المفاوضات الثنائية أو الوساطات الدولية أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.
وتشير الوثائق والوقائع إلى أن إيران استخدمت الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة كقواعد عسكرية لها خلال سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988) ما يعكس مستوى الخطر الناجم عن استمرار سيطرة إيران على هذه الجزر، ليس فقط على دولة الإمارات نظراً للارتباط الجغرافي بين أراضي الدولة وجزرها الثلاث، ولكن أيضاً على الأمن الإقليمي والعالمي، حيث لوحظ أن القوات الإيرانية استخدمت الجزر الثلاث في شن هجمات باستخدام القوارب الصغيرة والمروحيات ضد ناقلات النفط في مياه الخليج العربي.
وعلى الرغم من صغر مساحة الجزر الثلاث، فإن لها أهمية استراتيجية بالغة حيث تقع الجزر على امتداد طريق ضيق يعبر الخليج العربي نحو مضيق هرمز ومنه إلى خليج عمان، كما أن معظم صادرات دول الخليج العربية النفطية ووارداته غبر النفطية تمر عبر هذا الطريق الضيق، كما أن هناك عدد من حقول النفط والغاز تقع على مقربة من الجزر الثلاث وتزيد من أهميتها الإستراتيجية، ومجمل هذه العوامل تمنح الجزر الثلاث أهمية استراتيجية متعاظمة حيث توفر لأي قوة تسيطر عليها قدرة حماية الملاحة البحرية والسيطرة على الحقول البحرية في هذه المنطقة أو مهاجمتها.
وعن الأهمية التاريخية للجزر الثلاث يقول الباحث عبد اللطيف مسعد الصيادي في كتابه "التسوية القانونية للنزاع الإماراتي ـ الإيراني على الجزر الثلاث" إن الموقع الاستراتيجي المتميز لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى على ممر الملاحة الدولية في الخليج العربي وقربهما من "مضيق هرمز" كان سبباً في جعلهما محط أنظار القوى العالمية الكبرى، القديمة منها والحديثة، كانت الجزيرتان في الماضي مطمعاً للفاتحين والمستعمرين من اليونان والرومان والبرتغاليين والهولنديين والانجليز والفرس، ومقصداً للسفن العابرة بين المحيط الهندي والخليج العربي كموانئ للاستراحة وملاجئ لحماية السفن من العواصف البحرية والحالات الطارئة الأخرى، فضلاً عن استغلالهما كمراكز للفنارات المخصصة لإرشاد السفن، أما في الوقت الحالي فقد تزايدت أهمية موقعهما الاستراتيجي، خصوصاً بعد تحول الخليج العربي إلى أكبر مخزن للاحتياطي النفطي في العالم، واكتساب مضيق هرمز أهمية استراتيجية حيوية جعلته من أهم المضايق في العالم، باعتباره المنفذ الذي يمر من خلاله أكثر من 85% من صادرات نفط الشرق الأوسط، ولهذا يرى الكاتب أن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى تتمتعان بموقع بالغ الأهمية، بل إن موقعهما الاستراتيجي يكاد يضاهي في أهميته جزيرتي "قشم" و"هرمز" اللتين مكنتا إيران بحكم موقعهما ـ من السيطرة على مضيق هرمز والتهديد بإغلاقه في وجه الملاحة الدولية أكثر من مرة.
الوضع القانوني للجزر الثلاث
قانونياً ورغم كل المزاعم الإيرانية فإن الحقائق التاريخية تشير إلى أن قواسم الشارقة ورأس الخيمة قد امتلكوا ومارسوا سلطاتهم على الجزر منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي على أقل التقديرات، وهذا يمكن دولة الإمارات العربية المتحدة من وجهة نظر القانون الدولي من المطالبة بأحقيتها في ملكية الجزر بناء على المبدأ المسمى "حق التقادم" أو الحق القائم على الحيازة المتواصلة والسلمية، حيث لم تبدأ إيران بالحديث عن مطالبتها بجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى سوى في أواخر القرن التاسع عشر، وبجزيرة أبو موسى سوى في أوائل القرن العشرين، كما أن مطالباتها في هذا الشأن كانت متقطعة وضعيفة حيث ظهرت معظم المطالبات الإيرانية بشأن الجزر بعد تسلم شاه إيران السابق رضا بهلوي الحكم في البلاد، ويشير باحثون إلى أن إيران أكدت أساساً مطالبتها بجزيرة طنب الكبرى فيما كانت مطالبتها بجزيرة أبوموسى أضعف حالاً، كما أن بريطانيا قد أعلنت في العديد من المرات اعترافها بملكية قواسم الشارقة ورأس الخيمة للجزر، فضلاً عن أنه مرت فترة طويلة على قبول إيران الوضع القائم آنذاك.
ويشكل احتلال إيران بالقوة لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى انتهاكاً للمبدأ القانوني الذي يدعو الدول إلى تجنب استخدام القوة أو التهديد باستخدامها للاستيلاء على أراضٍ معينة، وهذه الممارسات تتضمن انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة خصوصاً المادتين الأولى والثانية اللتين تلزمان الدول الأعضاء في المنظمة الدولية بتسوية منازعاتهم بالوسائل السلمية، وأن تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأي دولة، كما تعد الممارسات الإيرانية أيضاً انتهاكاً للمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة التي تطالب الدول باستخدام نطاق واسع من العمليات السلمية أو اللجوء إلى المنظمات لحل نزاعاتها.
وفضلاً عن ذلك فإن مذكرة التفاهم بشأن جزيرة أبو موسى باطلة، لأن الشارقة وقعت المذكرة المذكورة بالإكراه الذي تحقق بسبب التهديد الإيراني باستخدام القوة، وهذا يبطل مذكرة التفاهم باعتبارها مناقضة للقانون الدولي المعاصر الذي يمنع التهديد باستخدام القوة أو استخدامها.
الموقف الإيراني
تزعم إيران مراراً وتكراراً ملكيتها للجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، وتتبنى خطاباً سياسياً قائماً على ترديد هذه المزاعم في كل مناسبة، وفي هذا الإطار كان أحمد توسركاني نائب كبير القضاة ورئيس إدارة تسجيل الملكية والعقارات قد قال في تصريح له أن بلاده تملك صكوك كل جزرها الواقعة في الخليج بما في ذلك الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وزعم توسركاني أن"صكوك الملكية صادرة لهذه الجزر الثلاث وكل الجزر الأخرى في الخليج ولا يوجد مكان في إقليم هرمزكان (في جنوب إيران) دون صك مسجل للملكية، كما أن كل الأراضي في الإقليم وحتى الأراضي التابعة للدولة لها صكوك ملكية"، وكان هذا التصريح أحد ردود الأفعال الإيرانية على الموقف الإماراتي والخليج العربي المتمسك بعروبة الجزر وضرورة استعادة دولة الإمارات العربية المتحدة حقوقها المشروعة في جزرها الثلاث، والملاحظ أن الخطاب السياسي الإيراني عقب زيارة الرئيس أحمد نجاد إلى جزيرة أبو موسى المحتلة في أبريل الماضي قد شهد تصاعداً واضحاً وملموساً، وبات يميل إلى الحدة، وفي هذا الإطار يمكن رصد تصريح أدلى به المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمنباراست عقب زيارة نجاد المشار إليها قال فيه أن إيران تحتفظ بحق الدفاع عن وحدة أراضيها؛ مضيفاً أن الجزر الثلاث تنتمي لإيران، وأن إيران ستدافع بقوة عن سيادتها على أراضيها، وأضاف بوردستان أن "إيران تتمتع بالسيادة على هذه الجزر منذ العصور القديمة وأن الجمهورية الإسلامية ستدافع عن هذا الحق بكل قوة"، ويلاحظ في هذا الإطار أن القائد العسكري الإيراني تجاوز الخطاب السياسي الإيراني الذي طالما ارتكز على أن قضية الجزر الثلاث المحتلة عبارة عن "سوء فهم بشأن تطبيق اتفاق عام 1971" إلى وصف الموقف الإماراتي تجاه الجزر المحتلة بأنه بمنزلة "فتنة"!!، وفي 18 أبريل الماضي صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست أن "زيارة الرئيس إلى أبو موسى تندرج ضمن حقوق السيادة الترابية الإيرانية، لقد كانت هذه الجزر دائماً جزءاً من إيران ونحن لن نتفاوض بشأن ملكيتها"، في ذلك المساء، أصدر 225 من أعضاء البرلمان الإيراني بياناً جاء فيه: "إن زيارة أحمدي نجاد قضية داخلية وأن جميع المطالب التي أُثيرت بشأن هذه القضية لاغية وباطلة"، وفي رحلته إلى أبو موسى، وافقت الحكومة الإيرانية على خطة لتحويل أبو موسى إلى منطقة سياحية فريدة من نوعها، وسيتم استضافة ما يعرف بـ "المؤتمر الدولي للخليج الفارسي"، الذي يُعقد في مدينة بندر عباس الإيرانية خلال خريف كل عام، في جزيرة أبو موسى.
زيارة أبو موسى..منعطف حيوي
يجمع الخبراء والمراقبون على أن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى جزيرة أبوموسى المحتلة في شهر أبريل الماضي كانت بمنزلة منعطف حيوي في مسار القضية ككل، كون الزيارة عكست حقيقة نوايا إيران وزيف ادعاءاتها بشأن الحوار مع الإمارات وغير ذلك، حيث أثارت هذه الزيارة حفيظة دولة الإمارات العربية المتحدة فأدانت الزيارة، التي اعتبرها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية انتهاكاً صارخاً لسيادة بلاده على أراضيها، كما قامت الإمارات باستدعاء سفيرها لدى طهران للتشاور كشكل من أشكال الاحتجاج الدبلوماسي القوي على السلوك الإيراني حيال الجزر الإماراتية، كما حصلت الإمارات على دعم ومساندة سياسية من جانب شقيقاتها في دول مجلس التعاون، حيث اعتبر الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني زيارة نجاد إلى جزيرة أبوموسى "استفزازية" وتمثل انتهاكاً لسيادة الإمارات.
ورغم عنصر المفاجأة السياسية التي نظر بها الكثير من الخبراء إلى زيارة الرئيس الإيراني أحمد نجاد إلى جزيرة أبوموسى، فإن المتابع للشأن الإيراني يدرك أن الزيارة قد استهدفت بِشكل أساسي الزج بقضية الجزر في الصراع بين الرئيس الإيراني وخصومه السياسيين، من خلال إثارة الشعور القومي، ومحاولة كسب تعاطف شعبي عبر توظيف هذه القضية لحشد الرأي العام الإيراني حولها، في توقيت كان فيه نجاد يعاني مزيداً من الضعف السياسي في مواجهة ضغوط خصومه المحافظين، وبطبيعة الحال لم تكن الزيارة تخلو أيضاً من أبعاد ورسائل موجهة إلى الخارج، حيث بدا واضحاً أن الرئيس الإيراني يسعى أيضاً إلى التلويح بورقة الجزر الثلاث المحتلة في مواجهة الضغوط الخارجية المتنامية التي تتعرض لها طهران على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل، ومحاولة تعزيز موقف إيران التفاوضي من أجل انتزاع بعض التنازلات خلال جولات التفاوض النووي مع مجموعة "1+5" التي تحرص بدورها على انتزاع فتيل التوترات والسعي إلى ضمان الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي بالغة الأهمية بالنسبة للاقتصادات الدولية الكبرى، وقد فسر المحلل السياسي الإيراني، محمد علي مهتدي، زيارة أحمدي نجاد إلى أبو موسى بأنها جزء من المعارك السياسية الداخلية، ولاحظ مراقبون إيرانيون أن الزيارة تندرج بامتياز ضمن محاولات نجاد توسيع نفوذه السياسي ضمن لعبة الصراع الداخلي، ومن المعروف أن وزارة الخارجية الإيرانية، التي تعالج دائماً القضايا الحساسة مثل قضية الجزر، تقع تحت سيطرة المرشد الأعلى علي خامنئي وليس الرئيس أحمدي نجاد، وبالتالي فقد كان من بين أهداف الزيارة أيضاً محاولة نجاد توسيع نطاق نفوذه والإمساك بدفة ملفات حساسة تندرج تقليدياً ضمن سلطات المرشد الأعلى الإيراني، وقال مهتدي العضو في مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط، الذي يوجد مقره في طهران إن "هذا مرتبط بالمنافسات الداخلية، كل واحد يحاول إبداء فكرته حول القضية ليظهر أنه أكثر نشاطاً، التصريحات لا ترسم أي هدف".
وفوق كل ما سبق فقد جاءت زيارة نجاد إلى جزيرة أبو موسى في ظل اتفاق بين دولة الإمارات وإيران على التحرّك المشترك من أجل إيجاد حل لقضية الجزر، وهو الاتفاق الذي التزمته دولة الإمارات بحسن نية ومن منطلق احترامها تعهداتها كدولة مسوؤلة على المستوى الدولي، وحرصها على طي صفحة الخلاف في إطار سلمي بما يحافظ على حقوقها التاريخية وسيادتها المطلقة على أراضيها. ولا شك في أن خرق إيران هذا الاتفاق ينطوي على رسالة سلبية بشأن مدى جديتها في الانخراط في أي جهد حقيقي لإنهاء النزاع، وإذا ما كانت تمتلك مجرد الرغبة في التحرك في هذا الاتجاه.
ردود أفعال دولية
بالنسبة للإعلام الدولي، فإن زيارة الرئيس نجاد إلى جزيرة أبوموسى في ابريل الماضي قد رفعت حدة الغليان السياسي في منطقة الخليج العربي، حيث جاءت وسط أجواء متوترة بالأساس بسبب التدخلات الإيرانية في مملكة البحرين، فضلاً عن الجدل الدولي حول احتمالات تعرض المنشآت النووية الإيرانية لضربة عسكرية على خلفية الشكوك الدولية التي تحيط بالبرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، ما دفع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى القول بأن تصريحات قائد القوات البرية الإيرانية وتلويحه بورقة الرد العسكري تعد واقعة غير مسبوقة في مسار قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، واعتبرت الصحيفة أن النبرة التي استخدمها القائد العسكري الإيراني "حادة" و"قاسية"، ما يفسر قلق الجانب الأمريكي وقتذاك حيث حث المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر على إيجاد "تسوية سلمية" للنزاع من خلال الوساطة الدولية، لكنه لاحظ أن زيارة مثل تلك التي قام بها أحمدي نجاد إلى جزيرة أبو موسى "تؤدي فقط إلى تعقيد الجهود الرامية لتسوية القضية"، وذكرت "واشنطن بوست" أن زيارة نجاد جلبت "عاصفة دبلوماسية" على منطقة الخليج العربي، وحولت فجأة نزاعاً خليجياً عادياً لا يثار بهذه الحدة إلى عاصفة دبلوماسية. وقال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إن "هذه الزيارة لن تغير الوضعية القانونية لهذه الجزر التي هي جزء لا يتجزأ من التراب الوطني الإماراتي".
مواقف خليجية وعربية وعالمية
عبّر المجلس الوزاري لـ "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" مراراً عن موقف مبدئيّ وواضح تجاه قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة حيث يحرص المجلس دوماً في بياناته الختامية على تأكيد حق السيادة لدولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث المحتلة (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، معتبراً أن أي ممارسات تقوم بها إيران على الجزر ملغاة وباطلة ولا تغيّر شيئاً من حقائق التاريخ والقانون، ويشدّد المجلس على الوسائل السلمية طريقاً لإعادة حقّ الإمارات في جزرها المحتلة، كما يحرص المجلس أيضاً على أن يربط بين حلّ هذه القضية وأمن المنطقة واستقرارها، كما قدّم المجلس الوزاري لدول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، خلال اجتماعه الاستثنائيّ الـ (39)، الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، دعماً مطلقاً لدولة الإمارات العربية المتحدة في موقفها العادل والحكيم والحضاري بشأن جزرها المحتلة: "أبو موسى" و"طنب الكبرى" و"طنب الصغرى"، وفي إدانة زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الأخيرة لجزيرة "أبو موسى"، وفي هذا السياق، فإن البيان الصادر عن الاجتماع قد أكّد العديد من الأمور المهمة التي تتعلق بموقف دول "مجلس التعاون" من قضية الجزر المحتلة من ناحية، ورؤيته لمسألة الأمن الخليجيّ الجماعيّ من ناحية أخرى، أول هذه الأمور، أن زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة "أبو موسى" انتهاك صارخ لسيادة دولة الإمارات على أرضها، وعمل استفزازيّ يتعارض مع سياسة حسن الجوار التي تنتهجها دول "مجلس التعاون" في التعامل مع إيران، ومع المساعي السلميّة التي بذلت وتبذل لحل قضية الجزر من دون أن تلقى تجاوباً من طهران، الأمر الثاني، دعم دول "مجلس التعاون" للإمارات في إدارتها للمشكلة وتعاملها معها، ودعوتها الجانب الإيرانيّ إلى التجاوب مع الدعوات الإماراتية لإيجاد حل سلمي وعادل لقضية الجزر المحتلة عن طريق المفاوضات الثنائيّة، أو اللجوء إلى "محكمة العدل الدولية"، الأمر الثالث يتعلق بتأكيد الأمن الجماعيّ والمشترك لدول "مجلس التعاون"، وهذا ما وضح من إشارة البيان إلى أن الاعتداء على السيادة، والتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة من دول المجلس، يعدّان تدخلاً واعتداءً على دول المجلس كافة، ولا شك في أن هذا ينطوي على رسالة مهمّة هي أن "مجلس التعاون" منظمة إقليمية متماسكة وقادرة على الدفاع عن سيادة أعضائها ومصالحهم في مواجهة أيّ أخطار داخلية أو خارجية، بما خطته من خطوات نوعية متميزة على طريق التكامل في المجالات المختلفة، وما تتطلّع إليه من الانتقال من "مرحلة التكامل" إلى "مرحلة الوحدة"، الأمر الرابع، الذي أكّده البيان الختامي للاجتماع الوزاري الخليجي الاستثنائي الأخير، هو أن زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة "أبو موسى" مؤخراً لا يمكنها تغيير الحقائق التاريخيّة والقانونيّة التي تجمع على تأكيد سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها المحتلة.
وبموازاة ذلك خرج الاجتماع الاستثنائي لـ "مجلس وزراء الخارجية العرب"، الذي عقد في مقر "جامعة الدول العربية" في القاهرة، بموقف عربي داعم بقوة لدولة الإمارات العربية المتحدة في قضية الجزر المحتلة "أبو موسى" و"طنب الكبرى" و"طنب الصغرى"، في ضوء التصرفات الإيرانية، خاصة زيارة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لجزيرة "أبو موسى" في الحادي عشر من شهر أبريل 2012، ولعل أهم ما جاء في البيان الصادر في ختام الاجتماع الوزاري العربي، إضافة إلى استنكاره موقف إيران وتأكيده سيادة دولة الإمارات على جزرها المحتلة، ثلاثة أمور: الأمر الأول هو الربط بين موقف إيران من الجزر الإماراتية المحتلة وعلاقاتها العربية بشكل عام، حيث طالب وزراء الخارجية العرب طهران بترجمة ما تصرّح عنه برغبتها في تحسين العلاقات مع الدول العربية وفي الحوار وإزالة التوتر إلى خطوات ملموسة وعملية قولاً وعملاً بالاستجابة الصادقة للدعوات الجادة والمخلصة الصادرة عن دولة الإمارات ودول "مجلس التعاون" والدول العربية وغيرها، الداعية إلى حلّ النزاع حول الجزر المحتلة بالطرق السلمية سواء عبر المفاوضات المباشرة أو باللجوء إلى "محكمة العدل الدولية". الأمر الثاني هو تأكيد التزام الدول العربية جميعها في اتصالاتها مع إيران إثارة قضية احتلالها الجزر الثلاث لتأكيد ضرورة إنهائه انطلاقاً من أن هذه الجزر هي أرض عربية محتلة، الأمر الثالث هو تأكيد التحرك العربي على الساحة الدولية من أجل ممارسة الضغط على إيران في قضية الجزر، ومن هنا جاءت إشارة البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري العربي إلى إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس "مجلس الأمن" بأهمية إبقاء القضية ضمن المسائل المعروضة على "مجلس الأمن" إلى أن تنهي إيران احتلالها الجزر العربية الثلاث وتسترد دولة الإمارات سيادتها الكاملة عليها وإبقاء مجلس "جامعة الدول العربية" في حالة انعقاد دائم لمتابعة المستجدات.
وهذا الموقف العربي الواضح والقوي ينطوي على رسالة مهمّة إلى إيران مفادها أن العرب يعتبرون احتلالها الجزر الإماراتية وعدم استجابتها لمبادرات دولة الإمارات السلمية الهادفة إلى إيجاد حل للمشكلة، عائقاً أساسياً أمام العلاقات العربية-الإيرانية، وأن حديث إيران عن رغبتها في تحسين علاقتها مع العالم العربي يبقى فارغاً من مضمونه ما دامت قضية الجزر من دون حل.
والمؤكد أن هذا الموقــف العربي المساــند للإمارات، الذي جاء بعــد موقـــف مماثل من قِبل دول "مجلس التعاون لدول الخليــج العربيــة" إضافـــة إلى مواقـــف مساندة من قِبل العديــد من القــوى الدولية، يؤكــد اقتناعاً عربياً ودولياً بالموقف الإماراتي في قضية الجزر المحتلة وتقديراً للسلوك السياسي المتزن في إدارة الإمارات للأزمة، وحرصهــا على أن تظهر في صورة الدولة المصممة على حقهـــا في أرضها والحريصــة في الوقت نفسه على الأخذ بالأساليــب السلمية التي تصـون الأمـــن والاستقرار في منطقة من أهــم مــناطق العالم وهي منطقة الخليج العربي.
وقد تفاعلت زيارة نجاد لجزيرة أبو موسى المحتلة وتسببت في ردود الفعل الواسعة المندّدة بزيارة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية المحتلة، فدول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" وقّعت رسالة الاحتجاج التي بعثت بها دولة الإمارات إلى الأمم المتحدة في هذا الشأن، وأكدت دعمها نهج المبادرة المطروحة من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، الداعية إلى تسوية قضية الجزر الإماراتية الثلاث بالطرق السلمية عبر المفاوضات المباشرة بين البلدين، أو الاحتكام إلى "محكمة العدل الدولية"، بما يكفل تحقيق التسوية العادلة والشاملة والدائمة لهذه القضية، أما المجموعة العربية لدى الأمم المتحدة، فقد تبنّت موقف دولة الإمارات من هذه القضية، واستنكرت هذا الإجراء المؤسف وغير المبرَّر من قبل الرئيس الإيراني، لما يمثله من انتهاك صارخ لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة ووحدة أراضيها، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بل استخفاف إيران الواضح بجهود دولة الإمارات ومساعيها المبذولة لحلّ هذه القضية بالطرق السلمية، وطالبت بضرورة امتناع إيران عن تكرار مثل هذه الأعمال التي تزيد من التوتر في المنطقة، وأكّدت أهمية إبداء إيران حسن نيّاتها تجاه المبادرة التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة المدعومة من "جامعة الدول العربية"، الداعية إلى حل هذه القضية بالوسائل السلمية من خلال المفاوضات المباشرة، أو اللجوء إلى "محكمة العدل الدولية"، بما يكفل الحل العادل والدائم لهذه القضية.
من ناحية أخرى استنكر مسؤولون ودبلوماسيون وبرلمانيون عرب زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية المحتلة والتي تشكل تحدياً لكل الأمة العربية، فقد أكد نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني، خلال اجتماعه مع السفير الإيراني في بيروت، أن المواقف التي أطلقها الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، خلال زيارته لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية المحتلة تمثل تأجيجاً للصراع الدائر في المنطقة، في وقت نحتاج فيه إلى حسن دراية لتعزيز الهدوء والاستقرار الذي ينعكس إيجاباً على كل دول المنطقة، ويساهم في زيادة نموها وتطورها، فيما اعتبر السفير أحمد بن حلي، نائب الأمين العام لـ "الجامعة العربية"، هذه الزيارة تحدياً ليس للإمارات فحسب، وإنما لكل عربي، مشيراً إلى أن "الجامعة" ندّدت بهذه الزيارة في بيان رسمي لأمينها العام الدكتور نبيل العربي، الذي أكد أنها تمثل خطوة غير مبرّرة، وخرقاً واضحاً لجهود التهدئة، ولمحاولات معالجة قضية احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث بالطرق السلمية، ولفت النظر إلى أن هذه الخطوة من قبل الرئيس نجاد تعكس مع الأسف حقيقة مؤدّاها (أن الإخوة في إيران ما زالوا يتبعون سياسات الشاه في منطقة الخليج، دون أن يمتلكوا القدرة أو الرغبة في التجاوب مع كل الدعوات، سواء تلك التي صدرت عن دولة الإمارات العربية المتحدة، أو "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، أو "الجامعة العربية" المطالبة بضرورة حلّ أزمة الجزر وفق القوانين والشرعية الدولية، إما بالتفاوض المباشر، وإما اللجوء إلى "محكمة العدل الدولية"، أو الوساطة)، معتبراً أن هذه الزيارة عكست من ناحية أخرى تحدياً لمواطني دول "مجلس التعاون" الذين يتطلّعون إلى التعايش السلمي مع الجارة إيران، كما استنكر برلمانيون وأكاديميون كويتيون الزيارة، معتبرين إياها "عدوانية واستفزازية".
وسائل الإعلام الخليجية والعربية
وقد تفاعلت الصحف الخليجية والعربية هي الأخرى وقتذاك مع هذه الزيارة، واعتبرت أنها تكشف عن سوء نيات النظام الإيراني، فالصحف السعودية وصفت هذه الزيارة بأنها عدوانية، وتشكل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على أراضيها، ونقضاً لكل الجهود والمحاولات التي تبذل لإيجاد تسوية سلمية لإنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" و"أبوموسى"، أما الصحف البحرينية، فقد امتلأت بالعديد من المقالات التي تندد بهذه الزيارة، بوصفها ليست انتهاكاً لسيادة الإمارات على الجزر فقط، وإنما تعبّر عن نيات عدوانية تجاه كل الدول العربية.
إعلامياً على الصعيد العربي أيضاً ذكرت صحيفة "الصباح" التونسية أن زيارة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لجزيرة "أبو موسى" كانت استفزازية، سواء من حيث التوقيت أو الرسالة الموجّهة، ليس للإمارات أو بلدان "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" فقط، بل للعالم العربي كلّه، لهذا كان رد الفعل بالحدّة التي شهدناها أكثر من متوقع، وتمثل في إعلان دول الخليج العربية دعمها المطلق للسيادة التامة لدولة الإمارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران، والتنديد بأقسى العبارات بمثل هذه الممارسات التي تعد خرقاً فاضحاً لسيادة الأراضي الإماراتية، وقالت الصحيفة في مقال بقلم محمد علي العوني إن "نجاد اقترف خطأ استراتيجياً ستكون له لا محالة تداعيات وخيمة، خاصة في الظرف الحرج الذي تمر به إيران على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل"، وخلص الكاتب إلى أنه كان حرياً بالرئيس الإيراني عدم الإقدام على هذه الخطوة الاستفزازية الاستباقية غير المدروسة خاصة في هذا الوقت، وأن ينتهج الطرق السلمية لحلحلة قضية الجزر الإماراتية الثلاث، وأن يبعث برسائل طمأنة إلى الجار الخليجي في محاولة لكسب حياده ولو جزئياً، لا أن يغلق الحوار، ويعمد إلى إتباع سياسة تذكّر بتلك التي انتهجتها وما زالت تنتهجها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكداً أن ما ستخسره إيران بانتهاجها هذا السبيل سيكون أكبر وأخطر عليها ممّا كانت تخطط له، وهو - بحسبه - ما ستثبته الأيام المقبلة لا محالة، من جانبه قال أسامة عجاج في مقال بعنوان: "الاستعلاء الإيراني!؟" في صحيفة "الأخبار" المصرية الحكومية إن زيارة نجاد لجزيرة "أبو موسى"، التي ساهمت في إعادة العلاقات بين طهران ودول الخليج إلى نقطة الصفر، ما هي إلا "حالة من الاستعلاء غير المبرّر، الذي يستعصي على الفهم من النخبة الحاكمة في طهران، الذي تكرّر بتنويعات مختلفة، على لسان كل المسؤولين، الذين علقوا على الأزمة، ووصل الاستعلاء إلى درجة أن طهران لم تقبل، حتى احتجاج دولة الإمارات، وكأنها تعاقب المظلوم، إذا قام بمجرد الشكوى، برغم أن إيران هي التي تتحمل مسؤولية إثارة الأزمة بتلك الزيارة المريبة".
كانت الإدانة الواسعة من قِبل المجموعتين الخليجية والعربية في الأمم المتحدة للزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية المحتلة، بمنزلة انعكاس قوي وواضح يؤشر على مستوى التأييد الخليجي والعربي القوي للنهج الإماراتيّ في التعامل مع هذه القضية، الذي يستند إلى مقومات وأسس قوية تؤكّد السيادة الإماراتية على هذه الجزر المحتلة.
ردود الأفعال الخليجية والعربية والعالمية
إجمالاً فإن ردود الأفعال الخليجية والعربية والعالمية الواسعة المندّدة بهذه الزيارة، رسمياً وشعبياً وإعلامياً، تشير إلى عدد من الأمور:
أولاً: إيمان دول الخليج والدول العربية والعالمية بعدالة قضية الجزر الإماراتية المحتلة، وتقديرها للنهج الحكيم، الذي تتبعه السياسة الإماراتية في التعامل معها، وهذا يعكس في حدّ ذاته نجاحاً لسياسة الإمارات، ومنهجها في إدارة هذه القضية، الذي يتوافق مع سياستها الخارجية باعتبارها دولة مسؤولة في محيطيها العربي والإقليمي، وتعمل على تحقيق السلام والأمن والاستقرار، ففي الأزمات كلها التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، أو التي ما زالت تعانيها، أثبتت الإمارات، وما زالت، أنها داعية سلام وساعية إليه، ومشاركة فاعلة في كل جهد، مهما كانت طبيعته، أو التكلفة التي ينطوي عليها، من أجل تحقيقه وتعزيزه وتكريسه، وتعمل دائماً على مدّ يد الحوار لتسوية مشكلاتها، وتجعل من ذلك أمراً مبدئياً في سياساتها الخارجية حتى لو تعلق الأمر باحتلال جزء من أراضيها، كما هي الحال في الجزر المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، التي تجعل الإمارات من المبادرات والآليات السلمية خياراً استراتيجياً لاستعادتها، وهذه الإدارة العاقلة والرشيدة لهذه القضية، ولمختلف الأزمات التي تشهدها المنطقة، التي تبتعد عن التصعيد والإثارة، هي التي تجعل جميع الدول الخليجية والعربية تتحدث بصوت واحد إزاء هذه القضية، مفاده الوقوف إلى جانب دولة الإمارات لتأكيد سيادتها على الجزر المحتلة.
ثانياً: أن الموقف العربي الجماعي تجاه دعم حقّ دولة الإمارات العربية المتحدة وسيادتها على الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) التي تحتلها إيران ثابت ولم يتزحزح، فالإدانات الواسعة على المستويات الرسمية والشعبية والإعلامية تشير بوضوح إلى أن كل الدول العربية بلا استثناء تؤيد موقف الإمارات وسيادتها على الجزر بلا أيّ تحفّظ، وهذا لا شكّ في أن من شأنه أن يعزز جهود دولة الإمارات، ويكسب القضية دعماً سياسياً وقانونياً في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
ثالثاً: أن الإدانات الشديدة من جانب الدول الخليجية والعربية والعالمية، على المستويات كافة، إزاء زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة "أبوموسى" تشير في جوهرها إلى ضعف الموقف الإيراني، الذي يتسم بالتناقض والازدواجية من هذه القضية، هذا الموقف الذي كثيراً ما يتحدث عن الرغبة في تحسين العلاقات مع دول الجوار، ولكنه قليلاً ما يفعل ذلك، فهذا الحديث، الذي لا يتوقف عن إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، لا يتورّع عن إثارة مخاوف الآخرين وقلقهم من النيات الإيرانية من خلال سلوكيات غير مسؤولة لا تبعث على الارتياح، وتثير الشكوك دائماً في حقيقة النيات الإيرانية تجاه جيرانها، وقد تكون زيارة أحمدي نجاد لجزيرة "أبوموسى" آخر هذه التصرّفات، لكن قائمة التصرفات الإيرانية لا تعدّ ولا تحصى، كالموقف من الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين العام الماضي، حينما رفضت طهران وجود قوات من "درع الجزيرة" في البحرين للمساعدة على عودة الأمن والاستقرار هناك، برغم أن هذا إجراء عادي ينسجم مع السياسات الأمنية لـ "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، التي تعتبر أن أمن دوله واستقرارها كلّ لا يتجزأ، ومن ثم يتم التعامل مع أي خطر يتهدد دولة من دوله على أنه خطر يستهدف الجميع.
قراءة للموقف الإماراتي
يجمع المراقبون على أن الزيارة الاستفزازية، التي قام بها الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، إلى جزيرة "أبو موسى" المحتلة، كانت مناسبة أكدت فيها الدبلوماسية الإماراتية كفاءتها وحيويتها وقدرتها على حشد المواقف العربية والإقليمية والدولية المؤيدة لدولة الإمارات والمساندة لموقفها الحضاري وحقوقها العادلة في أرضها المحتلة.
فقد ردّت الإمارات على الزيارة بحزم وقوة، وفي الوقت نفسه بأسلوب حضاري يتّسق مع ما يحكم سياستها الخارجية من رؤى حكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- وتحرّكت الدبلوماسية الإماراتية في كل اتجاه وعلى أكثر من مستوى بشكل منظّم ومؤثّر، حيث تقدمت الإمارات برسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة على الزيارة، والتقى سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، سفراء الدول الأعضاء في "مجلس الأمن" عارضاً الموقف الإماراتي بكل وضوح وجلاء، وربط سموه، بوعي عميق، بين احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث، "أبو موسى" و"طنب الكبرى" و"طنب الصغرى"، وتهديد الأمن والسلم الدوليين، على اعتبار أن الأمر يتعلق بمنطقة حيوية بالنسبة إلى العالم كله هي منطقة الخليج العربي، التي يمرّ منها نحو 40 % من طاقة العالم، فضلاً عن ذلك فقد نجحت الإمارات في تسليط الضوء دولياً على التناقض بين موقفها السلمي الداعي إلى الحلّ عبر المفاوضات المباشرة أو "محكمة العدل الدولية"، والموقف الآخر الذي يرفض التجاوب ويغلق الباب أمام جهود التسوية.
هذا الجهد الدبلوماسي الإماراتي، الذي قام على رؤية واضحة وقضية عادلة، جلب التأييد لموقف الدولة في المحافل الدولية، فبالإضافة إلى المواقف الخليجية والعربية المندّدة بزيارة الرئيس الإيراني لجزيرة "أبو موسى" المحتلة، خرجت الكثير من المواقف الدولية التي أشادت بحكمة التعامل الإماراتي مع الموقف من ناحية وانتقدت التصرف الإيراني من ناحية أخرى، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى تقدير الولايات المتحدة لجهود الإمارات في الدعوة إلى حل سلميّ لقضية الجزر المحتلة ومطالبتها إيران بالاستجابة إلى هذه الجهود، وتثمين إيطاليا الموقف المعتدل الذي التزمته الإمارات في ردّها على الزيارة، ووصف فرنسا موقف إيران من جزيرة "أبو موسى" المحتلة بالاستفزازي.
والمؤكد أن هذه النماذج من المواقف الدولية الداعمة للإمارات في قضية الجزر الثلاث المحتلة، تكشف عن أمرين أساسيين: أولهما، نجاح الدبلوماسية الإماراتية في إقناع العالم بعدالة قضيتها، ومن ثم دفعه إلى التحرك وممارسة الضغط من أجل الإسراع في إيجاد حل سلميّ لها، ثانيهما، أن الحكمة والهدوء والتحرك المدروس والمتحضر، هو ما يكسب الدعم الدولي للقضايا العادلة، وهذا ما يميّز السياسة الخارجية الإماراتية ويقدم الإمارات كدولة مسؤولة وحريصة على الأمن والاستقرار في منطقتها والعالم، ما يكسبها الاحترام والتقدير على المستويين الإقليمي والعالمي.
وإجمالاً تنطوي تصريحات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، الأخيرة حول قضية الجزر المحتلة على العديد من الرسائل، أهمها أن استمرار مشكلة الجزر من دون حلّ يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وأن مرور الوقت يزيد المشكلة تعقيداً، وأن دولة الإمارات تتبنّى موقفاً حضارياً وعادلاً بشأن معالجة القضية.
ولاشك أن موقف دولة الإمارات الحضاري، والحازم في الوقت نفسه، من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة لجزيرة "أبو موسى" الإماراتية المحتلة يتضمن إشارات قوية وواضحة تعكس حكمة قيادتها، ورؤيتها السياسية العميقة، وقدرة دبلوماسيتها على التعبير الواضح عن مواقفها على الساحة الدولية والدفاع عن مصالحها وسيادتها على أرضها، ولعل المثال المعبّر في هذا الصدد هو تصريح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، الذي قال فيه سموه إن احتلال إيران جزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى قد يمس الأمن والسلم الدوليين، باعتبار أن الجزر تقع في منطقة حيوية، وأن 40 % من طاقة العالم تمر منها، مشيراً سموه إلى أن استمرار الخلاف حول الجزر قد يؤدي إلى عواقب قد لا تستطيع الإمارات ولا إيران احتواءها في المستقبل، وعلى الخلفية السابقة يمكن رصد العديد من الرسائل التي تنطوي عليها تصريحات سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في هذا الإطار:
أولاً: أن التداعيات السلبية لاحتلال إيران الجزر الإماراتية ورفضها التجاوب مع مبادرات الإمارات السلمية لحل المشكلة، لا تتوقف عند الإطار الثنائي أو الإقليمي فحسب، وإنما لها أبعادها وتأثيراتها الممتدة ذات الصلة بالأمن والاستقرار العالمي أيضاً، لأن الأمر يتعلق بمنطقة ذات أهمية استراتيجية للعالم كله، وهذا يستدعي وقفة عالمية لممارسة الضغط على إيران للتوقف عن الاستمرار في موقفها المتعنّت، وفي هذا السياق يمكن فهم اجتماع سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في "مجلس الأمن الدولي" لدى الدولة، ومطالبته الدول الأعضاء في "مجلس الأمن" بدعم موقف الإمارات العادل في قضية الجزر.
ثانياً: أن عامل الوقت في قضية الجزر ليس في مصلحة حل المشكلة، لأنه كلما مر الوقت دون حل زادت الأمور تعقيداً، ولذلك فإنه من الضروري الانخراط السريع في مسار محدد وواضح لإيجاد تسوية للخلاف بعيداً عن الصيغ العامة، وهذا ما أشار إليه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان عبر دعوته إيران إلى (العودة إلى طاولة المفاوضات في توقيت محدد وبأجندة واضحة تكون نتائجها واضحة، وذلك بالاتفاق على حل الموضوع، أو الذهاب إلى محكمة العدل الدولية).
ثالثاً: أن الإمارات حريصة على إيجاد تسوية للمشكلة من خلال الوسائل السلمية، سواء المفاوضات المباشرة، أو اللجوء إلى "محكمة العدل الدولية"، وأن هذا موقف عادل ومتحضر يعكس طبيعة الإمارات، والرؤية التي تحكم سلوكها الخارجي بشكل عام، وهذا ما يفسر الدعم الذي يلقاه هذا الموقف، خاصة على مستوى دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" والمنطقة العربية، ولا شك في أن هذه الرسالة لها صدًى على الساحة الدولية، ما يرتب ضغوطاً على الجانب الإيراني، لأنها رسالة حضارية، وتؤكد موقع الإمارات كأحد عناصر الاستقرار المهمة في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، وحرصها على إزالة مصادر تهديد هذا الاستقرار.
رابعاً: أن تصعيد إيران حول الجزر لن يغيّر من موقف الإمارات، وإنما سوف يزيدها تصميماً، لأن الأمر يتعلق بقضية سيادية، ولذلك فإنه من المهم التوقف عن هذا النهج، والاستماع إلى صوت العقل، كما دعا إلى ذلك سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية.
مبادئ راسخة
بشكل عام فإن الموقف السياسي الإماراتي تجاه قضية الجزر الثلاث المحتلة يرتكز على مبادئ راسخة تحكم الدبلوماسية الإماراتية منذ نشأت دولة الاتحاد في عام 1971، ويحرص صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله على الالتزام بهذه الأسس والقواعد في إدارة علاقات الدولة مع العالم الخارجي، ومن بين هذه القواعد حسن الجوار واحترام سيادة الدول وهي مرتكزات تجد صدى لها في الخطاب السياسي الإماراتي والمواقف السياسية للدولة، ما يفسر حرص الدولة على عدم التصعيد ورفض الانزلاق إلى المهاترات الإعلامية والتصريحات الاستفزازية والحروب الكلامية ومعالجة القضية وفق منطق هادئ معتدل يضمن للمنطقة أمنها واستقرارها ويحول دون إضافة مزيد من عوامل التوتر إلى منطقة تحفل بالأساس بالعديد من عوامل التوتر والاحتقان والصراع الإقليمي، بل إن الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث لم يقف حائلاً يوماً ما دون استمرار الإمارات في تطوير علاقات التعاون التجاري والاقتصادي مع الجار الإيراني، في حين يبدو الأمر على الجانب المقابل بشكل مغاير، حيث تتحدث إيران عن التعاون الإقليمي، في حين يفتقر سلوكها السياسي والإعلامي إلى أبسط قواعد حسن الجوار بين الدول، وينزلق خطاب العديد من مؤسساتها الإعلامية ومسؤوليها إلى فخ التجريح والألفاظ الانفعالية غير المنضبطة في حق مسؤولين إماراتيين وخليجيين بما لا يتماشى مطلقاً مع لغة الحوار العقلاني وأدبياته المتعارف عليها في العلاقات الدولية، خصوصاً أن الجانب الإيراني ذاته يشير دوماً إلى دول مجلس التعاون باعتبارها "دولاً صديقة" وأحياناً "شقيقة"!!
قراءة للموقف الإيراني
لا خلاف بين أي مراقبين موضوعيين على أن موقف الإمارات في قضية الجزر الثلاث المحتلة واضح ومحدد منذ بداية هذا الاحتلال، حيث تدعو الدبلوماسية الإماراتية دوماً إلى حل سلمي سواء من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى "محكمة العدل الدولية"، إلا أن إيران ترفض الذهاب إلى "محكمة العدل الدولية" وفي الوقت نفسه لا تساعد على إنجاح أي مفاوضات ثنائية بمواقفها المتصلبة، فضلاً عن سعيها إلى فرض الأمر الواقع في الجزر المحتلة وتبنّي سياسات استفزازية بشأنها تتعارض بشكل مطلق مع خطابها الذي يتحدث عن حسن الجوار والعلاقات التعاونية بين ضفتي الخليج، وهي بذلك تكشف عن تناقضها أمام الشعوب العربية والإسلامية، ففي الوقت الذي ترفع فيه شعارات الدفاع عن الأرض العربية المحتلة في فلسطين، فإنها تصرّ على احتلال أرض لدولة عربية مسلمة وجارة، وترفض الاحتكام إلى الآليات السلمية المتعارف عليها في العالم المتحضر للتعامل مع مثل هذه المشكلات.
الخطاب السياسي الإيراني
بشكل عام يمكن ملاحظة أن الخطاب السياسي الإيراني قد دأب طيلة السنوات الماضية على توجيه النقد إلى أي تصريحات لمسؤولين إماراتيين أو خليجيين أو عرب بشأن أحقية دولة الإمارات في جزرها الثلاث التي تحتلها إيران، وكذلك انتقاد أي بيانات رسمية تصدر عن المنظمات الإقليمية الخليجية والعربية والقمم العربية والاجتماعات الدورية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وليس هناك جديدا يذكر في الخطاب السياسي الإيراني مع إصرار طهران على حصر موقفها في ترديد مصطلحات بعينها مثل "سوء الفهم" الذي تختزل فيه قضية احتلال ثابتة وموثقة بالأسانيد التاريخية والقانونية من دون أن ينتقل الجانب الإيراني إلى ترجمة حديثه الدائم عن إمكانية تسوية القضية عبر "الحوار الثنائي"!!. ماسبق يكشف بوضوح، غياب أي توجه أو نيات حقيقية إيرانية لفتح ملف القضية أو حتى الاقتراب من جوهرها، بل يمكن القول أن هناك إصراراً متعمداً على إبقائها عاملاً سلبياً في أجواء العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، سواء في ظل الحديث مؤخراً عن أن الجزر "إيرانية وستبقى كذلك إلى الأبد" أو فتح ملفات خلافية أخرى لا يشير فتحها إلى نوايا جادة لتنقية أجواء العلاقات عبر ضفتي الخليج، من مثل الجدل الإيراني الأخير حول "فارسية الخليج"، ناهيك عن التدخل الفج في الشؤون الداخلية لبعض دول مجلس التعاون والتلويح بالتصعيد تجاهها، كل ذلك يعني أن طهران تنفذ استراتيجية قائمة على التفاعل مع مظاهرة الأزمة وإعادة إنتاج مفرداتها في هذا الشأن من دون أي مقاربة لطرق الحل والتسوية، أو حتى توضيح الحجج والدعائم القانونية والتاريخية التي تستند إليها في استمرار احتلالها للجزر الثلاث.
وفي ضوء زيارة نجاد لـ "أبو موسى" يمكن بشكل عام قراءة "النهج" الإيراني في التعاطي مع الجزر الإماراتيّة المحتلة، وهو موقف يرتبط بتوجهات الهيمنة ذات النزعة القومية لديها في منطقة الخليج العربي، وهو أمر كشفت عن بعض جوانبه بوضوح زيارة الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، الأخيرة لجزيرة "أبو موسى" المحتلة.
آفاق التسوية
من المعروف أن التطور البشري والإنساني والحضاري قد أنتج العديد من إشكال وصيغ حل الأزمات والخلافات بالطرق السلمية، وفي مقدمة هذه الأنماط الحوار المباشر والمساعي الحميدة التي تبذلها أطراف وسيطة، وإحالة النزاعات إلى محكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي، والملاحظ أن النهج الإيراني في التعاطي مع قضية الجزر الثلاث المحتلة لا يوفر فرصة للتفاؤل بإمكانية التوصل غلى تسوية خلال الأمد المنظور، حيث تمضي الدبلوماسية الإيرانية من تشدد إلى آخر، وبتحويل القضية إلى ساحة للتجاذب والمساومات الداخلية تزداد مساحات الصعوبة وتتراجع التوقعات بشأن مقدرة الدبلوماسية الإيرانية على الانصياع للحق، أو القبول بإحالة القضية إلى تحكيم دولي، والسبب المباشر في ذلك هو عمليات الشحن المعنوي والقومي التي يمارسها النظام السياسي الذي زج بالقضية في لعبة الصراعات السياسية الداخلية، وهو ما يفسر عدم تجاوب طهران مع أي مقترح إماراتي، ورفضها المتكرر القبول بصيغ التحكيم الدولي مع أن هذه الصيغة تعتبر من أفضل ما أنتجته العلاقات الدولية من ثمار لنزع فتيل الأزمات وتحقيق الأمن والاستقرار بين الدول.
وبشكل عام فإن دولة الإمارات ترى من جانبها أن خيار القوة العسكرية ليس خياراً مطروحاً في التعامل مع هذه القضية، ولم يسبق لدولة الإمارات تاريخياً أن لوحت بهذا الخيار الذي لا يندرج ضمن استراتيجياتها في تسوية الأزمات، بل ويتناقض مع رؤاها الاستراتيجية للأمن والاستقرار العالمي، ولذا فإن دولة الإمارات تراهن على إن تنصاع إيران في نهاية المطاف إلى سياسة حسن الجوار وتطبقها فعلاً لا قولاً، وتنهج أي من سبل التسوية السلمية لهذا الخلاف، ولذا فإن دولة الإمارات تتمسك بخطاب سياسي ثابت قائم على تسوية قضية الجزر الثلاث المحتلة إما من خلال الحوار الثنائي المباشر الذي يستند على أجندة محددة وبرنامج زمني واضح أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، كما تراهن دولة الإمارات أيضاً على أن تدرك طهران ذات يوم حجم الضرر الناجم عن سياساتها المتشددة تجاه الجزر الثلاث، وما تفرزه هذه السياسة من أضرار في علاقات طهران مع دول مجلس التعاون والدول العربية، فضلاً عن تأثيراتها في تقلص حجم الدعم والمساندة الخليجية والعربية للمواقف الإيرانية في مختلف الدوائر والأوساط الإقليمية والدولية، حيث يلاحظ أن طهران قد حرمت نفسها من مواقف خليجية كان يمكن أن تكون سنداً لها في العديد من الأزمات، والأمل معقود بالأخير على أن تدرك إيران أن تحسن بيئة الأمن الإقليمي بات مرهوناً بموقفها تجاه قضية الجزر الإماراتية الثلاث، خصوصاً أن موافقتها على إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية من شأنها أن توفر غطاء سياسياً داخلياً قوياً أمام الشعب الإيراني، للقبول بأي حكم تصدره المحكمة في هذا الشأن.
ملاحظات على الموقف الإيراني
ـ تستخدم إيران لغة متشددة وأحياناً انفعالية في انتقاد المواقف الخليجية والعربية الداعمة لحق الإمارات في جزرها الثلاث، فقد وصفت الخارجية الإيرانية قرار قادة دول مجلس التعاون في قمة الدمام بتأكيد سيادة الإمارات على جزرها المحتلة بأنه "غير مسؤول".
ـ لم يعد التشدد الإيراني حيال الجزر الثلاث المحتلة محصوراً في الإطار السياسي، بل انتقل إلى الأوساط الدينية، حيث قال أحد أبرز رجال الدين الإيرانيين، وهو أحمد خاتمي في خطبة الجمعة في 4 أبريل 2008 أن الجزر الثلاث "سوق تبقى إيرانية إلى الأبد" متهماً جامعة الدول العربية بالوقوع في "الفخ الأمريكي" لأن الجامعة أيدت حق الإمارات في جزرها خلال قمة دمشق، وهذا مادفع بعض المحللين إلى القول بأن طهران تسعى إلى "أدلجة" قضية الجزر الثلاث المحتلة من خلال خلط "السياسي" بـ "الديني" والدفع برجال الدين للحديث في القضية وتأجيج مشاعر رجل الشارع الإيراني حيالها .
ـ من الواضح أن إيران تشعر بالانزعاج من نجاح تحركات دولة الإمارات السياسية في كسب دعم وتأييد دول العالم لحقها في جزرها الثلاث، حيث نجحت الدبلوماسية الإماراتية في حشد الدعم والتأييد الدوليين للقضية على الصعيدين العربي والدولي.
ـ لم تستطع الدبلوماسية الإيرانية طيلة الفترة الماضية، ورغم محاولاتها استقطاب عواصم الربيع العربي، إلى تغيير مواقفها السياسية حيال قضية الجزر الثلاث، حيث أكدت القاهرة وتونس أن قضية الجزر الثلاث المحتلة من العوامل التي تقف حائلاً دون تحقيق تقدم في مستوى العلاقات مع طهران، وهذا الأمر يعد استمراراً لفشل طهران في اختراق الموقف العربي بشأن الجزر طيلة السنوات الماضية.
ـ تستخدم إيران قضية الجزر الثلاث المحتلة في دعم التماسك الداخلي، بحيث يلاحظ أنه كلما زادت الضغوط الداخلية على النظام وتفاقمت المشكلات وخصوصاً التضخم الناجم عن العقوبات الدولية، لجأ النظام إلى دغدغة المشاعر القومية والشعبية من خلال الحديث عن "وحدة الأراضي الإيرانية" ووجود "مؤامرة خارجية".
لا يوجد تعليقات