مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-01-01

أنظمة القيادة والسيطرة والاتـصالات والاســتخبارات في الصراعات الحديثة

 
تعرف رئاسة هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية مفهوم القيادة والسيطرة بأنه «قيام القيادة بإنجاز أعمال التخطيط والإدارة والتنسيق والسيطرة على القوات والعمليات، من خلال الاعتماد على تنظيم معين من الأفراد والمعدات وشبكات الاتصال والمرافق والإجراءات»، وبدءاً من عمليات حفظ السلام إلى سيناريوهات القتال الحقيقية، تمثل القيادة والسيطرة الأساس في عملية إدارة الصراعات المسلحة الحديثة، وفق أنظمة متطورة، لجمع ورصد المعلومات عن الأهداف وتحليلها والتعامل معها. 
ولقد تسارعت وتيرة الصراعات المسلحة الحديثة بشكل كبير، مما أدى إلى تغيير كثير من المفاهيم والعقائد القتالية، التي استقرت في الأذهان لفترة طويلة، وقد تطلب ذلك وجود أنظمة قيادة وسيطرة لتساير هذا التطور، وفي الماضي كانت أنظمة الاستشعار أقل كفاءة، ولم تكن تنتج إلا معلومات قليلة، وكان ذلك يتناسب مع نوعية الأسلحة الموجودة في ذلك الوقت، وبالتالي، كان هناك متسع من الوقت لاختيار الرد المناسب على التهديد، وكان حكم القائد مبنياً على خبرته، ومهارته، وتقديره للموقف، ولكن الوضع تبدل، وأصبح رد الفعل البشري لا يفي بالتحليل اللازم للمعلومات الصادرة من المستشعرات المختلفة، ومنها معلومات الأقمار الصناعية والمستشعرات الأرضية والجوية والبحرية، وأصبح لابد من توافر أنظمة قيادة وسيطرة قادرة على تقييم الأخطار، وتقدير الموقف، والمفاضلة بين الخيارات المتاحة للرد على التهديد.
وتعتمد أنظمة القيادة والسيطرة الحديثة على الحاسب الآلي في تصنيف وعرض كمية البيانات الهائلة المنتجة بواسطة المستشعرات المختلفة، حتى يمكن اتخاذ القرارات بناءً على المتغيرات السريعة في الموقف القتالي، وأحدث هذه الأنظمة هي التي يطلق عليها أنظمة «القيادة والسيطرة والاتصالات والحاسب والاستخبارات C4I :Command, Control, Communication, Computer, Intelligence، ولعل أصعب مراحل تصميم هذه الأنظمة هي عملية المواءمة بين المكونات المختلفة لتسهيل عملية تبادل البيانات، مع اختلاف أنظمة عملها، وخاصة الأنظمة الآلية، حيث يلزم الربط بين أنظمة الحاسبات ووصلات نقل المعلومات.

إعداد:د.علي محمد علي
 
متطلبات نظام القيادة والسيطرة
تتم عملية القيادة والسيطرة من خلال نظام مبرمج، يزود بمعلومات من المستشعرات المختلفة، وينتج صورة شاملة وبسيطة عن الوضع الراهن، ويكون قادراً على تبادل المعلومات بواسطة حلقة اتصال معلوماتية مع الأنظمة المشاركة في العمليات، وعلى النظام أن يقيم التهديد الناتج: جوياً، أو سطحياً، أو تحت السطح، وأن يراجع الإجراءات الفعالة المتوفرة، وأن يوصي القيادة أو مركز المراقبة بالعمل المضاد الأكثر فعالية، وفي حالات معينة قد يحتاج النظام إلى أن يكون ذا مقدرة تلقائية على إطلاق النار على الأهداف المعادية، وأن يكون قادراً على توفير الوسائل المساعدة للتخطيط القيادي، مثل عرض التشكيلات، وتغطية المستشعرات، ومناطق الخطر، ومعلومات الاتصالات.
ويوفر النظام معاونة وظيفية لبعض المهام، مثل توجيه الطائرات، وتسهيلات التدريب والتسجيل، وعلى نظام القيادة والسيطرة أن يكون بسيطاً في استخدامه، ويسهل التعامل بين الإنسان والآلة، وتكون عروضه واضحة وغير غامضة، وأن يكون جديراً بالاعتماد عليه، وسهل الصيانة، لذلك يجب على نظام القيادة والسيطرة أن يتمكن من استقبال المعلومات الواردة من الوحدات الصديقة، أو أي قوات أخرى، ومعالجة هذه المعلومات لإنتاج صورة شاملة وواضحة عن كل الظروف الجوية والسطحية والتحت سطحية، وهذا يتطلب مدى من الاتصالات الخارجية والقدرة على إرسال واستقبال سلسلة من المعلومات، فمهما كانت تقنية الاتصالات معقدة فهي العنصر الأساسي لأي نظام قيادة وسيطرة، لتبقي سلسلة القيادة مترابطة. 

 
الطريق إلى أنظمة C4I
لقد كان كافياً في الماضي الحديث عن القيادة والسيطرة عند الإشارة إلى الطرق التي يتلقى بها الضباط المسؤولون المعلومات من مرؤوسيهم عن أوضاع المعركة، ومن ثم يصدرون الأوامر بشأن ما ينبغي فعله بعد ذلك. وفي وقت لاحق، أصبح من الممكن إبقاء القوات على اتصال في مسارح العمليات، في الوقت الذي تتوارد فيه المعلومات الاستخباراتية من أنظمة متخصصة، وليس فقط من الوحدات التي كانت في تماس مباشر مع العدو، وأدى ذلك إلى دراسة جوانب القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات باعتبارها تشكل مجموعة متماسكة من المشكلات. 
ويعتمد المفهوم الجديد لأنظمة القيادة والسيطرة على عدد من الشبكات لربط مراكز القيادة بعضها ببعض بغرض استقبال المعلومات الاستطلاعية من المصادر المختلفة ومعالجتها وتحديد الجهة المستفيدة منها لترسل إليها هذه المعلومات، ويعتمد ذلك على تنفيذ الاتصالات بواسطة شبكات الحاسبات المتطورة، ودوائر شبكات المعلومات المؤمنة، وخطوط الاتصال المشفرة، وتمتاز هذه الشبكات بمستوى عالٍ من مقاومة الإجراءات الإلكترونية المضادة، وخاصة الفيروسات الحديثة المخربة لشبكات الحواسيب، وترتبط الشبكات المذكورة ببعضها لتصبح شبكة واحدة، تتميز بقدرتها على استيعاب كم هائل من المعلومات وتبادلها.
وقد شاع في البداية استخدام مصطلح «القيادة والسيطرة» C2 Command and Control، ثم مصطلح «القيادة والسيطرة والاتصالات» Command, Control, Communication C3، وأضيف إليه مؤخراً «الاستخبارات» ليصبح C3I Communications, Command, Control and Intelligence، وللحواسيب الآلية فضل جوهري في تحقيق القيادة والسيطرة على مسرح العمليات؛ إذ تستخدم هذه الحواسيب في شبكات نقل البيانات والمعلومات من الوحدات الصغرى إلى قيادة التشكيلات، بحيث يمكن للقيادات التعرف على المواقف بشكل دقيق وسريع لإصدار القرارات الفورية، بما يتناسب مع المواقف فيما ما يطلق عليه «شبكة الاتصالات الآلية للقيادة والسيطرة» ومع زيادة الاعتماد على الحواسيب لتقليل دور العامل البشري في عصر «المعلومات»، أضيفت كلمة «حاسب» ليظهر مفهوم جديد هو C4I Command, Control, Communication, Computer, Intelligence، التي تستقبل المعلومات من مصادرها وتحللها وتوزعها طبقاً للمدخلات الإضافية لكل منطقة أو سلاح، وتساعد في اتخاذ القرار، وتؤمن سيطرة وربطاً مباشراً لمراكز قيادات الأسلحة وغرف عملياتها الرئيسة، مع تبادل سريع ومؤثر لكل معلومة أو موقف قتالي، حتى للوحدات البعيدة عن مناطق العمليات، لتكون على علم بما يدور من معارك في أي منطقة أخرى.
 
ماذا بعد أنظمة C4I؟
مع تسارع وتيرة الصراعات المسلحة الحديثة بدأ التفكير في تطوير مفهوم القيادة والسيطرة، فظهر تباعاً مفهوم Command, Control. Communication, Computer, Intelligence and Battle Management - C4I/BM بعد إضافة بعداً جديداً وهو إدارة المعركةBattle Management، وهو ما يوحي بأن أنظمة المعلومات غدت أمراً ضرورياً لنطاق واسع جداً من الواجبات والمهام، وبأنها أيضاً تعتمد بصورة متبادلة بعضها على بعض، ويساعد هذا المفهوم على سهولة العمل وعرض المواقف، واتخاذ القرارات بل وإرسال المعلومات إلى المرؤوسين والوحدات الفرعية، واستخدام وسائل العرض الحديثة التي تستخدم أسلوب عرض الموقف القتالي محدثاً آلياً عن الوحدات والأسلحة المختلفة؛ إذ ترسل الأوامر مباشرة من خلال شاشة العرض الكبيرة، مع صورة كاملة لموقف العمليات إلى كافة المستويات المطلوبة. 
وقد تبلور مفهوم C4ISR في الولايات المتحدة، وطبق على نحو فعلي في أفغانستان والعراق، حيث كانت كل فروع القوات المسلحة الأمريكية مرتبطة بعضها ببعض، وهو ما أدى إلى تعزيز دقة العمليات، وزيادة سرعة تنفيذها، وتتمثل الفائدة الرئيسة لتطبيق مفهوم C4ISR بأنه يتيح توزيع البيانات على جميع مستويات القيادة العسكرية، مع تعزيز التوافقية بين الأسلحة المختلفة، ووفقاً لهذا المفهوم، يتكون نظام تجميع المعلومات الاستطلاعية المتكاملة ومعالجتها من مجموعة من الأنظمة المساعدة والفرعية، تسيطر على تشغيل المستشعرات مع نظام للاعتراض المتكامل، وآخر حديث التقنية لتوزيع ودمج المعلومات وتحليلها، مدعوم بدوائر تزيد من القدرات والسرعات، وتقلل من أزمنة رد الفعل وأحجام المعدات التي تقوم بمهام الفرز والفصل والتمييز بين الزائف والحقيقي، ومقاومة الإجراءات الالكترونية المضادة، تخزين بيانات المواقف القتالية والمعلومات الاستطلاعية بذاكرة الحواسيب، وبناءً على نوعية المهام وأولوياتها ليتم توزيع هذه البيانات على أنظمة إدارة النيران وتخصيص الأهداف للعناصر النيرانية الداخلة ضمن سيطرة مركز القيادة. يذكر أن تبادل المعلومات والأوامر يتم بأكثر من طريقة، منها الاتصالات الصوتية، والبريد الالكتروني، والرسائل المؤمنة.
وتعمل وزارة الدفاع الأمريكية في الوقت الحاضر على تطوير طريقة جديدة لمعالجة واستثمار المعلومات بإرسال البيانات على نحو فوري إلى الجهات المعنية، وبواسطة شبكة الاتصالات على أن يتمكن من يتلقى المعلومات من طلب التوضيحات أو المزيد من المعلومات بواسطة الشبكة دون الرجوع إلى طريقة التسلسل العسكري التقليدية، وتتنافس عدة شركات للفوز بعقود تنفيذ هذا المشروع لدمج البيانات على صعيد توجيه المعلومات من مراكز القيادة إلى مستويات القيادات التكتيكية، مع إمكانية جعل البيانات التي يتم إرسالها تعرض بمستويات متعددة، حسب الحاجة.
ويتطلب تحقيق هذا المفهوم الجديد تحسين البنى التحتية لشبكات المعلومات والاتصالات المستعملة لدى القوات المسلحة، وخصوصاً في ما يتعلق ببرامج البحث عن البيانات، أو برامج دمج المعلومات، مع توسيع عرض نطاق Bandwidth خطوط الاتصالات، وفي هذا المجال، وضعت الولايات المتحدة خطة لإطلاق شبكة من الأقمار الصناعية تعرف بأقمار «نظام الاتصالات التحولية» Transformational Communications Systems :TCS، بهدف ربط الطائرات بدون طيار بالأقمار الصناعية على نحو مباشر، مع تحويل البيانات بسرعة، وتأمين الاتصالات بين الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية، وستستعمل شبكة TCS الأقمار الصناعية من نوع Wideband Gap Filler. 
وفي هذا الإطار، اختبرت البحرية الأمريكية شبكة WARNET التي تتيح إرسال المعلومات إلى قيادة الوحدات المقاتلة بالموجات اللاسلكية، ويتم تلقي هذه المعلومات بواسطة أجهزة حواسيب يدوية، بعد أن يتم تشفير البيانات، ثم فك التشفير بواسطة بطاقة خاصة، ويعاد توزيع البيانات إلى المركبات المدرعة والطائرات بدون طيار بواسطة أنظمة لاسلكية رقمية قوية، ثم يعاد نقل البيانات إلى طائرات مزودة بأجهزة لاسلكية وأنظمة اتصال تكتيكية، ومراكز الشبكة عبارة عن نقاط اتصال، يمكن أن تكون متباعدة المسافة تزيد على 50 ميلاً. 
أدت التطورات التكنولوجية المتسارعة إلى حدوث ثورة كبيرة في أنظمة القيادة والسيطرة، على المستويات الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية، والتي تبلورت في مفهوم أنظمة C4I وما يليها من مفاهيم أكثر شمولاً، حيث برزت حتمية الاعتماد على الحواسيب في إدارة المعركة من خلال معالجة الحجم الضخم من المعلومات المتدفقة إلى مراكز القيادة، وفرزها، وتصنيفها، وتحقيق أقصى استفادة منها.
ويبرز التحدي الحقيقي في أنظمة القيادة والسيطرة الحديثة في ضرورة مواءمة التغير السريع في التكنولوجيا مع التغير الكبير الذي يطرأ على المطالب الخاصة بها، واختيار الأسلوب الأمثل لتحسين الأداء، ونبذ كل ما لا توجد حاجة فعلية له، وخاصة عندما تواجه هذه الأنظمة بأعمال عدائية تشمل الإعاقة والشوشرة والتدمير الكلي، مما يستلزم اهتماماً خاصاً بأمن المعلومات في تلك الأنظمة واستخدام الأساليب التكنولوجية المختلفة للإقلال من آثار تلك الأعمال .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره