2022-07-01
الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الامارات وإسرائيل نموذجاً
دبلوماسية التنمية وركائز تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط:
في نهاية مايو الماضي، وقعت دولة الامارات أول اتفاقية «شراكة اقتصادية شاملة» بين اسرائيل ودولة عربية، في ترجمة لقناعات استراتيجية مشتركة بأهمية ترسيخ ركائز الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط من خلال نقل اتفاق السلام الابراهيمي من إطاره السياسي والاستراتيجي التقليدي إلى حيز التطبيق الفعلي، وترجمته إلى علاقات حقيقية مستدامة، ومصالح ومنافع مشتركة تجمع شعبي الامارات واسرائيل، وتفتح الباب واسعاً أمام غرس ثقافة تعايش جديدة وبناء نموذج تحتذي به بقية دول المنطقة. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الامارات واسرائيل وعوائده الاستراتيجية المتوقعة، ليس على الصعيد التجاري والاقتصادي فقط، بل على جميع الصعد باعتبار التبادل التجاري يمثل العامل الأكثر ارتباطاً بواقع الشعوب ومصالحها الفعلية.
إعداد: هيئة التحرير
في إطار توجه يتسق مع رغبة واضحة في التعاون المشترك، والاستفادة من المزايا النسبية التي توفرها كل بيئة اقتصادية من قدرات تقنية وتصنيعية وتجارية يمتلكها كل طرف، وقعت دولة الامارات واسرائيل في نهاية مايو 2022، اتفاق شراكة استراتيجية شاملة غير مسبوق بين اسرائيل ودولة عربية، ينص على اعفاء جمركي لنحو %95 من السلع المتبادلة بين الجانبين، وهي الاتفاقية التي وصفت بالتاريخية، فيما قال د. ثاني بن أحمد الزيودي وزير الدولة للتجارة الخارجية “إن الاتفاقية كتبت “فصلا جديدا في تاريخ الشرق الأوسط”.
وأكدت دولة الامارات على أن الهدف من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة هو الوصول إلى مستوى 10 مليارات دولار سنوياً من التجارية البينية غير النفطية في غضون 5 أعوام، علاوة على أنها ستضيف 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارات على مدار الأعوام الخمسة، وستساهم بتحقيق زيادة في قيمة الصادرات غير النفطية. ومن شأن هذه الاتفاقية تحفيز «نمو القطاعات الخدمية مثل الضيافة والخدمات المالية والتوزيع والتشييد»، بالإضافة إلى أنها توفر « منصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدولتين للتوسع عالمياً».
وقال وزير الاقتصاد، معالي عبدالله بن طوق المري، عن هذه الاتفاقية: «إن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل ستخلق نموذجاً جديداً للتعاون البناء بين دول المنطقة، من منطلق أن بناء اقتصادات مرنة ومستدامة النمو يتطلب التعاون والتكامل والشراكة والانفتاح في ظل التحديات التي يشهدها العالم حالياً». وأضاف المري قائلا: “سجلت التجارة البينية غير النفطية نحو 2.5 مليار دولار منذ ذلك الحين وحتى نهاية مارس 2022، فيما سجلت 1.06 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، وهو ما يعادل 5 أضعاف ما تم تسجيله في الفترة ذاتها من العام الماضي”.
على الجانب الآخر، قال نفتالي بينيت رئيس وزراء اسرائيل في زيارته الأخيرة لدولة الامارات “اليوم سننقل العلاقة المميزة بين بلدينا إلى المستوى التالي”، وقبلها وبعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، قالت أورنا باربیفاي، وزيرة الاقتصاد والصناعة في إسرائيل، إن توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولتي الإمارات وإسرائيل، ستسهم في تصنيع منتجات أفضل وتقديم خدمات نوعية بسعر أقل، وصولا لمستقبل اقتصادي أفضل للبلدين. وأضافت باربيفاي على هامش توقيت الاتفاقية «تثمن حكومة دولة اسرائيل عالياً العلاقات مع دولة الامارات، فالعلاقة الثنائية تمثل شراكة استراتيجية طويلة المدة وستعمل كمحرك للنمو الاقتصادي في كلا البلدين والمنطقة».
وقد سبق توقيع الاتفاقية محادثات مضت بوتيرة سريعة، وفي هذا الإطار، كشف د. ثاني الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية، قبل توقيع الاتفاق، أن دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل أنهتا محادثات الشراكة الاقتصادية الشاملة، وأصبحت الاتفاقية جاهزة للتوقيع في خطوة أخرى مهمة لتعزيز العلاقات في ظل اتفاق السلام الموقع بين الجانبين، وأضاف الزيودي عبر موقع «تويتر»: «تمثل هذه الاتفاقية حقبة واعدة للتجارة والاستثمار بين البلدين، وستفتح الاتفاقية الجديدة آفاقاً واعدة أمام مجتمع الأعمال وتعزز النمو الاقتصادي المستدام»، وأوضح الزيودي أن «الاتفاقية الاقتصادية ستخلق فرصاً أرحب للتعاون في القطاعات ذات الأولوية، مثل التكنولوجيا الزراعية والطبية والطاقة المتقدمة والتكنولوجيا المتقدمة». بدورها، قالت أورنا باربيفاي، وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية: “إنه لشرف عظيم أن أختتم اليوم مفاوضات إبرام اتفاقية التجارة الحرة الكاملة والشاملة مع دولة الإمارات العربية المتحدة”. مضيفة: تعد الاتفاقية الاقتصادية الشاملة الأولى من نوعها مع دولة عربية. بحيث تم إعفاء 95 % من السلع المتبادلة بين البلدين من الرسوم الجمركية”.
وتشير احصاءات التبادل التجاري إلى الأهمية النوعية الحقيقية لاتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين دبي وإسرائيل خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من 2021، مليار درهم، وفق إحصائية حديثة لجمارك دبي كشفت عن حجم قيمة التجارة بين البلدين والتي بلغت 6.217 ألف طن، وزعت بنحو 325 مليون درهم واردات بكمية 718 طناً، و607 ملايين درهم صادرات بكمية 5.4 ألف طن، و98.7 مليون درهم (عبور) بكمية 52.4 طن. وبلغت قيمة التجارة البينية بين الإمارات وإسرائيل أكثر من 3.5 مليار درهم حتى نهاية سبتمبر 2021 وتجاوزت قيمة التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين 2.9 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي.
وأكد د. ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية أن التجارة بين الإمارات وإسرائيل قد بلغت 2.5 مليار دولار في أقل من عامين منذ اقامة العلاقات بين البلدين، وأكثر من مليار دولار في الربع الأول من عام 2022. وقال الزيودي في كلمة أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس “الروابط الاقتصادية والنمو مرتبطان بالسلام والاستقرار”. وأردف: “في الواقع، إذا نظرنا إلى ما حدث خلال العامين الماضيين منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، يبدو أننا نسير في الاتجاه الصحيح”.
وكانت دولة الإمارات قد وقعت أول اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الهند في فبراير من عام 2022، لتكون الاتفاقية مع اسرائيل هي الثانية في سلسلة الاتفاقات الثمان التي تعتزم إبرامها في السنوات المقبلة.
كيف وصل البلدين إلى صيغة الشراكة الاقتصادية الشاملة؟
بعد أربعة جولات تفاوضية استغرقت في مجملها نحو أربعة أشهر، حيث بدأت المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في نوفمبر 2021، واختتمت في مارس 2022 ، تم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الامارات واسرائيل، ارتكازاً على أسس عدة تضمن له التطور والاستمرار، أهمها توافق الرؤى الاستراتيجية بين البلدين حول الهدف من بناء السلام الابراهيمي، لذا يُلاحظ تطور العلاقات بوتيرة متسارعة ومدروسة منذ توقيع اتفاق السلام بينهما في سبتمبر عام 2020، حيث تم توقيع 65 صفقة ومذكرة تفاهم بين الإمارات وإسرائيل، وهنا يشير د. ثاني الزيودي إلى أن «العلاقات بين الإمارات وإسرائيل موجودة منذ 18 شهراً فقط (التصريحات كانت في أبريل الماضي)، وهذا يؤكد حقيقة أن من الأهداف الرئيسية لاتفاقات إبراهيم اقتصادية»، ما يعني أن الاقتصاد كان أحد أهم محركات توقيع اتفاق السلام مع اسرائيل، موضحاً أن “اتفاقية التجارة الحرة يمكن أن تعزز التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار سنويًا”، وتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام مراراً وتكراراً”.
ونمت التجارة بين الإمارات وإسرائيل بشكل كبير منذ توقيع اتفاق التطبيع، لتصل إلى حوالي 885 مليون دولار في 2021، وتوقع رئيس مجلس الأعمال الإماراتي-الإسرائيلي دوريان باراك، أن تتضاعف التجارة قريبا بين البلدين، وقال في بيان إن “التجارة بين الإمارات وإسرائيل ستتجاوز ملياري دولار في عام 2022، لتصل إلى نحو 5 مليارات دولار في غضون 5 سنوات، مدعومة بتعاون في قطاعات الطاقة المتجددة والسلع الاستهلاكية والسياحة وعلوم الحياة»، وأضاف “تتحول دبي بسرعة إلى مركز للشركات الإسرائيلية التي تتطلع إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط والشرق الأقصى كأسواق لسلعها وخدماتها»، وأشار إلى أنه بحلول نهاية العام الجاري، ستعمل نحو ألف شركة إسرائيلية في الإمارات.
وقد أشار رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت في أحد تصريحاته إلى أن الاتفاق الذي يستغرق التفاوض بشأنه 5 سنوات في كثير من الأحيان تم انجازه مع الامارات في أسابيع، وكتب بينيت في تغريدة تضمنت صورته مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ عبر الصفحة الرسمية لرئيس الوزراء الاسرائيلي على موقع «تويتر»: «التاريخ... لقد وقعت إسرائيل والإمارات على أول اتفاقية تجارية تاريخية بين إسرائيل ودولة عربية... اتفاقيات التجارة الحرة بين الدول تستغرق سنوات طويلة في العادة». وتابع رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلا: “اتفقت مع (صاحب السمو) الشيخ محمد بن زايد قبل شهرين في قمة شرم الشيخ على أن ننجز، ما يستغرق عادة 5 سنوات، في غضون أسابيع قليلة، وقد وجهنا فرقنا بالعمل بالسرعة القصوى وهذا ما حدث بالضبط”.
وأردف بينيت قائلا: “أود أن أشكر (صاحب السمو) الشيخ محمد بن زايد على قيادته ووزارة الاقتصاد ووزيرها الذي بفضل عزمه وعمله الجاد، ساهم بتحقيق هذا الإنجاز المهم بسرعة وفاعلية”، وختم قائلا: “لنستمر في السلام الدافئ بين بلدينا”. من جانبه، كتب سفير الإمارات لدى إسرائيل، محمد آل خاجة، عبر صفحته الرسمية على موقع “تويتر” قائلاً: “توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل إنجاز كبير فهي تجعل الشركات تصل مباشرة إلى الأسواق وتستفيد من إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية سنعمل معا وفقها لزيادة الاستثمارات وخلق الوظائف وتعزيز الجهود من أجل المناخ والأمن الغذائي شكرا لك أوهاد كوهين على جهودكم”.
السمات الاقتصادية للشريكين الاقتصاديين
لاشك أن قدرات الاقتصادين الاماراتي والاسرائيلي تعكس أهمية هذه الاتفاقية، فالامارات هي ثاني أكبر اقتصاد عربي لعام 2021، بناتج محلي إجمالي يبلغ أكثر من 400 مليار دولار. وقد حقق الاقتصاد الاماراتي معدلات نمو ايجابية بلغت %3,8 في عام 2021 متخطياً توقعات المنظمات الدولية المتخصصة، وماجرى تحقيقه من نمو في عام 2019 بمختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية. وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الاماراتي سينمو عند 5,3% في عام 2022 بعد رفع دول «أوبك +» الحد الأدنى للإنتاج، لتزيد حصة الامارات الانتاجية إلى 3,5 مليون برميل يوميا وذلك اعتباراً من مايو 2022، مما سيعزز مستويات الإنتاج. في الوقت نفسه، يتوقع زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بواقع %4.3 حيث من المتوقع أن تشهد بعض القطاعات نمواً أفضل، وتحديداً قطاع العقارات.
تشير الاحصاءات إلى أن حجم الاقتصاد الإسرائيلي ـ من حيث الناتج المحلي الاجمالي ـ متقارب مع الاقتصاد الإماراتي (الثاني عربياً بعد المملكة العربية السعودية)، وهذا الأمر يعزز فرص التعاون، لاسيما أن هناك تنوع من حيث مصادر الدخل، حيث تعتمد الامارات ـ بخلاف صادرات النفط ـ على التجارة والصناعات التحويلية والسياحة والاستثمار العقاري، بينما يعتمد الاقتصاد الاسرائيلي بشكل رئيسي على قطاع الخدمات والصناعة والزراعة والتكنولوجيا. ووفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2019، جاء اقتصاد الإمارات في المرتبة 29 عالمياً بناتج إجمالي يبلغ 421 مليار دولار، بينما احتل الاقتصاد الإسرائيلي المركز 31 عالمياً بناتج إجمالي يبلغ نحو 395 مليار دولار، فيما جاء الاقتصاد المصري تالياً في المرتبة 39 بناتج يبلغ 303 مليارات دولار. وتصدّرت السعودية القائمة عربياً في المركز 18 عالمياً، وناتج يناهز 793 مليار دولار، وأعقبتها تركيا في المرتبة 19 بناتج 754 مليار دولار، وإيران في المركز 28 بناتج 445 مليار دولار.
ويهيمن قطاع الخدمات على الاقتصاد الإسرائيلي، مساهماً بنحو %66 من الناتج الإجمالي المحلي، ويهيمن على ثلث حجم الصادرات. أما القطاع الصناعي، فيسهم بنحو 26 في المئة من الناتج. ويركز خلال السنوات الأخيرة على المنتجات العالية التقنية، مثل الاتصالات والإلكترونيات وتطوير الصناعات العسكرية، إلى جانب صناعات تقليدية على غرار المواد الغذائية والإسمنت والأدوية وغيرها. وتشكل الصناعات العالية التقنية ما يصل إلى %80 من إجمالي الصادرات الصناعية. أما القطاع الزراعي، فيساهم بنحو %2.4 من الناتج المحلي الإجمالي، وتتخطى الصادرات الزراعية نحو ملياري دولار سنوياً. ومن حيث موارد الطاقة، فإن إسرائيل تعد مستورداً صافياً لكل من الفحم والنفط والغاز، لكنّ هناك مساعيَ حالية لاستغلال حقول الغاز المكتشفة حديثاً في البحر المتوسط.
ويبلغ حجم الصادرات الإسرائيلية وفقاً لبيانات عام 2020 نحو 113 مليار دولار، بينما يبلغ حجم الواردات للعام ذاته نحو 96 مليار دولار بفائض ميزان تجاري يقدر بنحو 17 مليار دولار . وفي مقدمة الدول المستوردة من إسرائيل عام 2020م، تأتي الولايات المتحدة %26 ، الصين %9، المملكة المتحدة %7 من إجمالي الصادرات الاسرائيلية. كما احتلت الولايات المتحدة مقدمة الدول المـوردة لإسـرائيل في عام 2020م بنسـبة %12، فالصين بنسبـة %11 ، ألمانيا بنسبة %7.5 ، سويسرا بنسبة %7، وتركيا بنسبة 6 %.
الحاصل أن اقتصادي الامارات واسرائيل يمتلكان فرصاً واعدة للتعاون المشترك وتعظيم عوائدهما من الشراكة الاقتصادية الشاملة، ولاسيما في قطاعات الاتصالات والطاقة والزراعة والرعاية الصحية والتكنولوجيا والسياحة والأمن والفضاء وخدمات المعارض والمؤتمرات. ويشير بعض المحللين إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الامارات واسرائيل تؤسس لتعاون وسلام حقيقي، وتتفادى حصر العلاقات بين اسرائيل وجيرانها العرب على الشق السياسي/ البروتوكولي، كما هو حال العلاقات الاسرائيلية ـ المصرية، والاسرائيلية ـ الأردنية، ويعزز هذا الأمر أن اقتصاد الامارات يتميز بالانفتاح والاندماج الكبير مع الاقتصاد العالمي، ما يعزز فرصه في بناء شراكات تجارية واسعة مع بقية الاقتصادات، وخصوصاً تلك الاقتصادات التي تمتلك خصائص مماثلة، كالاقتصاد الاسرائيلي.
اتفاقيات الشراكة الاماراتية ودورها التنموي
تعد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الامارات واسرائيل، هي الثانية من نوعها، حيث تم توقيع اتفاقية مماثلة بين الامارات والهند، التي كانت الدولة الأولى التي يتم عقد مثل هذه الشراكة معها ضمن برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية الذي أطلقته حكومة دولة الإمارات في إطار مشاريع «الخمسين»، الأمر الذي يعكس قوة الشراكة والتقارب بين البلدين، وحيث وضع البلدين هدفاً استراتيجياً هو السعي إلى زيادة حجم التجارة غير النفطية إلى 100 مليار دولار خلال 5 أعوام. وتعد هذه الشراكات بمنزلة إطار مؤسسي متطور يضمن توجيه كافة الجهود والموارد لتحقيق أهداف الشراكة بين دولة الامارات والدول المعنية، حيث سجلت التجارة الخارجية غير النفطية بين الامارات والهند خلال 2021 ما يصل إلى 165 مليار درهم، محققة نمواً بنسبة %66 مقارنة مع 2020 وما نسبته %8 مقارنة مع 2019، فيما بلغ الحجم الإجمالي للتجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين أكثر من 1.4 تريليون درهم على مدى السنوات العشر الماضية، بينما بلغت الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين نحو 60 مليار درهم بنهاية عام 2019، كذلك تحتل الهند المرتبة الثانية كأهم مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى دولة الإمارات.
وتهدف الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الامارات والهند ـ بجانب رفع قيمة التبادل التجاري ـ إلى تعزيز التعاون المشترك في قطاعات: الخدمات المالية والموانئ واللوجستيات وتنمية الصادرات والأمن الغذائي والزراعة والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن دورها في تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية المشتركة بين البلدين وذلك من خلال خفض تكاليف التجارة، وخلق بيئة ملائمة للشركات الإماراتية تمكنها من المنافسة في السوق الهندية وتعمل على زيادة صادراتها إلى الهند، إضافة إلى تحفيز الاستثمار المتبادل ودفع عملية النمو الاقتصادي المستدام لدى الجانبين.تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات التي تعد ثالث أكبر شريك تجاري للهند وفي عام 2021 سجل التبادل التجاري غير النفطي ما قيمته 45 مليار دولار فيما تعد الهند الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات من حيث الصادرات غير النفطية، حيث تمثل %14 من إجمالي الصادرات على مستوى العالم. ودولة الإمارات ثاني أكبر وجهة تصدير للهند وثالث أهم مصدر لواردات الهند.. كما تستحوذ الإمارات على %40 من إجمالي تجارة الهند مع العالم العربي بأكمله إضافة إلى ذلك احتلت الهند المرتبة التاسعة بين أكبر مستقبل للاستثمار الأجنبي المباشر من الإمارات بقيمة تدفقات بلغت 51 مليار دولار في عام 2019.
وبجانب كونها مركزاً اقليمياً ودولياً رئيسياً للتجارة والتصنيع والخدمات اللوجستية، يمتلك اقتصاد دولة الامارات بيئة جاذبة للدول الأخرى، ولاسيما ما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل عصب أي اقتصاد متطور، كونها تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز النمو الاقتصادي للدولة، وتعد عاملاً محفزًا في جهودنا لبناء اقتصاد تنافسي ومرن ومستدام على مدار الخمسين عامًا القادمة، إذ تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من %94 من إجمالي الشركات ومؤسسات القطاع الخاص المسجلة في دولة الإمارات، وتساهم في أكثر من %50 من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات. كما تعد دولة الإمارات واحدة من الدول الرائدة في المنطقة في إنشاء بيئة تشريعية ومؤسسية لرعاية نمو ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة.. وقد أطلقت الدولة العديد من المبادرات التي تدعم هذا الاتجاه، كما راعت الإمارات في التعديلات التشريعية والقانونية تبني تشريعات تخدم بيئة ريادة الأعمال والتقنيات الناشئة، وتقليل تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، وفتح أسواق جديدة، وتقديم المزيد من الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص لها للنمو. وهذا كله يمهد الطريق للاستفادة المشتركة بين الشركات الناشئة في اسرائيل والبيئة الأكثر جاذبية لهذه الشركات في العالم، وتحديداً في الامارات حيث تتمركز نحو ثلث الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
لا يوجد تعليقات