2022-08-02
أبوظبي - باريس سردية الولاء والموثوقية وتعاون لا يعرف الحدود
أكدت زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الأخيرة إلى الجمهورية الفرنسية، والأولى له بوصفه رئيس البلاد، صدى واسعاً، وتركت تاثيراً كبيرا يتجاوز علاقة البلدين الصديقين منذ خمسة عقود وأزيد، إلى السياقات الإقليمية والدولية، إذ يمكن القول وبدون تهوين أو تهويل، أنها لفتت أنظار العالم لجهة محور جيوسياسي قائم وقادم، يهدف إلى خدمة السلم والأمن والإستقرار في كافة أرجاء العالم .
بقلم: إميل أمين
كاتب وباحث مصري
تبقى فرنسا أبدا ودوما القلب والعقل النابض للقارة الأوربية ، ولا نغالي إن قلنا إنها موطن التنوير، والمقدمة الضاربة للسياسات في نصف الكرة الشمالي ، لا سيما بما لها من رؤى كثيرا ما تكون مغايرة عن توجهات العم سام، في الجانب الأخر من الأطلسي، أي الولايات المتحدة الأمريكية، وليس سراً القول أن فرنسا كانت على مر أكثر من أربعة قرون الجار الأقرب والحليف الأكبر للعالم العربي، بحكم التثاقف الفكرة تارة، والقرب الجغرافي تارة أخرى.
الكيمياء الدبلوماسية
في هذا السياق أعتبر الفرنسيون أن الإمارات العربية المتحدة، هي البوابة الأنفع والأرفع للدخول إلى العالم العربي، وقد بدت الكيمياء منسجمة بين الدولتين منذ زمن الشيخ زايد طيب الله ثراه، وهو الأمر الذي أمتد في عيال زايد.
على الجانب الأخر تدرك فرنسا التنوير والمدنية أن للإمارات علامات من القوة الحقيقية الفاعلة في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، قوة ليست بالضرورة خشنة مرة واحدة، أو ناعمة على طول الخط، بل هي قوة ذكية تجمع عناصر مغايرة من هذه وذاك .
تجلت قوة الإمارات التي تجعل منها حليفاً محبوباً ومرغوباً من الجمهورية الفرنسية في عدة نقاط من أهمها.
** نموذجها الأخلاقي والإنساني، لا سيما في عالم يموج بالصراعات الإيديولوجية المتشددة بل والمتطرفة، ومع صحة القوميات ونشوء وإرتقاء العصبيات مرة أخرى، تبدو الإمارات رسالة للسلام والطمأنينة، وأرضا للحب والأخوة الإنسانية، والعدالة للمواطن والمقيم، الأمر الذي يجعلها على خطوط التماس من روح الجمهورية الفرنسية المتمثلة في الشعار التاريخي للثورة الفرنسية .. حرية .. إخاء .. مساواة.
**ينظر الشعب الفرنسي إلى الإمارات حكومة وشعبا ، نظرة يملؤها الإعجاب والتقدير، وبنوع خاص بعد ما شاهده العالم من دور إغاثي خلاق في زمن تفشي وباء جائحة كورونا .
**على صعيد القوة المادية، تبقى الإمارات ثاني أكبر منتج للنفط في الشرق الأوسط، وفي خلفية هذه الحقيقة، تصريح رئيس البلاد بأن الإمارات لم ولن تتوان عن دعم العالم بالطاقة اللازمة في هذه الأوقات المأزومة ، وفرنسا في القلب دوما .
** تقف الإمارات على رأس ستة صناديق إستثمارية سيادية، تتجاوز قيمتها التراكمية 1.5 تريليون دولار، الأمر الذي يشير أول الأمر وأخره إلى نجاحات القيادة الإماراتية الحكيمة في مراكمة النجاحات المالية كما الإنسانية، والسعي من أجل حياة أكثر رقيا وحضارة، سهولة ويسر للأجيال الإماراتية التالية، وفي الوقت عينه هي أرقام تفتح أبواب التعاون الإقتصادي والإستثماري واسعة بين باريس وأبوظبي .
** في الوقت عينه تظل الإمارات صوتاً صارخاً في كرة أرضية تكاد تنفجر بمن عليها، بعدما أصابها الإنسان بإختلالات إيكولوجية غيرت الأوضاع وبدلت الطباع ، ولم يعد أمام البشرية سوى إتخاذ قرارات حاسمة وجازمة، وهو ما تستعد له الإمارات من خلال مؤتمر المناخ العالمي “كوب -28 “ العام 2023، والناظر لأحوال المناخ في القارة الأوربية، لا سيما من الفرنسيين، يدرك أهمية التعويل على ذلك المؤتمر من الآن.
التعاون الفرنسي الإماراتي
هنا فإن سردية التعاون الفرنسي الإماراتي، تمضي لجهة التعاون في مجال الطاقة النظيفة، وبنوع خاص الهيدروجين الأخضر، والذي ينتظر أن يكون فتحاً طاقوياً جديداً بقيادة إماراتية في مجالها الجغرافي.
ولعل ما يجمع باريس وأبوظبي، يقفز فوق ملفات التعاون التجارية والإقتصادية، والمبادلات ذات الطابع البراغماتي التقليدي، والذي بات ديدن الليبرالية المعاصرة ،وكذ الراسمالية المتوحشة التي سلعت الإنسان .
ما بينهما سعي دؤوب ومشترك لحل الملفات الخلافية سواء كان الأمر متعلق بالأزمة الأوكرانية الأخيرة، أو الصراع القائم منذ عقدين حول الملف النووي الإيراني، بجانب عقدة المشاكل الشرق أوسطية، أي الملف الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي .
حركت الإمارات كثيراً من المياه الراكدة في المنطقة، حيث فتحت باباً للسلام، ونهاية عصر الجفاء والقطيعة والمواجهات، ولهذا تبقى الدبلوماسية الإماراتية فاعلة وجاهزة في قلب الإليزيه، وساعية للتمهيد لحل الكثير من المعضلات، وليس بالضرورة في هذا الإطار أن يكون هناك تطابقاً مطلقاً في المواقف ، بل مساحة من التفاهمات التي تسعى في طريق حلحلة القاضايا العصية تاريخياً .
صدقت صحيفة اللوموند الفرنسية إذن حين أشارت إلى أن فرنسا والإمارات، يشكلان جبهة مشتركة من أجل تخفيف توترات المنطقة والعالم، وبخاصة على صعيد رسم شراكات مستقبلية في مجالات أظهرت الأحداث حاجة البشر إلى تقويمها وتصويبها وفي مقدمها الطاقة .
ملفات التعاون
يبدو أحد أهم ملفات التعاون بين باريس وأبوظبي متمحوراً حول وضع شراكة طاقة إستراتيجية عالمية على المسار الصحيح، من أجل تحديد المشاريع الإستثمارية المشتركة في مجال الطاقة النووية أو إحتجاز الكربون الضار والملوث للمناخ العالمي .
ويبقى القول أن كل إنجاز عظيم هو حلم قبل أن يتحول إلى واقع، وهو أمر ينطبق على مسار العلاقات الفرنسية الإماراتية، وما وصلت إليه من شراكة أحلام تسعى لترسيخ مستقبل مزدهر للبشرية، وإقتصاد مستدام بالإستناد إلى الرؤى المشتركة .
غير أنه يبقى أمر واجب الوجود، وكما تقول جماعة الفلاسفة أن نتساءل من الذي شكل طبيعة هذه العلاقة، وهل هي الأحداث وتدافعها، أم الأشخاص وطبيعتهم وتكوينهم ورؤاهم السياسية والفكرية ؟
عند بطريرك السياسة الأمريكية الأشهر هنري كيسنجر، أن الجدال القديم القائم حول علامة الإستفهام المتقدمة قد حسم لصالح الشخصية لا محال .
هنا تبدو شخصية سمو رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، والذي عرف الجمهورية الفرنسية منذ خمسة عقود، وفي معية طيب الذكر الشيخ زايد رحمه الله، حجر زاوية رئيس في بناء هذه العلاقة الخلاقة والتي تتصاعد نجاحاتها إلى أعلى عليين يوما بعد الأخر .
رجل الخليج القوي
في الكلمة التي سبقت عشاء الدولة في قصر فرساي، تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موجهاً خطابه لسمو الشيخ محمد بن زايد قائلا:” إنه من خلال مهام سموكم الرئاسية الجديدة، ستواصل جهودك من أجل جعل دولة الإمارات العربية المتحدة ذات إقتصاد قوي ومستقر ومتنوع ومتزايد، وعضواً مؤثراً على الساحة الدولية في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.
ويضيف ماكرون .. لقد كانت فرنسا وستبقى صديقاً مخلصاً لكم لتحقيق هذا الطموح .. فعلاقتنا تقوم على ركيزتين أساسيتين هما الولاء والموثوقية. وأختتم بالقول “التعاون يعبر عن مستوى علاقاتنا فهو تعاون لا يعرف الحدود”.
يستوقف أي باحث ومتابع لهذه الزيارة الناجحة تصريحاً بعينه للسفيرة الإماراتية في فرنسا هند العتيبة، تصريح يعكس حقيقة العلاقة بين البلدين، وكيف أنها علاقة ولاء وثقة كما اشار الرئيس ماكرون وعن حق .
تقول العتيبة: “وقفت العديد من الدول إلى جانبنا في وجه عدوان الحوثيين في اليمن ونقدر أن فرنسا كانت واحدة من هذه الدول، وهو ما كان عاملا في إختيار سمو رئيس البلاد لفرنسا، كأول محطة خارجية له”.
بدت فرنسا مرحبة ومن القلب بالزيارة المتميزة من قبل حليف عربي – خليجي، ولعل افضل من عبر عن ذلك الترحيب، السيناتور أوليفييه كاديك، نائب رئيس مجلس الشيوخ، ورئيس لجنة الصداقة الفرنسية الخليجية بالمجلس والذي صرح بالقول : “إننا سعداء بتشريف رجل الخليج القوي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا وإختياره بلدنا كمحطة أولى في زيارته الخارجية .
أما، إميليا لجرافي، النائبة في الجمعية الوطنية ورئيسة لجنة الصداقة الإماراتية الفرنسية في البرلمان فقالت: “إن فرنسا فخورة بإستضافة سمو الشيخ محمد بن زايد، ونقدر له إختياره فرنسا كأول دولة يزورها بعد توليه الرئاسة في الإمارات”.
هل من خلاصة ؟
المؤكد أن سردية الولاء والموثوقية، والتعاون الذي لا يعرف حدود بين باريس وأبوظبي، لم ولن تتوقف عند توقيع 12 إتفاقية، على أهميتها وتوزيعاتها الإستراتيجية بين الطاقوية والدفاعية، بل تنسحب على شراكة وصداقة، ثقة وبناء تراكمي لعقود قادمة، ولم يعد طموح قادة البلدين قاصراً على ما هو ملوموس، فهنا شراكة التنوير المحسوسة والتعاون في نشر الإشعاع الثقافي حول العالم، وربما في القريب تجاوز حدود كوكب الأرض، والتعاون البناء في عالم الفضاء ومشروعات لا تعرف الإ الطموح الجامح المرغوب كالوصول من جديد إلى القمر والمريخ .
لا يوجد تعليقات