مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-07-14

استقرار اليمن وأمن دول مجلس التعـاون الخليجـي

عندما نتحدث عن استقرار وأمن اليمن فإننا لا نتحدث عن البعد العسكري فقط، بل نتحدث عن البعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ودور كل مكونات المجتمع اليمني في العملية السياسية والاجتماعية، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الجغرافية والقبلية لليمن، بالإضافة إلى التداخل الجغرافي وطول الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية، حيث أصبح الأمن قضية كبرى وهاجس بات يشغل الدول الكبيرة والصغيرة، بل تجاوز هذا الإطار ليشمل التهديدات والتحديات الداخلية منها والخارجية، حيث أصبحت الدول اليوم تتخذ لتأمينه ترتيبات وإجراءات ظاهرة وخفية، وتخصص من أجل ذلك موارد ضخمة وطاقات هائلة بعد أن أصبح الشعور بالقلق الأمني يتفاقم يوماً بعد يوم.
 
بقلم : العميد الركن/ خالد جمعة
 
 سعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى حل القضية اليمنية واستعادة الشرعية لليمن والمحافظة على استقرارها وسيادته منذ خلع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من خلال حث جميع الأطراف على الالتزام ببنود المبادرة الخليجية التي جرى توقيعها في 23 نوفمبر 2011، وتشتمل على خطة للانتقال السياسي من خلال نقل سلطة الرئاسة إلى نائب الرئيس اليمني آنذاك  «عبد ربه منصور هادي» عبد ربه منصور هادي في غضون 30 يوما، وتأزم الوضع كثيراً بعد دخول جماعة الحوثيين إلى اليمن وسيطرتهم على معظم أجزاء ومحافظات اليمن وكذلك سيطرتهم على المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية في صنعاء، حيث عبث فيها الحوثيين وسيطروا على الحكم في اليمن من خلال تعيين الموالين لهم في المناصب الحكومية السيادية، كما حولوا صنعاء إلى ثكنة عسكرية، وأسقطوا الرئيس الشرعي، وفرضوا عليه الحصار لرفضه تنفيذ أوامرهم حتى استطاع الإفلات من الحصار والهروب إلى عدن، ثم تواصل المد الحوثي حتى وصل إلى عدن جنوباً في وقت شهدت فيه المدينة وأغلب المدن اليمنية حالة من الفوضى تخللتها أعمال نهب واسعة   على يد الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع، وسيطروا خلالها على مقار سيادية وحيوية كدار الرئاسة ومطار عدن. 
 
ما زالت إيران مستمرة في عدوانيتها وإظهار أطماعها التوسعية على حساب دول الجوار من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية ودول الجوار وإثارة النعرات الطائفية وخاصة في مملكة البحرين واليمن، وتنظر إلى منطقة الخليج العربي على أنها ضمن مجالها الحيوي، ويأتي التدخل الإيراني في اليمن من خلال الأعمال الإرهابية التي يُمارسها الحوثيون والتي شملت التعدي على الشرعية الدستورية واستخدام العنف ضد الدولة ومؤسساتها، وترهيب المواطنين، ومحاصرة المدن والاستيلاء على كل مقدرات الدولة من أسلحة وموارد لوجستية، وتدمير البنى التحتية وتعطيل كل مرافق ومقومات الحياة اليومية، واغتيال كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، والاستمرار في عمليات السلب والنهب وتجويع المواطنين، والحصول على الدعم وتهريب الأسلحة والاستعانة بعناصر من حزب الله اللبناني في مجال التدريب والتخريب والتفجيرات، وتوسعهم على حساب مناطق ومكونات اليمن الأخرى، وهذا أدى إلى زعزعة أمن اليمن واستقراره ووحدته بدرجة كبيرة وخطيرة، وتسعى إيران من وراء تدخلها في اليمن ودعمها لجماعة الحوثيين إلى بسط نفوذها في المنطقة حيث تعتبر اليمن إحدى محطاتها بعد لبنان والعراق وسوريا، وبكل تأكيد فإن النفوذ الإيراني في اليمن سيشكل خطراً على الأمن الوطني والمصالح الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث تسعى إيران إلى التحكم في القرار اليمني ونشر فكرها الإيديولوجي وتحويل جماعة الحوثيين إلى حزب أشبه بحزب الله في لبنان الذي أصبح مشاركاً في صنع القرار اللبناني بما يخدم التوجهات الإيرانية في المنطقة.
 
تدور اليوم حوارات وتحليلات مستفيضة بين المختصين والمهتمين حول حدود الأمن الوطني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتحديداً بعد التمدد الحوثي وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وكان الهدف من هذه التحليلات هو تحليل جدوى وأبعاد التدخل العسكري ضمن تحالف عربي مشترك بعد إدراك وشعور دول مجلس التعاون الخليجي بالقلق على مستقبل اليمن بسبب سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة وانقلابهم على الشرعية الدستورية، وهذا سيقود ويؤدي حتماً إلى تحديات إستراتيجية غير مسبوقة على الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون، وعلى الأمن العربي بسبب تمدد المشروع الإيراني باتجاه اليمن الذي يُمثل العمق الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي ، والخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية كون اليمن أحد البوابات الجنوبية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يُعد ممراً استراتيجياً لناقلات النفط المُحملة بنفط دول الخليج العربي وسفن التجارة الدولية.
 
أخذت دول الخليج العربي  بنفسها زمام المبادرة للتحرك العسكري جواً وبراً وبحراً بقيادة المملكة العربية السعودية من خلال قوة قتالية اعتمدت على المقاتل الخليجي بشكل أساسي بالإضافة إلى الجهد العربي المساند، وقد تكون  عاصفة الحزم أفضل إجراء حاسم في هذه الظروف الاستثنائية من أجل الوصول إلى حل سياسي في اليمن يُمكن البناء عليها في حل كل القضايا العربية ، وكان المجتمع الدولي داعماً لهذا التوجه ، وهو ما لمسناه في تصريح وزير الدفاع الأمريكي مؤخراً عندما صرح بأن بلاده تدعم الدول العربية لإنشاء قوة عسكرية مشتركة للتصدي للتهديدات الأمنية المتزايدة في الشرق الأوسط، وإن الإدارة الأمريكية ستتعاون مع هذه القوة في المجالات التي تتوافق فيه المصالح الأمريكية مع المصالح العربية ، لاسيما أن عدداً من الدول العربية المشاركة في هذا الجهد العسكري لديها بالفعل شراكات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى الأخرى . 
 
لقد سخرت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية أدواتها الدبلوماسية لحل الأزمة اليمنية واستعادة  الأمن والاستقرار والسيادة لليمن، حيث كثفت جهودها الدبلوماسية خليجياً وإقليمياً ودولياً لإنقاذ اليمن وإخراج الحوثيين من اليمن، وحث الحكومة الإيرانية على إنهاء تدخلها في اليمن والتوقف عن دعم الحوثيين وقطع الطريق على إيران لتحقيق موطئ قدم في صنعاء، وكذلك مطالبة الحوثيين بوقف استخدام القوة والانسحاب من كافة المناطق التي يسيطرون عليها وتسليم الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، مهيباً بكافة الأطراف والقوى السياسية تغليب مصلحة اليمن والعمل على استكمال تنفيذ العملية السياسية ، ولن يتحقق ذلك إلا بدعم الرئيس الشرعي لليمن والحكومة الشرعية ومساندتها في التغلب على الحوثيين في صنعاء أولاً ومن ثم باقي أجزاء اليمن .
 
قامت دول مجلس التعاون العربي أيضاً ومن خلال التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية باستخدام عناصر قوتها الوطنية المعلوماتية ، والاقتصادية ، و العسكرية من خلال التعاون والتواصل مع القيادة الشرعية والحكومة اليمنية، والتأكيد على أن القضاء على الحوثيين واستعادة اليمن لأمنها لن يتحقق إلا بتضافر جهود جميع مكونات الشعب اليمني وأن يكون القضاء على الحوثيين أولوية أولى ، وأن مساندتهم للرئيس والحكومة مطلب هام في هذه المرحلة ، وكذلك التأكيد على وحدة اليمن وعدم استغلال بعض الأحزاب أو المكونات اليمنية للوضع اليمني المتأزم، والمطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، حيث أن الوحدة اليمنية مهمة جداً في تلك المرحلة الصعبة، حيث يجب تأجيل كل مطالب الانفصال أو التقسيم إلى ما بعد عودة الاستقرار والأمن إلى اليمن .
 
أما فيما يخص البعد الاقتصادي، فدول الخليج كانت سبّاقة دائماً إلى دعم اليمن إقتصادياً من خلال المساعدات والقروض المالية وكذلك المشاريع المختلفة التي تساهم في إنشائها لصالح الشعب اليمني، حيث أعلنت دول مجلس التعاون عن دعمها للحكومة اليمنية اقتصادياً من خلال تقديم المساعدات للحكومة الشرعية والشعب اليمني، وعدم التخلي عنهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها اليمن، وحرصت كذلك أن تكون هناك آليات للتأكد من وصول الدعم لمستحقيه وعدم سقوطه في أيدي الحوثيين، كما أعلنت بأنها على أتم الاستعداد لمساعدة اليمن مالياً وإعادة إعمارها متى تمكنت الدولة اليمنية من اجتياز هذه المرحلة الصعبة. كما قامت في خطوة لاحقة بإنشاء مركز لتنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية المقدمة من مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى اليمن « مركز الملك سلمان للمساعدات الإنسانية «، حيث يُعد هذا المركز خطوة مهمة جداً في تنسيق العمل الإغاثي والإنساني المقدم من دول مجلس التعاون لليمن الشقيق.
 
 أخيراً يُمكن القول وبعد مرور أكثر من عام تقريباً على عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل أن قوات التحالف العربي استطاعت أن تحقق انتصارات كبيرة على الأرض وأن تحرر حوالي 85% من الأراضي اليمنية من أيدي الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مما أجبر الانقلابيين على التفاوض في الكويت لبحث تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمتعلق بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة وفك الحصار عن المدن والعودة إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، لتعود  اليمن آمنة ومستقرة لكل اليمنيين بكل أطيافهم ومكوناتهم من أجل استقرار المنطقة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره