مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-01

الإرهاب البيولوجي

يعيش العالم اليوم صراعا محموما -غير مرئي للعامة –بين أجهزة معلومات الدول الكبرى بينما تحاول أجهزة معلومات الدول النامية أو الصغيرة أن تقرأ...تراقب ..وتوازن في تحركاتها بين كل القوى ، مراعاة لمصالحها ..لكنها تجسد في تحركاتها عبارة تروتسكي ..» قد لا ترغب في الحرب ولكن الحرب ترغب فيك “..
وبالتالي هي تستعد لحرب بيولوجية قادمة ، أبطالها يتحركون تحت المجهر .
 
بقلم/ عبدالله يسري 
بورتون داون .. منشأة عسكرية سرية عمرها يتجاوز ال 100 عام ، يعمل فيها علماء متخصصون في برامج بحثية ،مهمتهم تتنوع بين الحرب و الدفاع ، في حرب قذرة ، بأسلحة كيميائية وبيولوجية .
مؤخرا تم إغتيال الضابط سيرغي سكرايبال ، التابع للاستخبارات العسكرية الروسيةفي 4 من مارس 2018 بمادة تؤدي الى الشلل الفوري للأعصاب  والتسمم العام ،في سالزبوري ببريطانيا  ، حيث كان يعمل في MI6  وحدثت أزمة دبلوماسية كبيرة بين روسيا و 25 دولة أوروبية والولايات المتحدة الامريكية ..
 
مع ظهور كوفيد - 19 والذي مثل جائحة عالمية في مقاطعة ووهان الصينية،، عاش العالم رعب حقيقيا وتقطعت أوصاله ..حيث توقفت المطارات والموانئ والتزم العالم كله بتعليمات ، أجلست الناس في بيوتهم ولم يعد الأبناء الذين كبرو  يزورون آباءهم خوفا عليهم و ساد الاكتئاب العالم وحلت الطاقة السلبية على الأرض كلها ، وفي خضم هذه الأزمة العالمية وقعت وسائل الإعلام في فخ الفزاعة بشكل غير مباشر ..حيث تحولت الى بكائية تتحدث ليل نهار عن أعداد المصابين والمتوفين ..وتنقل عدسات وكالات الأنباء العالمية صور الجثث في لفافات البلاستيك وهم يقذفون بها في القبور ، فرادى وجماعات ..كان فزعا حقيقيا جعل بعض الدول تغير على سفن لدول أخرى في عرض البحر تحمل شحنات أمصال و كمامات ..دون أدنى خجل  أو خوف .
 
في هذا المجال ستجد تاريخاً من الوبائيات : السارس 2002 - 2004 ، الايدز 1981، الانفلونزا الاسبانية 1918 - 1920 ، ايبولا في غينيا 2013 - 2016، أنفلونزا الخنازير 2009 - 2010 ، فيروس زيكا في الامريكيتين 2016 -2015،أنفلونزا هونج كونج 1958 – 1969 ...ويبقى السؤال ، هل ظهور هذه الوبائيات المختلفة وسياقاتها الزمنية طبيعيا ؟! 
وان لم يكن طبيعيا ، أي مخلقا ، فما هو الهدف ؟؟
 
في ضوء هذا الطرح تأتي تصريحات رسمية روسية لتميط اللثام عن مساحة جغرافية في أوكرانيا تحوي مجموعة من المختبرات البيولوجية التي تتبع برامج تسليح أمريكية وذلك بعد أكثر من أسبوعين من بدء العمليات العسكرية الروسية في 24 من فبراير 2022 ،، حيث قال قائد قوات الدفاع الإشعاعي و الكيميائي والبيولوجي في القوات الروسية ، إن الولايات المتحدة أقامت 30 مختبرا بيولوجيا في مدن لفيف – خاركيف – بولتافا  وأنه تم تدميرها ووجدت آثار مسببات أمراض الطاعون – الجمرة الخبيثة – البروسيلات – الدفتريا – السلامونيلا – الدوسنتاريا ...وقال ان هناك معملين كبيرين كان من المفترض افتتاحهما في فبراير 2022 م في كييف و أوديسا،، ولكن كل ذلك توقف. .،، تصريحات ايغور كيريلوف وهو قائد روسي كبير بأنه تم تدمير 233 حاوية تحتوي على مسببات مرض البريميات والطاعون والبروسيلات في مدينة لفيف فقط .. وأن واشنطن أنفقت 200 مليون دولار على برامج لتصنيع وباءات في معامل بيولوچية في أوكرانيا وكان بجانب هذه المعامل قواعد عسكرية بريطانية تحت الإنشاء.. كل ذلك وغيره يميط اللثام عن نوايا بشأن حرب بيولوچية تستخدم فيها الأمراض والفيروسات ، اما لارهاق واستنزاف دول من الناحية الإقتصادية  أو لتحجيم نجاحتها التنموية حيث باتت تنافس بقوة وحضور في نظام عالمي جديد يتشكل الان !!
 
الأسلحة البيولوچية : هي الكائنات الدقيقة ( الحية الدقيقة ) التي يمكن أن تسبب المرض أو الموت لعدد كبير من السكان كالبكتيريا – الفيروسات – الفطريات .. وتستخدم في إحداث دمار شامل مقصود لدولة / دول معينة .
مؤخرا ظهرت المنظمات الحيوية البيولوجية وهي مواد قادرة على اثارة الاعراض السريرية عمليا على الفور ، حيث لاتوجد فترة كبيرة بين العدوى و الاعراض لانها تستهدف تثبيط العمليات الحيوية بشكل مباشر في الجسم مما يجعلها تؤثر على الهرمونات أو اللمفوكينات أو الناقلات العصبية أو الانزيمات مباشرة .
هناك تخصصات علمية مثل الأوبئة أو الهندسة الوراثية، كان هدفها الأبدي هو مكافحة الاوبئة وحفظ حيات الانسان وهو هدف الأخلاقي الرئيسي .. لكن على الجانب  الاخر و هو الجانب المظلم ، يتم استخدامها في عدد من الدول لصناعتها وانتاجها لتحارب بها دول أخرى وترهق اقتصادياتها .. انه الجانب المظلم من العلم ..
 
الكائن الحي الدقيق المستخدم كسلاح بيولوجي له صفات أهمها: تحضيره في المختبرات بتكلفة منخفضة  وقدرته على النمو بكميات كبيرة مهما تضاءل عدده وحجمه  و قدرته ايضا على الانتشار بسهولة وأن يكون معديا للغاية وقدرته على الفتك العالي في الجرعات المنخفضة وأن ينتشر من شخص لاخر ... والأهم من كل ذلك أن يكون ممرضا بجرعات قليلة  وأن يكون له القدرة على الاستقرار في البيئة المحيطة لفترة معينة من أجل ضمان ديمومته كعامل مسبب للأمراض وبالتأكيد ليكون السلاح فعالا وفتاكا .. يؤخذ في الاعتبار عدم وجود تدابير وقائية أو احترازية أو علاجية له .
 
هناك معاهدتان دوليتان حظرتا الاسلحة البيولوجية في عامي 1925 - 1972، لكنهما لم يمنعا رعاية عدد من الدول لأبحاث حول انتاج الاسلحة البيولوجية ..
تاريخيا استخدمت سموم منتجة من الثعبان والعقرب والعناكب السامة للقتل ، وكانت توضعفي خاتم يلبسه الزعماء والملوك ، اما للتخلص من أحد الرعايا أو مناظريهم  أو التخلص من حياتهم شخصيا اذا ما أحدق بهم الخطر .. ولقد برع المصريون القدماء في صناعة هذه السموم ، ولا أدل على ذلك مما فعله الكهنة في جيش قمبيز الفارسي الذي غزاهم525 ق.م، وذلك عبر تسميمهم لعدد من ابار الماء في الصحراء الغربية ..، حتى هلك 40 الف جندي قبل أن يصل الى واحة سيوة قرب الحدود الليبية .
 
عبر العقود الماضية كانت لعدد من الدول برامجها و أبحاثها في هذا المجال، وتذكر بعض المصادر ما قامت به بعض الدول المتحاربة في الحرب العالمية الثانية مثلا كألمانيا التي أصاب علماؤها سجنا بالكائنات المسببة لأمراض مثل التهاب الكبد ايه ..والملاريا، فيما قام الحلفاء في هذه الحرب بادخال الحمى الصفراء للهند عن طريق البعوض المصاب من غرب افريقيا وهو ما أكده جوزيف جوبلز في اتهامه للبريطانيين ..وبالفعل كان للعالم البريطاني فريدريك بانتنغ مكتشف الانسولين  دوره في انشاء مركز بورتون داون عام 1940 بعد أن أقنع بذلك موريس هانكي ، سكرتير مجلس الوزراء البريطاني ..ووصل معه المشروع بول فيلدز ، الذي أعلن أن مهمة المركز هي هجومية ، وقاد تطوير قنبلة الجمرة الخبيثة الفعالة التي أعجبت تشرشيل، الباحث حينها عن سلاح قوي لهزيمة ألمانيا النازية .
 
وهكذا استخدمت اليابان أيضا عبر عالمها شيرو إيشي ، أسلحة بيولوجية تمت تجربتها على أكثر من 5000 سجين من جنسيات كورية وصينية ومنغولية وسوفيتية وأمريكية وبريطانية واسترالية ..كما قامت اليابان كذلك ايام الحرب العالمية الثانية بتسميم 1000 بئر مياه في القرى الصينية لدراسة تفشي مرض الكوليرا والتيفوس، كما ألقت بالبراغيث الموبؤة بالطاعون على المدن الصينية و ظلت لسنوات، حيث قتلت 30,000 شخص فقط في عام 1947 حتى بعد استسلام اليابانيين بفترة طويلة .
 
تذكر بعض المصادر أن الايدز هو من اختراع ال سي اي ايه لاستخدامها في كوبا والتي قامت بتقديم شكوى رسمية بموجب المادة الخامسة من اتفاقية الاسلحة البيولوجية 1997واتهمت فيها الولايات المتحدة الامريكية وأنها من تقف وراء قتل الزعيم فيديل كاسترو ... وقد أكدت ذلك الدكنورة فاجناري ماثاي ، الحاصلة على جائزة نوبل حيث ذكرت أن مرض الايدز صنع في معامل عسكرية في فورت ديريك بولاية ميريلاند.
 
ان فرع المخابرات العلمية في أجهزة المخابرات لأي دولة معني بمتابعة كل جديد في هذا الملف الخطير جدا على مستوى العالم وبتحصين الدولة بكل القدرات للحماية والدفاع عنها وعن شعبها ضد اي عدائيات قائمة أو محتملة في هذا الصدد ....
 
لقد استخدم الانسان العقارب والنحل والبعوض على نقل العدوى ...وقد استخدام البراغيث بشكل ايجابي وذلك عبر ادخال قطعة معدنية دقيقة في رأس الحشرة لتعمل على ارسال واستقبال الاشارات الراديوية للكشف عن المتفجرات والمخدرات والتصوير والتجسس ومكافحة الارهاب وتحديد مواقع العدو بدقة كبيرة .... أما عن البراغيث لوحدها فلها دور كبير يمكن الاشارة له عبر ما قامت به الوحدة السرية 731 التابعة لليابان والتي كانت تشرح الاحياء من الصينيين وتجري التحارب عليهم .. وقد استخدمت البراغيث لنشر الطاعون والكوليرا ، فيمكن للبرغوث الواحد أن ينقل من 20 الف الى 24 الف من فيروس الطاعون وبلسعة واحدة ....
 
وبعد ،،،، ان الخطر الحقيقي الان أن تتمكن الطائرات المسيرة من حمل فيروسات واطلاقها على ارتفاعات معينة لتحملها فيما بعد جزيئات التربة أو الماء و تتأرجح عاليا في طبقة من الغلاف الجوي تسمى طبقة  “التروبوسفير” الحرة لتتساقط الأوبئة من السماء !
 
ويبقى التحدي الحقيقي لكل دولة في وضع استراتيجية الوقاية !!
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره