مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-02-01

الإستراتيجية الإماراتية الشاملة لمكافحة الإرهاب .. نموذج عالمي

بات خطر التطرف والإرهاب التحدي الأول للأمن القومي العربي والمجتمع الدولي لدرجة أن تلك القضية تفرض نفسها على أجندة المباحثات في مختلف المحافل بين الدول المختلفة ، حيث تشكل أزمة طاحنة مستمرة تستهدف إستقرار الدول وأمن المواطنيين وتهدد الأنظمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية .. خاصة في ظل التطور التكنولوجي والذكاء الإصطناعي أضحت ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان ، وتستدعي محاربتها تضافر كافة الجهود والمؤسسات بل والدول أيضاً.
 
 
بقلم  د/ إيمان خطاب 
مدرس بقسم الصحافة – كلية الإعلام  - محاضر زائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا
 
 
وتُعد دولة الأمارات العربية المتحدة من أوائل الدول وأكثرها جدية في محاربة الأيدولوجيات المتطرفة ، فمنذ تأسيسها عام 1971م لم تدخر أي جهد في مكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله ومظاهره محاولة إجتثاثه من جذوره ، وأيقنت أن الحرب على الإرهاب ليست حرباً عسكرية فقط ، بل إنها حرب شاملة ومقاربات مبتكرة تتجاوز تجليات الظاهرة نفاذاً إلى جذورها، فتبدأ من معالجة الراديكالية، إلى مكافحة عمليات التجنيد، لتجفيف المنابع الفكرية والثقافية ، والتعاون المثمر مع كافة القوى والفئات وصولاً إلى المشاركة الفعالة في المجتمع.
 
 
وكانت رؤية الإمارات الاستباقية التي تذهب لبؤر الخطر والتهديد بدلاً من انتظارها سبب في إنضمامها للعديد من الصكوك الإقليمية والتحالفات الدولية  ، وإصدارها العديد من القوانيين والتشريعات لتجريم تلك العناصر وتجفيف منابع تمويلها مادياً ولوجيستياً وبشرياً ، بل واعتدت أيضاً إستراتيجية شاملة للمكافحة قائمة على ثلاث محاور هما ( المحور القانوني والتشريعي – والمحور الديني والثقافي – والمحور الإعلامي والإجتماعي ) وحققت من خلالها نجاح ملحوظ في دحر الإرهاب وتعرية الفكر التكفيري المتطرف.
 
 
منظومة قانونية وتشريعية تتماشى مع المعايير الدولية
عملت دولة الإمارات على صياغة منظومة تشريعية كاملة تسد كافة الثغرات وتعالج أوجه الإرهاب وتقضي على التطرف بأشكاله ، حيث أصدرت «قانون اتحادي رقم 1 لسنه 2004» بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية  تلاه «قانون اتحادي رقم 39 لسنه 2006»  ثم «القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية، والذي تضمن عقوبات مشددة على الأفعال والجنايات التي ترتكب لغرض إرهابي» ، وذلك للقضاء على الأحداث والعمليات الإرهابية وردع العناصر الإرهابية ، كما أصدرت القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2013 بإنشاء مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف تلاه قانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية والذي يجرم ويكافح كل أشكال التمييز والكراهية وازدراء الأديان  ، وأصدرت في أكتوبر 2018  قانون «مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة»، ضمن الجهود القانونية لمكافحة تمويل الأنشطة الإرهابية وتجفيف منابعها ، والتي أكدت من خلاله الإمارات جدية سعيها لجعل قوانينها تتماشى مع المعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة تدفق الأموال غير المشروعة.
 
 
مواجهة أمنية .. وتدابير حامية للدولة
شددت الامارات الرقابة على الحدود «الدخول إلى الدولة والخروج منها»،  ودققت في مراقبة إجراءات الهجرة لمنع تسلل أي عنصر متطرف أو إرهابي، ورصدت أسماء المتورطين في عمليات وأحداث إرهابية وعممتها على جميع المطارات والمنافذ الحدودية والموانئ، وأصدت جواز سفر جديد بتقنية عالية لمنع تزويرها، وحرصت الدولة على الحيلولة دون توفير أى ملاذ للعناصر الإرهابية ، واستخدمت المنابر المختلفة لفضح أكاذيب معتقداتهم وأفكارهم المتطرفة .
 
 
كما شددت الرقابة على استيراد وتصدير الأسلحة والذخائر والمواد الكيماوية لمنع انتقال أي نوع من الأسلحة للإرهابيين، كذلك حرصت على منع جمع الأموال من قبل المواطنيين من خلال أي جمعية أو مؤسسة واتخذت إجراءات إدارية مشددة في ذلك .
 
 
وقامت بتسهيل إجراءات تبادل المعلومات بصفة عاجلة وسرية بين الأجهزة الأمنية المعنية على الأصعدة الوطنية والعربية والدولية ، وتعزيز التنسيق والتعاون الفاعل على المستوى الدولي وتطوير الشراكات الدولية ، ويتضح ذلك في ترأس الإمارات بالاشتراك مع أمريكا وبريطانيا مجموعة العمل المعنية بالتواصل الاستراتيجي التابعة للتحالف ضد «داعش»، وتعزيز الملاحقات القضائية لمكافحة الإرهاب في عام 2016 ، واستضافت المؤتمر الدولي لتجريم الإرهاب الإلكتروني في مايو 2017 .
 
 
المحور الديني والثقافي 
اعتبرت الإمارات أن غرس قيم الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح في المجتمع وتعزيزها هو حائط الصد الرئيسي في مواجهة التطرف الذي يتربص بالمجتمعات العربية والإسلامية ، واعتمدت على الهيئة العامة للشئون الإسلامية للمساهمة  في تنمية الوعي الديني والثقافة الإسلامية ، بدعم الجهود البناءة التي تسير في اتجاهات كثيرة كـدعم جهود إصلاح الخطاب الديني، والعودة إلى الصورة السمحة للدين الإسلامي الحنيف والتصدي لنزعات التطرف والتشدد .
 
 
وشجعت الدولة على تنظيم المحاضرات والندوات في المؤسسات المجتمعية التي تعبر عن الصورة الصحيحة للدين الإسلامي ، وبرنامج تطوير خطبة الجمعة والذي يتيح الفرصة للأفراد للمشاركة في إثراء الخطب بالعناوين والأفكار الجديدة وذلك من خلال موقع الهيئة الإلكتروني ، وأيضاً دعم المؤسسات الدينية الوسطية في العالمين العربي والإسلامي وفي مقدمتها «الأزهر الشريف». هذا بالإضافة لإستضافة دولة الإمارات لإنشاء الدولة لـ «»مجلس الحكماء المسلمين» والذي تأسس في  19يوليو 2014، واتخاذ العاصمة الإماراتية أبوظبي مقرا له ،  ويعتبر المجلس أول كيان مؤسسي يهدف إلى توحيد الجهود في لم شمل الأمة الإسلامية والقضاء الفتن الطائفية التي تعصف بالعالم الإسلامي منذ عقود ، حيث يقوم المجلس على مبادئ “ تعزيز الحوار، وبناء القدرات، ونشر الوعي”.
 
 
المحور الإعلامي والاجتماعي: يعول على الإعلام الإماراتي مسؤولية كبيرة لدحر الإرهاب وتعرية التطرف والتخديم على خطة الدولة .. ولا سيما خلال متابعة بسيطة ستدرك ان الإعلام قائم بدوره بشكل متميز ومميز بإستراتيجية محكمة .. ناهيك عن إستضافة العناصر الإرهابيه وذويهم للحديث عن تجربتهم وتعريه الأنظمة التخريبية والإرهابية وبث حاله من التوعية المجتمعية، ويحاول الإعلام جنباً إلى جانب مبادرات الدولة التصدي لمواقع التواصل الإجتماعي .. كما تبنت الإمارات العديد من المبادرات المعنية بالاتصالات الاستراتيجية ودور وسائل التواصل الاجتماعي في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف ولعل أبرزها: «مركز صواب» – وهو مبادرة تفاعلية للعمل على تسخير وسائل الاتصال من أجل تصويب الأفكار الخاطئة وإتاحة مجال أوسع للأصوات المعتدلة – والذي يأتي ضمن إطار تعزيز جهود التحالف الدولي في محاربة الإرهاب. 
 
 
ومن أهم مبادرات الدولة في هذا المجال «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» والتي استضافته الدولة لعامين متتالين وخرج بمجموعة من التوصيات والمبادرات المهمة في مجال تعزيز السلم وصناعة السلام، وكذلك تقديمها مساهمة بقيمة 30 مليون يورو في ديسمبر 2017م لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي لمحاربة ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، وهي المساهمة التي وصفها «جيفري فلتمان» وكيل الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالشؤون السياسية بأنها «جاءت في مرحلة حاسمة في سياق مبادرة أمين عام الأمم المتحدة لإصلاح هيكل المنظمة لمكافحة الإرهاب، وأنها ستعزز قدرة مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على دعم الدول الأعضاء في جهودها الرامية إلى منع التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب اللذين أصبحا تحديين رئيسيين للسلم والأمن الدوليين».
 
 
 “  لم تكن تلك الإستراتيجية الشاملة هي السبب الوحيد لتفرد وتميز الإمارات في مواجهة التطرف والإرهاب .. لكن تنامي الدور الإنساني والحضاري للدولة وقادتها عبر الترويج لفضائل التآخي والتعايش السلمي بين الآديان والمجتمعات والشعوب المختلفة ، ونشر قيم التسامح  والمودة والتعاون وقبول الأخر ، وتعزيز فرص الحوار ... فكانت الإمارات “ بوابة التسامح” 
 
 
 الإمارات بوابة التسامح        
ظهر ذلك جلياً في فبراير 2019 م حين قام البابا فرانسيس بتلبية دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وحلوله ضيفاً على دولة الإمارات ، تلك الزيارة التي شهدت توقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية والسلام العالمي والعيش المشترك» من قبل الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان.
وعلى آثر ذلك تبنت الأمم المتحدة مبادرة الإمارات ، وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان الرابع من فبراير من كل عام ليكون «اليوم العالمي للأخوة الإنسانية» .. ولاسيما التأييد الكبير وتوافق الآراء الذي تحظى به إقتراحاتها وكلماتها في المحافل الدولية والإقليمية .. وذلك إنعكاس لتميز استراتجيتها الراسية على ركائز مختلفة عن سائر الدول .
 
 
فرؤية الإمارات لمكافحة الإرهاب  متفردة لا تنظر للإرهاب والتطرف على أنه تهديد داخلي وإنما تعتبره تهديد لأمن واستقرار للمحيط الإقليمي والدولي، تيقناً بإنه مهما بعد جغرافياً سيطالها التأثر به وبتحركاتها وقراراتها، لذا تدحر الإرهاب وتدرأ خطره في أي جبهه لتلاشي مخاطره الآنية والمستقبلية والعيش مستقرة في محيط لا يعاني ويلات التطرف، وإن كانت أقل الدول تعرضاً لخطر الإرهاب وتضرراً منه لكنها أكثرهم حرصاً وجدية في مواجهته والقضاء عليه، ويشهد الجميع للدور الكبير والمحوري الذي قامت به في توجيه ضربة قاصمة للتنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم القاعدة في اليمن، من خلال مشاركتها في التحالف العربي، الذي تأسس في فجر 26 مارس 2015.
 
 
ويتضح بذلك أن مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب على رأس أولويات صناع القرار في الإمارات ومحور رئيسي في سياستها الداخلية والخارجية  ، وانعكست لرؤية وإرادة إماراتية  متفردة تمثل نموذج عالمي يتميز برؤية استباقية غير تقليدية تعتمد على شمولية واستمرار المواجهة عبر منهجية علاج لكافة الجوانب وصناعة مستقبل أفضل للشعوب محصن من جرثومة الفكر التكفيري وتحوره لإرهاب اسود ... فلنعمم التجربة الإماراتية «استراتيجية وإنسانية.. وتعرية للفكر التكفيري وعناصره «
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره