2023-09-28
الإمارات في قمة العشرين بؤرة ضوء ومصدر إلهام في منطقة الشرق الأوسط
تعكس مشاركة دولة الإمارات في قمة العشرين كضيف شرف للعام الثاني على التوالي مكانتها الإقليمية والدولية المتنامية والثقة العالمية في سياساتها وتوجهاتها المعتدلة والمتوازنة. وهذا الثقل الدولي والمكانة البارزة التي اكتسبتها دولة الإمارات نتيجة سياساتها الاقتصادية والتنموية الناجحة وجهودها البارزة لدعم الأمن والاستقرار الدوليين ونشر السلام في العالم، والدفع قدماً باستراتيجيتها الداعية لتغليب لغة الحوار والدبلوماسية لحل الأزمات الدولية، التي تمثل معضلة وتحدياً صعباً يواجه الأمن والاستقرار فضلاً عن التنمية وازدهار الشعوب.
بقلم العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
هذه المشاركة الإماراتية في تكتلات أو منظمات القمم أو قمم ولقاءات دولية كبرى تصنف باعتبارها محاور متضادة أو متنافسة تعكس اعتدال وتوازن السياسة الخارجية الإماراتية وقدرتها على بناء علاقات قوية مع الجميع، وأن تلعب دوراً حيوياً كجسر للحوار والتواصل وتقريب وجهات النظر والمواقف بين المتنافسين والخصوم الاستراتيجيين، وبما يصب في مصلحة الأمن والاستقرار الدوليين. من هنا وفي ضوء ما سبق وغيره من الشواهد والبراهين، فإن من الصعب للغاية اعتبار انضمام الإمارات إلى تكتل «بريكس» باعتبارها انخراطاً معادياَ أو مضاداً للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص.
وقد حرصت القيادة الرشيدة لدولة الإمارات منذ بداية أزمة أوكرانيا واحتدام الصراع بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة ثانية على تبني موقف قائم على المبادئ والتمسك بالقانون الدولي في التعاطي مع الأزمة، باعتبار أن ذلك الخيار يمثل التموضع الاستراتيجي الأمثل والوحيد الذي يضمن للإمارات الحفاظ على مصداقيتها الدولية ويتيح لها هامش مناورة سياسي مناسب للتحرك بين الخصوم بحثاً عن مخرج سلمي مما آلت إليه الأوضاع. وفي بدايات الأزمة، امتنعت الإمارات، إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي ألباني في مجلس الأمن الدولي، يدين روسيا ويطالبها بسحب قواتها من أوكرانيا، وهو المشروع الذي تمت عرقلته ـ بوساطة حق النقض (الفيتو) الروسي. وأكدت الأيام أن موقف دولة الامارات بالبقاء على مسافة واحدة من طرفي الأزمة هو الذي سمح لها بعد ذلك بالحديث عن ضرورة الحل الدبلوماسي والتحرك في هذا الاتجاه وتشجيع الأطراف الأخرى على بذل الجهد من أجل حلحلة الموقف المتأزم.
بشكل عام، فإن علاقات الإمارات والولايات المتحدة الأمريكي تتسم منذ تأسيسها بالقوة والتطور المتواصل حتى بلغت مستوى الشراكة الاستراتيجية، إذ تأسست العلاقات من البداية على المصالح المشتركة، فضلاً عن تشارك القيم والمبادئ ووجهات النظر حيال قضايا وموضوعات اقليمية ودولية عديدة، فالولايات المتحدة أكدت غير مرة بشكل رسمي أن الإمارات من أكثر الاقتصادات ابتكاراً في العالم وشريك استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يلاحظ أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد قفز بنسبة أكثر من 110% خلال العقد المنصرم، وهو تطور طبيعي لتعاون يمتد لعقود مضت.
وتعد القيم المشتركة بين البلدين والشعبين أحد أقوى ركائز العلاقات الثنائية، لاسيما أن هذه المشتركات تقع في قلب اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية مثل القيم والمبادئ وبالأخص نشر ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر فضلاً عن مكافحة الارهاب والتطرف.
النموذج الإماراتي
ولابد من الاشارة إلى كون دولة الإمارات والولايات المتحدة شريكين فاعلين في مجال مكافحة الارهاب والتطرف والتشدد، إذ كانت الإمارات الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة بالنسبة لأعداد وقوة وفاعلية الضربات الجوية التي شنها التحالف الدولي ضد الارهاب بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، كما أنّ قائمة المنظمات التي تصنفها الإمارات «إرهابية» هي الأطول في العالم بعد القائمة الأمريكية، ما يعكس مدى جدية الامارات في مكافحة تنظيمات الارهاب والفكر المتطرف، لاسيما أنها تعمل وفق استراتيجية مدروسة لا تقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية والاستخباراتية، بل تشمل أيضاً الصعيد الثقافي والفكري، حيث تبذل الامارات جهوداً مكثفة ومتواصلة لنشر ثقافة التسامح والتعايش عالمياً واقليمياً بطرق وأدوات وآليات شتى.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن من الصعب القفز على أحد أهم عوامل تقدير واحترام الولايات المتحدة لدولة الإمارات، وهو ما بات يعرف بجاذبية النموذج التنموي الإماراتي الذي تحول إلى بؤرة ضوء ومصدر إلهام في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن ثراء هذه التجربة بالدروس والخبرات بما يوفر لها القدرة على تقديم يد العون والمساعدة للعديد من دول المنطقة والعالم من أجل الخروج من عثراتها التنموية والتصدي لإشكاليات النمو وعقباته، وهنا تبدو للولايات المتحدة مصلحة مؤكدة في تشجيع الإمارات والتعاون معها في تقديم هذه الخبرات التنموية المتراكمة من أجل مساعدة الدول على التكيف مع التحولات الاقليمية والدولية المتسارعة.
وقد حصلت العلاقات الثنائية الإماراتية الأمريكية على دفعة قوية في اكتوبر عام 2020 بانطلاق الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي شمل نطاقاً واسعاً من مجالات التعاون الاستراتيجي في السياسة والدفاع والاستخبارات ومحاربة الإرهاب والاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا والطاقة النووية السلمية وعلوم الفضاء. وطبقاً لبيان الخارجية الإماراتية فإن اطلاق الحوار الاستراتيجي الذي يأتي «تقديراً للشراكة الأمنية بين البلدين»، يهدف إلى «التأكيد على أهمية التنسيق الدفاعي بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة لردع التهديدات العسكرية من خلال التخطيط المشترك والتدريب والتمارين والتشغيل البيني للمعدات.. كما أنه من المتوقع أن يمكن تعميق وتوسيع العلاقات الدفاعية والاستخباراتية دولة الإمارات من مواصلة تطوير قدراتها الأمنية ومواصلة الولايات المتحدة لعب دور نشط في الجهود الأمنية الإقليمية». وقد أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، وقتذاك إصرار البلدين على تعزيز وتطوير العلاقات بينهما، حيث وصف بامبيو علاقات البلدين بالعميقة وأن الحوار الاستراتيجي هو استمرارية لهذه العلاقات وقال سموه: «عملنا جنباً إلى جنب من أجل تحقيق السلام بالكثير من الدول بالشرق الأوسط.. والإمارات مستثمر كبير في أمريكا، وأنتم المصدر رقم واحد للصادرات الأمريكية، ونثمن تعايشكم وحقوق الأقليات الدينية لديكم والعديد من الإنجازات والقيم لديكم، ونأمل في أن ينتشر هذا الزخم بالدول الأخرى». وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، في حديث خاص لـ«سكاي نيوز عربية» إنّ الحوار الاستراتيجي مع الإمارات بالغ الأهمية، وما كان يمكن للولايات المتحدة مكافحة الإرهاب في المنطقة من دون التعاون مع الإمارات، التي تعدُّ رائدة في صنع السلام في منطقة الشرق الأوسط».
مقاربات تشاركية
ولفهم هذه النقطة الخاصة بالجمع بين الفرقاء أو المتنافسين، نشير إلى أن الإمارات تميل دوماً إلى صياغة مقاربات تشاركية، وبناء الجسور وردم الفجوات وهذا النهج يعكس رؤية الدولة ودعمها لأي جهد يستهدف ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، فالإمارات لا تسعى للجمع بين المتنافسين أو الخصوم الاستراتيجيين كما يتصور البعض، بل تسعى إلى تشارك وشراكات بينها وبين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها واقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع، وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهداف تنموية ذات بعد تنافسي عالمي ـ كالتي وردت في وثيقة الخمسين ـ أو التي تؤكد عليها القيادة الرشيدة دائماً بأن الطموحات لا سقف لها سوى السماء، تطرق أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت أو وجدت، لاسيما أن المسألة لا تتعلق فقط بشق مادي أو مكاسب اقتصادية وتجارية، بل بشق قيمّي ورغبة صادقة في نشر السلام وترسيخ التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر، لذا ليس من باب المنطق أن تُبذل كل هذه الجهود في التقريب بين البشر، والتي تجلت بشكل قوي من خلال «وثيقة الأخوة الانسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» في حين تجازف الإمارات وتغامر بكل موروثها واستثمارها الانساني، حين تنحاز لطرف ضد آخر في صراع دولي يشعر الجميع بالقلق الشديد تجاه عواقبه وتداعياته السلبية التي تطال جميع دول العالم من دون استثناء.
لا يوجد تعليقات