مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-12-03

التغير المناخى وتهديد الأمن الوطنى والسلم الدولى

أضحت التغيرات المناخية ظاهرة متصاعدة فى العقود الأخيرة مع ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة لزيادة الانبعاثات الكربونية وارتفاع معدلات التلوث وهو ما أدى لأثار وتداعيات سلبية كثيرة على الحياة على وجه الأرض وعلى كثير من المجالات مثل تأثر الأمن الغذائى وتزايد الكوارث الطبيعية. وفى هذا الإطار تبرز التداعيات الأمنية للتغيرات المناخية ومنها تهديد الأمن الوطنى وكذلك تهديد السلم والأمن الدوليين, إضافة إلى تزايد الصراعات وظاهرة الإرهاب فى الكثير من مناطق العالم.
 
 
بقلم: د. أحمد سيد أحمد
 
أولا: تغير المناخ وتهديد  الأمن الوطنى والسلم الدولى:
يعد التغير المناخى أحد المصادر غير التقليدية التى تمثل تهديدا حقيقيا للأمن الوطنى للدول وكذلك تهديدا للسلم والأمن الدوليين، إضافة إلى المصادر التقليدية مثل الحروب بين الدول والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية داخل الدول والإرهاب وانتشار الأسلحة النووية، فضحايا التغيرات المناخية أضحت تفوق ضحايا الحروب والنزاعات، كما أنها تهدد كل الدول والشعوب على عكس النزاعات التى تهدد الدول التى تندلع فيها فقط ويمكن اعتبار التغير المناخى تهديدا للأمن الوطنى والسلم الدولى لعدة اعتبارات:
 
 
أولها: برزت آثار التغيرات المناخية نتيجة لزيادة الانبعاثات الحرارية وارتفاع درجة حرارة الأرض وثانى أكسيد الكربون، فى العديد من الظواهر مثل انتشار الكوارث الطبيعية كالأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات التى شهدتها الكثير من دول العالم، خاصة فى الصين وأوروبا وشمال إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما أدى لوقوع آلاف الضحايا من القتلى والمصابين وملايين اللاجئين والمهاجرين والنازحين. كما برزت ظواهر ارتفاع معدلات التصحر والجفاف فى العديد من دول العالم، خاصة فى إفريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية نتيجة لتناقص معدلات هطول الأمطار ونقص منسوب كميات المياه العذبة فى الأنهار وهو ما أثر سلبيا على الأمن الغذائى مع ندرة الغذاء فى العديد من دول العالم بما يهدد الأمن القومى لتلك الدول. إضافة إلى أن الجفاف والتصحر يدفع فى اتجاه التشاحن والتزاحم سواء بين الدول وبعضها البعض، خاصة على موارد الأنهار الدولية المشتركة، أو داخل المجتمعات والصراع بين المناطق والقبائل المختلفة على مصادر المياه والزراعة والرعى، وبالتالى يزيد من منسوب عدم الاستقرار سواء فى داخل الدول أو فيما بينها حيث تتنافس لتأمين الموارد لمواطنيها مما يهدد بنشوب حروب ونزاعات مسلحة وهو ما يمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
 
 
ثانيها: التغيرات المناخية وما تؤدى إليه من التصحر والجفاف والتداعيات الاقتصادية الأخرى تزيد من معدلات الفقر، وتراجع الأمن الغذائى خاصة داخل الدول النامية وهو ما يزيد من عمليات النزوح والهجرة داخل الدول والضغط على المدن، فعلى الصعيد العالمى، بلغ متوسط عدد الأشخاص النازحين داخل بلدانهم سنوياً فى الفترة ما بين 2008 و2020 نحو 21٫8 مليون شخص، وذلك بسبب الكوارث المرتبطة بالطقس، والمتمثلة فى الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات، والعواصف، وحرائق الغابات. وتشير الكثير من الدراسات البيئية إلى أن تغير المناخ من المرجح أن يؤدي لزيادة النازحين واللاجئين في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر خاصة في البحر المتوسط لنزوح حوالي 3.8 مليون شخص من سكان دلتا النيل والسواحل إلى المناطق الداخلية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014.. وقد عكست الفيضانات وإعصار دانيال الذى شهدته ليبيا فى شهر سبتمبر الماضى تأثير التغيرات المناخية حيث أدت لوقوع ألاف القتلى والجرحى وزوال أحياء بكاملها. كما أشار تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014 بعنوان: مواجهة الواقع المناخي الجديد، إلى أن المنطقة العربية ستشهد تبخراً للموارد المائية الشحيحة خاصةً في نهري دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية وانخفاض غلة المحاصيل بنسبة 30% في مصر والأردن وليبيا, وكلها عوامل تؤثر سلبا على الأمن القومى.
 
 
ثالثها: زيادة الهجرة غير المشروعة إلى الدول المتقدمة, فتغير المناخ من المرجح أن يؤدى إلى نزوح نحو 140 مليون شخص بحلول عام 2050، من داخل إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية (يمثلون معا نحو 55% من سكان العالم النامى)، وبالتالى ستزداد الهجرة غير المشروعة وتبرز معها المشكلات المرتبطة بالمجتمعات التى يهاجرون إليها مثل تصاعد اليمين المتطرف الذى يوظف ورقة المهاجرين لأغراض سياسية، ومن ثم يزيد من بيئة الصراع داخل المجتمعات ويؤدى لتداعيات أمنية خطيرة. كما أن التغيرات المناخية تؤدى إلى زيادة انتشار الأمراض والأوبئة العالمية، مثل فيروس كورونا، والذى بلغت ضحاياه أكثر من خمسة ملايين وفاة وأكثر من نصف مليار إصابة، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية الكبيرة على الدول والأفراد والتى أدت لتداعيات أمنية خطيرة تهدد باستقرار الدول والمجتمعات.
 
 
رابعها: تهديد السلامة الحضرية, حيث تؤدى التغيرات المناخية إلى تدهور مؤشرات السلامة الحضرية، والتي أبرزها المعهد الملكي للشؤون الدولية (Chatham House) في تقريره الصادر في سبتمبر 2021، حيث يوجد 6 مجالات في هذا الشأن مُعرضة للخطر بسبب التغيرات المناخية، وهى: 
 
 
1 - الاضطرابات الاقتصادية والتجارية:  حيث ستؤثر موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف سلباً على الأمن الغذائي والبنية التحتية للطاقة والمياه، وهو ما يُضر بقطاعات الصناعة والأعمال التجارية. وبالتالي، فإنه من المرجح أن تشهد أسواق الأسهم تحولات مفاجئة نتيجة لتدمير البنية التحتية والمحاصيل، ما يؤدى إلى بيع الأصول، وانخفاض أسعار الأسهم، ونقص في صناديق المعاشات التقاعدية، وفي النهاية تقويض الأسواق المالية. كما أنه من المحتمل أن تتأثر التجارة الدولية بانعدام الأمن المناخي، فعلى سبيل المثال، أجبر فيضان نهر اليانجتسي في الصين عام 2020، بسبب أعلى هطول للأمطار منذ 60 عاماً، السلطات على تدمير سد معرض لخطر الانهيار وتعطيل سفن الشحن.  
 
 
2 - ضغوطات الهجرة والنزوح الجماعى: حيث ستؤدي الضغوط الناتجة عن التغيرات المناخية، على الأرجح إلى خسائر في الأرواح، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وزيادة الضغوط على المؤسسات العامة والبنية التحتية، وبالتالي، تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية. ويتوقع الخبراء الدوليون أن يؤدي ذلك إلى مزيد من نزوح المواطنين ومن ثم تنامي مظاهر الهجرة والنزوح الجماعي واللجوء البيئي. 
3 - انعدام الأمن الغذائى: فمن المتوقع أن تؤدي التغيرات المناخية إلى ظهور العديد من الأمراض الحيوانية والنباتية التي ستساهم في نقص المحاصيل، وبالتالي ارتفاع معدلات المجاعات وسوء التغذية، فضلاً عن زيادة أسعار السلع والمنتجات الغذائية.  
 
 
4 - الأزمات الصحية: يؤدى تغير المناخ إلى زيادة انتشار الأمراض المُعدية الناشئة والأمراض المنقولة، إذ يُعطل النظم البيئية ويزيد من مخاطر انتقال الأمراض.  
5 - تهديد أمن الطاقة: والتى تتمثل بشكل أساسى فى تزايد انقطاع الكهرباء بسبب الحرارة المرتفعة وتدهور جودة الهواء  مما يفرض قيود على النقل وبالتالى انخفاض الطلب على النفط.  
6 - تهديد الأمن القومي والعالمى: فعندما يتعرض الأمن القومى للخطر بسبب التغيرات المناخية، فهذا يعنى أن البلدان تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسى، أى أن المجتمعات تُصبح غير مستقرة بسبب هشاشة وضعف الأنظمة السياسية وضعف المنظومات الأمنية. 
 
 
ثانيا: التغير المناخى وتصاعد الإرهاب:
هناك علاقة طردية بين التغيرات المناخية وتزايد ظاهرة الإرهاب, فعندما يكون هناك فقر وانعدام للأمن الغذائى والمائي، وتكون الدولة غير مستقرة وحكومتها غير قادرة على إيجاد حلول, تحدث مظاهرات وأعمال شغب وربما حروب، وتكثر الهجرة ويزداد الفقر. وعند وجود الفقر ترتفع نسب الجريمة، وقد تحدث اضطرابات مدنية وتمرد، ولاشك أن المنظمات الإرهابية بدورها تنتعش في الدول التي تكثر فيها الاضطرابات والصراعات على المياه والأزمات البيئية وغيرها، لأن كل هذه الأمور ترتبط ببعضها.
 
 
وتعد الآثار السلبية للتغيرات المناخية بمثابة تهديد من شأنه زيادة حالة عدم الاستقرار فى بعض الدول, فالحرارة الشديدة ونقص المياه والغذاء، وارتفاع مستويات سطح البحر، يمكن أن يوسع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، ويؤدى إلى هجرة جماعية وموجات من اللاجئين واللاجئات، وينشئ ظروفا مواتية لظهور كيانات إرهابية تستغل السكان الضعفاء، خاصة فى دول مثل الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يعانى سكان بعض دول المنطقتين من حالة من عدم الاستقرار بالفعل. 
 
 
ووفقاً لمؤشر ND-GAIN فإن القارة الأفريقية وإن كانت الأقل من حيث انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون، حيث لا تؤثر إلا بـ4% فقط، فإنها المتضرر الأكبر من آثار التغيرات المناخية، لضعف الإمكانيات، مما هيأ المناخ لتغلغل التنظيمات الإرهابية. وتصدرت ثمانى دول أفريقية كموزمبيق والسودان والنيجر قائمة الدول الأكثر تضرراً جراء التغيرات المناخية، ويفتقر 400 مليون فى جنوب الصحراء إلى مياه الشرب الأساسية، ونفس العدد يعيش تحت خط الفقر وهو ما يشكل بيئة مواتية لنمو التنظيمات الإرهابية.
 
 
ويُعد التغير المناخي أحد أبرز عوامل تصاعد الإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء, نظرًا لأن الظروف المناخية القاسية, الجفاف والفيضانات والاحتباس الحرارى، والتصحر، تنعكس بشكل سلبي على الثروة الزراعية والحيوانية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات على كافة المجالات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، وصولًا إلى السياسية والأمنية، وهذا بدوره يشجع على اندلاع الصراعات وتصاعد حالة عدم الاستقرار السياسي، وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية للتمدد والانتشار والتوسع واكتساب المزيد من القوة والهيمنة في هذه البيئة القاتمة.
 
 
ولذلك أصبحت منطقة الساحل والصحراء أرضية خصبة لانتشار الإرهاب وموطن الجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا في العالم، مثل تنظيم داعش والقاعدة وجماعة بوكو حرام وغيرها. وقد شهدت السنوات الخمس الماضية، زيادةً كبيرةً في الهجمات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، ولاسيما عند تقاطع حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حيث سُجل أكثر من 1600 حالة وفاة إرهابية فى البلدان الثلاثة عام 2021، مقابل 1300 حالة عام 2020، كما احتلت بوركينا فاسو التي تشهد مخاطر جمة في المياه المرتبة الرابعة في مؤشر الإرهاب العالمي GTI للعام 2022 (وكان تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين أكثر التنظيمات ارتكابًا للعمليات الإرهابية في هذا البلد خلال 2021)، بينما احتلت نيجيريا المرتبة السابعة (جراء تنامي الأعمال الإرهابية لجماعة بوكو حرام خلال 2021)، وجاءت مالي فى المرتبة السادسة، والنيجر في المرتبة الثامنة (بفضل زيادة الأعمال الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا خلال 2021).
 
 
وقد أكدت دراسة أعدها أرون سيان صادرة عن معهد السلام الأمريكي فى يونيو 2011، إلى أن نشأة تنظيم بوكوحرام في نيجيريا ترجع إلى التحولات البيئية وتغير المناخ، حيث ارتبط تأسيس مروي محمد لتنظيم بوكو حرام في الثمانينات بانتشار ضحايا الأزمات البيئية في نيجيريا وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية الأساسية، وفي مرحلة تالية استفاد تنظيم بوكو حرام من هجرة 200 ألف مزارع تشادي إلى نيجيريا عقب موجات الجفاف والتصحر في تشاد، حيث قام بتجنيد عدد كبير من النازحين التشاديين ضمن مقاتليه.
 
 
وفى شرق أفريقيا نجد أن التنظيمات الإرهابية مثل جماعة شباب المجاهدين فى الصومال استغلت حالة الفقر وشح الموارد وانتشار الجفاف وندرة المياه وانعدام الأمن الغذائى فى تعزيز نفوذها فى هذه المنطقة واستغلال هشاشة النظام السياسى وضعف المنظومات الأمنية وغياب الأمن الغذائى وتدهور الاستقرار السياسى والأمنى فى تقوية نفوذها وتمددها وتجنيد المزيد من العناصر لصفوفها. وبالتالى تساهم التغيرات المناخية فى إيجاد بيئة مناسبة لظهور التنظيمات الإرهابية وتناميها.
 
 
ثالثا: التغير المناخى وتزايد الصراعات:
تعد التغيرات المناخية أحد مصادر الصراع والتوتر فى العديد من مناطق العالم سواء بين الدول وبعضها البعض أو داخل الدول خاصة بين القبائل والعشائر المختلفة, فقد بات تغير المناخ مساهماً بشكل كبير في تفاقم ظاهرة تحركات السكان غير النظامية وغير المستقرة، والتي قد يكون بعضها داخلياً، ولكن آثارها قد تمتد إلى خارج الحدود الوطنية أو في حالة الكوارث الطبيعية الأكثر خطورة والتي تؤدي إلى نقص الموارد بطريقة حادة، وفي هذه الحالة تنتج عنه تدفقات جماعية للسكان خارج الحدود الوطنية للدول.
 
 
وقد حدد المجلس الاستشاري الألماني المعني بالتغير العالمي للمناخ 4 مسارات يُحتمل أن تربط تغير المناخ بالصراع, وهذه المسارات هي: تدهور موارد المياه العذبة, وانعدام الأمن الغذائى, زيادة وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها, وزيادة أنماط الهجرة أو تغييرها. وهذا العوامل أصبحت تؤثر سلباً على قدرات المجتمعات التكيفية، وبالتالي المساهمة في زعزعة استقرارها، ما يؤدى إلى مخاطر أمنية لا حصر لها, حيث يزداد التوتر الاجتماعي والاقتصادي, نتيجة لانعدام الأمن الغذائى والمائى، والمشاكل الصحية، والهجرة، والتدهور الاقتصادى، وضعف المؤسسات، وتضاؤل النمو الاقتصادى، وتآكل المجتمعات, وبروز أشكال متعددة من العنف، وانتشار الجريمة المنظمة، وتنامي تجارة المخدرات وغيرها من أعمال غير شرعية.
 
 
وفى يوليو 2022، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائى تقريرا بعنوان: «حالة الطموح المناخى: لمحة إقليمية عن الدول العربية». وأوضح التقرير أن المنطقة العربية، باعتبارها المضيفة لكل من COP27 (مصر) وCOP28 (الإمارات)، ستشهد تركيزا واسعا على معالجة العلاقة بين تغير المناخ والأمن وأنظمة الغذاء والمياه الملائمة للمناخ. وأوضح التقرير أن تغير المناخ يعمل كمضاعف للمخاطر مما قد يزيد من مخاطر الصراعات والنزوح من المنطقة مع تصاعد التوترات حول تقاسم الأصول والموارد الطبيعية النادرة بشكل متزايد، مؤكدا أن بعض دول المنطقة تواجه عدم استقرار اقتصادى واجتماعى وسياسى متصاعد إلى جانب الكوارث المناخية المتزايدة. 
 
 
وفى إطار الأمم المتحدة، اعتبرت دراسة حديثة لمجموعة الأزمات الدولية (سبتمبر 2022)، أن الأمن المناخى يمثل واحدا من عشرة تحديات تواجهها الأمم المتحدة عام 2022 / 2023. وتشير الدراسة إلى الروابط الوثيقة بين المناخ والصراعات والاستجابة لها، مشيرة فى ذلك إلى أن الجفاف وموجات الحر والهطول غير المنتظم للأمطار وارتفاع مستويات سطح البحر، هى كلها تطورات تغذى عدم الاستقرار من خلال تفاقم انعدام الأمن الغذائى والنزوح والتنافس على الموارد.
 
 
وعلى سبيل المثال كان أحد عوامل اندلاع الصراع فى إقليم دارفور بالسودان هو شح الموارد الطبيعية والمياه وانعدام الأمن الغذائى مما أدى لتفجر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة بالزراعة نتيجة الصراع على مراعى الماشية. كما اندلع الصراع بين السودان وأثيوبيا  عام 2021على إقليم الفشقة والصراع على الموارد والرعى فى تلك المنطقة.
 
 
رابعا: تحديات مواجهة التغيرات المناخية:
هناك العديد من التحديات والعقبات التى تقف أمام مواجهة التغيرات المناخية خاصة فيما يتعلق بالأمن الوطنى والدولى وأبرزها:
1 - غياب التوافق الدولى حول مفهوم التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن, حيث ما زالت الأبعاد الأمنية غائبة عن الأجندة الدولية والتى تركز بشكل أساسى على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للتغيرات المناخية خاصة فيما يتعلق بالتصحر والجفاف وشح الأمطار وارتفاع معدلات التلوث وتأثيرها على الصحة العامة وارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على نمط الحياة على كوكب الأرض, دون أن تأخذ الأبعاد الأمنية والسياسية الاهتمام الكافى, وهو ما أثر سلبا على بلورة إستراتيجية عالمية وتنسيق بين الدول المختلفة فى الإستراتيجية الأمنية لتقليل الآثار السلبية للتغيرات المناخية على الأمن الوطنى للدول وعلى الأمن الدولى.
 
 
2 - تزايد حدة الاستقطاب الدولى بين القوى الكبرى فى النظام الدولى, حيث يشهد العالم الآن حالة غير مسبوقة من الاستقطاب الدولى, كتلك التى شهدها إبان الحرب الباردة فى النصف الثانى من القرن العشرين, حيث تزايدت حدة الاستقطاب بين أمريكا وحلفائها وبين روسيا على هامش الأزمة الأوكرانية, وبين أمريكا وحلفائها وبين الصين على هامش قضية تايوان وعسكرة منطقة شرق أسيا وبحر الصين الجنوبى. وقد أدى هذا الاستقطاب الدولى الحاد بين القوى المؤثرة عالميا فى ضعف الجهود والتعاون الدولى خاصة بين القوى الكبرى فى مواجهة التغيرات المناخية خاصة فيما يتعلق بالنواحى الأمنية, نظرا للصراع وسباق التسلح بين تلك الدول وتطوير أسلحة إستراتيجية, كما يتم استغلال التغيرات المناخية فى إطار الصراع الاستراتيجى بين تلك القوى مثل تدمير السدود وغيرها.
 
 
3 - غياب دور بارز وفاعل للأمم المتحدة فى مواجهة التغيرات المناخية, حيث فشل مجلس الأمن الدولى، فى 13 ديسمبر 2021، فى تبنى مشروع قرار قدمته نيجيريا وأيرلندا، يتضمن اعتبار التغير المناخى تهديدا للأمن الدولى، نتيجة للفيتو الروسى، حيث وافقت عليه 12 دولة وعارضته الهند وامتنعت الصين عن التصويت، رغم أن 113 دولة فى الجمعية العامة أيدته. وقد اعتبرت الدول الثلاث أن التغير المناخى هو قضية علمية واقتصادية، وأن الربط بينه وبين الأمن ليس مجال عمل المجلس لأنه يكون معرضا للتسييس، كما انه يتداخل مع عمل الأمم المتحدة والاتفاق الإطارى للمناخ.
 
 
خامسا: آليات مواجهة الأثار المناخية وتعزيز الأمن الوطنى:
يمكن تقليل الآثار والتداعيات السلبية للتغيرات المناخية على الأمن الوطنى والدولى عبر العديد من الآليات:
1 - تعزيز مفهوم الأمن المناخى: يبرز مفهوم الأمن المناخى، كجزء من الأمن الإنسانى الشامل، فى ظل التداعيات الأمنية الخطيرة الناجمة عن التغيرات المناخية والتى تمثل تهديدا للأمن القومى للدول، فالتغيرات الأخيرة فى النظام المناخى أصبحت غير مسبوقة منذ قرون، وأن كوكب الأرض يتجه نحو الاحترار الكارثى بمقدار 2٫7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ولذا فإن الكوكب فى حاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45٪ بحلول عام 2030 للوصول إلى الحياد الكربونى بحلول منتصف القرن.
 
 
2 - تعزيز دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن فى مواجهة التغيرات المناخية: انطلاقا من العلاقة الارتباطية القوية بين التغيرات المناخية والأمن الدولى والوطنى، فمن المهم أن يلعب مجلس الأمن الدولى، المناط به حفظ السلم والأمن الدوليين، دورا فاعلا فى مواجهة التغيرات المناخية، باعتبارها تمثل تهديدا للسلم الدولى. فقد منح ميثاق الأمم المتحدة المجلس السلطة التقديرية فى تحديد ماهية مصادر تهديد السلم الدولى وفقا للمادة 39، وقد توسع بالفعل فى العقود الأخيرة فى مصادر تهديد السلم شملت التدخل لاعتبارات دعم الديمقراطية ومواجهة جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الاغتيال السياسى وغيرها، ومن ثم فإن اعتبار التغير المناخى تهديدا للسلم الدولى يمكًن مجلس الأمن من إصدار قرارات ملزمة وفقا للفصل السابع تلزم الدول باتخاذ إجراءات فاعلة لتقليل الانبعاثات الحرارية والتوسع فى الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة. كما أن المجلس يستطيع فرض عقوبات على الدول، خاصة المتقدمة والمسئولة عن الانبعاثات الحرارية، التى لا تفى بتعهداتها والتزاماتها فيما يتعلق بالمناخ ومنها مخرجات قمم المناخ الدورية (كوب).
 
 
3 - أهمية التعان الدولى فى مواجهة التغيرات المناخية: خاصة الدول الغنية والمتقدمة (المسئول الأول عن الانبعثات الكربونية) فى مواجهة جادة وحقيقية للتغيرات المناخية عبر تقليل الانبعاثات الكربونية والالتزام بتعهداتها فى هذا المجال عبر مؤتمرات المناخ السابقة وتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ والتوسع فى الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر, وكذلك مساعدة الدول النامية والفقيرة على مواجهة أثار المناخ, وتنفيذ تعهداتها بتقديم 100 مليار دولار للدول الأشد ضررا من المناخ لاحتواء أثار التغيرات المناخية, كذلك المساهمة فى صندوق الخسائر والأضرار الذى أقره مؤتمر المناخ كوب 27 بشرم الشيخ بمصر, إضافة إلى مساعدة الدول النامية تكنولوجيا للتوسع فى الاقتصاد الأخضر والهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. 
 
 
كوب 28 وترسيخ الأمن المناخى:
إن التغير المناخى أصبح يمثل تهديدا حقيقيا للأمن الوطنى وللسلم الدولى، ويفرض ضرورة التحرك الجماعى الدولى فى إطار مجلس الأمن، قبل أن يصبح مستقبل الكوكب على المحك وقبل تفاقم تداعياته الغذائية والأمنية والإنسانية وكذلك تصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية. ومن هنا يمثل مؤتمر الأمم المتحدة لمواجهة التغير المناخى, كوب 28, بالإمارات العربية المتحدة محطة مهمة ونقطة فارقة فيما يتعلق بتعزيز الأمن العالمى والأمن المناخى وتعزيز مفهوم العمل الجماعى الدولى لمواجهة أثار التغيرات المناخية والتركيز على تنفيذ الأهداف والمخرجات على أرض الواقع. ولاشك أن الإمارات العربية المتحدة بما لديها من إمكانيات ضخمة وإستراتيجيات واضحة وتجربة رائدة وملهمة فى مجال مواجهة التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات الكربونية والتوسع فى الطاقة متجددة والهيدروجين الأخضر, يعطى أهمية كبيرة لهذه المؤتمر لقيادة تيار عالمى لمواجهة التغيرات المناخية وإنقاذ كوكب الأرض قبل فوات الأوان.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره