مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-01

التغير المناخي في مدار الفوضى والصراعات

كوكب الأرض والحياة عليه ومستقبل البشرية القادم، أصبح يشكل اليوم وفي ظل التهديدات والكوارث الكثيرة التحدي الأكبر، فالعالم دخل في مدار الفوضى والكوارث المتلاحقة، مما شكل جغرافيا جديدة للعنف والحروب، فليست الصراعات العسكرية والسياسة والأوبئة وغيرها من الحروب هي من تهددنا فقط في وجودنا وحياتنا ، وإنما يعيش العالم منذ سنوات طويلة على وقع تحذيرات بيئية مستمرة من المخاطر التي تشكلها التغيرات المناخية، حيث تعد القضيّة الحاسمة في عصرنا الحالي والتحدّي الأخطر الذي يواجه الإنسان، و بالرغم من ظهور تلك التغيرات من ملايين السنين وعلى مدار التاريخ البيولوجي للكرة الأرضية، إلا أنّها لم تكن بهذا الضرر الكارثي الآن، فهي أصبحت بمثابة ناقوس خطر يهدد الحياة والكوكب تحديدًا منذ بداية الكثافة السكانية، والنشاط البشري الضار بالبيئة، والثورة الصناعية.
 
 
إعداد: د. سفانة الديب 
 
 
كما أكّدت الأبحاث والدراسات العلمية في مختلف أنحاء العالم ، أن الظواهر الطبيعية التي تشهدها معظم دول العالم من زلازل ، فيضانات، وعواصف مدمرة وغيرها من الكوارث البيئية المختلفة يرجع سببها الأساسي إلى تغير المناخ .
 
 
أسباب تغير المناخ 
 وفي ظل توقعات بتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتسارع وتيرتها تتزايد المخاوف من الانعكاسات الكارثية التي طالت العديد من البلدان ومن بينها دول عربية .. فماذا ينتظرنا ؟ وهل لايزال لدينا بعض الوقت للنجاة ؟ 
يشير التغيّر المُناخي إلى تغيّرات كبيرة وطويلة الأجل في المناخ ، فالمناخ العالمي هو النظام المتصل بالشمس والأرض والمحيطات والرياح والأمطار والثلج والغابات والصحاري وغابات السافانا ، وكل ما يفعله الناس أيضًا من أنشطة ، ولعل أهم سبب لتغير المناخ هو إطلاق الانبعاثات في الغلاف الجوي من حرق النفط والغاز والفحم لنقل الأشخاص والبضائع من مكان إلى آخر وتوليد الطاقة .
وتشكّل الطوارئ المناخية تهديدًا كبيرًا على صحة الإنسان خاصة في المناطق التي يعاني فيها الناس من صعوبة الحصول على الرعاية الصحية الأساسية أو المناطق المحرومة منها .
 
 
 وأمام هذا الواقع قدّم العديد من العلماء والباحثين المتخصصين في هذا المجال الكثير من الدراسات التي تجمع بين شرح أسباب الظاهرة، والإضاءة على تداعياتها المحتملة على حياة البشر، واقتراح حلول من شأنها أن تساعد على المواجهة، وثمّة أبحاث تشير الى أن تغير المناخ في العالم سيؤدي الى صراعات عنيفة في كثير من الدول التي تقع فيما سمي بمدار الفوضى، وإن ذلك سيؤثر في نحو ثلاثة مليارات نسمة، ويقصد بمدار الفوضى ذلك الحزام على طرفي خط الاستواء بين مدار السرطان ومدار الجدي، يتشكل من دول مستقلة حديثاً ومتأزمة اقتصادياً وسياسياً، وتشهد صرعات عنيفة وحروبا طويلة ومستنزفة، وهذه المنطقة نفسها التي يضرب فيها تغير المناخ  بقوة أشد من خلال دورات الجفاف وتكرار الفيضانات، والحوادث العنيفة .
 
 
في أحدث الأبحاث والتقارير يوضح تقريرالمخاطر العالمية عام 2023، أن تآكل القدرة على الصمود جراء الصدمات المتزامنة والمخاطر المترابطة بشدة سوف تؤدي إلى زيادة خطر حدوث أزمات وكوارث، فضَعف التّعاون الجيوسياسي سيكون له آثار مضاعفة في أزمة متعددة محتملة من المخاطر البيئية والجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية المترابطة المتعلقة بالعرض والطلب على الموارد الطبيعية.
ويصف التقرير أربع مستقبلات محتملة تتمحور حول نقص الغذاء والماء والمعادن ، وكلّها يمكن أن تؤدي إلى أزمة إنسانية وبيئية ، من حروب المياه والمجاعات إلى الاستغلال المفرط للموارد البيئية وتباطؤ في التخفيف من المناخ والتكيف معه .
 
 
الصراعات وتأثيرها على التغير المناخي  
ويقودنا ذلك للحديث عن العلاقة العكسيّة والحتمّية بين الصّراعات والأنشطة العسكريّة وتأثيرها على التغير المناخي ، فحسب تقرير لوكالة الصّحافة الفرنسيّة ، فقد سلّطت الحرب في أوكرانيا الضوء على انبعاثات غازات الدفيئة الهائلة للجيوش التي لم يسبق التطرق إليها بشكل كبير، حيث يصعب تقديرها وفق ما أفاد خبراء في مؤتمر الأطراف حول المناخ “كوب 27 ، ويقدر العلماء انبعاثات هذه الغازات المسؤولة عن الاحترار المناخي المرتبطة بالنشاطات العسكرية بما يتراوح بين 1% و5% من الانبعاثات العالمية . 
 
 
واللافت أيضاً ، أن التّأثير السلبي يسير في الاتجاه العكسي، فكما أن الحروب والصراعات تضر بمسيرة العالم نحو تقليل الانبعاثات، فإن تغيّر المُناخ بدوره يفاقم من خطر اندلاع النّسزاعات حول العالم، وهو ما يعني تفاقم المعاناة النّاجمة عن التداعيات المباشرة للارتفاع السريع في درجة حرارة الأرض، ما يؤدي إلى شحٍّ متزايد في الغذاء والمياه ويدفع نحو مزيد من التنافس والصّراعات بين الدول، كما أنّ ذوبان الجليد من المنطقة القطبية الشمالية بسبب ارتفاع درجة حرارة الكون من شأنه - كما يتوقع خبراء - أن يفتح مجالات جديدة للتزاحم على الموارد والنفوذ بين الدول الكبرى ، وهنا تكمن التّحديات الأخطر والعقبات الحقيقية.
 
 
كلمة السر
كلمتا السّر في مواجهة التغير المناخي هما ثنائية التخفيف والتّكيّف، حيث يؤكد الكاتب الأمريكي كريستيان بارينتي أنه علينا أن نخفّف من مسببات التغير المناخي وأن نتكيف مع تأثيراته ، ويعني التّخفيف تخفيض إنتاجنا بشكل كبير من غاز أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى كالميثان والكلوروفوركربون التي تمنع حرارة الشمس من الارتداد بالاشعاع الى الفضاء و التحوّل الى مصادر الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة الحركية للمد والجزر، وإغلاق محطات الطاقة العاملة بالفحم الحجري، وتحويل اقتصادنا من الاعتماد على النفط وبناء شبكة كهرباء ذكية والاستثمار الضخم في تقانات التقاط الكربون وتخزينه، أمّا التكيّف فيعني التهيؤ للعيش مع التأثيرات الناجمة عن التغير المناخي التي بدأ بعضها فعلاً بينما سيأتي البعض الآخر حتماً، وهذا يحتاج بالدرجة الأولى دبلوماسية جديدة لبناء السلام. 
 
 
ولكن في الوقت ذاته، هناك تحذيرات من احتمالات أخرى تتناقض مع ما يُدرس تطبيقه، وهو نوع آخر من التكيّف السياسي يدعى سياسة زورق النجاة المسلح، إذ يتمّ الاستعداد للتغيّر المُناخي بالتّسلح والاستعباد والإهمال والقمع والسيطرة والقتل ، وهنا يُوضع العالم على حافة الهاوية. 
وتدرك معظم البلدان حاليا، أن التكيّف مع تغّير المناخ بات أولوية ملحة ورغم أنّه لا يوجد حلّ واحد يناسب الجميع، لأن كل بلد يواجه مجموعة التحديات الخاصة به، إلا أنّ هناك بعض المبادئ المشتركة التي تنطبق على المنطقة بأسرها، ورغم الجهود العالمية لكبح انبعاثات الكربون ، فإن ازدياد كثافة الضّغوط المناخية يبدو نتيجة حتمية، وبحلول عام 2050 يمكن أن تتجاوز درجات الحرارة 30 درجة مئوية في نصف بلدان المنطقة.
 
 
مبادرة الإمارات الاستراتيجية
وفي هذا الصدد نستحضر مبادرة الإمارات الاستراتيجية للحياد المناخي 2050 والتي تستضيف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ  «COP 28» أكبر وأهم التجمعات الدولية وذلك في مدينة إكسبو دبي من 28 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر من عام  2023، حيث يعدّ فرصة تاريخية للعالم للالتقاء وتصحيح المسار ودفع التقدم ليكون الجميع أكثر طموحاً لإيجاد حلول واقعية لمعالجة تغيّر المناخ، إذ من المتوقع أن يشارك في الاجتماعات أكثر من 70 ألف مندوب من 189 دولة من أنحاء العالم وعدد من رؤساء الدول وقادة العالم.
 
 
وتمثل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 محركاً وطنيا يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي، مما يجعل الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي ويأتي الإعلان عن هذه المبادرة الإمارات كعلامة فارقة في مسيرة امتدت ثلاثة عقود للدولة في العمل المناخي، ورؤية استراتيجية لثلاثة عقود مقبلة ، فكان هذا حصيلة خطوات كثيرة ومتراكمة اتخذتها الإمارات للحد من ظاهرة التغير المناخي ، حيث ستوفر فرصاً جديدة للتنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي ، وتسهم في ترسيخ مكانة الدولة وجهةً مثالية للعيش والعمل وإنشاء المجتمعات المزدهرة.
 
 
 كما تتوائم هذه المبادرة مع أهداف “اتفاق باريس للمناخ” لتحفيز الدول على إعداد واعتماد استراتيجيات طويلة المدى لخفض انبعاث غازات الدفيئة والحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض دون الدرجة والنصف مئوية إلى درجتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
 
 
  وحاليّاً تؤكد الأمم المتحدة أنّ عام 2023 يمثل نقطة المنتصف والتحّول لخطة التنمية المستدامة ، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات دولية عاجلة وجامعة ، علها تحمل إلينا طوق النجاة ، لاستمرار الحياة البشرية على كوكب الأرض  . 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره