مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-02-01

الذكاء الاصطناعي في مواجهة الارهاب .. فرص وتحديات

رغم حـداثة التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإن العالم أحرز تقدمًا كبيرًا في مجال تطوير وتوسيع مجالات استخدام تلك التطبيقات. وحيث وصل التقدم النظري والتقني في علوم الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة محاكاة الإنسان عقلًا وعاطفة، فإن مختلف أنماط وأشكال السلوك البشري صارت قابلة للتعامل معها ومعالجتها آليًا من خلال الذكاء الاصطناعي.
 
 
بقلم/ ســـامـح راشـــــد
خبير الشؤون الإقليمية بالأهرام
 
 
من هذا المنطلق، تطورت آليات وطرائق مواجهة الظواهر السلبية في السلوك البشري، بما فيها تلك المتعلقة بأبعاد سياسية أو فكرية أو أيديولوجية، مثل، التطرف الفكري، والعنف السياسي، والإرهاب. ومقابل ما تقدمه القفزات المعرفية والتكنولوجية من إيجابيات لتطوير الاستفادة الإنسانية من الذكاء الاصطناعي وغيره، فإن ذلك لم يحل دون وجود مخاطر تصاحب تلك التقنيات الحديثة، وتحديات تجابهها، الأمر الذي تبرز أهميته في مجالات شديدة الأهمية والحسـاسيـــة، مثل، مـواجـهــــة الـتـطــــــرف ومكافحة العنف والإرهاب. 
 
 
ماهية الذكاء الاصطناعي
بعيدا عن التعقيدات والمفاهيم المتخصصة، يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي بمثابة نوع جديد من التفكير «الآلي»، حيث يعتمد على إعمال العقل الإلكتروني، وتفعيل قدراته بما يحاكي العقل البشري في تحديد أهداف، وترتيب أولويات، ووضع بدائل، واتخاذ قرارات، وذلك بواسطة الحواسيب الآلية أي الماكينات الإلكترونية وليس البشر. وتوجد ثلاثة مستويات أساسية من الذكاء الاصطناعي:
الذكاء المحدود: ويعني برمجة الحاسب الآلي على مهمة مخططة مسبقًا في نطاق محدد، فلا يملك الحاسب تجاوزها، أو بالأدق يفقد القدرة على التفكير والتصرف خارج هذه المهمة أو أبعد من ذلك النطاق. وهذا النمط المبسط هو الذي تعتمده النماذج التقليدية من الحواسيب الآلية في مختلف وظائفها، مثل: إجراء العمليات الحسابية، وإعداد قواعد البيانات، وغيرهما من الاستخدامات المبرمجة مسبقًا ومحدودة البدائل، ولا يمكن للحاسب الخروج عن تلك البدائل أو الأوامر المبرمجة عليه.
 
الذكاء العام: وجوهره بناء الخبرات والمعرفة عبر المرور بمواقف مختلفة، وبالتالي يمكن للحاسب أو للجهاز المبرمج بهذه الطريقة اتخاذ قرارات مستقلة ومتكيفة مع المواقف الجديدة، وذلك بشكل ذاتي دون تدخل بشري. ومن الحالات الشهيرة في هذا النمط، السيارات ذاتية القيادة، وأجهزة الرد الآلي، والمساعدات الإلكترونية.
 
الذكاء المفتوح: وهو المستقبل المتوقَّع للذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للحواسيب أو بالأحرى «الروبوتات» التعامل بشكل يحاكي إلى حد بعيد التعامل البشري في مواقف مختلفة ومتغيرة. كما يمتد نطاق هذا النوع المتقدم من الذكاء إلى الجوانب المعنوية والعاطفية وما يعتري الإنسان من مشاعر وانفعالات وفقًا للموقف. 
ومع التقدم الهائل الذي يتحقق بشكل متسارع في مختلف المجالات، ليس من المستبعد أن يتقادم الذكاء المفتوح أو المطلق ويتحول من أعلى درجات الذكاء الاصطناعي حاليًا، إلى صيغة قديمة تقليدية من الذكاء في المستقبل. 
 
 
وربما بمرور الوقت، يتم التخلِّي عن إطلاق صفة «الاصطناعي» على هذه الأشكال المستحدثة من الذكاء أو البرمجة والتفكير. فهي تشير في النهاية إلى نوع من الافتعال أو الانتقاص من خصائصه، فيما يمكن للبحث العلمي المستمر والتطوير الدائم لهذه التقنيات أن يحقق قفزات لا يتصورها العقل البشري في الوقت الراهن، فيصبح هذا الذكاء الموصوف حاليًا بالاصطناعي ذكاء موازيًا مكافئًا للعقل البشري، وتصير الروبوتات كائنات موازية للبشر في كل شيء، لا تكتفي بأداء مهام آلية وسلوكيات محض حركية، وإنما تشعر وتتفاعل وتتجاوب مع محيطها المناظر لها والبشري كذلك.
 
 
أدوار ومهام
شأن كل الظواهر والمستجدات التي ترتبط بالتفاعل مع الحياة الإنسانية، يلعب الذكاء الاصطناعي حاليًا دورًا مؤثرًا في تسيير وإدارة وتشكيل حياة البشر، ولا يقتصر مفهوم «التشكيل» هنا على النواحي المادية والعملياتية في الحياة، بل يمتد إلى الجوانب المعنوية والسياقات الفكرية والمرجعيات العقائدية المحركة لتوجهات وبالتالي السلوك البشري. وذلك في الاتجاهين، الأول المباشر أي باستخدام الذكاء الاصطناعي في برمجة وتخصيص رسائل وحملات توجيه مدروسة بدقة؛ للتأثير على مدركات وقناعات الأفراد والمجموعات البشرية. والثاني هو اللجوء إلى البرمجيات (الخوارزميات) في رصد وفرز البيانات، وتحليل المعلومات، واستخلاص دلالاتها، لتتبع السلوك البشري والاتجاهات المحتملة فيه والتنبؤ به وتوقع أحداث معينة أو التعرف على القائمين بها. وكل ذلك وفقًا لنماذج رياضية تتولى الحواسيب معالجة البيانات من خلالها.
 
التنبؤ: يساعد الذكاء الاصطناعي بهذا الدور في معرفة وتحديد نوعية الأشخاص القابلين للتأثر بأفكار متطرفة، أي المستهدفين المحتملين سواء للجماعات المتطرفة فكريًا، أو التنظيمات الإرهابية الحركية، وبالتالي يمكن حصر أفراد معينين يمكن تصنيفهم كمتطرفين/ إرهابيين محتملين. 
 
التحصين: يجري تطوير مساهمة الذكاء الاصطناعي في هذا الاتجاه، باستحداث برامج موجهة تقوم بإعادة توجيه أولئك المستهدفين المحتملين، إلى مصادر تأثير ومحتوى معلوماتي معين، يعمل على ترشيد الأفكار وتقليل احتمالات انتقال أولئك الأفراد إلى مصاف الإرهابيين.   
 
الملاحقة: تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحديد الجماعة أو الطرف أو الشخص المتورط في العمل الإرهابي، سواء بالتنفيذ أو التخطيط. وذلك بتحليل المعطيات الخاصة بالعمليات محل التحري، مثل: نوع العملية، والمكان، ونوع السلاح، والهدف. ومطابقة المعلومات مع التاريخ السابق للجماعات أو الأفراد المشتبه بهم، وذلك باستخدام معايير محددة للتصفية والترتيب. وتوجد نماذج رياضية محددة حققت نسب دقة عالية تجاوزت 80 %.
 
 
فرص وإيجابيات 
يوفر استخدام الذكاء الاصطناعي إيجابيات كثيرة في مختلف مجالات الحياة، وفيما يتعلق خصوصًا بمواجهة التطرف والإرهاب، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا إيجابيًّا مهمًا، وتتمثَّل أهم تلك الإيجابيات في توفير قدر كبير من الوقت والجهد في إجراءات البحث والتتبع، أخذًا في الاعتبار ضخامة حجم المعلومات التي تتم معالجتها، ومدى التعقيد والتشابك والتشابه فيما بينها. ومن التطبيقات المهمة في هذا السياق، تطبيق برمجيات الذكاء الاصطناعي على أجهزة التصوير والمراقبة، فضلًا عن قواعد البيانات المصورة للأفراد؛ حيث صارت تقنية التعرف على الوجه باستخدام الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تحديد هوية مرتكبي أعمال العنف والحوادث الإرهابية. 
 
 
ورغم ما تبدو عليه هذه الآلية حاليًا من سهولة وبساطة، فإنها فعليًا بالغة التعقيد وشديدة الأهمية، ويتضح ذلك بالنظر إلى كم الوقت والجهد والموارد البشرية والمالية التي كان يجب تخصيصها للقيام بهذه المهام باستخدام وسائل التعرف وأساليب التتبع القديمة، فما كان في الماضي يستغرق مدة طويلة قد تصل إلى شهور، أصبح متاحًا في ثوانٍ معدودة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي.
في السياق ذاته، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يُقلص إلى حد بعيد احتمالات الخطأ في مراحل البحث والتحري، وتحديد المتورطين، وكذلك في مراحل الملاحقة والسعي إلى إنفاذ القانون؛ حيث يتم تضييق دوائر الاشتباه، وتسهيل عمليات الحصر والفرز للمعلومات والأشخاص وكل المعطيات ذات الصلة. وفضلًا عما يعنيه ذلك من رفع مستوى الدقة والكفاءة في الجانب الأمني المباشر لمواجهة الإرهاب، الأهم أنه يوفر مناخًا من الثقة في أجهزة الأمن، ويخلق طمأنينة لدى الرأي العام تجاه المؤسسات والآليات المنخرطة في تلك المواجهة.
 
 
قيود وتحديات
مقابل المزايا الكثيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة، يصاحب تلك الفوائد الجمّة تحديات وقيود تفرض نفسها.
 
 
البدائية: من أهم وأبرز التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهة الإرهاب، أن قطاعًا عريضًا من “مصانع الإرهاب” لا يزال بعيدًا عن تلك الأشكال من التقنيات الحديثة، خصوصًا في دول تعاني مشكلات جوهرية اقتصاديًّا وسياسيًّا، وبالتالي تتبنَّى أنماطًا بدائية في الحياة ومقومات المعيشة اليومية. 
 
 
ولهذا الوضع وجه آخر، يتمثَّل في عدم تأثر تلك البلدان بالأدوات التكنولوجية ووسائل الاتصال الحديثة التي صارت هي الباب الواسع لتشكيل وتكوين شخصية المتطرف، ولاحقًا عقلية الإرهابي، إلا أن صعوبات التعاطي مع الطرق البدائية والتقليدية التي يتم من خلالها بلورة الأفكار المتطرفة وغرسها بين أجيال الشباب في تلك المجتمعات أكبر وأشد تعقيدًا من تلك التي يمكن مواجهتها في المجتمعات المتقدمة، التي تتسم بالانفتاح على وسائل التواصل والتأثير، ما يمنحها قابلية أعلى للتفاعل والحوار واستقبال آراء وطروحات مخالفة.
 
 
ازدواجية الاستخدام: مـثـلـمـا أصـبـــح الـذكـــاء الاصـطـنـاعـــي حـجــــــر زاوية في مستقبل المواجهة الأمنية ضد الإرهاب (التطرف الحركي)، وقريبًا التطرف الفكري، فهو في المقابل أداة محايدة تتحدد تأثيراتها وفقًا لطبيعة استخدامها والطرف المستفيد منه، وبالتالي هو قابل للاستخدام السلبي بشكل مكافئ تمامًا للاستخدامات الإيجابية، فهو في النهاية مجرد “أداة” يمكن تطويعها وتوظيفها لصالح إنفاذ القانون أو انتهاكه، ولتحقيق الصالح العام أو الإضرار به.
 
 
وقد انتقلت هذه القابلية من مرحلة التنظير والاحتمالات إلى التجسد الفعلي على أرض الواقع؛ حيث بدأ بالفعل استخدام بعض أشكال وتجليات الذكاء الاصطناعي بواسطة جماعات إرهابية وتنظيمات مسلحة. والمثال الأبرز على ذلك، استخدام تنظيم “الدولة الإسلامية” الشهير باسم “داعش” لطائرات مسيرة ذكية، وكذلك محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس فنزويلا “نيكولاس مادورو” في 2018، باستخدام المُسيّرات. 
 
 
والأخطر هو الجمع بين أكثر من تقنية للذكاء الاصطناعي، كأن تعتمد كاميرات الطائرات المسيرة في تحديد أهدافها على تقنيات التعرف على الوجوه، أو تزويدها بأسلحة ذكية تستطيع تتبع الهدف المحدد، أو التعرف عليه من بين عدة أهداف متشابهة.
 
 
القابلية للاختراق: تعاني كل الأنظمة الأمنية والدفاعية القائمة على التكنولوجيا الحديثة والحواسيب الآلية، من إشكالية تقليدية ملازمة للتقنيات الإلكترونية، وهي القابلية للاختراق، فكل المنظومات الإلكترونية التي تعمل على نطاق شبكي أو تتفاعل مع بيئات إلكترونية مناظرة، تحتوي على أبواب تمثِّل مخارج ومداخل للبيانات المتبادلة، وهو ما يعني أنها معرضة دائمًا للاختراق من خلال هذه الأبواب، فضلًا عن وجود قابلية دائمًا لدس برمجيات خبيثة، سواء للتجسس أو للتخريب، فتقوم بتعديل البرمجيات الأصلية سواء لنسخ البيانات أو التحكم في المخرجات بما يتوافق مع أغراض الطرف المخترِق.
 
 
سباق تسلح ذكي: مع التقدم التكنولوجي في علوم الحواسيب والإلكترونيات، حظي “الذكاء الاصطناعي” بقدر كبير من الاهتمام وتخصيص الموارد في موازنات القوى الكبرى في العالم. ففي 20 يوليو 2017، أصدرت الحكومة الصينية خطة مفصلة لتأخذ زمام المبادرة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وبعد أقل من شهرين أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” اتجاه روسيا إلى التوسع في استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بهدف التحول إلى دولة رائدة في هذا المجال. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، اعتبرت استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية (يناير 2018)، الذكاء الاصطناعي أحد التكنولوجيات الرئيسة التي “ستضمن لواشنطن القدرة على خوض حروب المستقبل والفوز بها.
 
 
ورغم أن مكافحة الإرهاب والتطرف تعد قضية عالمية بامتياز، فإن ثمّة اختلافات كثيرة وتباينات واسعة حول الأساليب والاقترابات الفعالة في تلك المواجهة، وثمَّة تفاوتات في مواقف كثير من دول العالم حول تعريف الإرهاب، ومعايير تصنيف الحركات والتنظيمات كإرهابية. ومن شأن تلك الحزمة المعقدة من الاختلافات أن تنعكس على التعاون الدولي والتنسيق بين الحكومات في مواجهة التنظيمات الإرهابية. وهو ما يعني أن التسابق الذي بدأ بالفعل بين القوى الكبرى نحو الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتطوير أدواته، قد لا يكون في صالح مكافحة الإرهاب على طول الخط.
 
 
ويمكن النظر إلى الخطورة الكامنة في هذا الوضع غير المتناغم على مستويين:
اختلاف التقديرات والرؤى بين الدول الكبرى التي تقف في الخطوط العريضة والمبادئ العامة لمكافحة الإرهاب غالبًا ما يتحول إلى خلاف حول السياسات ومسارات التنسيق أو التعاون، سواء فيما بينها أو مع دول أخرى قد تكون العلاقة معها مصدر الخلاف. والأمثلة البارزة على ذلك التعاون الكبير متعدد المسارات والمتنوع بين قوى كبرى في العالم (خصوصًا في المجالات العسكرية والتكنولوجية)، مثل روسيا والصين في جانب، وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وغيرها من الدول في جانب آخر. فبينما تفرض الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الغربية عقوبات اقتصادية وقيودًا تكنولوجية مشددة على تلك الدول (إيران، كوريا الشمالية، فنزويلا،..)، يمثِّل التعاون الكبير بين موسكو وبكين معها بابًا واسعًا لتقويض تلك العقوبات وإفقاد القيود أي جدوى لها، رغم وجود فارق في مستوى وتنوع مجالات وأدوات التقدم التكنولوجي الغربي مقارنة بروسيا أو الصين.
 
 
المستوى الثاني هو الأخطر، ويتعلق بانتقال تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى دول تعد سياساتها الخارجية مثيرة للجدل، ولا تحظى تحركاتها وأدوارها بقبول عالمي، أو على الأقل تفتقر إلى إجماع أو حتى توافق حولها. وليس أدل على ذلك من امتلاك دول، مثل إيران، بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من أبرزها الطائرات المسيرة وأجهزة المحاكاة الإلكترونية التي تستخدمها في أبحاث وتجارب البرنامج النووي. 
 
 
وهنا ينبغي التحذير من الخطر الذي يلوح عن بعد في الأفق العالمي، فالانقسام الحاصل بين الدول التي تمتلك تقنيات وأدوات تستخدم الذكاء الاصطناعي، يجعل فرصة استخدام تلك التقنيات في إدارة علاقاتها البينية قائمة بقوة، وبدلًا من أن يكون الذكاء الاصطناعي فتحًا جديدًا يلتف حوله العالم ككل في الاستخدامات السلمية والآمنة والأمنية ضد أخطار وتهديدات جماعية مُتفق عليها، الخشية أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة صراع ووسيلة إبادة متبادلة بين الأطراف التي تمتلكها، ووقتئذ لن يميز الدمار بين الدول المتقدمة وغيرها.
 
 
من المشروع إلى اللا مشروع: المقصود هنا هو الانتشار المتزايد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي حتى تخرج عن النطاقات المشروعة، فالأصل أنها تنتشر لأغراض مشروعة، سواء للدفاع والأمن أو للملاحقة والاستهداف، فضلًا عن الاستخدامات المدنية، وكلها تدخل في إطار المشروعية على المستويين الوطني والعالمي. لكن العالم يفتقد ضمانات كافية لعدم انتقال تلك التطبيقات من الاستخدام المشروع إلى نطاقات أخرى غير مشروعة، خصوصًا في ظل ما ذُكِر حول سباق التسلح الذكي بين القوى الكبرى الذي يجري على خلفية عدم التوافق على تعريف الإرهاب ومعايير تصنيف كيانات وتنظيمات كثيرة بأنها “إرهابية” أو ليست كذلك. 
 
 
والواقع أن هذا الخطر كان مُحتملًا حتى سنوات قليلة مضت، قبل أن يتحول من «محتمل» إلى «مؤكد»؛ حيث امتلك بالفعل فاعلون من غير الدول القدرة على الاستفادة من تطبيقات وأدوات وأسلحة يلعب الذكاء الاصطناعي فيها دورًا جوهريًا في تركيبها وخصائصها ومزاياها. ومن الأمور المُلفتة للانتباه، أن منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر ازدحامًا بتلك الظاهرة على مستوى العالم، فهي المنطقة الوحيدة في العالم التي توجد فيها ثلاثة تنظيمات مسلحة كبيرة تملك أسلحة ذكية، تحديدًا الطائرات المسيرة وبعض أجهزة التوجيه والتحكم والرؤية. وهذه التنظيمات هي: «حزب الله» اللبناني، حركة «أنصار الله» (الحوثيون) في اليمن، وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في سوريا والعراق. ولا يقتصر الوضع على الامتلاك، بل يجري استخدام تلك الأسلحة بالفعل؛ حيث هوجمت قاعدتا «حميميم» و»طرطوس» العسكريتين الروسيتين بسربي طائرات مسيرة، بينما تُستخدم المُسيرات بشكل مستمر بواسطة حركة «أنصار الله» (الحوثيون) في الهجوم على مصالح حيوية وأهداف عسكرية ومدنية بالمملكة العربية السعودية، كما تم استخدام زورق ذاتي القيادة لاستهداف مصفاة نفطية خاصة بشركة أرامكو السعودية على ساحل البحر الأحمر.
 
 
إضافة إلى تلك التحديات والقيود المباشرة، هناك تحديات أخرى غير مباشرة، يتمثّل أهمها في التقاطع بين استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الحديثة لأغراض أمنية، والمقومات الأساسية لحقوق الإنسان والخصوصيات الفردية والجماعية، إضافة إلى ما قد تتعرض له بعض المجتمعات والتجمعات البشرية ذات الطبيعة المحافظة من اختراق أو بالأدق «انفتاح إجباري» يفرضه استخدام تلك الإجراءات والوسائل التقنية، غير أن ما يجعل تلك المحاذير غير المباشرة أخف وطأة من التحديات والعقبات المباشرة، أنها قابلة للمعالجة مع الممارسة الفعلية والتطوير المستمر لأدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن أن المخاطر الهائلة المرتبطة بالتطرف والإرهاب، أشد وطأة وتهديدًا لاستقرار الشعوب مجتمعات وأفرادًا، بما يجعل المخاطرة بالتعرض لتلك المحاذير ثمنًا بخسًا لإنجاح جهود مكافحة ظواهر خبيثة وسلوكيات مدمرة للبشرية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره