مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-08-01

المساعدات الخارجية والبعد الإنساني في سياسة الإمارات الخارجية

بعد أنْ أصبحت دولة الإمارات من كبار المانحين الدوليين، لاحظنا أنّ ثمة خلط، سواء من قبل وسائل الإعلام أو المحللين، بين الدوافع الإنسانية للمساعدات الخارجية الإماراتية وأشكال هذه المساعدات، ما بين إنمائية وإنسانية وخيرية.
 
بقلم: د. أيمن الدسوقي
 
 
فأولاً: ثمة تركيز على المساعدات الإنسانية والخيرية، رغم أن معظم المساعدات التي قدمتها الدولة قد ذهبت للتنمية.
 
ثانياً: هناك من يُصنف كل المساعدات الخارجية للدولة على أنها مساعدات إنسانية، من أجل إبراز البعد الإنساني في سياستها الخارجية.
 
ثالثاً: من النادر تفهم المحللين، والصحفيين بخاصة، أنّ البعد الإنساني يشير، وببساطة، إلى أن دولة الإمارات أصبحت من كبار المانحين الدوليين، وأنّ مساعداتها الخارجية، بكافة أنواعها، تنطلق من دوافع إنسانية.
 
وعليه، تتناول المساعدات الخارجية الإماراتية بجميع أشكالها، وليس فقط المساعدات الإنسانية والخيرية. ومع ذلك، نبدأ بإلقاء الضوء على البعد الإنساني كونه أحد توجهات السياسة الخارجية الإماراتية.
 
فلسفة الدور الإنساني 
يُعد البعد الإنساني توجهاً أصيلاً للسياسة الخارجية الإماراتية، فقد بيّن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، في أكثر من مناسبة، أنّ دولة الإمارات، فيما يتعلق بتقديم المساعدات الخارجية، تواصل "نهج المغفور له الوالد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي جعل الجانب الإنساني بعداً أصيلاً في السياسة الخارجية الإماراتية"، كما يستند الدور الإنساني لدولة الإمارات إلى إطار فلسفي، يُلخص معالم النموذج التنموي الإماراتي، ويجمع هذا النموذج مُركباً مبتكراً من عناصر إنسانية عالمية، تتجسد في مبدأي التضامن الإنساني والتعددية الثقافية، ومقومات إسلامية موجِهة تُشدد على التكافل الإنساني والتضامن الإسلامي، وقيمٍ قبلية أصيلة تجعل من الكرم والإيثار وعدم التخلي عن الإخوان والأصدقاء وقت الشدة والتكاتف والشهامة من أهم معايير الشرف القبلي.
 
وقد أدركت دولة الإمارات أهمية الدبلوماسية الإنسانية كأحد مصادر القوة الناعمة للدولة، فالمساعدات الخارجية لديها القدرة على تشكيل صورة الدولة في الخارج، والتواصل مع الجيران والإقليم الواسع، من خلال إرسال رسائل إيجابية للصداقة والشراكة، فكون الإمارات، بمعايير الجغرافيا والديمغرافيا، دولة صغيرة في النظام الدولي، فإن آفاق مساهماتها في تطور العالم محدودة. ولذلك، كان اختيار القيادة الرشيدة التركيز على القوة الناعمة سبيلاً للمساهمة في التنمية على المستوى الكوني، وتأسيس دور دولي "إنساني" للدولة. 
 
تطور المساعدات الخارجية
وفقاً لتقرير المساعدات الخارجية لدولة الإمارات لعام 2013، بلغ إجمالي حجم المساعدات الخارجية -رسمية وغير رسمية- 5.89 مليار دولار، بنسبة 1.45 % من الدخل القومي الإجمالي، استفادت منها 145 دولة حول العالم، منها 41 من الدول الأقل نمواً. وذهب أغلب هذه المساعدات 94.6 %  لصالح المشروعات التنموية، والباقي توزع بين المساعدات الخيرية والإنسانية. وبالمقارنة، بلغت قيمة هذه المساعدات عامي 2011 و2012 نحو 2.11 مليار دولار (بنسبة 0.62 % من الدخل القومي الإجمالي) و1.59 مليار دولار (بنسبة 0.46 % من الدخل القومي الإجمالي)، على التوالي، استفادت منها نحو 137 دولة في العالم.
 
أما المساعدات الإنمائية –الرسمية- الإماراتية لعام 2013، فقد قُدِّر إجماليها بنحو 5.48 مليار دولار، أي ما يوازي 93 % من إجمالي المساعدات الخارجية للدولة، وتبين هذه الأرقام عند مقارنتها بإحصاءات الأعوام السابقة ارتفاع حجم إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية بنسبة 78.7 % عن عام 2012، وبنحو 85 % عن عام 2011. 
ورغم تباين حجم المساعدات الإنمائية الرسمية الإماراتية المقدمة خلال الأعوام 2011 – 2013، إلا أنّ نسبة صافي المساعدات الإنمائية الرسمية إلى الدخل القومي الإجمالي تزايدت بشكلٍ سنوي لتبلغ 1.33 %  في العام 2013، وهو ما يعني زيادة بنسبة 79.7 % عن العام السابق عليه، وبنسبة 83.5 % عن العام 2011 .
 
ووفقاً للتقرير الصادر عن لجنة المساعدات الإنمائية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في أبريل 2014، تبوأت دولة الإمارات المرتبة السادسة عشرة عالمياً من بين الدول المانحة للمساعدات الإنمائية الخارجية في العام 2013. وبلغ حجم المساعدات التي قدمتها الإمارات، منذ تأسيسها وحتى العام 2013، أكثر من 163 مليار دولار، في شكل قروض ميسرة أو منح لا تُرد. ويُلاحظ أنّ قيمة المساعدات الخارجية للدولة قد زادت عن الضعف، من نحو 2.28 مليار دولار عام 2009 لتصل إلى 5.3 مليار دولارفي عام 2013. كما زاد عدد الدول المستفيدة من هذه المساعدات من 92 دولة في 2009 إلى نحو 145 دولة في العام 2013.
 
علاوة على ذلك، تُسجل لجنة المساعدات الإنمائية صعود دولة الإمارات إلى المركز الأول عالمياً كأكثر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية مقارنةً بدخلها القومي الإجمالي للعام 2013 (بلغت %1.33)، مقارنةً بنسبة 0.33 % في العام الذي سبقه، أي بزيادة أربعة أضعاف، وتصل نسبة المساعدات الخارجية إلى الدخل القومي الإجمالي في دولة الإمارات نحو ضعفي المعدل المُستهدف عالمياً، الذي تم تحديده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، البالغ 0.70 %، وهو معدل استطاع عددٌ قليل من الدول بلوغه تاريخياً، وتم تجاوزه في حالات نادرة جداً، وتفوقت دولة الإمارات على أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان، وسائر الدول الصناعية السبع، في مجال تقديم المساعدات الإنمائية كنسبة من إجمالي الدخل القومي، كما تقدمت على دول ذات سمعة عالمية طيبة في المجال الإنساني كالنرويج والسويد ولوكسمبورج. 
 
وتقديراً لدورها المتنامي والريادي في مجال المساعدات الإنمائية التي قدمتها على مدى أكثر من أربعة عقود، اختيرت الإمارات عضواً مشاركاً في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تمثل "الجهات المانحة التقليدية".
 
الاتجاهات الرئيسة للمساعدات 
قدّمت الإمارات مساعدات إجمالية إلى 145 دولة مختلفة، عام 2013، حصلت مصر من بينها على نصيب الأسد -أكثر من 80 %-. وشكل الإنفاق الكلي على التنمية 94.6 % من المساعدات الخارجية، وتم تخصيص 2.45 %منها للقضايا الإنسانية (الغذاء والمأوى ومواد الإغاثة الأخرى)، و2.95 % للمشاريع الخيرية. ويُلاحظ أنّ ما يقرب من ثلثي المساعدات الإنسانية ذهب إلى اللاجئين السوريين في دول الجوار.
 
وقد نال الدور الإنساني الريادي لدولة الإمارات في الساحات الإقليمية والدولية اعترافاً وتقديراً من جانب الأمم المتحدة، التي أدرجتها في المرتبة الثامنة بين أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية مقارنةً بالدخل القومي الإجمالي، وذلك حسب خدمة التتبع المالي للمنظمة الدولية، والتي تتابع الاستجابة الدولية للكوارث الإنسانية. 
 
وفي السياق نفسه، يُصنف تقرير المساعدة الإنسانية العالمية لعام 2014، الذي تصدره منظمة مبادرات التنمية ومقرها لندن، دولة الإمارات "جهةً مانحةً إنسانية رائدة" في منطقة الخليج؛ ما جعلها تحتل المرتبة الـ 18 بين أكبر الحكومات المانحة بشكلٍ عام، فخلال السنوات الست الماضية، قدّمت دولة الإمارات مساعدات إنسانية لللاجئين، وأسهمت في تشييد مشاريع توفير المياه الصحية، ودعم حملات مكافحة شلل الأطفال ووباء الإيبولا، والجهود الدولية للقضاء على الفقر في عشرات الدول حول العالم.
 
دون الحديث عن مساهمة الإمارات في إعادة إعمار قطاع غزة، والحملات الإنسانية الوطنية، مثل "سُقيا الإمارات" التي تجاوزت المستهدف منها في توفير المياه الصالحة للشرب لأكثر من 5.5 مليون شخص حول العالم، وحملة "تراحمواْ" لإغاثة آلاف الأسر المتضررة من العاصفة الثلجية من النازحين السوريين والفلسطينيين والعراقيين في لبنان .
 
مؤسسات المساعدات الخارجية
كانت دولة الإمارات أول دولة خليجية تنشئ وزارة للتنمية والتعاون الدولي، لتتولى وضع سياسة المساعدات الخارجية، وإدارة وتوثيق برامج الدولة في هذا الخصوص، وتنسيق العمل مع الجهات المانحة الوطنية، وتعزيز علاقات التعاون مع الدول المانحة والمنظمات التنموية الإقليمية والدولية. وتم دمج مكتب تنسيق المساعدات الخارجية (تأسس عام 2008) في الوزارة الجديدة.
 
وخلافاً لغيرها من جهات المعونة الحكومية، مثل وكالة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإنّ وزارة التنمية والتعاون الدولي في الإمارات ليست الجهة المانحة المباشرة أو الجهة المنفذة، بل تصف نفسها بأنها "راعية"، تقوم بالتنسيق بين الجهات المانحة من خلال توفير التدريب والمبادئ التوجيهية، وفي هذا الصدد، هناك أكثر من 40 جهة ومؤسسة حكومية وغير حكومية، تقدم كافة أنواع المساعدات الخارجية التنموية والإنسانية والخيرية، وقد شهد القطاع تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث أُنشئت بعض المؤسسات لمعالجة قضايا محددة، ويمثل التمويل الحكومي ما يقرب من نصف إجمالي المساعدات الخارجية الإماراتية. 
 
فعلى سبيل المثال، في حين وصلت قيمة المساعدة الإنمائية الرسمية بين عامي 2010 و2012 نحو 2.3 مليار دولار، كان إجمالي المساعدة الخارجية خلال نفس الفترة هو 4.5 مليار دولار .
 
ومن أهم الجهات المانحة في دولة الإمارات مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم الخيرية والإنسانية، وهيئة آل مكتوم الخيرية، ومؤسسة أحمد بن زايد آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ومؤسسة سلطان بن خليفة بن زايد آل نهيان الإنسانية العالمية، وهيئة الهلال الأحمر، وصندوق أبوظبي للتنمية.
 
وبالإضافة إلى ذلك، توفر الإمارات مساحات مكتبية مجانية ومساهمات مالية لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، التي يوجد بها مقر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بالشرق الأوسط، ومستودع للاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، وهو واحد من شبكة مستودعات عالمية قادرة على شحن مخزونات المساعدات الإنسانية لأي كارثة في المنطقة في غضون فترة زمنية قصيرة.
 
المصادر:
- وزارة التنمية والتعاون الدولي، تقرير المساعدات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2013 (أبوظبي، 2014)،ص 20-22.
‏-AleksandarMitreski, United Arab Emirates foreign aid: A Growing SsuccessStory based on Humanitarian Principles, Analysis (Dubai: Institute for Near East and Gulf Military Analysis (INEGMA), December 2013.
‏- IHS Jane's, “United Arab Emirates, External Affairs”, Jane's Sentinel Security Assessment- The Gulf States, January 26, 2015 (subscribed only).
‏- Development Assistance Committee 2014; 2015, Geographical Distribution of Financial Flows to Developing Countries: Disbursements, Commitments, Country Indicators.
- ‏Global Humanitarian Assistance Report 2014 (London: Development Initiatives, September 2014), pp. 35, 76.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره