مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-28

تهديدات‭ ‬حيوية‭:‬ تصاعد‭ ‬أبعاد‭ ‬العسكرة‭ ‬المائية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط

على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬كانت‭ ‬ولازالت‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مسرحاً‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬تم‭ ‬خلالها‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متاح‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬كسلاحاً‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الأداة‭ ‬المائية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬ماركوس‭ ‬كينغ‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬عسكرة‭ ‬المياه‮» ‬Weaponizing Water،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬فيما‭ ‬بعد إحدى‭ ‬الأدوات‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬والتى‭ ‬يتم‭ ‬توظيفها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬لتعزيز‭ ‬النفوذ،‭ ‬وبسط‭ ‬الهيمنة،‭ ‬وضمان‭ ‬الشرعية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬جدلاً‭ ‬وتبايناً‭ ‬شديداً‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أنماط‭ ‬الصراعات‭ ‬والنظريات‭ ‬المفسرة‭ ‬لماهيتها،‭ ‬وإنعكس‭ ‬ذلك‭ ‬الجدل‭ ‬على‭ ‬إختلاف‭ ‬المدارس‭ ‬الأكاديمية‭ ‬بحقل‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬تبنى‭ ‬القيم‭ ‬التقليدية‭ ‬أم‭ ‬قيم‭ ‬الحداثة‭ ‬فى‭ ‬تفسير‭ ‬التهديدات‭ ‬الحيوية‭ ‬القائمة‭ ‬والمُحتملة،‭ ‬والإتجاهات‭ ‬الحديثة‭ ‬لتناول‭ ‬منظومتى‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمى‭ ‬والدولى‭.‬
 
بقلم‭: ‬د‭. ‬إيمان‭ ‬زهران‭ ‬
وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬تنامى‭ ‬حدة‭ ‬التهديدات‭ ‬الحيوية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عبر‭ ‬الآلية‭ ‬المائية‭ - ‬كما‭ ‬ونوعا‭ -‬‮ ‬فثمة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬التى‭ ‬يستند‭ ‬عليها‭ ‬نمط‭ ‬“عسكرة‭ ‬المياة‭ ‬–‮ ‬Weaponizing Water‮ ‬“‭ ‬لتحقيق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬سياسية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬عسكرية‭ ‬جراء‭ ‬إستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬المائى‭ ‬بالقضية‭ ‬محل‭ ‬التداول‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭: ‬‮  ‬
 
1‭.‬‮      ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭:‬‮ ‬تُبنى‭ ‬تلك‭ ‬الفرضية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬العسكرة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬يتمثل‭ ‬النوع‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المياه‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬لتحقيق‭ ‬السيادة،‭ ‬والثاني‭ ‬يتمثل‭ ‬فى‭ ‬استخدامها‭ ‬كورقة‭ ‬مقايضة‭ ‬لتمويل‭ ‬الأنشطة‭ ‬العسكرية‭ ‬كشراء‭ ‬الأسلحة‭. ‬كما‭ ‬تشمل‭ ‬العسكرة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬استهداف‭ ‬أو‭ ‬تدمير‭ ‬المراكز‭ ‬السكانية‭ ‬الكبيرة‭ ‬أو‭ ‬المنشآت‭ ‬الصناعية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬بهدف‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬وتطويق‭ ‬ومحاصرة‭ ‬الأطراف‭ ‬الآخرى‭ ‬بالصراع‭.‬
 
2‭.‬‮      ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬التكتيكية‮»‬‭:‬‮ ‬يتجلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المياه‭ ‬كسلاح‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة،‭ ‬لتوفير‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬والفوري‭ ‬للعمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬أو‭ ‬استخدامه‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة،‭ ‬مثل‭ ‬تطويع‭ ‬السلاح‭ ‬المائى‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬الجيوش‭ ‬النظامية‭. ‬‮ ‬
 
3‭.‬‮      ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬السيكولوجية‮»‬‭:‬‮ ‬ينطوي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬العسكرة‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬غير‭ ‬المحاربين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إمدادات‭ ‬المياه‭ ‬أو‭ ‬تلويثها‭. ‬ويلجأ‭ ‬الفاعلون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الإرهاب‭ ‬المائي‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬أو‭ ‬التكتيكي‭.‬
 
4‭.‬‮      ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬التحفيزية‮»‬‭:‬‮ ‬ينطوي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬العسكرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬المياه‭ ‬كسلاح‭ ‬لضمان‭ ‬شرعية‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬أو‭ ‬كمكافأة‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬
 
5‭.‬‮      ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‮»‬‭:‬‮ ‬عندما‭ ‬يسبب‭ ‬استخدام‭ ‬سلاح‭ ‬المياه‭ ‬أضراراً‭ ‬جانبية‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬أو‭ ‬البيئة‭ ‬الأيكولوجية،‭ ‬يُسمى‭ ‬ذلك‭ ‬بالعسكرة‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‭. ‬ويعد‭ ‬نزوح‭ ‬السكان‭ ‬غير‭ ‬المتعمد‭ ‬–‭ ‬ فى‭ ‬حالات‭ ‬الفيضانات‭ ‬او‭ ‬الجفاف‭ - ‬شكلاً‭ ‬متكرراً‭ ‬لهذه‭ ‬الأضرار‭ ‬الجانبية‭.‬
 
تهديدات‭ ‬متصاعدة‭:‬‮ ‬
تأسيسا‭ ‬على‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬الخمس‭ ‬لأنماط‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬المائية‮»‬‭ ‬السابق‭ ‬إستعراضها،‭ ‬وبالنظر‭ ‬لمُجمل‭ ‬التفاعلات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المشاهدات‭ ‬تُرسخ‭ ‬لإشكالية‭ ‬تصاعد‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬التهديدات‭ ‬الحيوية‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬تطويع‭ ‬المياه‭ ‬كسلاح‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬مثل‭:‬‮ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية لفرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬أو‭ ‬إقرار‭ ‬الشرعية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يلى‭:‬‮ ‬
 
‭-‬‮          ‬توظيفات‭ ‬العسكرة‭ ‬المائية‭ ‬لفرض‭ ‬الهيمنة‭:‬‭ ‬تتباين‭ ‬المشاهدات‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬النقطة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬خريطة‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وتطويع‭ ‬المحدد‭ ‬المائى‭ ‬كآلية‭ ‬عسكرية‭ ‬تُستخدم‭ ‬فى‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬الدفاعية‭ ‬والهجومية‭ ‬لتعزيز‭ ‬فرضية‭ ‬الهيمنة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭:‬‮ ‬كانت‭ ‬استراتيجية‭ ‬العسكرة‭ ‬المائية‭ ‬الرئيسية‭ ‬لـ«تنظيم‭ ‬داعش‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السدود‭ ‬الكهرومائية‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬نهري‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬وإدارة‭ ‬الموارد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬لضمان‭ ‬إحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬الإمداد‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬وعلى‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬عملت‭ ‬شبكات‭ ‬المياه‭ ‬أيضًا‭ ‬كأداة‭ ‬دفاعية،‭ ‬مما‭ ‬سمح‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬تنظيم‭ ‬داعش‮»‬‭ ‬باستخدام‭ ‬التهديد‭ ‬بإلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بشبكات‭ ‬المياه‭ ‬الخاضعة‭ ‬لسيطرته‭ ‬لإبطاء‭ ‬تقدم‭ ‬التحركات‭ ‬الميدانية‭ ‬للاطراف‭ ‬الأخرى‭ ‬بالصراع‭.‬‮ ‬وبالسياق‭ ‬ذاته،‭ ‬عمدت‭ ‬تركيا‭ ‬لتوظيف‭ ‬‮«‬المياه‮»‬‭ ‬كسلاح‭ ‬ضمن‭ ‬تحركاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬ففى عام‭ ‬2020‭ ‬قطعت‭ ‬السلطات‭ ‬التركية‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬الآلاف‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الحسكة‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬هجومها‭ ‬ضد‭ ‬الأكراد‭. ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬قطعت‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬مخيمات‭ ‬للاجئين‭ ‬إبان‭ ‬أزمة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الآثار‭ ‬المضاعفة‭ ‬لتسليح‭ ‬المياه‭ ‬أثناء‭ ‬الأوبئة‭.‬
 
الجدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬أن‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬المأزومة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‮ ‬‭ ‬تؤسس‭ ‬لتطبيقات‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬المائية‮»‬‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬ومحاولات‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬لإعادة‭ ‬ترسيم‭ ‬المعادلات‭ ‬الميدانية‭ ‬وفقا‭ ‬لنظرية‭ ‬‮«‬المكاسب‭ ‬على‭ ‬الأرض‮»‬‭. ‬
فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬إستغل‭ ‬أطراف‭ ‬الأزمة‭ ‬اليمنية‭ ‬خاصة‭ ‬ميليشيا‭ ‬الحوثيين–‭ ‬منذ‭ ‬إندلاعها‭ ‬فى‭ ‬2015‭ -‬‮ ‬أزمة‭ ‬الشح‭ ‬المائي‭ ‬‮«‬كسلاح‭ ‬تكتيكي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الممتدة‭ ‬لإضعاف‭ ‬خصومهم،‭ ‬متسببين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬خانقة،‭ ‬إذ‭ ‬تسببت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬توقف‭ ‬المشروعات‭ ‬الحكومية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تحلية‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬الآبار‭ ‬المرتبطة‭ ‬بشبكة‭ ‬الكهرباء‭ ‬العامة‭ ‬عن‭ ‬الخدمة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬استخراج‭ ‬المياه‭ ‬بالمضخات‭ ‬التى‭ ‬تعمل‭ ‬بالديزل‭ ‬لارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬‮ ‬
كما‭ ‬أدى‭ ‬التدمير‭ ‬الكامل‭ ‬للبنى‭ ‬التحتية‭ ‬للصرف‭ ‬الصحي‭ ‬والمياه‭ ‬العذبة‭ ‬إلى‭ ‬نفاد‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأزمة‭ ‬السورية‭ ‬وتطويع‭ ‬المياه‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬سلاح إستراتيجي‮»‬‭ ‬لفرض‭ ‬الهيمنة فثمة‭ ‬تحركات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬مقاتلو‭ ‬المعارضة‭ ‬تمكنت‭ ‬عبرها‭ ‬من‭ ‬الإستيلاء‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬تشرين‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرومائية‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الفرات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬منبج‭ ‬ضمن‭ ‬محافظة‭ ‬حلب‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2012،‭ ‬واستهدفت‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬منشأة‭ ‬مياه‭ ‬عين‭ ‬الفيحة‭ ‬بوادي‭ ‬بردي‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2016‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬قطع‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬دمشق‭ ‬مما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬نزوح‭ ‬داخلي،‭ ‬وكذلك‭ ‬أغلق‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬القناة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للمياه‭ ‬من‭ ‬سد‭ ‬التقبة‭ - ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الرقة‭ ‬جنوب‭ ‬منبج‭ - ‬إلى‭ ‬حلب‭. ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬إستغلال‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬للمحدد‭ ‬المائى‭ ‬كآلية‭ ‬تمويل‭ ‬بعدما‭ ‬حول‭ ‬بنك‭ ‬الائتمان‭ ‬إلى‭ ‬مصلحة‭ ‬الضرائب‭ ‬تجمع‭ ‬المدفوعات‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬والأفراد‭ ‬مقابل‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه‭ ‬والأمن‭.‬‮ ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬عند‭ ‬النظر‭ ‬للتحركات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عبر‭ ‬تفعيل‭ ‬آلية‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬المائية‮»‬‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬المياه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأراضى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المُحتلة،‭ ‬سوريا،‭ ‬لبنان،‭ ‬والأردن‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬مشروعاتها‭ ‬المتباينة‭ ‬التى‭ ‬روُج‭ ‬لها‭ ‬مُهندسوا‭ ‬المياه‭ ‬فيما‭ ‬قبل‭ ‬نشأة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬‮ ‬
 
‭-‬‮   ‬توظيفات‭ ‬العسكرة‭ ‬المائية‭ ‬لإقرار‭ ‬الشرعية‭:‬‮ ‬إذ‭ ‬دوما‭ ‬ما‭ ‬تسعى‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحكومية‭ ‬لتوظيف‭ ‬ورقة‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬كأسلحة‭ ‬للسيطرة‭ ‬وإقرار‭ ‬الشرعية،‭ ‬ففي‭ ‬تفاعلات‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬شعوبهم‭ ‬يصورون‭ ‬المياه‭ ‬كرمز‭ ‬للهوية‭ ‬وآلية‭ ‬لتوحيد‭ ‬السلطة،‭ ‬كما‭ ‬تستخدم‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مماثلة‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬سيطرتها‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭:‬‮ ‬بُنيت‭ ‬استراتيجية‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الخطاب‭ ‬المرتبط‭ ‬بمشاريع‭ ‬الأمن‭ ‬المائي‭ ‬وشرعية‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وتم‭ ‬تضخيمه‭ ‬لاحقًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعاية‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬‮«‬حافظ‭ ‬الأسد‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬إنعكس‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬فى‭ ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬تسليح‭ ‬الموارد‭ ‬الزراعية‮»‬‭ ‬كأداة‭ ‬للهيمنة‭ ‬السياسية‭ ‬وإعادة‭ ‬الهندسة‭ ‬الديموغرافية‭.‬‮ ‬
 
بالسياق‭ ‬ذاته‭.. ‬تأتى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬المائية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كأحد‭ ‬الآليات‭ ‬الداعمة‭ ‬لنمط‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬المائية‮»‬‭ ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬إكساب‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬الشرعية‭ ‬بالداخل‭ ‬الوطنى،‭ ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬تطويع‭ ‬الورقة‭ ‬المائية‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬التفاعلات‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬مستغلين‭ ‬فى‭ ‬ذلك هشاشة‭ ‬التطبيقات‭ ‬القانونية‭ ‬حول‭ ‬إدارة‭ ‬وتقاسم‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬الدولية‭ ‬المشتركة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬تُشكل‭ ‬المشاريع‭ ‬المائية‭ ‬التركية‭ ‬توظيفات‭ ‬حيوية‭ ‬لأنماط‭ ‬‮«‬العسكرة‭ ‬المائية‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأبعاد‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬تطوير‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬الأناضول‭ (‬الجاب‭ ‬–‮ ‬GAP‭)‬”‭ ‬و‭ ‬“مشروع‭ ‬أنابيب‭ ‬السلام”‭.‬‮ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬“سد‭ ‬النهضة‭ ‬الإثيوبى”‭ ‬والذى‭ ‬يُمثل‭ ‬أحد‭ ‬آليات‭ ‬“العسكرة‭ ‬المائية”‭ ‬والتى‭ ‬تعكس‭ ‬“إستراتيجيات‭ ‬تحفيزية”‭ ‬ذات‭ ‬آثار‭ ‬متباينة،‭ ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تطويق‭ ‬ومحاصرة‭ ‬الأمن‭ ‬المائى‭ ‬لدولتى‭ ‬المصب‭ (‬مصر‭ ‬والسودان‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬آخرى‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إكساب‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬“الشرعية‭ ‬السياسية”‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تضمنة‭ ‬الخطاب‭ ‬الإثيوبي‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬دعائية‭ ‬للداخل‭ ‬يسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لترسيخ‭ ‬شرعية‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬لمعادلة‭ ‬تنامى‭ ‬الإرتدادات‭ ‬السلبية‭ ‬لفوضى‭ ‬العرقيات‭.‬
 
فى‭ ‬النهاية‭.. ‬يُجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬وتقسيم‭ ‬المياه‭ ‬يحكمة‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬3600‭ ‬معاهدة‭ ‬واتفاقية‭ - ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬149‭ ‬إتفاقية‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ - ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يبرز‭ ‬أهمية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬المياه‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬توظيف‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬كسلاح‭ ‬عسكرى‭ ‬بالتفاعلات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬مُستغلين‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬عاملين،‭ ‬الأول‭: ‬هشاشة‭ ‬التطبيقات‭ ‬القانونية‭ ‬حول‭ ‬إدارة‭ ‬وتقاسم‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬الدولية‭ ‬المشتركة،‭ ‬والثانى‭: ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بضعف‭ ‬وهشاشة‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬خاصة‭ ‬للدول‭ ‬المأزومة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬مما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬الرد‭ ‬بفاعلية‭ ‬ضد‭ ‬السياسات‭ ‬المائية‭ ‬الآحادية‭ ‬التى‭ ‬تنتهجها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬مثل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الفواعل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الدول‭ ‬مثل‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثى‭ ‬وتنظيم‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬بات‭ ‬يُهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬المائى‮»‬‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره