مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-01-02

حرب المعلومات ودورها في هدم مراكز ثقل الدولة

يقول الجنرال الالماني «كلاوزفيتز» وهو أحد الكتاب العسكريين الكبار: «أن الحرب من فعل السياسة، بل أكثر من ذلك فهي أداة الساسة وأداة لإرغام الخصم للخضوع لإرادة الدولة المنتصرة ». وعليه فإن الحرب علم وفن في وقت واحد وتطبيق النظريات الحربية على المعارك أو المواقف المختلفة لايمكن أن يمليها أو يضع خطتها أي شخص لم تحتك أكتافه بالجنود ولم يعش معهم !! وبالتالي يجب أن ينصت السياسيون للعسكريين ولتقديراتهم ونصائحهم حتى في الموضوعات التي قد يكون ظاهرهاً بعيداً عن التخصصات العسكرية .
 
 
بقلم/ عبدالله يسري 
 
الجيش خادم للشعب
لنتوقف ملياً عند عبارة الفيلد مارشال مونتجومري في خطابه في بورتستموت «إن الجيش هو أول خادم للشعب، كما أنه يجب أن يبتعد عن السياسة وأن يظل كذلك، ويجب أن يكون ولاؤه للدولة، كما ولايجوز لأي عسكري أن يغير في ولائه بسبب نظرياته السياسية « . 
أعود الى نقطة البداية لأدلف منها إلى موضوعنا وهو حرب المعلومات، وأّذكر بعبارة الكاتب العسكري الشهير ليدل هارت « خير وسيلة لتجنب الحرب هي الاستعداد للحرب « فلم تعد ساحات الحرب كما هي في الماضي، بر وبحر وجو فحسب، بل أن الفضاء السيبراني ومجالات الكيمياء والبيولوجي وأجيال الحروب إلى الجيل السادس من الحروب أصبحت بركائزها ومجالاتها تمثل آفاقاً جديدة ورهيبة لسيطرة الدول على الدول الاخرى دون أن تحرك جندياً واحداً !!
تارة بافشال الدولة بنفسها عن طريق الطابور الخامس والعمليات النفسية المختلفة وصناعة الثورات الداخلية تحت تكئة الديمقراطية، ومن ثم السيطرة عليها بكل أشكال السيطرة، أو بالسيطرة المباشرة عبر القاتل الاقتصادي أو القاتل المعلوماتي، عبر استهداف مراكز ثقل الدولة.
 
 
النقطة الميتة
في ليالي خريف عام 2010، كانت المائدة المستديرة التي جمعت خمسة أشخاص في إحدى ضواحي تلك المدينة التي لاتنام، تعج بالأوراق التي وضعت بشكل منظم في ملف كل شخص من الجالسين !! كان أحدهم ذو شارب كث أحمر، تتضح أصوله العرقية بسهولة خاصة مع انتشار النمش على خديه، كان يتحدث بطريقة فحيح الأفاعي ويتبادل بعض الأوراق مع مجالسيه الذين لم يكونوا سوى ضباط مخابرات ينتمون إلى دول أخرى، أحدهم من الشرق الأقصى والآخر من إحدى دول أمريكا اللاتينية وآخر ذو بشرة سمراء وبجانبه رجل وسيم له ملامح النجومية الهوليودية !
كان الحديث يتناول تقديرات الموقف لأزمة عالمية ستحدث بعد بضعة أشهر ستقطع أوصال العالم وتجلس الجميع في بيوتهم خوفاً من الموت .. ركيزتي هذه الأزمة، صحية طبية دوائية والأخرى اقتصادية غذائية، لكنهما ستتقاطعان مع كافة مجالات الحياة الانسانية وستلقي بظلالها حتى على كل شيء حتى على المجال الرياضي، كل شيء سيتوقف !! سيناريو رهيب، ومخيف .
 
 
كان الجميع يستمع للرجل ذي الشارب الأحمر في صمت وتركيز، كان على الجميع أن يصلوا في نهاية هذا الاجتماع في ذلك المكان - الذي يطلق عليه في عالم المخابرات «النقطة الميتة» - في تلك الضاحية، إلى قرار واتفاق حول تلك الأزمة، أما أن تحدث في وقتها المحدد أو يتم تأجيلها حسب مصلحة هذه الدول فقط ومصلحة حلفائهم، وليذهب العالم كله للجحيم !!
من هذا المشهد بتفاصيله أقول  أن العالم اليوم تديره أجهزة المخابرات وهي أجهزة معلومات في حد ذاتها. والعالم اليوم يموج بحروب المعلومات بأشكالها المتعددة، بعضها محلي وبعضها الآخر اقليمي ودولي، وقد تشترك فيها أكثر من دولة وقد تكون دولة واحدة هي الهدف . 
 
 
حروب المعلومات
إن حرب المعلومات هي « الأعمال التي تتخذ لاحراز التفوق المعلوماتي لاحدى الدول أداة للحرب، لكن كيف؟! تعالوا معي نبدأ، لدعم استراتيجيتها العسكرية وهدفها الاستراتيجي الذي غالباً مايكون اقتصادياً في أحد وجهيه، أما الآخر فمتنوع، للتأثير على نظم معلومات الخصم مع رفع فاعلية وقدرات الأنظمة المعلوماتية الصديقة بتحصينها والدفاع عنها « .
تتنوع مكونات حرب المعلومات، إلى حرب نفسية وحرب القيادة والسيطرة وحرب الاستخبارات  والحرب الالكترونية وحرب الحاسبات غيرالمشروعة وحرب المعلومات الاقتصادية، وبداخل كل نوع، أشكال وأساليب كثيرة ومتغيرة ومتجددة في الشكل والأسلوب والوسائل، لكنها تهدف في النهاية لهدف واحد، وهو اضعاف الروح المعنوية واخفاضها والتشتيت والارباك، لادارات وقطاعات ومراكز الثقل لأي دولة،  أو للشعب أو فئة من فئاته، ولابد هنا من معرفة المقصود بمراكز الثقل وضرب المثل لها، هناك مراكز ثقل عسكرية (جيش، شرطة، مؤسسات تصنيع عسكري، أجهزة مخابرات، أجهزة رقابية وغيرها..).
وهناك مراكز ثقل سياسية ومنها (الاحزاب السياسية، مجالس نيابية، المؤسسات الدستورية، المعاهدات، الوفاق الوطني وغيرها)، وهناك مراكز ثقل اقتصادية ومنها (المصانع، البنية التحتية، مصادر الدخل الرئيسية، مصادر الطاقة، المواد الخام وغيرها ).
 
 
كما توجد مراكز ثقل اجتماعية ومنها (منظمات المجتمع المدني، العادات والتقاليد والقيم، التعليم، الصحة، النسيج المجتمعي، البعد الطائفي والاثني والديني) وغيرها.
وبالعودة لحرب المعلومات كمفهوم شامل لها أدواتها، والتي منها الداخلية (كالمجتمع المدني، الاعلام، الاحزاب والقوى السياسية، الشخصيات العامة وغيرها ..) ومنها اأيضا الخارجية والتي منها ( الدعم المادي، الدعم الاعلامي الموجه، تصريحات المسئولين، الادارة بالأزمة-عناصر مجتمع المخابرات ...)
عند الرصد والتدقيق سنجد أن هناك عدة محاور اقتراب من حرب المعلومات (طوائف، قبائل، ديانات، اقاليم، أقليات، التعليم، الاعلام، الفقر، التركيب الاجتماعي، العشوائيات) وغيرها، ولعل المتأمل لمايثار في ملف حقوق الانسان مؤخراً عبر القصص الخبرية والتقارير المعمولة فنياً على الطريقة الامريكية،  سيلاحظ عند تحليل المحتوى ذلك !!
 
 
وتقوم القنوات الفضائية الدولية الاخبارية بدور كبير حيث تمثل بصمتها الفضائية لمساحة البث والاستقبال مساحة مكشوفة ومفتوحة للرصد والعمل والاشتباك الناعم، حيث تمثل ميدان معركة مفتوحة ومستمرة ومتجددة وبلاحدود جغرافية، ويكون المحتوى الاعلامي مليء بالشائعات والمفاهيم المغلوطة والقصص الخبرية المبنية على الفديوهات المفبركة.
 
 
مصر والامارات
في مصر كان هناك تصريح لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، كاشف وفاضح لحرب المعلومات التي تواجهها مصر حين قال في حفل تخرج دفعة جديدة من الكليات العسكرية في أواخر شهر يونيو 2018: «إن عدد الشائعات التي استهدفت الدولة بمؤسساتها في ثلاثة أشهر فقط 21 ألف شائعة ».
كما ان هناك توجيه هام جداً لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبةظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حول ضرورة توخي الحذر من تداول أي معلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والانتباه الى ماتحدثه هذه المعلومات من آثار سلبية وما ينطوي على تبادلها دون تثبت من أضرار بالأمن المجتمعي، دولة الامارات العربية المتحدة تمثل نموذجاً ناجحاً في الادارة والتنمية وسوق المال وهذا يمثل مساحة هامة لاستهداف الدولة في مجال حيوي أو مجال الغذاء والمواد المسرطنة، وغيرها . وعندما نريد أن نقيم ثقل أي شائعة فإننا نقوم بضرب أهمية الموضوع المتصل بالشائعة ×مدى الغموض حولها = سرعة ومدى انتشارها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره