مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-02-01

واشنطن – بكين صراع عالمي على رقعة شطرنج إدراكي

من بين أهم الملفات الإستراتيجية الدولية المفتوحة  على كل السيناريوهات في العام الحالي 2022 ، يبقى  الصدام أو الوئام ، بين الولايات المتحدة الأمريكية  التي تمثل القطب القائم ،  والصين التي ترمز وبقوة للقوة القطبية القادمة .
 
بقلم: إميل أمين 
كاتب وباحث في الشؤون الدولية
 
هل سيشهد العام الجديد مصالحات أو في أضعف الأحوال مؤامات سياسية، أم ستتعمق العدوات على أسس ومنطلقات إستراتيجية  ؟
قبل أن ينصرم العام الماضي وفي أوائل شهر ديسمبر الماضي، توصلت دراسة أجراها معهد رونالد ريجان إلى أن أكثر من نصف الأمريكيين يعتبرون الصين أكبر تهديد للولايات المتحدة فقد صوت نحو 54 % من الفئة المستطلعة لصالح إعتبار الصين الدولة العدو الأكبر والأخطر لأمريكا، فيما المفاجأة أن الذين أعتبروا موسكو هي الخطر على أمريكا لم تزد نسبتهم عن 14 % فقط .
شيئ ما يتخلق في رحم الأحداث بسرعة غير مسبوقة، وفي إطار الصراع القطبي بين البلدين، ففي العام 2018 أي قبل نحو ثلاث سنوات، وفي بيانات موازية، أظهر 21% من الأمريكيين فقط، أن الصين هي التهديد الرئيس، فيما وقتها  أشار نحو 30 %من المستطلعة أراؤهم إلى أن روسيا  هي الخطر الداهم .
 
ما الذي جرى  ودعا إلى  تغيير الأوضاع وتبديل الطباع ؟
يمكن في واقع الأمر رصد العديد من التطورات العسكرية والسياسية  التي تجعل الأمريكيين ينظرون إلى  الصين على  أنها  القوة المقابلة والمقاتلة  القادمة سريعا  في الطريق إلى مياه الأطلسي وربما الهادي .
 
 في المقدمة نرى تطوراً وإهتماماً سريعين بالقوات البحرية الصينية، والتي تقوم ببناء حاملات طائرات، وسفن حربية من أجيال متقدمة ، ويقين الصينيين هو أن من يركب البحر، يقدر أن يبسط همينته على بقية أرجاء العالم، منذ زمن الإمبراطورية البريطانية، وصولا إلى الولايات المتحدة نفسها، والتي تجوب أساطيلها  المياه الدولية مرة كل أربع وعشرين ساعة .
على  جانب أخر، كان العام 2021 هو عام التحديث النووي الصيني، وهو أمر لم تنكره الصين، وبخاصة بعدما أظهرت صور الأقمار الإصطناعية ما يشبه السور العظيم الذي تقوم  ببناءه تحت الأرض كقاعدة لنحو عشرة آلاف راس نووية.
 
ملمح أخر للصين يمكن أن يقض مضاجع الأمريكيين في العام الجديد، ذلك أنه ولأول مرة في تاريخها  لا تخترق بكين القارة الإفريقية  سياسيا  وإقتصاديا فقط، وإنما تتمكن وبقوة من أن ترسي لها قاعدتين عسكريتين واحدة في جيبوتي على  ساحل البحر الأحمر لتكون بمثابة عين تطل على  شرق العالم، وقاعدة أخرى  في غينيا  على شاطئ الأطلسي أي في الجهة المقابلة  للولايات المتحدة  الأمريكية غربا، وللقارئ أن يتساءل هل يمكن للصينيين ذات يوم أن ينصبوا هناك صواريخ نووية  موجهة إلى الأراضي الأمريكية.
 
على  أن القراءة ولكي تتسم بالموضوعية، فلابد لها من أن تأخذ بعين الإعتبار الخطوات التي أتخذتها واشنطن في العام الحالي، ضمن سياق اللعب الإدراكي على الخارطة الشطرنجية  الأممية .
بإختصار غير مخل، كان نشوء وإرتقاء حلف “أوكوس”، بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا  وبريطانيا  رسالة قوية موجهة إلى  الصين، والتي أدركتها  بسرعة .
 
بلورت واشنطن ما يشبه الحلف العسكري ، حيث أعلنت عن الصفقة الشهيرة مع إستراليا والتي فسخت عقدها مع فرنسا حيث كان من المفترض أن تشتري منها غواصات، وبدلتها بنوع متقدم جدا من الغواصات من نوعية، فيرجينيا، والتي تحمل صواريخ نووية متقدمة يمكنها أن تطال حواضر والصين ومدنها، ناهيك عن منشأتها العسكرية بسهولة ويسر شديدين، الأمر الذي دعا الصينيين إلى التهديد بالرد النووي حال لزم الأمر .
 
لم تقتصر التحركات الأمريكية على الغواصات تحت المياه، ذلك أن الذين قدر لهم الإطلاع على  وثيقة “ الأولويات الإستراتيجية ”،  لإدارة  الرئيس جو بايدن والتي نشرت مؤخرا، يعرفون كيف أن الولايات المتحدة  في طريقها لإنشاء وحدة مقاتلات  شبح قوية، في مواجهة  التهديديات الصينية أول الأمر، وثانية نظيرتها الروسية.
القصة بشيئ من التفاصيل  تتحدث عن قيام سلاح الجو الأمريكي بإرسال افضل مقاتلات شبح لديها، ومقاتلات حربية  وقاذفات إلى القواعد العسكرية في إستراليا.
 
في الوثيقة عينها نتابع إهتماما  أمريكيا  متصاعدا، يتمثل في طلب البنتاغون تمويلا كبيرا لإحياء أكبر حاملة طائرات على الأرض، لا في البحر، والتي تعرف باسم جزيرة غوام، القريبة  من إستراليا  والصين، والتي تعتبر نقطة مركزية  في إنطلاق سلاح الجو الأمريكي هناك، وقد لفت التقرير إلى أن أعمال البناء  والتحديث في القواعد العسكرية في غوام وفي إستراليا  ماضية قدما، والتدريبات جارية على  قدم وساق لمواجهة إحتمالات  تحول فرضيات الحرب الساخنة إلى حقائق على  الأرض .
 
تبدو واشنطن  ورغم كل ما مر بها من تغيرات سياسية، وما لحق بها  من إنتكاسات عسكرية في أفغانستان والعراق ، وحربها المزعومة  ضد الإرهاب العالمي بحسب توجهاتها، نقول تبدو محافظة على إلتزامها الذي قطعه المحافظون الجدد في أواخر تسعينات القرن الماضي، بأن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً بإمتياز ، بمعنى قطع الطريق على أي قوى قطبية أخرى  تسعى للإقتراب من مكانة  أمريكا العالمية .
 
 في هذا الإطار تستعد واشنطن لكل الإحتمالات، بما فيها المواجهة  المسلحة مع  موسكو وبكين ، والدليل على  ذلك أنه مع  إنتهاء  العمل في هذه القواعد فإن سلاح الجو الأمريكي يخطط لإرسال  وحدة  مقاتلات   تضم مقاتلات الشبح  الأحدث في الترسانة  الأمريكية من طراز “ اف - 35”، الشبح، وطائرات من طراز “ اف - 22”، وعدد من القاذفات الإستراتيجية  الشهيرة – بي 52 ،  وأخرى  من المحدثة منها  والتي تمر حاليا بمراحل التطوير والتي تحمل اسم “ بي - 51”.
 
هل من أعواد ثقاب يمكنها  بالفعل أن تشعل نيران المواجهة حامية الوطيس بين واشنطن  وبكين ؟
حمل العام الماضي تلاسناً أمريكياً صينياً واضحاً للغاية من حول العود الأول، إن جاز التعبير، والمتمثل في أزمة  جزيرة تايوان ، لا سيما بعدما تكلم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بلهجة خشبية، عن نية أمريكا الدفاع عن تايوان حال تعرضت لتدخل عسكري صيني، الأمر الذي واجهته ردات أفعال  صينية خشنة، تمثل بعضها في إختراقات جوية صينية عبر أسراب من الطائرات المقاتلة، الأمر الذي أعتبر بمثابة  جس نبض الغـرب أو قياس مدى صبره، ولم تهدا وتيرة الأزمة الإ بعد خفتت نبرة التصريحات من قبل الرئيس الأمريكي .
 
هناك وإن بشكل أقل إشكالية مياه بحر الصين الجنوبي، تلك التي تقوم الصين ببناء جزر صناعية فيها، إذ تعتبرها مياه إقليمية، بينما الولايات المتحدة  تراها مياه دولية  وأنه لا يحق للصينيين أن يقيموا عليها أي من مشروعاتهم العسكرية أو المدنية.
 
والشـاهـد أنه من واشـنطن إلى  بكـين، يخشى العالـم أن تكـون البشرية  في طريقها إلى إعـادة نسج المواجهـة التاريخية المعروفة باسم، فخ ثيؤسيديديس، تلك التي حدثت قبل الميلاد حين قويت  شوكة  أثينا  في مواجهة اسبرطة.
 
ولعل اللعب الساخن على الخارطة الأممية يقودنا إلى مشهد مثير للغاية، فقد مثل دوما مثلث امريكا  والصين وروسيا، لعبة  كراسي موسيقية، ففي زمن الحرب الباردة والمواجهة الأمريكية – السوفيتية، عملت إدارة الرئيس نيكسون، ومن خلال وزير خارجيتها  هنري كيسنجر على  فتح جبهات في جدار الصين، ما عرف وقتها  بتقارب البنج بونج أو دبلوماسية لعبة البنج بونج، للتقريب بين الجانبين ولعزل الصين عن الإتحاد السوفيتي .
 
 مؤخرا وفي زمن دونالد ترامب، وبهدوء شديد حاولت واشنطن الإقتراب من روسيا لعزل الصين، غير أن موسكو وبكين لم يأمنا جانب البراغماتية الأمريكية، ولهذا صرح بوتين منذ بضعة أشهر بالقول، إن الذين كانوا  يتهددونا بالصين، عليهم الآن أن يروا  العلاقة  الوليدة والوثيقة ما بين بكين  وموسكو، والتنسيق الثنائي  الدائر بينهما.
خسرت  واشنطن أصواتا معتدلة في داخل القوات المسلحة الصينية ، وعلى  وجه الخصوص “مجموعة  الكومسمول “، التي كانت تراهن تاريخيا  على الحزب الديمقراطي الأمريكي ،  وقد بات الرئيس الصيني شين بينغ  ممثلا  لـ “ مجموعة  قوة ذات سيادة في الجيش الصيني “، مسارها معاد بشدة للولايات المتحدة.
 
هل كاد فخ ثيؤسيديديس أن يتحول إلى  حقيقة  قبل عام ؟
 بالفعل كاد أن يحدث ، نهار السادس من يناير ، يوم قامت جماهير جمهورية غفيرة مؤيدة للرئيس ترامب بالهجوم على الكونجرس، وساعتها تهيأت الصين عسكريا لهجوم أمريكي يمكن أن يحدث وسط أجواء الفوضى الداخلية، وما منع التصعيد مكالمة رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي لنظيره الصيني، الجنرال لي زو تشنغ، وتطمينه بأن الأمور تحت السيطرة .
 
 
 كيف يمكن للمسارات والمساقات أن تمضي بين بكين وواشنطن في العام الجديد ؟
 الليالي حبلى بالمفاجات .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره