2022-12-01
شـي جـين بينـغ والصين القادمة
تمكن الرئيس الصيني شي جين بينغ من فرض سيطرته على مفاصل الدولة الصينية والحصول على فترة ولاية حكم ثالثة لخمس سنوات قادمة مع انتهاء أعمال المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي في أكتوبر المنصرم. وبذلك يصبح شي أقوى رجل في الصين، ولاسيما أنه تمكن من أن يدخل فكره المعروف بـ «اشتراكية بخصائص صينية لعهد جديد» في مناهج المدارس الصينية، وتضمينه في الدستور الصيني، لتصبح قوة ومكانة شي شبيهة بقوة ومكانة الزعيم الصيني المؤسس ماو تسي تونغ. فماذا ننتظر من الرئيس شي في الخمس سنوات القادمة؟
أول ما يمكن أن يقال هو أن أسلوب القيادة في الصين قد تمركز اليوم وبشكل أكثر وضوحاً في أسلوب القيادة الفردية للصين بعد أن كانت القيادة منذ ما بعد ماو تسي تونغ تعتمد على أسلوب القيادة الجماعية لقيادات الحزب الشيوعي. فمنذ مجيء شي للحكم في عام 2012، سعى إلى تغير نمط الحكم ليصبح متمركز بشكل أكبر حول شخصه واسلوبه القيادي. وهذا الأمر تعزز مع الوقت، إلى أن أصبح شي اليوم وبلا منازع الشخص الأقوى في الصين. لذلك فإن فكر شي جين بينغ السياسي والاقتصادي سيصبح هو الأكثر حضوراً على الساحة الداخلية في الصين، وهو النهج الذي ستسير عليه الصين في تعاملها مع العالم الخارجي.
الأمر الأخر في أسلوب الرئيس شي جين بينغ القيادي أنه أسلوب يركز على تقوية وتعزيز مكانة الحزب الشيوعي باعتبار أنه الأداة الوحيدة لتحقيق التطور والتقدم للصين وتعزيز مكانتها العالمية، وأنه لا يوجد غير فكر شي القادر على السير بالحزب لتحقيق هذا الهدف. وبالتالي فإن بروز بعض الممارسات التي أدت إلى نهوض أشخاص وشركات بفكر مخالف عن فكر الحزب الشيوعي قد يعتبر أمر مخالف لما يراه الرئيس شي من ضرورة أن لا يبرز أحد فوق الحزب الشيوعي. فالحزب الشيوعي هو الأم التي يجب أن يعتمد عليها الأبناء في نموهم وليس أي طرف أخر. وهذا ما يفسر لنا التعامل الحازم مع شركات مثل علي بابا، وتن سنت، وبعض الشركات العقارية الأخرى والذين حاولوا أن يفرضوا أسلوبهم في التنمية ويطالبون بتعديلات في جوهر عمل الحكومة والحزب الشيوعي.
وهذا خط أحمر لدى الرئيس شي، فالحزب الشيوعي يجب أن لا يتم تجاوزه مهما كان الأمر وفقاً لفكره. لذلك وجدناه يتخذ قرار باتباع سياسة صفر كوفيد المتشددة في الصين والتي أضرت بالاقتصاد الصيني بشكل كبير. كان الهدف من هذا إبراز قوته بأن كلمته هي التي يجب أن تسود وأن لا يتحداه أحد مهما كان. وهذا ما شهدناه أيضاً مع أزمة شركات العقارات والتي سعى من خلالها الرئيس شي إلى اعتماد ضرورة أن لا تسود حياة الرفاهية والفكر الليبرالي الرأسمالي في المجتمع الصيني، باعتبار أن ذلك يخالف الفكر الاشتراكي الساعي إلى توفير درجة من العدالة والانصاف في معاملة الصينيين.
وفي الخارج، فإن فكر الرئيس شي جين بينغ قائم على استعادة المجد الصيني من خلال تعزيز حضورها الاقتصادي وفرض مكانتها العالمية كلاعب استراتيجي في مختلف المجالات، بحيث يؤخذ برأيها في القضايا الدولية ذات الاهتمام العالمي. فالصين تريد أن تبرز على انها ليست قوة منغلقة على نفسها، بل أنها قوة صاحبة توجه عالمي لتحقيق مكانة دولية لها في مختلف المجالات، واستعادة المجد الصيني الذي كان في التاريخ الصيني عندما كانت مركز الحضارات والمملكة الوسطى التي يأتي إليها الآخرون للتعلم والاستفادة وتحقيق الربح. لكن التحدي الأبرز أمام شي هو أنه كيف يمكن له أن يعيد المجد الصيني ويدعم النمو الاقتصادي والمكانة العالمية للصين من دون إخافة أطراف دولية أخرى تحمل وجهات نظر سلبية عن النهوض الصيني وبالأخص مع الفكر الذي يحمله الرئيس شي.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات